تفسير سفر الأمثال ١٩ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح التاسع عشر
الآيات (1-3): “الفقير السالك بكماله خير من ملتوي الشفتين وهو جاهل. أيضاً كون النفس بلا معرفة ليس حسنا والمستعجل برجليه يخطا. حماقة الرجل تعوج طريقه وعلى الرب يحنق قلبه.”
نجد هنا مقارنة بين طريق الحق وطريق العناد والجهل. وخير للإنسان أن يسلك باستقامة وهو فقير مجهول من أن يكون غنياً لكنه جاهل لئيم شرير. فالفقير السالك باستقامة سيكون محبوباً من الناس وله بركة ونعمة من الله. أما الغني الذي له لسان ملتوٍ وشرير فلن يجد من يحبه ولن يجد بركة من الله. وفي (2) يتكلم عمن يسلك بدون معرفة، وليس حسناً للإنسان أن يندفع ويسلك في طريق بدون معرفة وإلا سيكتشف مؤخراً أنه أخطأ. بل أن النفس التي بلا معرفة لن تتميز عن الحيوانات (مز20:49). والنفس هي من الله فأن تبقي النفس بلا معرفة لله فهذا خطر على النفس وشر عظيم لها بل هو حكم بالموت عليها ومن ليس له معرفة يندفع في تصرفاته وقراراته وبالتالي يخطئ وللأسف فإن الجاهل حين يكتشف أنه أخطأ في قراره عوضاً عن أن يتوب ويطلب من الله أن يصلح ما أفسده هو بقراره نجده يخاصم الله= على الرب يحنق قلبه. فهو يثور على الله كأن الله هو السبب فيما وصل إليه.
آية (4): “الغنى يكثر الأصحاب والفقير منفصل عن قريبه.”
للأسف فإن العالم الذي نعيش فيه هو عالم نفعي خالٍ من المشاعر الطيبة، نجد فيه أن الغني يشتري بماله القضاء، بل يصنع له أصحاب على الأرض ينتفع منهم لزيادة ثروته، وهناك من لا يرتبط سوى بالأغنياء لنيتفع منهم. ولكن هناك أغنياء حكماء يشترون أصدقاء سمائيين بمال الظلم (مثل وكيل الظلم) ولنعلم أن المسيح أحبنا وإرتبط بنا ونحن فقراء خطاة بل كنا لا نحبه ولا نعرفه، وعلينا أن نحبه الآن فهو الغني.
آية (5): “شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب لا ينجو.”
قد يفلت الكاذب أو شاهد الزور ولكن هذا يكون لوقت قصير ثم يظهر الحق وكل معصية تنال مجازاة عادلة حتى هنا على الأرض.
الآيات (6،7): “كثيرون يستعطفون وجه الشريف وكل صاحب لذي العطايا. كل اخوة الفقير يبغضونه فكم بالحري أصدقاؤه يبتعدون عنه من يتبع أقوالاً فهي له.”
راجع عدد (4) ولنذكر أن المسيح عاش كواحد من الفقراء وسماهم إخوته. يبغضونه= الأصل العبري يحتمل القول يبغض ويحتمل ترجمته يحبونه أقل والمعنى أن الفقير سيتركه أصدقاؤه ويهجرونه. ولكنهم يلتصقون بالأغنياء طمعاً في عطاياهم (هل نلتصق بالله الغني والذي يعطي بسخاء ولا يُعيِّر). وإن كان الإنسان لأجل مصلحته يخدم الغني فكم بالأولى علينا أن نخدم الله (أش2:1-4). وكثيرون يستعطفون وجه الشريف فهل نستعطف الله بتوسلاتنا عوضاً عن أن نتوسل للناس. المفهوم من الآية أن الفقير يلاحق الغني ويتوسل له. من يتبع أقوالاً فهي له= هذه تترجم “يلاحق (أصدقاؤه) بتوسلاته ولا يجد لهم أثراً” وتترجم أنه “يلاحقهم بأقواله ولكنهم يهجرونه”. وترجمتنا العربية تضيف لهذه الترجمات وتبلورها، فكون الفقير يلاحق الغني بتوسلاته وأقواله وشرح ظروفه والغني يعطيه أقوالاً فقط لا تغني ولا تسمن من جوع ليس هذا هو الطريق الذي يوصى به الكتاب المقدس، بل يوصينا أن نثق في الله فقط فوعوده لا يتركها أبداً. أما كوننا نثق في أقوال بشر، هم بسهولة يتركوننا فكأننا نجري وراء سراب ونستحق ما يحدث لنا. هي له= أي من يصدق وعود البشر التي لا تزيد عن كونها أقوال ووعود وسراب سيكون له هذا السراب واللا شئ.
آية (8): “المقتني الحكمة يحب نفسه الحافظ الفهم يجد خيراً.”
الحافظ الفهم= أي يحرسه كما يحرس كنزاً. والسالك باستقامة يكون له سلاماً حقيقياً (2تي14:3،15).
آية (9): “شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب يهلك.”
هذه تشابه آية (5) مع فارق أن هنا حكم بهلاك الشخص يوم الدينونة.
آية (10): “التنعم لا يليق بالجاهل كم بالأولى لا يليق بالعبد أن يتسلط على الرؤساء.”
هنا أمرين غير لائقين [1] أن ينعم جاهل بثروة فهو سيضعها على شهواته فهو يسئ تقدير كل شئ، بل إن الثروة هي شرك للحكيم فكم بالأولى الجاهل. والأب الغني إن كان حكيماً لا يترك ثروة كبيرة في يد إبنه الصغير حتى لا يفسد. [2] أن يتسلط عبد على سيده نتيجة للظروف الغريبة. وكل من كان أصله بسيط إذا تسلط يتحول إلى طاغية.
آية (11): “تعقل الإنسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية.”
الإنسان الروحي يتعلم أن يدين نفسه كما قال داود “الله قال لشمعي اشتم داود” لذلك هو يستطيع أن يضبط نفسه إذا أخطأ إليه أحد. وكلما زادت حكمة إنسان تشبه بالله طويل الأناة وكان غضبه أبطأ. بل أن الوقت الطويل يحل المشاكل أو يحل معظمها بالإضافة إلى أنه بمضي الوقت يكون هناك فرصة لفحص الأمور بدقة وقد يكون الانفعال بلا مبرر. وفخره الصفح= هو فخر للإنسان أن يصفح لمن أساء إليه متشبهاً بمسيحه.
آية (12): “كزمجرة الأسد حنق الملك وكالطل على العشب رضوانه.”
كم ينطبق هذا على المسيح ملك الملوك يوم يأتي كديان.
آية (13): “الابن الجاهل مصيبة على أبيه ومخاصمات الزوجة كالوكف المتتابع.”
الوكف= الماء المتساقط كقطرات من سقف غير محكم أثناء وبعد المطر. ومن سقفه بهذا الحال لا يجد راحة فهو لا يستطيع النوم أو الوقوف أو العمل. وهكذا تُشَّبّهْ المرأة المخاصمة بهذا الوكف لما في معاشرتها من إزعاج وضجر لرجلها. ونرى هنا ارتباط بين الابن الجاهل والمرأة كثيرة الشجار والخصام فكثرة الشجار بين الآباء تولد أبناء غير خاضعين لهم بل لا يحترمونهم.
آية (14): “البيت والثروة ميراث من الآباء أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب.”
الزواج المسيحي مرتب من الله (اسحق ورفقة). لذلك لا يجب أن ينفصم ونلاحظ أن حالة البيت في آية (14) هي ضد البيت في آية (13). والبيت المؤسس باختيار الله يفضل عن بيت وارث للغني عن أبويه.
آية (15): “الكسل يلقي في السبات والنفس المتراخية تجوع.”
إضاعة الوقت خطية (تنطبق هذه الآية مادياً وأيضاً روحياً).
آية (16): “حافظ الوصية حافظ نفسه والمتهاون بطرقه يموت.”
المتهاون بطرقه= محتقر طرق الرب وهو الذي لا يحفظ وصايا الرب. فوصايا الرب هي كلام حياة وتاركها يكون قد اختار طريق الموت متصوراً أنه حر بينما هو قصير النظر.
آية (17): “من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه.”
الله أطلق على الفقراء أخوته. والله لا ينسى أجر كأس ماء بارد. (أرملة صرفة صيدا وإيليا + مت34:25). والمطلوب ليس المال فقط بل العطاء بمحبة.
آية (18): “أدب ابنك لأن فيه رجاء ولكن على أماتته لا تحمل نفسك.”
مطلوب من الأب تأديب ابنه بحزم. ولكن ليحذر الآباء من أن يكون تأديبهم لأولادهم هو نوع من التنفيس عن الغضب الهائج ضد أولادهم. فالغضب الهائج هو يكون بمثابة إماتة لهم= ولكن على إماتته لا تحمل نفسك= إلا أن التساهل أيضاً وعدم الحزم هو إماتة، بل قد يدفعه للإنحراف فيموت بسيف الحاكم أو مع الأشرار.
آية (19): “الشديد الغضب يحمل عقوبة لأنك إذا نجيته فبعد تعيد.”
لأنك بعد تعيد= كثير الغضب هو كثير الشجار والمشاكل نتيجة تهوره ويكرر حماقاته وصديقه الذي يتدخل لحل مشكلة له سيتكرر نداؤه كثيراً. ومثل هذا يورط أصدقاؤه معه والذين يدافعون عنه. وهو بإندفاعه سيجلب على نفسه مجازاة عادلة= يحمل عقوبة.
الآيات (20،21): “اسمع المشورة واقبل التأديب لكي تكون حكيماً في أخرتك. في قلب الإنسان أفكار كثيرة لكن مشورة الرب هي تثبت.”
هناك أفكار كثيرة في قلب الإنسان منها ما هو:
1- ضد مشورة الله (مز1:2-3 + مي11:4-13)
2- بغير مشورة الله (يع13:4) فالإنسان لم يصلي ليطلب مشورة الله.
3- ليست بحسب فكر الله كمشورة رفقة لابنها يعقوب، وهي ليست مشورات مقدسة.
4- مشورة بحسب فكر الله وهذه هي التي ستثبت. فالله يضحك على كل مؤامرات الأشرار وهذا ما يعطي راحة وفرحاً لشعب الله. ومشورة الله ستتم في الوقت المناسب وهي التي ستسود (أش24:14 + 11:46). وإزدراء المشورة حمق فكم بالأولى لو كانت المشورة هي مشورة الله ووصيته وإرادته.
آية (22): “زينة الإنسان معروفه والفقير خير من الكذوب.”
الشق الأول من الآية يحث الإنسان على أن يقدم خدمات للناس والشق الثاني يطلب منا أن لا نندفع فنعطي وعوداً ليس في إمكاننا تنفيذها. فالفقير الذي لا يملك خيرٌ من الغني أو الذي يدعى أنه قادر وهو كاذب لن يفعل. فأن نقول لا نقدر خيرٌ من أن نَعِدْ ولا نوفي.
آية (23): “مخافة الرب للحياة يبيت شبعان لا يتعهده شر.”
قارن مع (مز91). فإبن الله قد يتعرض لبعض الآلام ولكنها لا تكون لأذيته بل للخير.
آية (24): “الكسلان يخفي يده في الصحفة وأيضاً إلى فمه لا يردها.”
مع أن وسائل التغذية ومقومات الحياة متوافرة لدى الكسول لكنه لكسله لا يستفيد مما هو بين يديه. وهنا تصوير فيه مبالغة كأن الكسلان جالس أمام مائدة الطعام وبينما يده في وسط الطعام يغلبه الكسل أو النوم فلا يرفع يده بالطعام إلى فمه مفضلاً الجوع عن أن يعمل عملاً (هذا ينطبق على الغذاء الروحي وإهمال دراسة الكتاب).
آية (25): “اضرب المستهزئ فيتذكى الأحمق ووبخ فهيماً فيفهم معرفة.”
إن ترك المستهزئ بلا توبيخ قد يكون سبباً لأن الجهال يظنون أن أخطائهم هي بلا عقاب. أما الفهيم فلا توجد مشكلة في أن نكشف له خطأهُ فهو يقدر الحق.
آية (26): “المخرب أباه والطارد أمه هو ابن مخز ومخجل.”
مرة هي الأحزان التي يتسبب فيها الأبناء المتمردين. فعلي الأباء الاهتمام بتربية أبنائهم.
آية (27): “كف يا ابني عن استماع التعليم للضلالة عن كلام المعرفة.”
لا يجب أن يستمع الإنسان للكلام الباطل. وينطبق هذا على من يترك تعليم كنيسته القويم ليسمع هرطقات مخالفة عند طوائف غريبة مدعياً أن في هذا عدم تعصب.
الآيات (28،29): “الشاهد اللئيم يستهزئ بالحق وفم الأشرار يبلع الإثم. القصاص معد للمستهزئين والضرب لظهر الجهال.”
الشاهد اللئيم= المعنى أو الكلمة الأصلية شاهد بليعال ومعناها شئ تافه وهي كناية عن طريق إبليس وأتباعه. يستهزئ بالحق= هؤلاء الأشرار لا يشهدون بالحق (القضاة في قصة سوسنة) هم يشهدون ضد البرئ لأذيته ولأغراضهم الدنيئة. وطرق هؤلاء ضد الله، فالله هو الحق. فم الأشرار يبلع الإثم= أي يعيش عليه كأنه طعامه. ولكن هناك عقاباً ينتظر مثل هؤلاء فالله لا ينام (مت41:25) وسيعاقب هؤلاء الذين يفرحون بكل فرصة تأتيهم للشر والغش (أي16:15).
تفسير أمثال 18 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 20 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |