تفسير سفر الأمثال ٧ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح السابع
إصحاح آخر ضد الزنى فالله يعلم خطورة هذه الخطية، والله بهذا يفتح عيني كل شاب وكل فتاة ليرى الشراك التي تنصب له، ونلاحظ أن سليمان هنا قد يكون متذكراً ما حدث مع أبيه كأثار مدمرة لحياته بسبب خطية الزنا.
الآيات (1-5):
“يا ابني احفظ كلامي واذخر وصاياي عندك. احفظ وصاياي فتحيا وشريعتي كحدقة عينك. اربطها على أصابعك اكتبها على لوح قلبك. قل للحكمة أنت أختي وادع الفهم ذا قرابة. لتحفظك من المرأة الأجنبية من الغريبة الملقة بكلامها.”
حدقة العين= أي الوصية غالية جداً فإحفظها كما تحفظ حدقة عينك والله استخدم نفس التشبيه حين أراد أن يعبر كيف يحمي شعبه (زك8:2). ونفهم:
1- أن من يحفظ الوصية يحفظه الله هكذا.
2- الوصية هي نور للعين، نور لسبيلنا، بها لا نضل وبدونها نضل ونعثر وقد نموت.
أربطها على أصابعك= تسير بها في كل مكان. كخاتم زواج لا يفارق يدك، وكخاتم ثمين غالي لا تفرط فيه. والأصابع هي أداة التنفيذ عند الإنسان، والمعنى فليكن كل عمل تقوم به بحسب الوصايا الإلهية. أكتبها على لوح قلبك= المقصود ليس قراءة كلمة الله قراءة عابرة بل حفظها في القلب، بل لتكن كالغذاء اليومي.
أختي= تعبير عن أقدس العلاقات وعن الثقة والمحبة. ذا قرابة= كبوعز صديق مخلص يحلو لك الجلوس معه والحديث معه. وهنا ينبه الحكيم أن تكون علاقتنا بالوصية كمعرفة شخصية وثيقة كمعرفة الأقارب، وهذا لا يأتي إلا بالعشرة مع الوصية وممارستها فأنا أحيا مع أقربائي ولا أسمع عنهم، بل أعايشهم. ولنقارن بين الوصية التي تضمن لنا الحياة كأكثر الناس محبة لنا، وبين المرأة الأجنبية التي تغوينا لتقودنا للهلاك.
الآيات (6-23):
“لأني من كوة بيتي من وراء شباكي تطلعت. فرأيت بين الجهال لاحظت بين البنين غلاماً عديم الفهم. عابراً في الشارع عند زاويتها وصاعداً في طريق بيتها. في العشاء في مساء اليوم في حدقة الليل والظلام. وإذا بامرأة استقبلته في زي زانية وخبيثة القلب. صخابة هي وجامحة في بيتها لا تستقر قدماها. تارة في الخارج وأخرى في الشوارع وعند كل زاوية تكمن. فأمسكته وقبلته أوقحت وجهها وقالت له. علي ذبائح السلامة اليوم أوفيت نذوري. فلذلك خرجت للقائك لأطلب وجهك حتى أجدك. بالديباج فرشت سريري بموشى كتان من مصر. عطرت فراشي بمر وعود وقرفة. هلم نرتو ودا إلى الصباح نتلذذ بالحب. لأن الرجل ليس في البيت ذهب في طريق بعيدة. اخذ صرة الفضة بيده يوم الهلال يأتي إلى بيته. أغوته بكثرة فنونها بملث شفتيها طوحته. ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح أو كالغبي إلى قيد القصاص. حتى يشق سهم كبده كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري انه لنفسه.”
هذا الفصل يُصِّور شاهد عيان يرى من وراء كوَّة بيته= أي شراعة الباب، كيف سقط شاب ضحية امرأة أجنبية زانية. وهو تصوير بصورة ماهرة.
الآيات (7-9): مواصفات الشاب الساقط:
- i) غلام= أي في سن الشهوة المتقدة، والشهوة هي طاقة حب لو استغلها الشباب في هذه السن لصاروا قديسين.
- ii) بين الجهال= هذا الغلام وجد صحبة من الأشرار الجهلاء، إذاً هي صحبة رديئة.
iii) عديم الفهم= “هلك شعبي من عدم المعرفة” (هو6:4) فمن لا يعرف كيف يتعامل مع شهوته، فهو في خطر أن ينجذب للشر، ومن لا يعرف نتائج خطية الزنا وأنها خراب مؤكد، هو معرض أن ينخدع من شهوته. (يع14:1)
iv)عابراً في الشارع= نجد هذا الشاب يتسكع في الطرقات بلا هدف من العشاء= الغروب وحتى منتصف الليل= في حدقة الليل. (هكذا كان أهل سدوم في الشوارع يطلبون خطية تك4:19،5) وقارن مع (حز49:16). “ونعود للمثل العامي اليد العاطلة نجسة” فهذه المواصفات لو تجمعت في شاب يسهل وقوعه في الخطية، بل حين يجد هذه المرأة الأجنبية الزانية سيظن أنه وجد كنزاً وهو لا يدري أنه وجد الموت والهاوية.
الآيات (10-23) تصوير خداع المرأة الزانية للشاب:
هذا الشاب المتسكع الذي بلا هدف، بل في صحبة الأشرار تجري وراءه الخطية ساعية إليه لتسقطه= وإذا بامرأة استقبلته= هي سعت إليه وهو ظن أنه وجد غنيمة. صخابة= تصيح وتغني كأنها فرحة. جامحة= لا يمكن ضبطها كثورٍ جامح، بسبب شهوتها (هو16:4). لا تستقر قدماها= لا تستطيع أن تلازم بيتها، وهذه الصفة عكس ما ذُكِرَ عن المرأة الفاضلة (تي5:2). أمسكته وقبلته= كما لو كانت تحبه. أوقحت وجهها= كان كلامها بوقاحة وقلة حياء. علىّ ذبائح السلامة= كان لحم ذبيحة السلامة بحسب الشريعة يجب أن يؤكل في نفس اليوم، وكأنها تقول عندي من لحم ذبيحة السلامة فتعال وشاركني. اليوم أوفيت نذوري= أي بتقديمها ذبيحة السلامة أوفت نذراً كان عليها أن توفيه!! هل هناك شر ووقاحة أكثر من استعمال الدين في خداع البسطاء، فهي تستغل الدين لتدعوه ليأكل معها (وفي هذا تشبه من ينتهز فرصة الأعياد المقدسة ليقضيها في الخلاعة والمجون). ونلاحظ أن ممارسة الدين بشكل ظاهري، أي العبادة الشكلية تقود لقسوة القلب هكذا، بل تقود لأن يستغل الدين استغلالاً سيئاً. خرجت للقائك= لتدعوه ليأكل معها ذبيحة السلامة. الديباج بعد أن دخل الشاب للمصيدة بحجة الأكل من ذبيحة السلامة تحول كلام المرأة بطريقة مباشرة لتدعوه للزنا معها على السرير المزين بالديباج وهو قماش مزركش من الحرير غالي الثمن. موشى كتان من مصر= مفارش مخططة غالية مصنوعة من الكتان الذي تشتهر به مصر. عطرت فراشي= بروائح عطرية للترغيب في الدنس. لأن الرجل ليس في البيت= أي زوجها الغائب وتدعوه الرجل ويدل هذا الأسلوب على عدم الاحترام بعكس سارة التي كانت تقول عن إبراهيم “سيدي”. ذهب في طريق بعيدة= سافر في عمله أو تجارته. أخذ صرة الفضة بيده=أخذ كيس نقوده للتجارة. يوم الهلال يأتي إلى بيته= أي سيطول غيابه وسيأتي في يوم الهلال التالي. كل هذه محاولات لتصوير أن طريق الخطية آمن، وهذا أسلوب إبليس دائماً، كما قال لحواء.. لا تموتا. ملث شفتيها= الكلام المعسول الناعم، المداهنة. طوحت به= جعلته يستسلم ويسقط أخيراً كثور يذهب إلى الذبح= هو كان يظن أنه وجد غنيمة وإندفع نحوها كثورٍ هائج ولكنه لم يدري أنه كان كثورٍ مساق إلى الذبح، فالثور يأخذونه للذبح وهو يظن أنهم يأخذونه للمرعى ليأكل، والزاني يذهب لخرابه وهو يظن أنه ذاهب للذته. كالغبي إلى قيد القصاص= كان يظن أن هذه فرصته والزوج غائب وإذا به يذهب لقصاصه مقيداً برباطات شهوته وخطيته كان كالغبي مقيداً ذاهباً لقصاصه وهو غير فاهم، مغلوباً على أمره. ولا يدي أنه لنفسه= لا يدري أن الفخ كان منصوباً لاقتناصه وهلاك نفسه، فالموت في خزي هو عقوبة الزاني.
الآيات (24-27):
“والآن أيها الأبناء اسمعوا لي وأصغوا لكلمات فمي. لا يمل قلبك إلى طرقها ولا تشرد في مسالكها. لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. طرق الهاوية بيتها هابطة إلى خدور الموت.”
طريق الزني طريق موت، ومصير الزاني الأبدي هو هلاك الروح والخطية قتلاها أقوياء= بل كان سليمان واحداً منهم.
تفسير أمثال 6 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 8 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |