تفسير سفر ناحوم ١ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر ناحوم – الإصحاح الأول

آية(1): “وحي على نينوى سفر رؤيا ناحوم الالقوشي.”

وحي على نينوى = كلمة وحي تعني حمل. فهذه نبوة ثقيلة. وحملاً ثقيلاً متعباً لنينوى. لما تابوا قديماً بمناداة يونان عفا الله عنهم، ولكنهم سرعان ما إرتدوا فأرسل الله لهم هذه النبوة الثقيلة.

 

الآيات (2-7): “الرب اله غيور ومنتقم الرب منتقم وذو سخط الرب منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه. الرب بطيء الغضب وعظيم القدرة ولكنه لا يبرئ البتة الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقه والسحاب غبار رجليه. ينتهر البحر فينشفه ويجفف جميع الأنهار يذبل باشان والكرمل وزهر لبنان يذبل. الجبال ترجف منه والتلال تذوب والأرض ترفع من وجهه والعالم و كل الساكنين فيه. من يقف أمام سخطه ومن يقوم في حمو غضبه غيظه ينسكب كالنار والصخور تنهدم منه. صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه.

نينوى لم تعرف الله الذي يرسل لها هذه النبوة. ولذلك قيل لها هنا من هو الله، وما هي قدراته التي تبعث الفزع في الأشرار، والطمأنينة للأبرار. فالله سور من نار يحيط بشعبه ليحميهم وينير لهم. وهو نار تحرق أعدائهم. هو إله غيور ومنتقم = غيور على كرامته وعلى شعبه. ومنتقم من أعدائه كنينوى لأنها أصبحت مدينة شريرة. وهو ذو سخط = فهو قدوس لا يحتمل الشر. ومنتقم من مبغضيه = أي أنه يعتزم أن يحاسب من يسيئون إليه ولكنه في (3) بطئ الغضب = هو ليس كالإنسان ، فالإنسان لا يستطيع كبح غيظه، إنما الله يطيل أناته لعل طول أناته تقتادنا للتوبة. ولكنه لا يبرئ البتة = أي لا يبرئ الأشرار الذين يصرون على خطاياهم، وهذه فيها رد على من يتصور أن بطء غضب الله معناه أنه يتسامح في الخطأ فيتمادي فيه. أما الشرير لو رجع عن شره سيجد الله رحيماً به. وهو عظيم القدرة. وهنا يعطي تصوير من واقع الطبيعة التي يعرفونها ليتصوروا قدرات الله فهو في الزوبعة والعاصف = أي هو الذي يتحكم فيها، فهل تقف أمامه قوة أشور. والسحاب غبار رجليه = هو يطأه ويسير عليه. إذاً هو أعلى منه. فهل يطوله ملك أشور. وفي (4) ينتهر البحر فينشفه = فهكذا فعل أمام موسى في البحر الأحمر وأمام يشوع في نهر الأردن. ويجفف جميع الأنهار = الأنهار هي مصدر خيرات الشعوب فلو جفت لهلكت الشعوب. فماذا يصنع ملك أشور لو جفت أنهاره. يذبل باشان والكرمل وزهر لبنان يذبل = فإن ظن ملك أشور أن عاصمته جميلة كزهور لبنان وأن خيراته كثيرة كمراعي باشان الخضراء فالله قادر أن يجعل الكل يذبل ويذهب عنه جماله. وفي (5) الجبال القوية الثابتة ترجف أمامه. والتلال تذوب = هذا ما يرونه في الزلازل والبراكين فهل يثبت ملك أشور. والأرض ترفع من وجهه = هذا ما سيحدث في نهاية الأيام حين تزول السماء والأرض. ولكن في الوقت الحالي فالمعني حسب الترجمات الأخرى فإن الأرض تحترق وتخرب كما حدث في سدوم وعمورة. وفي (6) من يقف أمام سخطه = فإلهنا نار آكلة تحرق الخطاة. وفي (7) أما بالنسبة للمتوكلين عليه كأحباء وأنباء فهو يعرفهم ويحرص على سلامتهم وراحتهم. وبنفس قدراته على أن يرعب الأشرار فهو قادر أن يكون حصناً للأبرار في يوم ضيقهماسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع“.

 

آية (8): “ولكن بطوفان عابر يصنع هلاكا تاما لموضعها وأعداؤه يتبعهم ظلام.”

بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً لموضعها = قد يكون المعني أن جيش بابل في هجومه على نينوى سيكون كالطوفان يكتسح أمامه كل شئ. لكن هذه تعتبر نبوة عجيبة وواضحة عما حدث في خلال غزو بابل لنينوى، مما يظهر قدرات الله السابق شرحها وأنه هو المتحكم في الطبيعة وحده. فأثناء حصار بابل لنينوى حدث طوفان عظيم لنهر دجلة، واستولى البابليون على سدود الأنهار وحطموها فإندفعت المياه كالطوفان وأسقطت أسوار نينوى المنيعة (أسوار نينوى = راجع سفر يونان) مما سهل دخول البابليين للمدينة. وأعداؤه يتبعهم ظلام = أعداء الله يتبعهم ظلام، فهم بعداوتهم له فقدوا النور، لأن الله نور، لذلك هم يتخبطون.

 

الآيات (9-15): “ماذا تفتكرون على الرب هو صانع هلاكا تاما لا يقوم الضيق مرتين. فانهم وهم مشتبكون مثل الشوك وسكرانون كمن خمرهم يؤكلون كالقش اليابس بالكمال. منك خرج المفتكر على الرب شرا المشير بالهلاك. هكذا قال الرب إن كانوا سالمين و كثيرين هكذا فهكذا يجزون فيعبر أذللتك لا أذلك ثانية. والآن اكسر نيره عنك واقطع ربطك. ولكن قد أوصي عنك الرب لا يزرع من اسمك في ما بعد أني اقطع من بيت إلهك التماثيل المنحوتة والمسبوكة اجعله قبرك لأنك صرت حقيرا. هوذا على الجبال قدما مبشر مناد بالسلام عيدي يا يهوذا أعيادك أوفي نذورك فانه لا يعود يعبر فيك أيضا المهلك قد انقرض كله.”

هذه الآيات تشير لهلاك جيش أشور تحت قيادة سنحاريب. وهنا يعتبرها النبي درساً ورمزاً لخرابها النهائي (راجع القصة في أش36،37).

ماذا تفتكرون على الرب = أنها حماقة شديدة منكم أن تتآمروا على الله كأنكم قادرين على أن تتفوقوا على الحكمة الإلهية (مز1:2،2) هو صانع هلاكاً تاماً = ولأن الهلاك تام فلا داعي لأن يقوم الضيق مرتين. فبعد الضيق الذي ينتهي بالهلاك التام لا معنى لضيق آخر. وهذا ما حدث في ليلة هلاك الـ185.000من جيش أشور. وفي (10) هم مشتبكون مثل الشوك = الشوك مفسد للزروع الصالحة وهم اجتمعوا حول أورشليم (بقيادة سنحاريب) ليدمروا ويفسدوا زرع الله أي شعبه (1كو6:3-9) ويدمروا أورشليم حقل الله. هم تشابكوا وإتحدوا ليخربوا شعب الله، لكن الله سمح لهم بهذا التشابك والتجمع، ليحرقهم ويهلكهم كحزمة شوك جمعوها ليحرقوها. وهذا سيكرره الله ثانية ولكن في داخل مدينتهم نينوى فالله سيجمعهم داخلها، أيضاً كحزمة شوك ليحرقها البابليون. وأثناء حصارهم لأورشليم كانوا سكرانون كمن خمرهم = كانوا كسكارى من نشوة إنتصارهم على بقية الأمم، وظنوا إله أورشليم مثل بقية الآلهة يمكنهم هزيمته، فتفوهوا بكلمات صعبة ضد الله كسكران يهذي. وهكذا الشياطين هم كشوك يحاربون شعب الله ليسقطوهم في الخطايا ، ويدبروا لهم مؤامرات فظيعة تجعلهم يقعون في تجارب مؤلمة. والله يتركهم يجتمعون كحزمة شوك ليحرقهم دفعة واحدة في البحيرة المتقدة بالنار. وفي (11) منك خرج المفتكر على الرب شراً = في أثناء حصارهم لأورشليم طالما تفوه ملكهم سنحاريب وقائد جيشه ربشاقي بكلام شرير على الله. وبعد هذا حينما رفضوا التوبة وسخروا من إنذارات الله كانوا مفتكرين على الرب شراً. وكل من يفتكر على الرب شراً أو على شعبه مثل سنحاريب ويكون مشيراً بالهلاك على شعب الله، ففي الواقع يكون مشيراً بهلاك نفسه (ما نقوله عن أشور ينطبق تماماً على إبليس وقوات الظلمة) وفي (12) مهما كان جيش أشور (أو الشياطين) كثيرين أو سالمين بمعنى أنهم شاعرين بالإطمئنان وعدم الخوف من إنذارات الله. ولكن هكذا قال الرب يجزون = كما تجز الحشائش،  عندما يعبر الملاك المهلك صاحب المنجل الحاد. (رؤ17:14). ثم يوجه الله كلامه لشعبه بعد أن طمأنه على خبر هلاك أعدائهم. أذللتك. لا أذلك ثانية  = هو أذلهم أولاً بأن تركهم في يد أشور وكان ذلك ليؤدبهم، ولكن الآن سينجيهم من أشور ولا يعود يذلهم ثانية. وهذا حدث بعد سقوط آدم ، فلقد أُسْلِمَتْ الخليقة للبطل (رو20:8) وهذا يعتبر ذلاً ولكن كان ذلك من أجل التأديب. ثم أتي المسيح وحررناإن حرركم الابن..” وستكتمل فرحة شعب الله بهلاك إبليس في البحيرة المتقدة بالنار في اليوم الأخير فلا يعود يذل شعب الله ثانية. وفي (13) وعد الله بأن يعطي الحرية لشعب أورشليم من أشور. وأيضاً وعد بتكسير نير الشيطان عن شعبه. وفي (14) نهاية أشور نهائية وينتهي حكم ملوكه وعائلته = لا يزرع من إسمك فيما بعد = بمعنى ستبيد ذكرياته ولا تقوم له قائمة فيما بعد. ويقطع الله من بيت إلهه التماثيل المنحوتة والمسبوكة = فجيش بابل سوف يخرب كل شئ دون أن يستثنى حتى تماثيل ألهتهم. الأمر الذي يشير لأسباب غضب الله عليهم أي عبادتهم للأوثان. وهناك معنى آخر لو فهمنا أن أشور بأوثانها تشير للشياطين أن في السماء ستنتهي كل الآلام التي كان يثيرها عدو الخيرحيث يمسح الله كل دمعة من عيوننافلا نعود نذكر كل الآلام التي كان يسببها ولا نذكر حتى إسمه. أجله قبرك لأنك صرت حقيراً = بعد أن هان سنحاريب الله أمام أسوار أورشليم وبعد موت رجاله، ذهب في حسرة لبيت إلهه نسروخ وهناك قتله أبنيه فصار هيكل إلهه قبراً له، لأنه صار حقيراً حين أهان الله. وفي (15) بعد أن أعلن عن أنهيار نينوى وجعل معابدها الوثنية قبوراً. ها هو يفتح باب الرجاء لأورشليم الجديدة أي الكنيسة خلال الكرازة بالإنجيل. فلقد أخضع الله الشيطان للكنيسة وجعل لها سلطاناً أن تدوسه بقدميها = هوذا على الجبال قدما مبشر بالسلام = هؤلاء هم التلاميذ الذي جالوا مبشرين بعدما جاء المسيح وقالسلامي أعطيكم سلامي أترك لكموعيدي يا يهوذا أعيادك = الأعياد تعني أفراح، وهذا عمل الروح القدس. فإنه لا يعود يعبر فيك أيضاً المهلك = فالمسيح رآه ساقطاً مثل البرقوهذا جزئياً تحقق بهلاك أشور على أسوار أورشليم ونجاة شعب الله منه. والشيطان صار مقيداً بلا سلطان علينا.

فاصل

فاصل

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى