تفسير سفر الأمثال ٣١ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الحادي والثلاثون
آية (1): “كلام لموئيل ملك مسا علمته إياه أمه.”
هنا أيضاً ينقسم المفسرين لقسمين في شخص لموئيل والرأيين هما:
1) هو ملك على قبيلة مسا، ملك مجهول. ولكن ليس ملكاً على يهوذا فلا يوجد ملك بهذا الاسم. ولكنه أوحي له بالروح القدس أن يكتب ما كتبه.
2) كلمة لموئيل تعني مع الله أو لله. وقالوا هو كناية أيضاً عن سليمان. وأن أمه بثشبع كانت تعلمه إياه كتعاليم وإرشادات ولكنه وضع هذه الكلمات بهذه الصورة بوحي من الروح القدس. وهؤلاء يفهمون كلمة مسا بمعني وحي أو وسيط الوحي.
آية (2): “ماذا يا ابني ثم ماذا يا ابن رحمي ثم ماذا يا ابن نذوري.”
كلمة ماذا مكررة (3مرات) هنا للتشديد على أهمية ما ستقول لابنها ليسلك مسلكاً قويماً إذ ملك وهو شاب. يا ابن نذوري= ربما هي نذرت بعد موت ابن خطيئتها، أن يكون علامة غفران الله لها أن يعطيها إبناً ونذرت نذوراً لأجل ذلك. ولما جاء الابن شعرت برضا الله وغفرانه وقررت تنشئة ابنها بحسب خوف الله، خاصة بعدما أخبرها ناثان النبي انه ابن له محبة خاصة من الله (2صم25:12). ابن نذوري= الابن الذي أعطانيه الرب استجابة لنذوري (2صم11:1). وربما اسم لموئيل هو اسم اعتادت بثشبع أن تنادي به ابنها بعد أن عرفت محبة الله الخاصة له. وماذا التي تكررت (3مرات) تعني ماذا يجب أن أقول لك.. أنا لأهمية ما سأقول أفكر جيداً لأنتقي الكلام المناسب. يا ابن رحمي= فأنا أمك التي تحبك أكثر من الجميع لذلك أنصحك وأعلمك. ولكن إذا كنا قد رأينا في الإصحاح السابق عمل المسيح مع النفس أو مع كنيسته ورأينا في نهاية الإصحاح (32:30،33) بعض النصائح نرى هنا نصائح أخرى من الكنيسة لأولادها. الكنيسة الأم التي تلد أولادها في المعمودية (رحمها). وأولادها هم أولاد نذورها فالكنيسة عروس المسيح هي مكرسة ومخصصة له. والكنيسة الأم في محبتها توصي كل ابن من أولادها. ونلاحظ أن كل مولود معمد يدهن بالميرون فيصبح مكرس لله أي لله= لموئيل فاسم لموئيل يطلق على كل من تعمد وحل عليه الروح القدس وصار مكرساً مخصصاً لله نُذِر له وعليه أن يسلك بحسب وصايا أمه الكنيسة ولا يجري وراء شهوات العالم ليظل ملكاً على نفسه.
الآيات (3-9): “لا تعط حيلك للنساء ولا طرقك لمهلكات الملوك. ليس للملوك يا لموئيل ليس للملوك أن يشربوا خمراً ولا للعظماء المسكر. لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة. أعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمري النفس. يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد. افتح فمك لأجل الأخرس في دعوى كل يتيم. افتح فمك اقض بالعدل وحام عن الفقير والمسكين.”
ربما أن أم سليمان لاحظت أن إبنها في شبابه ميال للنساء وللخمر. وهي هنا توجهه أنه وهو ملك يقود شعباً لا يجب أن يكون هذا هو إتجاه حياته. وتحذير الأم هنا هو تحذير ضد الإفراط في الجري وراء الشهوات. وهذا ما سبق ونبه عليه موسى النبي لمن يملك (تث17:17) لكن للأسف فإن سليمان لم يستجب لهذه الوصايا فسقط. ومعنى التحذيرات هنا أن من شاء أن يحكم أمة وشعباً عليه أن يحكم نفسه أولاً ورغباته. فالخمر يظلم الفكر ويشل المواهب. ومن يشرب بإفراط يكون عرضة لنسيان الشريعة وغير لائق بأن يحكم شعبه. لا تعط حيلك للنساء= مالك وصحتك ووقتك وعواطفك. فهذه يجب أن يعطيها لله، وعقله يجب أن يحفظه ليحكم شعبه. مهلكات الملوك= النساء الكثيرات إعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمرى النفس. يشرب وينسى= هي سخرية من الملك الذي يسكر فينسى الشريعة ويحكم ظلماً. والمعنى عوضاً عن أن تعطوا الخمر للملك فيسكر. إعطوها لمن ظلمهم في سكره لينسوا مظالمه. والآيات (6،7). قطعاً لا تعني أن الخمر فيه علاج للمظلوم بل هو سخرية من ملك ظالم بسبب سكره. ولذلك تأتي الآيات (8،9) لتطلب إنصاف المظلوم. وأن على الملك أو من يقضي أن يكون متنبهاً ليحكم بالعدل فيهتم بذوي العاهات والأيتام والمظلومين= الأخرس واليتيم والفقير والمسكين فالديانة الحقيقية هي افتقاد هؤلاء (يع27:1)
إعطوا مسكراً لهالك= على كل مسيحي خادم لله أن يمتلئ بالروح فيمتلئ فرحاً وسلاماً ثم عليه أن يفيض ويوزع فرحاً ومعرفة الرب لكل مري النفس ليفرحوا بالرب. فعطايا أولاد الله هي ليست عطايا مادية فقط بل عطايا روحية يعزون بها المتألمين ويفرحونهم. إلا أن اليهود فهموا هذه الآية حرفياً وطبقوها على المصلوبين المحكوم عليهم بالموت فكانوا يسقونهم خلاً كما فعلوا مع المسيح. عموماً ملخص وصاياي الكنيسة لأولادها هي:
1- الابتعاد عن الشهوات (النساء رمز لها).
2- الابتعاد عن الأفراح العالمية (الخمر رمز لها).
ومن يفعل سيتذوق الأفراح الروحية واللذات الروحية.
الآيات (10-31) المرأة الفاضلة:
موضوع هذه الآيات هو المرأة الفاضلة. وهذا الجزء هو بمثابة قصيدة شعرية من 22 بيتاً تبدأ بالحروف الأبجدية العبرية. فكل آية هي بيت يبدأ بحرف من الأبجدية العبرية. وهو أسلوب يستخدمه العبرانيون واستخدم في الكتاب المقدس (مزمور 119 + مراثي أرمياء) وملخص هذه الآيات تجده في العهد الجديد في (1تي9:2،10 + 1بط1:3-6) ومن هي المرأة الفاضلة إلا الكنيسة عروس المسيح التي جعلها كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن.. مقدسة بلا عيب (أف26:5،27). هذه المرأة الفاضلة هنا رمز للكنيسة التي فداها المسيح بدمه ليطهرها. وإذا تسلك كما يرضيه يجد فيها فرحه وهي تجد فيه كفايتها، هي ميراثه وهو كل شئ لها.
هذه الآيات في نهاية سفر الأمثال سفر الحكمة في منتهى المناسبة. فمن يسلك بالحكمة سيكون هو عروس المسيح. السفر كله يحدثنا كيف نسلك بحكمة ولكن الإنسان الخاطئ فشل في أن يسلك بهذه الحكمة. فنجد في إصحاح (30) عمل المسيح ونجد هنا عروس المسيح. في إصحاح (30) نجد عمل المسيح الفدائي للإنسان الذي فشل في إقتناء الحكمة فنزل له المسيح ليعطيه نفسه، ليعطيه الحكمة. وفي إصحاح (31) نجد مواصفات من يقبل المسيح ويثبت فيه ويصير عروس للمسيح.
الآيات (10-12): “امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ. بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى غنيمة. تصنع له خيراً لا شراً كل أيام حياتها.”
فاضلة= وفية/ محبة/ عفيفة/ خدومة/ يمكن الاعتماد عليها/ نشيطة/ تحب زوجها لا يحتاج إلى غنيمة= هي قنوعة لا تطلب ولا تكلف زوجها الكثير، فلا يحتاج زوجها لغنيمة أو أشياء نفيسة غالية ليرضيها. والنفس التي أحبت المسيح تقول له “معك لا أريد شيئاً في الأرض” هي قانعة بأقل القليل فهي وجدت من تحبه نفسها، اللؤلؤة غالية الثمن، أي المسيح، فهل تطلب أي شئ مادي تعلم أنه فانٍ.
الآيات (13-15): “تطلب صوفاً وكتاناً وتشتغل بيدين راضيتين. هي كسفن التاجر تجلب طعامها من بعيد. وتقوم إذ الليل بعد وتعطي أكلاً لأهل بيتها وفريضة لفتياتها.”
نرى هنا صورة خدمة المحبة فهي تخدم أهل بيتها بيديها. وهي كسفن التجار التي تأتي محملة بسبب تجارتها الرابحة. وهكذا جال الرسل ليبشروا العالم وأتوا بكل هؤلاء المؤمنين وربحوا كل هذه النفوس للمسيح بتجارتهم أي كرازتهم. والكنيسة تعطي طعاماً مشبعاً لأودلاها (كلمة الله/ الأسرار.. ). ولكن لاحظ تعب خدام الكنيسة فهم يقومون مبكراً= وإذ الليل بعد= هي كنيسة ساهرة على أولادها وتصلي لأجلهم.
آية (16): “تتأمل حقلاً فتأخذه وبثمر يديها تغرس كرماً.”
المرأة الذكية تضاعف مقتنيات زوجها، حقوله وأملاكه لضمان مستقبل أولادها الذين سيتزايد عددهم وسيحتاجون إلى أراضي أكثر. والكنيسة سيتضاعف فيها عدد المؤمنين، ولذلك تتاجر بوزناتها ولا تخفيها في التراب.
آية (17): “تنطق حقويها بالقوة وتشدد ذراعيها.”
هي نفس مكرسة مستعدة دائماً للخدمة. وكلمة الرب تسيطر على أحقاء ذهنها.
آية (18): “تشعر أن تجارتها جيدة سراجها لا ينطفئ في الليل.”
هي ساهرة دائماً لذلك لا تطفئ سراجها. والكنيسة نور للعالم وسط ظلمته.
الآيات (19-21): “تمد يديها إلى المغزل وتمسك كفاها بالفلكة. تبسط كفيها للفقير وتمد يديها إلى المسكين. لا تخشى على بيتها من الثلج لأن كل أهل بيتها لابسون حللاً.”
الفلكة= هي رأس المغزل التي تمسك بها الخيط عند الغزل. هي تكسو الجميع، ليس فقط أهل بيتها بل كل مسكين وفقير. لا تخشى على بيتها من الثلج= فهي قد غزلت لهم ما يدفئهم. والكنيسة بخدمتها لا تخاف على أولادها من أيام البرودة الروحية.
آية (22): “تعمل لنفسها موشيات لبسها بوص وأرجوان.”
تعمل لنفسها= جهاد. لبسها بوص= هذا عمل نعمة المسيح أن كسانا براً. فالبوص هو الكتان الأبيض هو لبس الكهنة وهو رمز الطهارة. وأرجوان= لبس الملوك= كنيسة ملوك وكهنة.
آية (23): “زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض.”
الأبواب= القضاة يجلسون في الأبواب. والمسيح عريس الكنيسة هو الديان. الذي يحترمه كل ملوك الأرض فهو ملك الملوك. ولاحظ أن المرأة حين تكون مواصفاتها كهذه يحترم الناس زوجها “لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات”.
آية (24): “تصنع قمصاناً وتبيعها وتعرض مناطق على الكنعاني.”
تصنع للغرباء فهي لديها فائض للغير.
آية (25): “العز والبهاء لباسها وتضحك على الزمن الآتي.”
العز والبهاء لباسها= هي تلبس الرب يسوع، هو قداستها وبرها. تضحك على الزمن الآتيهي لا تخشى المستقبل أو الغد وكيف تخشى وعريسها هو ملك الملوك.
آية (26): “تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف.”
تنسكب النعمة على شفتيها بكلمات محبة ورحمة ولطف وشهادة للمسيح وعمله.
آية (27): “تراقب طرق أهل بيتها ولا تأكل خبز الكسل.”
الكنيسة تهتم بحياة كل واحد في جهاد دون كسل، حتى لا ينحرف أحد ويغويه عدو الخير.
الآيات (28،29): “يقوم أولادها ويطوبونها زوجها أيضا فيمدحها. بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعاً.”
حينما يكبر أولادها سيشهدون لها، ربما تؤدب الكنيسة أولادها ولكن هذا من محبتها، ومتى كبر الأولاد سيشعرون بقيمة ما قدمته لهم أمهم الكنيسة. أنت فقت عليهن لقد فاقت الكنيسة اليهود والأمم وكل الأجيال التي سبقت اليهود (قبل دعوة إبراهيم) وهذا ما قيل عن الكنيسة (أف27:5).
الآيات (30،31): “الحسن غش والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح. أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب.”
نرى هنا السر في جمالها أنها تتقي الرب، وهذا بداية الحكمة، محور سفر الأمثال. ونلاحظ أن الله لا يهتم بالمظاهر الخارجية إنما القلب الذي يتقيه.
أعطوها من ثمر يديها= هذه الكنيسة الأمينة أو النفس الأمينة ستسمع صوت عريسها يقول لها “نعماً أيها العبد الصالح الأمين.. إدخل إلى فرح سيدك” فلننظر إلى ثمر أيدينا لأننا سنأخذ منه.. فهل يندم أحد على ليالي السهر والجهاد.
تفسير أمثال 30 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
فهرس |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |