القوي الأنبا موسى الأسود

 

لعل القديس موسى الأسود من أشهر قديسي التوبة، وهو أكبر مثل لنا في إمكانية التغيير.

نشأة موسى الأسود 

ولد موسى الأسود حوالي عام 332م غالباً في النوبة جنوب مصر وكان عبداً لسيد كان رئيساً لقبيلة تعبد الشمس ولما رأى سيده أنه شریر وخطير عاقبه بقسوة، فهرب وراح ينتقم من كل سيد وغنى، وتقسى قلبه بالأكثر.

وكانت قوة موسی سبباً أنه صار رئيس عصابة مكونة من 70 لصاً، وكان أيضاً مفرطاً في الأكل والشرب والخمور.

موسى الأسود مارد الجبل 

في إحدى غاراته في الصحراء نبحت عليه كلاب لراعي غنم وراحت تجري خلفه، فأغتاظ في نفسه و أصر على الإنتقام من الراعي – وفي مرة أخرى وبينما كان الراعي على الشاطئ الآخر للنيل مع غنمه، أصر وخلع ملابسه، ووضع سيفه بين فكيه،القوي الانبا موسى وقيل أنه سبح لمسافة طويلة وعبر النيل بسرعة، ولما رآه الراعي فزع جداً وإختبأ في حفرة، ولم يستطع موسى أن يفتك به، فإختار أربعة خرفان من غنم الراعي وذبحها، وربطها بحبل، وعاد راجعاً إلى الشاطئ يسبح ويجر ورائه الخرفان، ولما بلغ الشاطئ سلخ و أكل، ثم باع جلودها وابتاع بثمنها خمراً وعاد لرفاقه.

الرب يفتقد موسى الأسود

كان موسی ساقطاً في هاوية سحيقة من الشر بكل أنواعه، حتى قيل أنه قتلحوالي 100 شخص.

كان كثيرا ينظر إلى الشمس ويحدثها قائلا: “يا أيتها الشمس إن كنت أنت الإله الحقيقي فعرفيني. وأنت أيها الإله الذي لا أعرفه عرفني ذاتك” فسمعه أحد المزارعين الذين كانوا بالقرب منه، فأرشده إلى رهبان الأسقيط قائلا له: أنهم سوف يعرفونك بالإله الحقيقي، فهم رهبان يعرفون الله جيداً.

ذهاب موسى الأسود إلى برية شيهيت

استجاب موسى الأسود إلى نداء الرب له بالرجوع إليه، وذهب مسرعاً لوادى النطرون، وهناك قابل الأنبا إيسيذوروس القس خارجاً من قلايته، فبادره موسى قائلا: “أيها الأب اريد أن أعرف الله” فرد عليه الأنبا إيسيذوروس: “ومن أرسلك” فأخبره موسی بظروف مجيئه إلى البرية، وأنه يريد أن يخلص..

فحاوره الأنبا إيسيذوروس ليعرف ويتأكد من رغبته الصادقة لمعرفة الله، ولما تأكد من ذلك ومن صدق توبته أخذه إلى الأنبا مكاريوس الكبير في الكنيسة. 

وفي الكنيسة ركع وراح يعترف بخطاياه في انسحاق شديد، وكان ذلك بدموع كثيرة جهارة أمام جميع الحاضرين، وأقر بكل جرائمه وخطاياه… وأثناء اعتراف موسی رأى القديس أبو مقار لوحاً عليه كتابة سوداء، وكان كلما اعترف موسى بخطيته مسحها الملاك، حتى إذ إنتهى الإعتراف وجد اللوح أبيضاً كله، ثم نال المعمودية المقدسة، وعملت التوبة عملها القوی فی موسى الأسود، وبدأ جهاد التوبة الحقيقية.

حياته الرهبانية 

تغيرت حياة موسى الأسود من الظلام إلى النور، ومن السواد إلى البياض الناصع الذي اتسمت به حياته… واختبر الأنبا إيسيذوروس محبة موسی الأسود للرهبنة، بأن نصحه أن يذهب لمصر ليحيا حياة شريفة، ولكن موسی الأسود أصر على الرهبنة مرددا في قلبه: “تشدد وتشجع! لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب” (یش 9:1) ولم يرهب موسى من مصاعب الرهبنة التي أخبروه عنها.

ألبسة القس ايسيذوروس اسكيم الرهبنة، و أوصاه ألا يبرح الدير بعد ذلك.

يقال أن الرهبان كانوا يفزعون منه في بادئ الأمر لسابق حياته الشريرة، ولكنهم تغيروا بعد أن رأوا فيه حياة الإتضاع و الجهاد الروحي والنظام.

جهاد القديس موسی 

تحت إرشاد أب الإعتراف وهو القديس الأنبا إيسيذوروس ابتدأ القديس جهاده ضد شهوة البطن والأكل الكثير إلى أن تعود تدريجياً على حياة طعام الدير البسيط المتقشف.. حتى أنه في الصوم الكبير كان تقريباً لا يتناول طعاماً، أما باقي أيام السنة فكان يقتات على قليل من الخبز مرة واحدة يومياً حتى يبس جسده الضخم… وكان دائم الصلاة، وكان يجهد جسده جداً في ضفر الخوص كل يوم، وفي خدمة أخوته الرهبان في الدير.

القديس القس ايسيذوروس مرشداً روحياً للقديس موسى

استرشد القديس موسى الأسود بالقديس ايسيذوروس أثناء محارباته القوية ضد خطاياه القديمة، وذلك بالمداومة على الصلاة والصوم والتأمل منفرداً في قلايته…القوي الانبا موسى ولم يتحمل الشيطان أعمال القديس الروحية وتقواه فبدأ يهاجمه بصور من خطاياه وآثامه القديمة، من مأكل ومشرب وأفكار زنا ألحت عليه في ليلة واحدة حوالى 7 مرات، وأخبر بها أبيه الروحي الأنبا ايسيذوروس، فألتمس منه أن يذهب لقلايته، ولكن القديس موسى الأسود أخبره بأنه لا يقدر على احتمال هذه المحاربات الشريرة، فأخذه الأب ايسيذوروس إلى سطح قلايته و أراه شياطين مزعجة ومفزعة جهة الغرب، وقبالها ربوات ملائكة من جهة الشرق، أرسلوا من قبل الله لمعاونة أولاده في حربهم الشياطين، وإذ رأى موسى ذلك رجع إلى قلايته بدون خوف. وكان موسى يعرف أن الله الذي وضع فيه ثقته و رجائه هو قادر أن يرفع عنه هذه الحروب الشيطانية.

فضائل القديس موسى الأسود

مساعدة الآباء الشيوخ : اختار الراهب موسى أن يخدم الرهبان الشيوخ، فكان يخرج ليلاً وهم نيام يحمل جرارهم فيملأها بالماء، حيث كانت قلاليهم تبعد بحوالى 2 – 5 أميال عن المياه، ويعود إليهم يحمل جرارهم مليئة بالماء ويتركها لهم قبل أن يستيقظوا صباحاً، وظل على هذه الخدمة حتی أصيب بقروح في رجليه، وأصبح لا يستطيع الوقوف عليها، حتى تحنن عليه الرب وشفاه واستمر في الخدمة.

– توبة اللصوص : دخل على قلايته ذات يوم 4 لصوص غير عالمين حقيقة شخصيته، فربطهم من وسطهم وحملهم على كتفه، وذهب بهم إلى الرهبان قائلا: “غير مسموح لي بأن أؤذي أحداً فماذا أصنع بهؤلاء؟ وأخبر اللصوص بأنه موسى الأسود قاطع الطريق وزعيم اللصوص سابقاً ” فتعجب اللصوص من هذه الكلمات ومن توبته، فأعلنوا توبتهم ورجعوا الله وصاروا رهباناً أيضاً مثله.

– عدم الإدانة : سقط أخ في ذلة فاجتمع مجمع الرهبان لمحاكمته، وأرسلوا إلى الراهب موسى ليحضر تلك المحاكمة فلم يحضر فلما ألحوا عليه جاء حاملاً کیساً مثقوباً وملاناً رملاً،القوي الانبا موسى واضعاً إياه على ظهره والرمال تنهمر منه، وسألوه: ما هذا يا أبانا، فأجابهم: “هذه خطايا أحملها على ظهري… كيف آتي أنا لأحكم على غيري” فاتعظ الأخوة بكلماته وسامحوا الأخ المخطئ.

إضافة الغرباء : أعلن في الاسقيط صوم لمدة أسبوع بدون طبخ للطعام، وأتاه أخوة من مصر وأضافهم. فاضطر أن يطبخ لهم عدساً لإطعامهم، فظن الرهبان أنه خالف وصية رؤساء الدير، ولما تحققوا الأمر قالوا له: “طوباك يا موسی لقد ضحيت بوصية الناس، لكي تنفذ وصية سيدك الرب يسوع بإضافة الغرباء”.

– الدالة مع الله: عندما سكن القديس موسى في الصحراء في مغارة منفرداً، جائه في أحد الأيام عدد كبير من الآباء يطلبون بركته وكانوا على سفر، ولم يكن لديه ماء كاف ليطبخ لهم العدس.. وابتدأ يصلى بلجاجة في نفسه، ويخرج ويدخل أمام الآباء في اضطراب لا يعرفون سببه، حتى استجاب الله لصلاته فأمطرت السماء وامتلأت أوعية الأنبا موسى، وطبخ لهم عدساً، وبعدما أكلوا أخبرهم بتحنن الله عليه وإرساله مطراً.

– هروبه من المجد الباطل : سمع حاكم عن قداسة القديس موسی و بره وتقواه فحضر ليتبارك منه، فعلم الأنبا موسي بهذه الزيارة، وكان متقدماً في السن، ولكي يهرب من المجد الباطل اختبأ بين البوص في المستنقع، وعبر به الحاكم وحاشيته وسأله عن الأنبا موسی فرد عليه قائلا: “لماذا تبحث عن رجل عجوز وغير مستقيم في سلوكه” وكان يقصد نفسه… وبعد أن وصل الحاكم للدير وسأل الرهبان عنه وأخبرهم عما قاله له الشخص في الطريق، وبمجرد أن أعطى أوصافه بأنه شيخ يلبس ملابس طويلة قديمة جداً، ووجهه أسمر من الشمس، وله ذقن طويلة بيضاء، ونصف رأسه خال من الشعر، أخبروه بأنه هو نفسه الأنبا موسی، القديس الذي يهرب من المجد الباطل.

تواضع القديس واحتماله للإهانة : انعقد مجلس من الآباء الرهبان، وأرادوا أن يختبروه، فنهروه قائلين لبعضهم: “لماذا يأتي هذا الاسود هكذا ويجلس وسطنا؟” فلما سمع هذا الكلام سكت ولم يتفوه بكلمة، واعتبر هذه الكلمات تخاطب حقيقة نفسه، متمثلا بسيده في الإتضاع والاحتمال. فتعجبوا من احتماله للإهانة بتواضع.

– رسامته قسيساً : ولما جاء البابا ثاؤفيلس السكندرى إلى شيهيت طلبوا إليه أن يرسم القديس موسی قساً، فأراد البابا أن يمتحنه، فأوصى القسوس قائلا: “إذا جاء موسى إلى المذبح اطردوه لنسمع ماذا يكون رده فطردوه قائلين: “أخرج أيها النوبي الأسود” فخرج موسى في هدوء مخاطبا نفسه: “لقد عاملوك كما يجب أيها الأسود الجلد، وحيث أنك لست إنسان فلماذا تأتي بين الناس”.

فابتسم البابا و أبدي للقديس اغتباطه من احتماله ووداعته ورسمه قسيسا، وتسلم الرئاسة على 500 راهب مسئولا عن خلاص نفوسهم.

استشهاد القديس على يد البربر : ولما علم بقرب مجئ قبائل البربر للهجوم على الدير، والذي كان منتشرة وقتها، قال في نفسه: يا أيها القاتل استعد الأن: “كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون” (مت 52:26 ) وكان ينتظر هذا اليوم بفرح، واستشهد مع رهبانه في يوم 24 بؤونة الموافق 1 يوليو من عام 407م عن عمر حوالى 75 سنة…

ويوجد جسد الأنبا موسى الأسود بجوار جسد معلمه القديس القس إيسذوروس، في مقصورة واحدة بديرهما العامر البراموس.

من أقوال القديس القوى الأنبا موسى عن التوبة

أيها الحبيبالقوي الانبا موسى

  • “من يتذكر خطاياه ويقر بها لا يخطئ كثيرا.. أما الذي لا يتذكر خطاياه ولا يقر بها فإنه يهلك بها.
  •  اطلب خوف الله بكل قوتك، فإنه يزيل كل الخطايا.
  • إن طلبت أن تتوب إلى الله فإحذر التنعم في الشهوات الرديئة، فإن الشيطان سوف يثير سائر الأوجاع.. ويطرد خوف الله من قلبك.
  •  فكر في التوبة لتتحرك فيك شهوة اقتنائها.
  •  التوبة تحول الزناة بتوليين.

زر الذهاب إلى الأعلى