تفسير سفر الأمثال ٥ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الخامس
الآيات (1-14):
“يا ابني أصغ إلى حكمتي أمل أذنك إلى فهمي. لحفظ التدابير ولتحفظ شفتاك معرفة. لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها انعم من الزيت. لكن عاقبتها مرة كالافسنتين حادة كسيف ذي حدين. قدماها تنحدران إلى الموت خطواتها تتمسك بالهاوية. لئلا تتأمل طريق الحياة تمايلت خطواتها ولا تشعر. والآن أيها البنون اسمعوا لي ولا ترتدوا عن كلمات فمي. ابعد طريقك عنها ولا تقرب إلى باب بيتها. لئلا تعطي زهرك لآخرين وسنينك للقاسي. لئلا تشبع الأجانب من قوتك وتكون أتعابك في بيت غريب. فتنوح في أواخرك عند فناء لحمك وجسمك. فتقول كيف أني أبغضت الأدب ورذل قلبي التوبيخ. ولم اسمع لصوت مرشدي ولم أمل أذني إلى معلمي. لولا قليل لكنت في كل شر في وسط الزمرة والجماعة.”
تحذير من المرأة الأجنبية
سبق أن نبه سليمان لهذه النقطة في (ص2). وهنا يفرد لها موضوعاً خاصاً لأهميتها ويستفيض في الكلام عن الموضوع فكثيرين يسقطون في هذا الشرك المخادع. ولأهمية الموضوع يكرر سليمان التحذير بخصوصه، بل في الآيات (1،2) نرى تركيز على شدة الحرص في مواجهة هذه الخطية، فالأمر يحتاج إلى حكمة وفهم وتدابير ومعرفة. ونلاحظ أن من له هذه سيرفض الخطية وبالتالي تزداد حكمته وفهمه، فمن يحفظ نفسه طاهراً تكون له حكمة وفهم والعكس فمن يسلك مندفعاً وراء شهوته يفقد ما كان عنده من حكمة وفهم.. فإن من له سيعطى ويزاد، وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه (مت12:13)
تقطران عسلاً= كلمات الزانية معسولة بقصد التملق، والشهوة الجسدية لها إغرائها الشديد وهو عسل غاش مسموم، أما العروس الحقيقية فصلواتها وتسابيحها فهي شهد حقيقي (نش11:4) وتحت لسانها عسل حقيقي. أنعم من الزيت= كلماتها رقيقة، ولكنها عاطفة غاشة خادعة قاتلة لمن ينخدع بها (مز21:55). ولنلاحظ أن طريق الخطية هو له هذه المواصفات، طريق فيه لذة، ناعم، مخادع ولكن نهاية هذه الطرق ونتائجها مرة جداً= عاقبتها مرة كالإفسنتين= والإفسنتين كلمة فارسية معناها بالعربية علقم وتشير هذه الكلمة في العهد القديم للألم. حادة كسيف= أي مؤلمة للضمير، فنتائج الخطية دائماً حزن في الداخل ومرار، وفي الخارج متاعب لا حصر لها. فما هو حلو في الفم (عسل الخطية أي الشهوة) إذا دخل للداخل (لو نُفِّذّتْ الخطية فعلاً) يكون في الداخل مرارة (مت28:5-30). وما هي نتيجة هذا الطريق الهاوية= الموت والهلاك في جهنم. ولنلاحظ خطة إبليس التقليدية في (آية6).
لئلا تتأمل طريق الحياة تمايلت خطواتها ولا تشعر= الخطية مراوغة ومخاتلة، تغير طرقها وأساليبها، وهي دائماً تخدع بخداعات ولذات متنوعة لتشغل بها عيون الجهلاء فيظلوا مفتونين بإغراءاتها، ناظرين إلى خداعاتها، ناسين أو تاركين النظر إلى طريق الحياة، فهم لو انتبهوا لطريق الحياة لتركوا الخطية. بل كلما اكتشفوا مرارة حالهم تخدعهم الخطية بغواية جديدة قبل أن يفكروا أن يتركوها. وأسلوب الغواية المستمر وإثارة الغرائز الشهوانية المستمر هدفه أن لا يعطي إبليس فرصة للإنسان أن يفكر في [1] مرارة الطريق الذي هو فيه، صحيح فهناك لذات حسية لكن يسود الحياة نوع من المرار [2] حلاوة الطريق الذي يسلكه أولاد الله وكيف هم ناجحون فرحون وفي سلام [3] أن الإنسان قد يموت في أي لحظة ويقف أمام الله ليحاسب. إذاً هدف الغواية المستمرة أن لا تكون للإنسان فرصة للتفكير، فلو فكر لعرف أن طريقه هو طريق الهلاك.
ولاحظ في الآيات (7،8) أيها البنون.. أبعد طريقك. ومعنى هذا أن سليمان يوجه تحذيراً شخصياً لكل واحد. لئلا تعطي زهرك لآخرين= نضارة شبابك وزهرة عمرك أي أفضل سنى شبابك. وسنينك للقاسي= أي افضل سنى الشباب والقوة يضيعوا في طريق الشر، ومن يقبل من يد عدو الخير خطايا ولذات جسدانية يقع تحت عبودية عدو الخير، وهو يذل من يسقط تحت يده، وهو حين يسود الإنسان يصير سيد قاسي (أش13:26 هي صرخة من استعبده إبليس). والمسيح أتى ليدفع الثمن ويشترينا ويحررنا من يد إبليس. والله كسيد يحرر عبيده، أما إبليس فهو يذل كسيد قاسي من يسقط تحت يده. وقارن مع قول السيد المسيح “رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ”.. ولماذا.. لأنه بلا خطية فهو القائل “من منكم يبكتني على خطية” ولنذكر أن إبليس حين عرض على المسيح أن يعطيه كل ممالك العالم، رفض ثم انتهره قائلاً “إذهب عني يا إبليس” أما كل من يقبل لذات من يد إبليس يذله إبليس وهذا هو سر المرار الذي يعيش فيه الخاطئ. لئلا تشبع الأجانب من قوتك= مالك وصحتك، بل أمراض الزنا أمراض صعبة. أتعابك في بيت غريب= ثمرة تعبك وعملك تذهب لبيت الزانية ولا يستفيد بها أولادك. ومن هم الأجانب أو بيت الغريب الذي تذهب له أموالك؟ الزنا والعنف والوحشية دائماً متلازمين، وعصابات الأشرار تكثر في أماكن الزنا، ومن يذهب لهذه الأماكن يتعرض لهذه العصابات وقد تفقده حياته.
وفي الآيات (11-14) نجد صورة لزاني في أواخر أيامه، هو ربما تاب عن طريق شره أو ريما أنهكته الأمراض وخسر كل ممتلكاته، عموماً مثل هذا الإنسان عليه أن يشكر الله أن العمر مازال فيه بقية وعليه أن ينتهز الفرصة ويقدم توبة. وهو في ضعفه في أواخر عمره ينوح فصحته قد ضاعت= فناء لحمك وجسمك. ويندم على أنه لم يستجيب لمن كان يوبخه على مسلكه (آية12). ولم يسمع لصوت مرشده أن يكف عن طريقه الشرير (آية13). لولا قليل لكنت في شر= لولا رحمة الله لكنت الآن قد هلكت [1] إما رجماً وهذه عقوبة الشريعة ضد الزناة. [2] أو هلكت من أشرار هذا الطريق أو شروره وأمراضه. فهو الآن يشكر الله على أنه مازال في العمر بقية يقدم فيها توبة، وأن نهايته كان يمكن أن تكون أشر (لا10:22 + يو5:8). مثل هذا الإنسان حقاً هو تاب وتوبته ستكون مقبولة (فهو من أصحاب الساعة الحادية عشرة) ولكن لننظر كيف قضى حياته، فلقد خسر ثروته وصحته وعاش بفكر مشوش خائف مضطرب، عاش في جهل روحي وعدم حكمة كانت سبباً في تخبطه في كل أموره، بلا تمييز، بلا سلام، عاش كغريب وسط شعب الله، فاشلاً في أموره حتى العملية. في وسط الزمرة والجماعة= وسط زمرة الهالكين، أو وسط زمرة المتهمين أمام القضاء.
الآيات (15-23):
“اشرب مياها من جبك ومياها جارية من بئرك. لا تفض ينابيعك إلى الخارج سواقي مياه في الشوارع. لتكن لك وحدك وليس لاجانب معك. ليكن ينبوعك مباركاً وافرح بامرأة شبابك. الظبية المحبوبة والوعلة الزهية ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما. فلم تفتن يا ابني بأجنبية وتحتضن غريبة. لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله. الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يمسك. انه يموت من عدم الأدب وبفرط حمقه يتهور.”
في صورة مضادة لما سبق عن المرأة الأجنبية يحدثنا الحكيم هنا عن المحبة الزوجية المباركة التي يباركها الله (عب4:13)
جبك.. بئرك= كناية عن الزوجة الشرعية (أش1:51،2 + نش12:4) لا تفض ينابيعك إلى الخارج، سواقي مياه في الشوارع= ينابيعك قول مجاز يكني به عن القوى البشرية وبالذات القوة التناسيلة التي يجب أن تستخدم بطهارة في الزواج فقط لإيجاد بنين كثمرة لهذا الزواج، وكثرة البنين علامة بركة من الله في العهد القديم وقوله ينابيع إشارة لكثرة الأولاد (أش1:48 نجد اليهود من مياه يهوذا). ومن يحيا في نجاسة إما أن يحرمه الله من الأولاد أن يضيع أولاده ويفسدون في الشوارع فالمياه (الأولاد) تجري من ينبوع (هو أنت) فلا تضيع أولادك بجريك وراء شهواتك (راجع هو10:4). وصورة البيت الذي يحيا في طهارة والبركة فيه نجدها في (مز128) لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك= هناك آية مرعبة في (عو15) كما فعلت يفعل بك، وهكذا قال أيوب ليدافع عن نفسه وأنه لم يزني (أي9:31-12) وهنا يطلب الحكيم أن يبتعد الإنسان عن خطية الزنا ليحمي بيته، ونلاحظ أن داود زنا مع بثشبع فزنا ابنه مع بنته، أي دخل الزنا بيته، لكنه هو الذي أدخله. ومن عاش في طهارة تكون زوجته له وحده= لتكن لك وحدك. وأولادك أيضاً يكونوا مباركين تفرح بهم ويكونوا لك وحدك ناجحين تفرح بهم.
ليكن ينبوعك مباركاً= أي زوجتك التي تستمد منها أفراحك، وتحصل منها على الماء الذي يطفئ شهواتك. ولتكن زوجتك مباركة بالنسل الكثير ولتكن حياتكم كلها فرح وبركة. الظبية المحبوبة= الله يعطي للعائلة التي تتقدس بطهارة أن تفرح ويتبادل الزوج والزوجة الحب في فرح، والظبية أي الغزال رمزاً للخفة والجمال (نش5:4،17) الوعلة الزاهية= هي أنثى الوعل وهو نوع من الغزلان يشبه الماعز ويمتاز بالرشاقة والمعنى أن الرجل يكون مكتفياً بزوجته شاعراً أنها أجمل زوجة في العالم. ليروك ثدياها= كناية عن المحبة والحنان. فالزوج الطاهر يفرح بمحبة زوجته ويكتفي بها بمحبتها أسكر= هو مجاز كناية عن فرط التمتع بالمحبة، مع شعور عميق بسعادة تغمر الكيان كله، ونلاحظ هنا حالة الشبع والرضا، مع حالة عدم الشبع في حالة الزنا فالماء المقدس يروي أما مياه العالم لا تشبع ولا تروي. ولنلاحظ أن الله يسمح بأن نأكل ونشبع من شجرة واحدة والطبيعة تقول أن هذا يكفي، ولكن الشهوة لن تكتفي أو تشبع ولو أكلت من كل الشجر. وما أجمل أن يعيش الزوجان في بيت صلاة، بيت بركة، بيت طهارة فأفراحهم ستكون أفراح حقيقية.
لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب= الله يكافئ من يحيا في طهارة بأن تكون حياته كلها فرح وبركة، مثل يوسف الصديق. فالله يكافئ من يكتفي ويقنع بزوجته أو بما أعطاه له الله ولا يشتهي امرأة قريبه أو مقتناه.
تفسير أمثال 4 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 6 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |