تفسير سفر الأمثال ٢٩ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير الأمثال – الإصحاح التاسع والعشرون

 

آية (1): “الكثير التوبخ المقسي عنقه بغتة يكسر ولا شفاء.”

تقسية العنق تشبيه مقتبس من حالة الثور الجامح الذي يرفض النير. هكذا المعاند الذي يصر على رفض الاستماع للتوبيخ ويعاند ما هو لصالحه فيجلب الخراب لنفسه (فرعون، قورح/..) وهكذا كل عنيد ومقاوم لوصايا الله. والله يستخدم وسائل كثيرة لتوبيخ الخاطئ (ضميره/ لوم الوالدين/ خدام الله/ الضيقات والتجارب..) فإذا استمر الرفض فلا مهرب من الخراب التام والهلاك الأبدي.

 

آية (2): “إذا ساد الصديقون فرح الشعب وإذا تسلط الشرير يئن الشعب.”

نموذج لذلك حكم حزقيا وداود وسليمان والرخاء الذي ساد أيامهم والعكس مع صدقيا.

 

آية (3): “من يحب الحكمة يفرح أباه ورفيق الزواني يبدد مالاً.”

قارن مع (7:28). أما الشهوات الشبابية فإهرب منها (2تي22:2 + 1كو15:6-20) وخطايا الشهوة هي أسرع نوع من الخطايا قادر أن يفقر الإنسان.

 

آية (4): “الملك بالعدل يثبت الأرض والقابل الهدايا يدمرها.”

قابل الهدايا هو المرتشي

آية (5): “الرجل الذي يطري صاحبه يبسط شبكة لرجليه.”

إذا كان الإطراء في محله فلا عيب في ذلك. ولكن إن كان الإطراء لشخص شرير بغرض المنفعة فهو يضلل هذا الشخص ويتصور أنه لم يخطئ فيكون الإطراء نوع من الفخاخ.

 

الآيات (6،7): “في معصية رجل شرير شرك أما الصديق فيترنم ويفرح. الصديق يعرف دعوى الفقراء أما الشرير فلا يفهم معرفة.”

معصية رجل شرير هي شرك له ليس بمعنى الهلاك الأبدي فقط، بل طريق الخطية كله شراك. وكل خطية تقود لخطية أخرى ومشكلة أكبر، بل فيها غواية لخطية أخرى ومشكلة أكبر. لذلك فمعصية الرجل الشرير تحطمه وأثامه التي يسر بها تكون هي مهلكته. وبينما الصديق يفرح إذ هو بلا شراك ولا مشاكل نجد الشرير يتألم كثيراً. والصديق هو صورة للمسيح فقلبه يشعر بمتاعب وآلام الفقراء والمتألمين أما الشرير فهو لا يهتم سوى بملذاته ولا يعنيه صراخ المتألم. والصديق يشعر بإحسان الله عليه ويشعر بأنه مديون للمسيح ويريد أن يسدد الدين لأخوة الرب، فهو كسيده يجول يصنع خيراً.

 

آية (8): “الناس المستهزئون يفتنون المدينة أما الحكماء فيصرفون الغضب.”

يفتنون المدينة= أي يشعلونها. مثال ديمتريوس (أع23:19-41). وكذلك وجود مستهزئون في مكان يجلب غضب الله عليه فتنصب عليه نار غضب الله. لأن هؤلاء المستهزئون يستهزئون بالله وبوصاياه ويغوون الأبرياء أن يسلكوا مثلهم. أما وجود قديسين في مكان ما فبسببهم يبارك الله في المكان ويحول الغضب عنه (فالله بارك بيت فوطيفار بسبب يوسف. ومن السنكسار نجد الله يبارك في نيل مصر بسبب الأنبا بولا).

 

آية (9): “رجل حكيم أن حاكم رجلاً أحمق فان غضب وأن ضحك فلا راحة.”

باطلاً تحاول أن تقنع الأحمق بأخطائه فهو معجب بنفسه والآية تفهم بطريقتين:

1-          هنا تصوير لمحاكمة يجري فيها الاحمق وهو يحاول أن يستر قضيته التافهة مرة بالضحك والسخرية ومرة بالصياح والتهوين ولكنه أبداً لا يقتنع.

2-          قد يستخدم الحكيم أسلوب الملاطفة واللين والضحك لإقناع الأحمق وقد يستخدم أسلوب العنف لتخويفه ولكن أبداً لن يقتنع. هكذا قال المسيح “زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لم تبكوا…. الخلاصة الأفضل ترك الجاهل فهو لن يقتنع بأنه مخطئ.

 

آية (10): “أهل الدماء يبغضون الكامل أما المستقيمون فيسألون عن نفسه.”

كما أبغض قايين هابيل (1يو12:3) فالشرير يكره البار، وإبليس يحقد على أبناء الله، بل أن القداسة والتقوى تثير إبليس ومن يتبعونه، وإبليس كان قتالاً للناس منذ البدء وهكذا كل من يتبعونه. أما الأبرار فإنهم يهتمون بالكامل ويحرسونه ويشجعونه ويصلون لأجله لينقذه الله من أيدي الأشرار الذين يطلبون هلاكه.

 

آية (11): “الجاهل يظهر كل غيظه والحكيم يسكنه أخيراً.”

الجاهل مستعد أن يسكب جام غضبه لأقل سبب بغض النظر عن النتائج التي تصيبه أو تصيب غيره، أما الحكيم فيهدئ غيظه ويسكنه داخل نفسه (أف26:4).

 

آية (12): “الحاكم المصغي إلى كلام كذب كل خدامه أشرار.”

الحاكم الفاسد يحيط نفسه بأناس فاسدين. ومن هنا يتضح تأثير الحاكم في شعبه. وهكذا فوجود خادم فاسد منحرف سيفسد مخدوميه.

 

آية (13): “الفقير والمربي يتلاقيان الرب ينور أعين كليهما.”

المربى= المرابي الظالم. وليفهم الغني الذي يظلم الفقير أن الله هو الذي يمنحه ويمنح الفقير نور عينيهما، أي كل بركة مصدرها الله. وكلاهما يحتاج الله فهو مصدر حياتهما كليهما وهو سيقضي بينهما، بل هو يستخدم كليهما في تحقيق مشيئته الإلهية (أي16:12).

 

آية (14): “الملك الحاكم بالحق للفقراء يثبت كرسيه إلى الأبد.”

الذي يملك بالعدل ويحكم للفقراء بأمانة يتشبه بالله فيحفظه الله.

 

آية (15): “العصا والتوبيخ يعطيان حكمة والصبي المطلق إلى هواه يخجل أمه.”

الطفل عديم التربية يجلب العار لأبويه والتدليل ليس علامة محبة (داود مع أدونيا وإبشالوم) ونلاحظ قول الكتاب عن داود وأدونيا “لم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا” لذلك ليس عجيباً أن يتحول أدونيا إلى ثائر متمرد (1مل6:1، 13:2-25).

 

آية (16): “إذا ساد الأشرار كثرت المعاصي أما الصديقون فينظرون سقوطهم.”

من المحقق سقوط الأشرار مهما نجحوا مؤقتاً وسيسود البر، والأبرار سيروا هذا ويسبحوا الله (مز73 + مز34:37). فإلى حين يزدهر الأشرار، وفي وقت إزدهارهم تكثر المعاصي لذلك لا يجب التراخي معهم وإلا سيزدادون ويقلدهم الجهلاء.

 

آية (17): “أدب ابنك فيريحك ويعطي نفسك لذات.”

أنظر آية (15).

 

آية (18): “بلا رؤيا يجمح الشعب أما حافظ الشريعة فطوباه.”

الرؤيا= معناها الاستنارة الروحية والبصيرة في الأمور الإلهية (1صم1:3) وشعب بلا قائد له هذه الاستنارة يضل ويجمح. وطريق الإستنارة يشرحه الحكيم بقوله أما حافظ الشريعة فطوباه. وكلمة رؤيا تشير للإعلان النبوي أو شريعة الله المعلنة من خلال الناموس والأنبياء، ولذلك قال المسيح طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه، فإذا لم تحفظ الوصية يجمح الإنسان أو يجمح الشعب.

 

آية (19): “بالكلام لا يؤدب العبد لأنه يفهم ولا يعنى.”

الترجمة السبعينية تترجم الآية هكذا “بالكلام لا يؤدب العبد العنيد” وهذا يوضح المعني. فالتوبيخ الكلامي لا يجدي مع العبد العنيد لذلك لابد من التأديب الحازم لأن السيد لو اكتفي بالكلام فالعبد العنيد لن يخاف ولن يعنيه ما يسمعه فلن يستجيب. فهو لأن له طبيعة العبودية لن يستجيب سوى بالخوف.

 

آية (20): “أرايت إنساناً عجولاً في كلامه الرجاء بالجاهل اكثر من الرجاء به.”

الإنسان العجول ينطق بأقوال متسرعة لذلك كثيراً ما يكتشف خطأه فيرتد ويرجع عما قاله. والإنسان العجول هو غالباً متكبر واثق بنفسه.

 

آية (21): “من فنق عبده من حداثته ففي أخرته يصير منوناً.”

فنّق= دلل. والسيد الذي يدلل خادمه منذ حداثته يجده وقد تصوَّر أنه إبناً بالطبيعة لذلك السيد، فينسى واجباته ويهمل عمله بل يتمرد على سيده. ولكن على السيد أن يعامله بالحزم والحكمة فيظل أميناً له العمر كله ولا ينسى واجباته يكون في آخرته منوناً= تترجم يكون له ابناً في النهاية. أي مع التدليل سيتصور هذا. ونفهم الآية روحياً أن جسدي هو عبدي يجب أن أتعامل معه بحزم (صوم وصلاة ومطانيات.. ) حتى لا يدلل فيفسد. أقمع جسدي واستعبده (1كو27:9) وعلىّ أن لا أتعامل مع الله كأنني ابن مدلل، بل حسب ما قال السيد المسيح “أن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون”. والابن الضال حين تاب قال “أحسبني كأحد أجرائك”. الله من محبته يقول أنتم أبناء ولكن نحن علينا أن لا نقول سوى أننا عبيد (يع1:1 + يه1).

 

آية (22): “الرجل الغضوب يهيج الخصام والرجل السخوط كثير المعاصي.”

الأفضل تجنب الغضوب فهو لا يتحكم في طباعه ويثير الخصام كثير المعاصي= يقسم ويهدد ويشتم.

 

آية (23): “كبرياء الإنسان تضعه والوضيع الروح ينال مجداً.”

الوضيع الروح= الوديع المتضع. يهرب من الكرامة ولا يسعى إليها فتسعى هي إليه. أما المتكبر فلابد وينكسر ودينونته أبدية ويحتقره الناس ويرذله الله فلا تكون له كرامة.

 

آية (24): “من يقاسم سارقاً يبغض نفسه يسمع اللعن ولا يقر.”

يسمع اللعن= يشير إلى إجراء الحلف الذي يوجهه القاضي في أي قضية للشهود، أن من يعرف معلومات عن المتهم يدلي بها. فكيف يدلي هذا الشاهد بما يدين السارق وهو قد قاسمه في السرقة واشترك في أعماله الشريرة، بل زادت خطيته بأن حلف كذباً ومن يفعل ذلك فهو يبغض نفسه= أي يفعل ضد مصلحته فالله سيعاقبه ( لا1:5) فمن يعرف مجرم ويخفي هذه الحقيقة فذنبه كذنب هذا المجرم أمام الله خاصة أنه حلف.

 

آية (25): “خشية الإنسان تضع شركاً والمتكل على الرب يرفع.”

خشية إنسان تجعل الخائف يشهد خطأ ليجامله وهذا يكون للخائف شركاً. أما خوف الله يرفع الإنسان. بل أن خوف الإنسان من الإنسان قد يدفع لإنكار الله (بطرس أنكر لخوفه وإبراهيم أنكر زوجته) وقد يدفع للشهادة الزور وظلم الأبرياء. فلنحذر لئلا نخاف إنساناً أو رئيساً أو جماعة إذا كان في هذا ما يخالف وصايا الله (دا16:3 + لو5:12).

 

آية (26): “كثيرون يطلبون وجه المتسلط أما حق الإنسان فمن الرب.”

من يطلب وجه المتسلط هو من يخشى الإنسان (آية25) ولكن كل إنسان هو فانٍ. ربما يفعل هذا حتى يحصل على حقه ولكن علينا أن نعطي كل ذي حقٍ حقه ونحترم المتسلط ولكن لنعلم أن حق الإنسان هو من عند الرب وليس من إنسان، إنما قد يكون بواسطة إنسان بأمر الرب.

 

آية (27): “الرجل الظالم مكرهة الصديقين والمستقيم الطريق مكرهة الشرير.”

كل منهما يناقض الآخر فلا تقابل بين نسل المرأة ونسل الحية، طريقهما مختلف.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى