تفسير سفر يهوديت 15 للقمص تادرس يعقوب ملطي
هزيمة جيش أشور
فوجئ الآشوريون بما حدث فأصيبوا بصدمة تحولت إلى حالة من الفزع الشديد والارتباك، فلم يكونوا قادرين على التفكير والتشاور فيما بينهم [1-2]. لم يكن أمامهم إلا الهروب، فتحرك شمال إسرائيل لاقتفاء أثرهم [4-5]، وبعد ذلك سكان أورشليم. أما بيت فلوي فوجدوا الفرصة سانحة للتمتع بغنائم الآشوريين وغناهم [6-7]. وجاء يهوياقيم بنفسه من أورشليم ليشهد لعمل الله الصالح معهم، وليرى يهوديت ويمتدحها [8]. جاء ومعه الشيوخ يمتدحون هذه البطلة التقية [9].
أتى يوياقيم الكاهن من أورشليم إلى بيت فلوي مع جميع شيوخه وباركوا يهوديت قائلين: “أنتٍ مجد أورشليم وفرح إسرائيل وفخر شعبنا” (10:15).
1. هروب الآشوريين في ضعفٍ |
1 –3. |
||
2. هزيمة أشور وتمتع المؤمنين بالغنيمة |
4 –7. |
||
3. الكل يبارك يهوديت |
8 –10. |
||
4. فرح وسط الشعب |
11 –14. |
1. هروب الآشوريين في ضعفٍ
ولَمَّا سَمِعَ الَّذينَ كانوا في الخِيَام،
دَهِشوا مِمَّا جَرىِ [1].
* ارتعب الفارسيون من جرأتها (يهو 15: 1 إلخ)… إنها لن ترتعب حتى من خطر الموت، ولا حتى من خطر الحياء الذي كانت عليه، الأمر الذي له أهمية الكبرى لدى النساء الصالحات. لم تخشَ أن يبوق أحد الأندال، ولا من أسلحة كل الجيش. إنها امرأة وقفت بين صفوف المصارعين – بحق في وسط جيوش منتصرة – لا تبالي بالموت. من يتطلع إلى الخطر المحدق بها يُمكن القول إنها ذهبت لتموت. ومن يتطلع إلى إيمانها يقول إنها ذهبت لتحارب(119).
القديس أمبروسيوس
ووَقَعَت علَيهِمِ الرِّعدَةُ والخَوف،
ولم يَبقَ رَجُلٌ أَمامَ قَريبِه،
بل تَفَرَّقوا بِأَجمَعِهم،
وهَرَبوا في جَميعِ طُرُقِ السَّهلِ والنَّاحِيةِ الجَبَلِيَّة [2].
إن كان القادة الآشوريون قد تطلعوا إلى المؤمنين بالله كفئران خارجة من جحورها لفنائها، فقد اكتشفوا أنهم هم وجنودهم قد هربوا من خيامهم فجأة وبلا تدبيرٍ أو نظام في بلبلة ورعب وخوف. كانت جلبة المؤمنين وأصوات الأبواق تحطم نفسياتهم وتحل أعصابهم وتفقدهم كل قدرة على التفكير المتزن. وكما قيل: “تقع عليهم الهيبة والرب. بعظمة ذراعك يصمتون” (خر15: 16). وكما سبق فوعد الله: “قد طرد الرب من أمامكم شعوبًا عظيمة وقوية. وأما أنتم فلم يقف أحد قدامكم إلى هذا اليوم. رجل واحد منكم يطرد ألفًا، لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم كما كلمكم” (يش23: 9-10) وجاء في (تث32: 30)…
والمُعَسكِرونَ في النَّاحِيةِ الجَبَليَّةِ حَولَ بَيتَ فَلْوى
ولَّوا هارِبينَ هم أيضًا.
حينئذٍ تَفرَّقَ علَيهم جَميعُ المُحارِبينَ مِن بني إِسْرائيل [3].
طلب عزيا من قواد المدن والقرى الشمالية الغربية التضييق على الأعداء الهاربين خشية أن يستتروا في الشعاب الجبلية حتى تنتهي ثورة اليهود، ومن ثم يعيدون تنظيم صفوفهم للقيام بهجومٍ مضاد على اليهودية.
لقد تحقق الوعد الإلهي بأن واحدًا منهم يطرد ألفًا، وأن الأعداء يخرجون عليهم من طريقٍ واحدٍ، وفي سبع طرق يهربون قدامهم (تث28: 7، 25).
2. هزيمة أشور وتمتع المؤمنين بالغنيمة
وأَرسَلَ عُزَيَّا إلى بَيتَ مُستَئيم Betomasthem
وبيباي Bebai وخويا Chobai وكولا Cola،
وإلى بِلادِ إِسْرائيلَ كُلِّها،
رُسُلًا يُخبِرونَ بِما جَرى،
ويَسأَلونَهم أَن يَتَفرَّقوا على الأَعداءِ ويُبيدوهم [4].
ولَمَّا سَمِعَ بَنو إِسْرائيل،
اِنقَضُّوا جَميعًا علَيهِمِ انقِضاض رَجُل واحِدٍ وكسَروهم إلى خويا Chobai.
وقَدِمَ كذلِك الَّذينَ مِن أُورَشَليمَ ومِنَ النَّاحِيةِ الجَبَلِيَّةِ كُلِّها.
فقد أُخبِروا بِما حَدَثَ في مُعَسكَرِ أَعْدائِهم.
والَّذينَ في جِلْعادَ والَّذينَ في الجَليلِ هَجَموا على جَناحِهم بِضَرَباتٍ شَديدة،
إلى أَنِ اقتربوا مِن دمشق وأَرضِها [5].
وأَمَّا سائرُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى
فانقَضُّوا على مُعَسكَرِ أَشُّور ونَهَبوه،
فاغتَنَوا كَثيرًا [6].
كان العدو يعتز بكثرة العدد، فمدينة بيت فلوي لا تحتاج إلى كل هذه العشرات الألوف من الجند للاستيلاء عليها، لكن الله حوّل هذا للخير. فقد حدث حالة ارتباك شديدة، ومع كثرة العدد لم يعد أي قائد قادرًا على التخطيط لأمرٍ هكذا مفاجئ مع اضطراب هذا الكم الهائل من جنودٍ هاربين ومشتتين في اتجاهات مختلفة. بهذا صار الجيش نفسه غنيمة كما استولى اليهود على الأسلحة والأمتعة، وربنا استخدموا مركباتهم نفسها وأسلحتهم لمطاردتهم. هكذا تحولت إمكانيات الأشرار الجبارة لدمارهم وليس لدمار المؤمنين.
وبَنو إِسْرائيلَ الَّذينَ عادوا مِنَ المَجزَرةِ استَولَوا على الغَنائِم الباقِية،
والقُرى والمدن في النَّاحِيةِ الجَبَلِيَّةِ والسَّهْلِ أَخَذَت غَنائمَ وافِرة،
فقَد كانَ مِنها شَيءٌ كثيرٌ جِدًّا [7].
3. الكل يبارك يهوديت
وقَدِمَ رئيس الكَهَنة يُواكيم وشُيوخُ بَني إِسْرائيلَ السَّاكِنينَ في أُورَشَليم،
لِيُشاهِدوا ما صَنَعَ الرَّبُّ إلى إِسْرائيلَ مِن الخَيرات،
وليرَوا يَهوديت وُيسَلِّموا علَيها [8].
وقف رئيس الكهنة الذي كان اليأس يحطمه يومًا بعد يوم، بل لحظة بعد لحظة، وقد توقع ما سيحل بالشعب والمدينة المقدسة والهيكل والمذبح من دمارٍ وتدنيس، الآن استطاعت امرأة بيد الرب أن تحوّل المرارة إلى عذوبة، والمراثي إلى تسابيح، واليأس البشع إلى رجاءٍ مفرح.
هذه الأنشودة الفائقة التي نطق بها رئيس الكهنة يمتدح فيها يهوديت، هي أنشودة السمائيين التي يتغنون بها يوم عرسنا الأبدي، وهم يتطلعون إلى الكنيسة عروس المسيح تتمتع بشركة الأمجاد السماوية، وقد تحطم إبليس عدوها تمامًا وصار مصيره جهنم الأبدية. هي أنشودة تقدم لكل مؤمن تمتع بالمسيح يسوع الغلبة على قوات الظلمة.
ولَمَّا دَخَلوا إِليها،
بارَكوها جَميعُهم بِصَوتٍ واحدٍ، وقالوا لَها:
“أَنتِ مَجدُ أَورَشَليم!
أَنتِ اعتِزازُ إِسْرائيلَ العَظيم!
أَنتِ فَخْرُ نَسلِنا العَظيم! [9]
طارد اليهود الأشوريين إلى مسافة بعيدة حتى مشارف سوريا!
صَنَعتِ كُلَّ ذلك بِيَدِكِ،
أَحسَنتِ إلى إِسْرائيلِ فرَضِيَ اللهُ عَمَّا صَنعتِ.
بارَكَكِ الرَّبُّ القَديرُ أَبَدَ الدُّهور!”
وقالَ الشَّعبُ كُلُّه: “آمين” [10].
4. فرح وسط الشعب
ونَهَبَ الشَّعبُ كلُه المُعَسكَرَ مُدَّةَ ثَلاثينَ يَومًا.
وأَعطَوا يَهوديتَ خَيمةَ أَليفانا،
وجَميعَ ما كانَ لَه مِن أَواني فِضَّةٍ وأَمتِعَةِ مَنَامَة وآنِيَةٍ وأَثاث.
فأَخَذَته وحَمَّلَته على بَغلَتِها،
وقَطَرَت عَرَباتِها وكَدَّسَته علَيها [11].
كانت الغنيمة من الكثرة حتى لم يستطع المؤمنون أن يحملوها إلى بيوتهم لمدة ثلاثين يومًا. كانوا يخرجون كل صباح ويحملون ما كان في خيام الأشوريين ويعودوا إلى مساكنهم بخيراتٍ لا حصر لها.
قرر الشعب ألاَّ تمتد يد إلى خيمة أليفانا وكل ما فيها من جواهره وأدواته الثمينة وآنيته وأثاثاته سوى يد يهوديت كمكافأة رمزية لها. هذه التي اختارت الحياة النسكية وزهدت كل ثمين أفاض الله عليها بما لم يكن في حسبان أحد. أخذته لا لتنشغل بما وُهب لها بل قامت بعد ذلك بتوزيعها (16: 24).
“أمتعة منامه“: أي حجرة نومه الثمينة التي كانت تليق بقائدٍ عظيمٍ مثل أليفانا، ولعلها تعني الجناح الخاص بحياته الشخصية في خيمته الضخمة.
وبادَرَت جَميعُ نِساءِ إِسْرائيلَ لِيَرَوها وبارَكْنَها،
وأَقامَ بَعضُهُنَّ رقصات لَها.
فأَخَذَت يَهوديتُ فروع شجر بيَدِها،
ودَفَعَتها إلى النِّساءِ اللَّواتي كُنَّ معَها، [12]
وكَلَّلت نَفسَها بِالزَّيتون،
هي واللَّواتي معَها،
وتقَدَّمتِ الشَّعبَ كُلَّه تُديرُ جَوقةَ النِّساءِ جَميعًا.
وكانَ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيل يَتبَعونَ مُسَلَّحينَ ومُكَلَّلين،
والأَناشيدُ على شِفاهِهم [13].
يا للعجب الأرملة التي أصرت أن ترتدي ثياب الحزن بعد موت رجلها، ورفضت الارتباط برجلٍ آخر، الآن تقود احتفالات النصرة الضخمة للنساء يتبعهن الرجال. وكما قيل: “حينئذ تفرح العذراء بالرقص، والشبان والشيوخ معًا، وأحوّل نوحهم إلى طربٍ وأعزيهم، وأفرّحهم من حزنهم” (إر31: 14).
وأَنشَدَت يَهوديتُ نَشيدَ الشُّكرِ هذا في كُلِّ إِسْرائيل،
وجَهَرَ الشَّعبُ كُلُّه بِهذا النِّشيد.
فقالَت يَهوديت: [14].