تفسير المزمور 57 للقمص تادرس يعقوب ملطي

في وسط الأشبال
أو
فرح المرتل بالمسيَّا مخلصه

 

مناسبته

أنشد داود هذا المزمور حين كان مختفيًا في كهف، كما جاء في العنوان، سواء في كهف عدلام (1 صم 22: 1-5) أو كهف عين جدي (1 صم 24: 1-22). ووقع شاول مطارده في يده ولم يقتله. وربما يمثل هذا المزمور حياة داود بوجه عام، حيث كان يلجأ إلى كهوف بلده.

كان داود هاربًا من وجه شاول، وكأنه كان يتمم ما قاله رب المجد: “متى طردوكم في هذه المدينة، فاهربوا إلى الأخرى” (مت 10: 41). كان داود يهرب من وجه شاول، حتى لا يثير غضبه بحضوره أمامه.

يكشف المزمور عن الخطر الذي أحدق به، كما عبَّر عنه. “إنه كخطوة بيني وبين الموت” (1 صم 20: 4)؛ وعن مدى رعاية الله له وسط المخاطر.

مفتاح هذا المزمور هو القرار: “ارتفع اللهم على السماوات، وعلى سائر الأرض مجدك” [5، 11]. ففي وسط المتاعب يتمجد الله الساكن في السماوات، العالي بظهوره وتجليه في حياتنا وسط الآلام. وإن كنا على الأرض وسط الأسود أو الأشبال، لكن فرحنا لا ينقطع، من أجل ذاك الذي يخلص نفوسنا من بين الأشبال، ويدفع بالعدو الشرير في ذات الحفرة التي أعدها لنا.

ما يشغل قلب داود المرتل وسط ضيقه هو علاقته بالله نفسه. يبدأ داود بالصراخ إليه، طالبًا مراحمه الإلهية، مع شهادته بثقته العظيمة في الله سامع الصلوات وصرخات القلب [1]. إن كان يصف أعداءه كأسود [4] مفترسة، فإنه يقدم الشكر لله مقدمًا، وكأن خلاصه قد تحقق فعلًا [5]. في نفس الوقت ما يشغله أن يأتي اليوم الذي فيه يسبح الله مع شعبه [6-10].

مزمور مسياني

إذ اُقتبست الآية 9 في العهد الجديد يرى كثير من الدارسين أن المزمور مسياني. فإن كان داود غالبًا ومنتصرًا، فبالأولى يكون ابن داود هكذا إذ غلب لحسابنا. وإن كان داود قد اخضع كل أعدائه، فبالأكثر هكذا صنع السيد المسيح بصليبه وقيامته من أجلنا(141).

يرى كثير من الآباء أن داود المختفي في المغارة، والغالب بتواضعه الملك شاول وكل جنوده امتلأ فرحًا وتهليلًا، لا من أجل نصرته على شاول، وإنما لأنه شاهد بعين النبوة المسيّا وقد جاء مختفيًا في الناسوت، ليعلن النصرة على إبليس وجنوده.

النبوات الواردة في هذا المزمور عن ابن داود

أ. أُعلن عن عنوان علة صلب السيد المسيح في عنوان هذا المزمور.

ب. أشير أيضًا في عنوان المزمور إلى نصرة المسيح المصلوب بتحطيم إبليس “حتى النهاية“.

ج. أشار عنوان المزمور إلى تجسد الكلمة، مع إخفاء لاهوته كما “في مغارة“.

د. صلب المسيح يعلن عن فيض الرحمة الإلهية [ع1].

ه. تلاقي الرحمة والحق الإلهي على الصليب [ع3].

و. مقاومة الأشرار للمخلص [ع4].

ز. صعود المسيح [ع5].

ح. بالصليب تحطم الشيطان [ع6].

ط. بالصليب نتمتع بروح الله، واهب الثبات والتسبيح [ع7].

ي. بالصليب آمنت الأمم، وصارت من طغمة المُسبحين [ع9].

ك. بالصليب صار المؤمنون سحابًا مرتفعًا نحو السماء [ع10].

 

العنوان

لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ. عَلَى لاَ تُهْلِكْ.

مُذَهَّبَةٌ لِدَاوُدَ عِنْدَمَا هَرَبَ مِنْ قُدَّامِ شَاوُلَ فِي الْمَغَارَةِ”.

أو:

إلى التمام (إلى النهاية)، لا تُهلك Al.taschith،

كتابة على العُمد michtam لداود،

حين هرب من وجه شاول إلى المغارة“.

  1. سبق الحديث عن أغلب ما ورد في هذا العنوان أثناء الكتابة عن عناوين المزامير السابقة، غير أن تعبيرAl.taschithلم نلتقٍ به قبلًا. يوجد اتفاق عام على أنه يعني “لا تُهلك”، وقد فُسر بطرق كثيرة:

أ. يظن البعض أنه يُعبر عن آلة موسيقية ذات تسعة أوتار.

ب. يرى البعض أنه يعبر عن النغمة أو الموسيقى التي تُستخدم في الترنم بالمزمور.

ج. يرى آخرون أن القول “لا تُهلك” يشير إلى شاول. وكأن القصد به أن هذا النشيد المقدس قد وُضع في هذه المناسبة التذكارية، إما لأن الله وضع في قلب داود ألا يمد يده على مسيح الرب، أو أن داود منع رجاله من قتل شاول.

د. يحمل هذا التعبير صلاة صغيرة تخرج من قلب المؤمن الحيّ الذي لا يطلب هلاك نفوس أعدائه، بل خلاصهم. إنه يطلب هلاك عداوتهم وشرهم وإبادة أعمالهم الشريرة ومؤامراتهم لا نفوسهم!

ه. يرى القديس أغسطينوس أن هذا العنوان نبوة، تحققت بالتمام بالعنوان الذي كُتب على الصليب كعلةٍ لموت السيد المسيح: “ملك اليهود”. فإنهم وإن كانوا قد طلبوا هلاكه بصلبه، لكن على العكس بالصليب تحقق ملكه على إسرائيل الجديد.

*    ما كتبه بيلاطس قد كُتب، لم يغيره عندما اقترح ذلك غير المؤمنين (يو 19: 22)، فقد سبق بزمانٍ التنبوء عن ذلك، إذ جاء في المزامير: “لا تهلك” كعنوانٍ. لقد آمنت الأمم بالمسيح يسوع ملك اليهود، لقد ملك على الأمم(142).

القديس أغسطينوس

  1. جاء في العنوان: “إلى التمام” أو “إلى النهاية“، إشارة إلى السيد المسيح الذي جاء في ملء الزمان، وتمَّم عمل الخلاص حتى النهاية.

*    لما كان هذا المزمور يُسبح آلام الرب، انظر ما هو عنوانه: “إلى النهاية“! النهاية هو المسيح. لماذا دُعي النهاية؟ ليس لأنه ينتهي ويُستهلك، بل هو الذي يستهلِك…

القديس أغسطينوس

  1. “هَرَبَ مِنْ قُدَّامِ شَاوُلَ فِي المَغَارَةِ”.يرى كثير من الآباء مثل العلامة أوريجينوس والقديس أغسطينوس أن اختفاء داود في مغارة يشير إلى اختفاء كلمة الله في الناسوت، إذ أخلى ذاته، وأخفى مجده بتأنسه.

*    ماذا يعني الاختفاء في مَغَارَةِ؟ اختفاء في الأرض.

من يهرب في مَغَارَةِ، إنما يتغطى (بالمَغَارَةِ) فلا يُرى. أما المسيح فحمل الأرض، أي الجسد الذي قبله من الأرض، وفيه أخفى نفسه، حتى لا يكتشف اليهود أنه هو الله. “لأن لو عرفوا، لما صلبوا رب المجد” (1 كو 8: 2). إذن لماذا لم يجدوا رب المجد؟ لأنه أخفى نفسه في مَغَارَةِ، بمعنى أنه أظهر لهم ضعف الجسد، أما جلال اللاهوت فصار كما قد اختفى في مكان خفي في مَغَارَةِ، مرتديًا الجسد… وقد أراد أن يحتمل الموت بصبرٍ…

يمكن أن يُفهم الكهف أنه الأماكن السفلى في الأرض.

القديس أغسطينوس

1. الصليب وفيض الرحمة الإلهية

اِرْحَمْنِي يَا اللهُ، ارْحَمْنِي،

لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي،

وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أحْتَمِي، إِلَى أَنْ تَعْبُرَ المَصَائِبُ [ع1].

لعل تكرار كلمة “ارحمني” في بداية هذا المزمور يشير إلى حاجة كل من اليهود والأمم إلى الرحمة الإلهية، التي تحققت بالصليب. وكما يقول الرسول بولس: “لأن الله واحد، هو الذي سيبرر الختان بالإيمان، والغرلة بالإيمان” (رو 3: 30).

كان داود المرتل في خطرٍ عظيمٍ، لكن مراحم الله أعظم وأقدر، لذا يكرر الطلب “ارحمني” مرتين. فإنه لا خلاص له إلا بالاختفاء تحت جناحيّ الله، أي بوضع حياته بين يديه.

في محبة الله للإنسان، وفي تواضعه يُشبَّه بالطائر الذي يجمع صغاره تحت جناحيه ليحميها من الخطر.

“احفظني مثل حدقة العين، بظل جناحيك استرني” (مز 17: 8).

“ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون” (مز 36: 7).

“لأسكنن في مسكنك إلى الدهور، أحتمي بستر جناحيك. سلاه” (مز 61: 4).

“لأنك كنت عونًا لي، وبظل جناحيك أبتهج” (مز 63: 7).

“بخوافيه يظللك، وتحت أجنحته تحتمي، ترس ومجن حقه” (مز 91: 4).

“ليكافئ الرب عملك، وليكن أجرك كاملًا من عند الرب إله إسرائيل، الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه” (را 2: 12).

“يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادكِ، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا” (لو 13: 34).

*    تكرار القول: “ارحمني” يدل على احتياجنا إلى رحمة الله في الدهرين، الدهر الحاضر، والدهر المقبل. وأيضًا على غزارة الرحمة ووفرتها.

وأما “ظل جناحيّ الله فهو قوته التي تعتني بالعالم، التي تحدث عنها في بشارة متى: “كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا” (مت 23: 37). في هذا العالم الحاضر نتكل على ظل جناحي الله، وأما في العتيد فنلتجئ إلى ما هو أعظم من الظل.

يُقال أن جناحي الله هما إيماننا به وأفكارنا المرتفعة التي بواسطتها ترتفع عقولنا. الصديق الذي يكون مؤيدًا بهذه الأفكار يتكل على الله، واثقًا في ظل جناحي الله إلى أن يعبر الإثم، لأن الإثم لا يدوم بل يزول.

الأب أنثيموس الأورشليمي

يرى العلامة أوريجينوس أن النبي كان يرغب في التمتع بظل الجناحين الإلهيين، وهما الناموس والنبوات، أما مؤمنو العهد الجديد فيطلبون ما هو أكثر، يطلبون الجناحين نفسيهما، أي أن يُرفعوا بالروح القدس ويتمتعوا بالحق نفسه وليس بظله.

*    بهذه الكلمات تُظهر (العروس) أنه قد حان الوقت عندما تزول كل الظلال ويسكن الحق نفسه(143).

علامة أوريجينوس

ويرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة أن السيد المسيح نفسه يصرخ مصليًا، ليعلم المؤمنين الصراخ والطلبة وسط الضيق، حتى يعبروا فوق الآلام ويتمتعوا بالرجاء في القيامة.

*    ترون السيد يصلي لكي تتعلموا الصلاة. فإنه بهذا الهدف يصلي، حتى يعلم كيف تكون الصلاة. وبهذا الهدف تألم، يعلمنا أن نتألم. وبهذا الهدف قام ليعلمنا الرجاء في القيامة.

القديس أغسطينوس

إن كان داود المرتل يصرخ طالبًا المراحم الإلهية، فإن العالم كله بكل شعوبه محتاج إلى هذه المراحم.

يتطلع القديس مار يعقوب السروجي في يوم عيد ميلاد السيد المسيح، الذي جاء ليقدم نفسه ذبيحة عن العالم كله ويحرره من عبودية إبليس. فقد صُلب لكي ترى الأمم التي استُعبدت لإبليس زمانًا هذا مقداره، أنه قد جاء زمن تحررها بصلب المخلص الإلهي. بالصليب يعلن أنه هو المحرر القدير، والفنان القادر على إصلاح الصورة البشرية، والمهندس الذي يُصلح بناء البيت الساقط، والراعي الذي يرد الخروف الضال، والطبيب القادر أن يشفي النفوس مع الأجساد ويضمد الجراحات ويعصب المنكسرين، ويهب قوة للضعفاء. يا لعظمة مراحم كلمة الله القدير المصلوب، والعجيب في حبه!

*    في هذا اليوم صدرت الحرية للمُستعبدة، لأنها كانت مربوطة لخدمة الوثنية.

في هذا اليوم حُلت المربوطة منذ مدة طويلة، لأن الجبار قام وكسر قيود سجنها.

في هذا اليوم اقتنت أمة الأبالسة الحرية، لأن الرب العظيم هزمهم، واسترجع خاصته.

في هذا اليوم خرجت السجينة من الظلمة، لأن النور أشرق، وكسر باب بيت الظلام.

في هذا اليوم نقى المصوّر صورة آدم، ولما فسدت خلط فيها الدواء الذي لا يفسد.

في هذا اليوم شيد المهندس البيتَ المنهار، ولئلا يسقط دخل إليه سندُ اللاهوت.

في هذا اليوم تصالح الرب مع آدم، لأن الابن الذي أشرق ألقى الأمان بين الجهتين.

في هذا اليوم وجد الراعي الخروف الضال، وحمله على كتفيه، ودخل به إلى الفردوس.

في هذا اليوم عاد قطيع الشعوب، لأن الذئب الخفي حطمه راعي الكل.

في هذا اليوم دخل الذين في الخارج، وصاروا في الداخل، وخرج أهل البيت من بيت الملك غاضبين…

في هذا اليوم قام القوي على المتمرد، ومسكه وربطه، وخرّب داره المخصبة.

في هذا اليوم أتى المحارب عند السبي، وربط السالب بقوة، واسترجع خاصته.

في هذا اليوم أتى الطبيب عند المرضى، ليضمد ويشفي…

في هذا اليوم أتى مُضمد جميع المنكسرين، ليسند ويداوي ويشفي ويُشبع بعنايته.

في هذا اليوم أتى مقوي جميع الضعفاء، ليمسك ويقيم ويثبت ويشبع بعنايته(144).

القديس مار يعقوب السروجي

أَصْرُخُ إِلَى اللهِ الْعَلِيِّ،

إِلَى اللهِ الْمُحَامِي عَنِّي [ع2].

شعر داود المرتل بضعفه مع قوة العدو المقاوم له، لكن يبقى الله فوق الكل، لا يُشمخ عليه. إنه قادر أن يحقق ما يبدو مستحيلًا ليحميني، ويهبني من فيض سلامه وفرحه، فأحيا به سعيدًا.

كأن المرتل قد تطلع إلى ابن داود الذي قبِلَ أن يدخل تحت المحاكمة، ويرتفع على الصليب، لكي يشفع فيه بدمه، ويدخل به إلى المساكن العلوية.

لقد صرخت القيادات مع الشعب تطالب بصلبه، ظانين أنهم ينزلون به إلى الهاوية، ويتخلصون منه إلى الأبد. أما المرتل فيصرخ في أعماقه بلغة الروح، متطلعًا إلى المصلوب أنه “الله العليّ”؛ وهو الديان والقاضي، يشفع في المرتل ليصعده من الهاوية ويصعد به إلى الأعالي.

*    صراخ الصديق إلى الله لا يكون بارتفاع الصوت، بل بشدة عزم النفس ونشاطها، الأمر الذي من أجله يقول الرسول في رسالته إلى أهل رومية: “الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها” (رو 8: 26). أما قوله: الله العلي”، فيدل على أن الإثم سفلي ودنيء، والحاجة إلى من هو في العلو.

الأب أنثيموس الأورشليمي

صار الديان المخيف شفيعًا عني، ودمه المبذول كفارة لخطاياي. أو كما يصفه يوحنا الرائي أنه “خروف قائم كأنه مذبوح” (رؤ 5: 6). لازالت جراحاته باقية في جسده بطريقة تعلو عن أذهاننا، ودمه يشفع عنا. “فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون بواسطته إلى الله، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم” (عب 7: 24-25).

وكما يطمئن يوحنا الحبيب نفوسنا فيقول: “يا أولادي أكتب إليكم هذا، لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا” (1 يو 2: 2).

صار الديان شفيعًا عن المتهمين الذين قبلوه وآمنوا به والتصقوا به وعاشوا بروحه الساكن فيهم، لهذا ننتظر يوم الدينونة بفرح قائلين: “من سيشتكي على مختاري الله؟ الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات، بل بالحرى قام أيضًا، الذي هو أيضًا عن يمين الله، الذي أيضًا يشفع فينا” (رو 8: 32-34).

هكذا لم أعد أخاف يوم الدينونة، ولا أرتعب من الخطية بالرغم من ثقلها وشرها، فهي عاجزة عن أن تحجبني عن محبة ربي يسوع أو تشغلني عنه، مادمت أجيء إليه، ملتصقًا بالصليب بقلبٍ منكسرٍ. إذ عند الصليب تتحطم قوى الخطية ونجاساتها، ويبقى الرجاء عاملًا فيّ.

يبقى الصليب علامة حب الله لنا، يجذب قلوبنا إليه، مهما أحسسنا بكثرة عصياننا وتعدياتنا على وصايا الله، نقدمها إليه مهما كانت القلوب حزينة آثمة!

*    بنور الصليب انفضحت الضلالة التي أدخلتها الحية (رؤ 12: 9).

انحلت شهوة الغنى والسلطة التي ملكت من شجرة المعرفة (تك 2: 9)، بالثمرة التي ظهرت من شجرة الحياة (المسيح المصلوب).

طُرد حارس الفردوس (تك 3: 14)، وأُعطيت مفاتيح الجنة للِّص الذي استحق الجانب اليمين (مت 17: 31).

أخذ رمح الكاروب (تك 3: 24)، وفتح طريق الفردوس، وطُعن (مُفسد) الفردوس بالرمح… وفتح الجنة ليدخل المطرودون إلى تخومهم(145).

*    سحق بصليبه الحية العظيمة التي خدعت أمنا…

طرد الكاروب الذي كان حارسًا شجرة الحياة، وقبل الرمح في جنبه، ليدخل الورثة الذين خرجوا.

فتح الفردوس الذي كان مُغلقًا أمام الداخلين، ورد للمطرودين ميراثهم وحدودهم.

أدخل اللص، وصار الرجاء لبيت آدم.

فُتحت المراحم للخطاة وردتهم.

غلق الهاوية وترس أبوابها التي كانت مفتوحة.

أبهج الجنة بفتح أبوابها المغلقة!

جازت الأزمنة الشريرة التي كانت لبيت آدم،

وجاءت الأزمان الصالحة لكي يرث الذين كانوا مطرودين.

محا الصك العظيم الذي كتبته حواء أمنا،

هذا الذي كتبته الحية في الجنة بهزيمة آدم…

قبل أن يفي كل دينٍ على آدم…

من أجل هذا جاء، وصار منا، وحمل موتنا لأنه جعلنا أن نكون منه.

صار مثلنا لما تنازل وصار بجوارنا، وجعلنا مثله هناك في مكان أبيه.

أعطى الصحة، وحمل هو أوجاع المضروبين.

افتقد المرضى واحتمل الآلام من الصالبين…

قتل التنين الذي أكل آدم التراب …

وأعطى حواء حلة المجد التي كانت ترتديها، هذه التي سرقتها الحية منها بين الشجر.

أخذ من آدم ثوب الورق المفضوح، وأعطاه عوضًا عنه لباس المجد الذي تعرى منه.

ها هو عمانوئيل معنا كما كرز به، ونحن معه لنحيا بحياته، له المجد دائمًا.

القديس مار يعقوب السروجي

تعلن صرخات السيد المسيح كممثل للبشرية عن حاجتنا إلى الصراخ إلى الله لنطلب مراحمه، واثقين أنه يعمل دائمًا ما هو لبنياننا وخيرنا، يصنع معنا خيرًا ويحامي عنا.

*    إن كان هو العلي، فكيف نسمعه يصرخ؟ تتحقق الثقة خلال الخبرة، فيقول: إلى الله الذي صنع معي خيرًا.

إن كان قبل أن أبحث عنه صنع معي خيرًا، ألا يسمع لي عندما أصرخ إليه؟ فقد صنع الرب الإله (الآب) خيرًا بإرساله مخلصنا يسوع المسيح ليموت عن معاصينا ويقوم لتبريرنا (رو 4: 25).

لأي نوع من البشر أراد أن يموت ابنه عنهم؟ لأجل الخطاة.

لكن الخطاة لم يطلبوا الله، وكان الله يطلبهم. إن كان هو العلي في هذا الأمر، لهذا فإن بؤسنا وتنهداتنا ليست بعيدة عنه، فإن الرب قريب من منسحقي القلوب (مز 34: 18). “الله يصنع معي خيرًا“.

القديس أغسطينوس

*    بين كل المولودين الذين لبسوا جسدًا واحد هو البار، إنه يسوع المسيح، كما يشهد عن نفسه، إذ قال: أنا قد غلبت العالم” (يو 16: 33). وشهد عنه النبي أيضًا: “لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش” (إش 35: 9). وقال الرسول الطوباوي: “لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا” (2 كو 5: 21).

كيف جعله خطية؟

حمل الخطية دون أن يرتكبها، وسمرها على الصليب (كو 2: 14). يقول الرسول أيضًا: “الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحدًا يأخذ الجعالة (1 كو 9: 24).

أضف إلى هذا أنه ليس من بين البشر من نزل إلى المعركة ولم يُجرح أو يُضرب، لأن الخطية سيطرت منذ تعدى آدم الوصية (رو 5: 14)، فضربت الكثيرين، وجرحت الكثيرين، وقتلت الكثيرين. ولم يقتلها أحد من بين الكثيرين حتى جاء مخلصنا على صليبه. كان لها شوكة توخز الكثيرين، حتى جاءت النهاية، وتحطمت شوكتها حين سُمرت على الصليب(146).

القديس أفراهاط

2. الرحمة والحق تلاقيا

يُرْسِلُ مِنَ السَمَاءِ وَيُخَلِّصُنِي.

عَيَّرَ الَّذِي يَتَهَمَّمُنِي. سِلاَهْ.

يُرْسِلُ اللهُ رَحْمَتَهُ وَحَقَّهُ [ع3].

جاء تعبيرا “رحمته” و”حقه” مشخصنين، لأنهما يشيران إلى شخص المخلص القائل: “أنا هو الحق”، وهو أيضًا الرحمة والحب. فإن كان يرسل ملائكته لتحوط بخائفي الرب (مز 34: 7)، فإنه ينزل بنفسه، رب الملائكة، لنتمتع بالحب الإلهي والحق الإنجيلي المفرح.

إذ يتطلع القديس أغسطينوس إلى هذا المزمور كمزمور مسياني، كما يتطلع إلى أغلب المزامير هكذا، فإنه يرى فيه صورة للسيد المسيح في آلامه الواهبة النصرة. فباسم البشرية كلها التي تمثلها كلمة الله المتجسد والحامل خطاياها يصرخ إلى الآب ليرسل من السماء ويخلصه. لقد أطاع حتى الموت موت الصليب، وله سلطان أن يقوم، لكنه إذ يقدم آلامه المخلصة يطلب من الآب أن يقيمه ويمجده، حتى نقوم فيه ونتمجد فيه ومعه كرأس للكنيسة كلها!

بقيامة السيد المسيح تحقق ما ورد في هذا المزمور. وقد أعلن السيد المسيح ذلك بقوله لليهود: “انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه” (يو 2: 19) ويعلق الإنجيلي يوحنا على ذلك: “وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع” (يو 2: 21-22).

*    إننا نجد المسيح نفسه هو الرحمة والحق، هو الرحمة في تألمه من أجلنا، والحق في مجازاته لنا.

القديس أغسطينوس

*    هذا القول يخص الطبيعة البشرية التي بعد معصية أبينا آدم، استولى عليها الموت والخطية والشيطان.

هؤلاء الأعداء الثلاثة قد وطأوها، وكانت بينهم كأنها نائمة بين أشبال، أعني غافلة وبطالة من الحركات. فأرسل الآب ابنه الوحيد، أي أنه سُرّ وارتضى بحضور ابنه إلى العالم، الذي نزل من السماء، ولكن ليس نزولًا مكانيًا، ولا حدث تغير أو انتقال جوهري (للاهوت)، ولا من السماء الحسية المنظورة، بل قولنا نزل من السماء معناه تنازل وقبل أن يصير إنسانًا تامًا، ويتردد على الأرض متجسدًا.

قبل التواضع والذل البشري، وهو لم يزل إلهًا عاليًا ودائم شرف لاهوته وجلاله.

إنه الحق، لأنه الإله الحق من الإله الحق.

وهو الرحمة أيضًا، لأن رحمته شغفته على خليقته، فخلصها بآلامه من الأشبال المذكورة، وأفاقها من نوم الغفلة. نزع اضطرابها وحفظها من خوف الهلاك، ورد العار والذل على أعدائها الذين كانوا يطأونها.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*    كل الذين يعيشون في البشر لا يرغبون العيش ضعافًا وهم في الشيخوخة، وهكذا أيضًا المؤمنون، فإنهم لا يرغبون في الحياة إلاَّ في الحق وفي كل برّ، إلى اليوم الذي يشخصون فيه أمام الله الذي يجازي كل واحد حسب أعماله في العدل والحق. لأن سيدنا يسوع المسيح مات لأجلنا لكي نقوم، ليس فقط بالجسد من الأموات في اليوم الأخير، ولكن لكي نقوم أيضًا الآن من موت الخطية.

إن الذين ماتوا في الخطية، بعد ما عاشوا طويلًا في الشر، فأضاعوا حياتهم في كل نجاسة، يقومون من موت الخطية بأمر الذي مات لأجلنا وقام. لكن البعض يستمرون في التوبة ممجدين الله من أجل خلاصه، ومن أجل البركة، بينما يمسي البعض جاهلين، لا يعرفون من الذي أحسن إليهم.

يا للشرف الذي يمنحه الرب يسوع للذين أكرموه في آلامهم الحقيقية، إذ يمنحهم الحياة الأبدية، ولا يموتون في الخطية فيما بعد، بل يحيون في العدل، ويقومون بالجسد ليحيوا إلى الأبد.

وكم يكون الازدراء الذي يعاقب به الآخرون، إذ يسلمون مرة أخرى إلى نجاستهم، ويُسلمون إلى الجحيم بسبب خطاياهم إلى يوم القيامة؟!

القدِّيس الأنبا شنودة

(رئيس المتوحدين)

*    قال الكتاب: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو 1: 29).

فهو وحده الذي أظهر هذه الرحمة لمن آمنوا به من جنس البشر، فاُفتدوا من الخطيئة. ويجرى هذا الخلاص فائق الوصف للذين يصبرون له، ويطلبونه (مز 40: 1، 3).

القديس مقاريوس الكبير

3. مقاومة اليهود للمسيَّا

نَفْسِي بَيْنَ الأَشْبَالِ.

أضْطَجِعُ بَيْنَ الْمُتَّقِدِينَ بَنِي آدَمَ.

أَسْنَانُهُمْ أَسِنَّةٌ (حراب) وَسِهَامٌ،

وَلِسَانُهُمْ سَيْفٌ مَاضٍ [ع4].

يتطلع داود المرتل إلى أعدائه كوحوشٍ مفترسةٍ، أسود تحمل أفكار إبليس الذي يجول كأسدٍ زائرٍ ليفترس من يجده (1 بط 5: 8). إنه عدو متقد نارًا ليحرق ويبدد!

تخرج كلمات الأعداء من بين أسنانهم التي تصِّر بالغيظ والكراهية، وكأنها سهام مميتة، ولسانهم قاتل كالسيف.

إنه تصوير خطير لموقف القادة الذين كانوا يصرون على صلب ربنا يسوع المسيح!

*    يقول النبي “أسنانهم” عن الأقوال البارزة من الفم والأسنان، التي تحمل تجارب الأشرار (ضد الصديقين)، تخرج وتطعن البعيدين بالاغتياب مثل نِبل تُقذف إلى البعيد، وتذبح القريبين بالبهتان والاتهامات، وكأنها سيف مرهف. وذلك كما كان اليهود يصوبون كلامهم ضد ربنا في حضوره وفي غيابه.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*    أناس مثل هؤلاء (ينمّون على إخوتهم) لن تتطلع إليهم ولا تخالطهم. ولا تحول قلبك إلى كلمات الشر (مز 141: 4 Vulgate)، لئلاَّ يقول لك المرتل: “تجلس تتكلم على أخيك، لابن أمك تضع عثرة” (مز 50: 20). لئلاَّ تصير مثل “بني آدم، أسنانهم أسنة وسهام، ولسانهم سيف ماضٍ” (مز 57: 4). تصير مثل الإنسان الذي كلماته أنعم من الزيت، لكنها تُسحب مثل السيوف (راجع مز 55: 21). ويُعبر الكارز بأكثر وضوح، إذ يقول: “إن لدغت الحية بلا رقية فلا منفعة للراقي، والمفتري ليس أفضل منها” (راجع جا 10: 11)(147).

القديس جيروم

*    آل قيافا رفاق كل الكذب، وآل حنَّان حاملو السيف على مخلصنا.

يهوذا في المقدمة، مثل قائد المصيبة العظمى، ومعه حلقة متعطشة إلى الدم بغضبٍ عظيمٍ.

المرضى الذين جُنّوا، حملوا السيوف والعصيّ على الطبيب ليضربوه، بعد أن ضمدهم وشفاهم.

تهديد وحقد وصخب وكلمات زائدة وإهانة وسخرية، وصرير الأسنان على المنتصر.

جُنّ الترابيون وهددوا، وخرجوا ضد الموج، الأشواك والهباء خرجت لكي تصطاد اللهيب.

ركض القش ليحارب مع اللهيب، والتراب والهباء ليصطادا الريح التي تستأصل الجبال.

الغيوم والسحب خرجت مهددة النهار، والظلال كانت تجنّ لتربط الشمس.

 سألهم من تطلبون؟ أما هم فسقطوا، لأنه لا توجد قوة في الرمل ليلاقي الريح.

منظر الشمس سقط على الظلال بخوفٍ وبددها، ولم تجد موضعًا لتهرب إليه.

عندما قال: أنا هو، سقط الأشقياء، لأن العالم كله لا يقدر أن يقف قدام قوته.

كان بحر ناره يلتهب ليحرقهم، وبمراحمه كان يخمد ناره ليحفظهم.

قوته كانت تخيف وتسقطهم عندما يرونه، وبما أنه كان صالحًا، فقد سندهم ليقيمهم(148).

القديس مار يعقوب السروجي

*    هؤلاء لا يعضون بأسنانٍ؛ ليته كان العض بالأسنان وليس بحراب الحسد التي هي أقسى من الأسنان.

فإن “أسنانهم أسلحة ورماح.

من الذي يشعر بألم أقسى، من يضرب مرة ثم يُشفي، أم الذي يؤكل باستمرار بأسنان العوز؟ فعندما يكون العوز غير اختياري يكون أكثر ألمًا من الأتون والوحوش المفترسة(149).

القديس يوحنا الذهبي الفم

تحدث العلامة أوريجينوس في تفسيره للعبارة الواردة في سفر النشيد: “أني مجروحة حبًا”، قائلًا بأن السيد المسيح هو السهم الإلهي الذي يخترق القلب لا ليمزقه بجرح قاتل، وإنما يهب جراحات الحب العذبة. اقتبس عنه القديس أغسطينوس هذا وقارن بين الجراحات التي تسببها سهام الأشرار، وتلك التي يسببها السيد المسيح. الأولى تطلب القتل والتدمير، فتصرخ قلوبهم “اصلبه! اصلبه!”، وأما سهم المسيح فتجرح القلب بالحب، وتطلب الشركة مع الله والحب للبشرية.

*    لا تفكروا في الأيادي غير المُسلحة، بل في الفم المُسلح. فمنه صدر سيف به قُتل المسيح. بنفس الطريقة يصدر سيف من فم المسيح ليقتل (جحد إيمان) اليهود. يُشحذ هذا السيف مرتين (رؤ 1: 16)، يقيم به من يضربهم، ويفصل عنهم من يريدهم مؤمنين به. هم سيف شرير، وهو سيف صالح. هم سهام شريرة، وهو سهم صالح، يصدر كلمات صالحة عندما يطعن القلب المؤمن لكي يحب!

القديس أغسطينوس

4. صعود المسيح

ارْتَفِعِ اللهُمَّ عَلَى السَمَاوَاتِ.

لِيَرْتَفِعْ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ مَجْدُكَ [ع5].

إن كان العدو قد أراد أن يحدر داود المرتل في الهاوية، فإن الله يحمله في أحضانه ليدخل به، لا إلى أمجاد أرضية، بل إلى السماء عينها. لقد ظن قاتلو السيد المسيح أنهم أغلقوا عليه في القبر المختوم، لكنه قام وصعد إلى السماوات، لكي يقيمنا معه، ويرفع قلوبنا إلى سماواته. لقد صرح ربنا يسوع وسط آلامه: “مجد ابنك، ليمجدك ابنك أيضًا” (يو 17: 1).

*    يقول القديس أثناسيوس الرسولي الجليل إن هذا القول يخص صعود ربنا إلى السماء، وامتلاء المسكونة من معرفته والإيمان به.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*     لقد ارتفعت (طبيعتنا في شخص الإله المتجسد) فوق السماوات، وسمت فوق الملائكة. لقد عبرت فوق رؤساء الملائكة والشاروبيم، وحلَّقت فوق السيرافيم، عالية أكثر من كل القوات السمائية، واستراحت في العرش الإلهي الحقيقي وحده.

أنتم ترون كيف تبتعد السماوات عن الأرض! لكن دعنا بالأحرى نبدأ بنظرنا من أسفل.

أما ترون مقدار البُعد بين الجحيم والأرض؟ ثم بين هذه الأرض والسماء؟! وبين السماء التي فوقنا وسماء السماوات؟!

انظروا إلى طبيعتنا كيف انحطت ثم ارتفعتفإنه ما كان يمكن النزول أكثر مما نزل إليه الإنسان، ولا يمكن الصعود إلى أكثر مما ارتفع إليه المسيح. ويوضح بولس ذلك إذ يقول: “الذي نزل هو الذي صعد أيضًا”. وأين نزل؟! “إلى أقسام الأرض السفلى”، وصعد إلى “فوق جميع السماوات” (أف 4: 9-10)(150).

القديس يوحنا الذهبي الفم

*    مكث في العالم أربعين يومًا بعد الانبعاث (القيامة)، وبعدئذ ارتفع عند أبيه.

لم يشأ الخَتَن أن يرتفع من القبر عند أبيه إلى أن أكد انبعاثه.

الكنيسة التي مات لأجلها، جمعها على جبل الزيتون، لتراه هناك وهو يصعد إلى موضع أبيه.

سلك المخلص العظيم دربه، وكمّل عمله، وخرج ليذهب، ويرسل الغنى للعروس التي جلبها.

أخذ الفقيرة والمعوزة والمعذبة، ووضع لها شرطًا: أنه سيرسل لها كنوز أبيه.

سبى سبيًا وأخذه، وأتى به من العثرات، وأعطى المواهب للضعيفة التي كانت محتاجة.

عادت من السبي وكانت عارية، فصعد وأرسل الروح القدس معطي الثياب لجميع العراة.

أتى السبي العظيم الذي خلّصه وليس له شيء، فصعد ليجلب الكنوز والثروات ليرسلها إليه.

أتى ومات في موضعنا، وصعد ليحيينا في موضع أبيه، ليُحيي بموته العالمَ الذي لم يكن حيًا(151).

القديس مار يعقوب السروجي

5. هلاك الشيطان بالصليب

هَيَّأُوا شَبَكَةً لِخَطَوَاتِي.

انْحَنَتْ نَفْسِي.

حَفَرُوا قُدَّامِي حُفْرَةً.

سَقَطُوا فِي وَسَطِهَا. سِلاَهْ [ع6].

بينما يهيئ العدو الفخاخ ليحنوا نفس المؤمن إلى التراب، ويحفروا حفرة ليسقط فيها ولا يقوم، ولا يرتفع قلبه إلى السماء، إذا بالعدو نفسه يسقط في الفخ الذي نصبه، والحفرة التي حفرها. أما المؤمن، فيتمتع بعطية الروح القدس الذي يجدد الأعماق والفكر على الدوام، فيرتفع قلبه وفكره إلى السماء، ويتحول إنسانه الداخلي إلى قيثارة يعزف عليها روح الله سيمفونية الحب والتسبيح والشكر لله.

يستخدم الأشرار وسائلهم الشريرة، يهاجموننا بها، لكن لا يليق بنا أن ندافع عن أنفسنا بنفس الوسائل. فلا نستخدم شبكة مقابل شبكة، ولا حفرة مقابل حفرة. لنؤمن أن ما يحفرونه هو لدمارهم، إذ عادة ما يسقطون في الحفرة التي يحفرونها.

يقول المثل اليوناني: “المشورة الشريرة غالبًا ما تصير مهلكة للمشير الشرير”.

 ويقول المثل الروماني: “لا يوجد قانون أكثر عدالة من موت الذي يدين الإنسان بالموت بذات الوسيلة الذي اخترعها لإبادة حياة الآخرين”. فجولتين Guillotine الذي اخترع الأداة التي تحمل اسمه “المقصلة guillotine” حُكم عليه بالإعدام بالمقصلة(152). لقد صُلب هامان على الخشبة التي أعدها للبار مردخاي.

*    هيأوا لرجلي فخًا، وأحنوا نفسي، حفروا قدام وجهي حفرة، وسقطوا فيها” [ع6]. يكرر النبي رصد أعدائه واغتيالهم له، مشبهًا ذلك بالفخ المنحني الذي لا يدع الساقط فيه يرفع رأسه إلى السماء. وبالحفرة التي يتورط فيها. يقول إنه قد ارتد الأذى عليهم، وذلك بمعونة الله.

المولع بالزمنيات تنحني نفسه إلى الأرض، كما كانت تلك المرأة المنحنية التي حلها ربنا من رباطات الشيطان، وأبرأها من مرضها.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*    الجنس البشري كله مثل هذه المرأة (لو 13: 11)، كانت منحنية حتى الأرض. يفهم أحدهم هؤلاء الأعداء، فيصرخ ضدهم، قائلًا: “احنوا نفسي إلى أسفل” (راجع مز 57: 6). يحني إبليس وملائكته نفوس الرجال والنساء إلى الأرض. يحنونها لكي تطلب الزمنيات والأرضيات، وتمنعهم عن البحث في العلويات (كو 3: 1)(153).

*    لو لم يكن قد وُضع المسيح للموت، ما كان يمكن للموت أن يموت. لقد اِنهزم الشيطان بذات نصرته، لأن الشيطان فرح عندما خدع الإنسان الأول، فطرحه في الموت. بخداعه الإنسان الأول قتله. وبقتله الإنسان (آدم) الأخير، فقد الأول الذي في شباكه(154).

القديس أغسطينوس

*    وقف حشد اليهود مع رئيسهم ضد المسيح، وناضلوا ضد رب الجميع، لكن الكل يدركون أنهم إنما فعلوا ذلك ضد أنفسهم، ناصبين الشباك لأنفسهم، حفروا لأنفسهم حفرة لهلاكهم (مز 9: 15)… لأن المخلص رب الكل، وإن كانت يمينه كلية القدرة، وقوته تطرد الفساد والموت، لكنه خضع بإرادته، إذ صار جسدًا ليذوق الموت من أجل حياة الكل، لكي يبطل الفساد، وينزع الخطية عن العالم، ويخلص الذين هم تحت يد العدو الطاغية غير المحتمل(155).

القديس كيرلس الكبير

*    “نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصياد. الفخ اِنكسر ونحن نجونا” (مز 123: 3).

لم يقل المرتل: “إني كسرت الفخ”، فإن داود لا يجسر أن ينطق بهذا، بل يقول: “معونتنا من عند الرب” (مز 123: 8)، مشيرًا إلى الكيفية التي بها تُحل الفخاخ، متنبئًا عن مجيء ذاك الذي سيحطم الفخاخ التي أعدها إبليس.

غير أن أفضل الطرق لتحطيم هذا الفخ هو عرض الطُعم لإبليس، حتى إذا ما اِنقض على فريسته، انطبقت عليه الشباك، وعندئذ يمكنني أن أردد قائلًا: “نصبوا لرجليَّ فخاخًا فسقطوا فيها“.

ترى ما هو هذا الطُعم؟ كان ينبغي أن يأخذ جسد تواضعنا وضعفنا لكي يصلب هذا الضعف. لأنه لو أخذ (جسدًا) روحانيًا ما كان له أن يقول: “وأما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف” (مت 26: 41).

اسمعوا إذًا كلا الصوتين: صوت الجسد الضعيف، وصوت الروح النشيط.

“يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عنيِّ هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت” (مت 26: 39). هذا هو بذل الروح وقوتها.

لقد تنازل فأخذ جسدنا، تنازل وحمل بؤسنا وضعفاتنا، ومن المؤكد أن لاهوته لم يتأثر بهذا (لم يتألم)، بل حتى ناسوته ذاته اِستهان بهذه الأعمال (الآلام)، لكنه احتملها وقاساها.

فلنتبع إذًا المسيح، إذ كما جاء في الكتاب: “وراء الرب إلهكم تسيرون، وإيَّاه تتَّقون” (تث 13: 4). وبمن ألتصق إلاَّ بالمسيح، كما يقول الرسول بولس: “وأما من اِلتصق بالرب، فهو روح واحد” (1 كو 6: 17).

فلنتبع خطوات الرب، بهذا نرجع من البرية إلى الفردوس.

القديس أمبروسيوس

*    من هم الذين نفهم أنهم صيادون أشرار يبيدهم الله إن لم يكونوا القوات المضادة التي يقول عنها النبي: “هيأوا شبكة لخطواتي” (مز 57: 6)، شباك بها يصطادون النفوس للخطية؟ هؤلاء يبيدهم الرب. فإنه إذ يهلك مثل هؤلاء الصيادين حتى لا يبقى في النهاية من ينصب شباكًا لنا ليصطادوا كل شخصٍ تحت كرمته وتحت تينته (مي 4: 4)(156).

العلامة أوريجينوس

6. الصليب واهب القوة، والفرح، والمجد

جاءت الآيات الخمس الأخيرة مطابقة للمزمور 108: 1-5، مع أن المناسبتين في المزمورين مختلفتين. فالمرتل كان يجد سلامه ونجدته في التسبيح لله. كثيرًا ما تبدأ المزامير بالصراخ وطلب العون الإلهي، وتنتهي بالتسبيح والشكر لله مخلصه.

ثَابِتٌ قَلْبِي يَا اللهُ، ثَابِتٌ قَلْبِي.

أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ [ع7].

إذ يركز المرتل أنظاره على مخلصه، ويضع ثقته فيه، هذا القادر أن يرفعه من الهاوية إلى السماوات، يصير قلبه ثابتًا، فلن يقدر العدو – مهما بلغت حيله وقدراته – أن ينحرف به عن هدفه.

كان المرتل مستعدًا أن يحتمل كل التجارب التي تحل به، مادام الله مخلصه يسنده!

*    يقول القديس أثناسيوس الرسولي إن النبي يقول: إني مستعد ومهيأ لقبول الروح القدس الموعود به من الابن الوحيد، الذي يلهم بالتسبيح والترتيل لأجل عظائم الله.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*    يلزم للشخص ألاَّ يفتخر بكراماته الزمنية، بل يُعد قلبه لاحتمال كل الأشياء، حتى يستطيع أن يرتل بفرحٍ مع النبي، قائلًا: “قلبي مستعد يا الله. قلبي مستعد(157).

القديس أغسطينوس

*    ماذا يعني: “ثابت قلبي” سوى “إرادتي قوية”(158)؟

الأب قيصريوس أسقف آرل

*    ماذا يفعل معي؟ إنه يُعد لي حفرة، وأنا أعد قلبي. يُعد حفرة ليخدعني، ألا أعد قلبي لكي يحتمل؟ يُعد حفرة لاضطهادي، ألا أُعد نفسي للاحتمال؟ لهذا فإنه يسقط فيها، وأنا أرنم… لتسمع للقلب الذي أُعد في الرسول، إذ تمثل بربه، قائلًا: “نفتخر أيضًا في الضيقات، عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاءً، والرجاء لا يخزي، لأن محبة إلله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا” (رو 5: 3-5). لقد كان في ضغطات، في قيود، في سجون، ويقول: “نفتخر في الضيقات”. متى؟ عندما كان قلبه مُعدًا (ثابتًا).

القديس أغسطينوس

اسْتَيْقِظْ يَا مَجْدِي.

اسْتَيْقِظِي يَا رَبَابُ، وَيَا عُودُ.

أَنَا أَسْتَيْقِظُ سَحَرًا [ع8].

جاءت كلمة “مجدي” في الترجمة السريانية “قيثارتي”.

جاء في التقليد اليهودي أن داود المرتل اعتاد ألاَّ تفارقه قيثارته أو مزماره، حتى أثناء هروبه يحملها معه، فلا يقدر أن ينام دون عزف مزمور أو مزمورين، ولا يبدأ عمله في الصباح المبكر دون ممارسة نفس الأمر. لقد عرف أن يسبح الله حتى في لحظات الشدة والضيق.

*    أعني أيها الإله، أنت مجدي، لأنك تمجدني بمعونتك. لتنهض الآن لمعونتي، فإني مستعد أن أسبحك وأشكرك بالمزمار والقيثارة حالًا.

يدعو النبي اتفاق القوات الروحية مع الحواس الجسدية وانتظامها معًا مزمارًا وقيثارة. أما القديس أثناسيوس الجليل فيدعو نعمة البنوة مجدًا، ويدعو نفسه وجسده مزمارًا وقيثارة، إذ ينهض لتسبيح الله (بروحه وبجسده). أما قوله “سأستيقظ سحرًا” فمعناه إني بسبب استنارتي بروح البنوة أسبحك ليس الآن فقط، بل وعند إشراق الشمس بالإيمان بك في العالم، في النهار المنتظر الذي هو يوم تجسدك الإلهي.

الأب أنثيموس الأورشليمي

يرى القديس جيروم أن المتحدث هنا هو السيد المسيح الذي أخفى مجد لاهوته بتأنسه؛ ففي وسط آلامه يطلب إعلان مجده الخفي.

*    “استيقظ يا مجدي، استيقظ”. ليكن هذا هو فكرنا، أن الإشارة هنا هي لمجد المخلص، الأمر الذي أدركه الرسل في تواضع جسده (جسد المسيح)، ورأوا بعيون ثاقبة ليس ما هو ظاهر، بل ما هو مخفي في الجسد(159).

القديس جيروم

*    ليتحقق فينا القول: “اَفغر فاك فأملأه” (مز 81: 10)، “الرب يعطي كلمة، المبشرات…” (مز 68: 11). أنا متأكد تمامًا أن صلواتكم مثل صلاتي تمامًا هي بخصوص صراعنا، لتتحقق النصرة للحق. فأنتم تطلبون مجد المسيح لا مجدكم. إن كنتم منتصرين، فأنا أيضًا اقتني النصرة إن اكتشفت خطأي(160).

القديس أغسطينوس

يقدم كثير من الآباء مفاهيم رمزية للرباب والعود، بكونهما يمثلان جسد المؤمن ومواهبه وطاقته التي تستيقظ لتسبيح الله وتمجده. وإذ يرى القديس أغسطينوس في المزمور أنه مسياني، لذا يرى في الرباب والعود عمل السيد المسيح، سواء بحسب لاهوته كصنع المعجزات، أو من جهة ناسوته كالجوع والعطش والنوم إلخ.

*    الرباب هي الجسد الذي يمارس الإلهيات؛ والعود هو الجسد الذي يحتمل الآلام. لتعزف الرباب، وليستنير الأعمى، ويسمع الأصم، وليمتلئ المفلوج بالقوة، ويمشي الأعرج، ويُشفى المريض، ويقوم الميت؛ هذا هو صوت الرباب. وليصدر العود صوتًا، ليكن (المسيح) جائعًا وعطشانًا ونائمًا، ويُجلد، ويُسخر منه، ويُصلب ويدفن. عندما ترى في هذا الجسد أمورًا تعطي صوتًا من فوق، وأمورًا من أسفل، فإن جسدًا واحدًا يقوم، وفي جسدٍ واحد نعزف الرباب والعود معًا. هذان النوعان تحققا في الإنجيل، وكُرز بهما في الأمم، المعجزات التي للرب، وآلامه.

القديس أغسطينوس

7. بالصليب انفتح باب الإيمان للأمم

أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُعُوبِ يَا رَبُّ.

أُرَنِّمُ لَكَ بَيْنَ الأُمَمِ [ع9].

يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن داود النبي قد رأى الأمم الوثنية تقبل الإيمان بالسيد المسيح، فتسبح وترتل؛ ويضع نفسه شريكًا معهم في التسبيح والشكر لله. ما أبهج قلب داود النبي إذ رأى قبل ألف سنة أن الأمم الوثنية أدركت مفاهيم المزامير، وصارت تسبح بها.

*    كنيسة الشعوب خطيبة شمس البرّ، لها ميمر مع بنت الشعب (اليهود) بخصوص ربها.

يا مستقيمي القلب، هلموا اجلسوا واسمعوا كلتيهما، وفتشوا بعدلٍ عن القضاء من كلماتهما.

لنرَ من هي عروس البيت الإلهي؟ ومن هي التي تمسك بخاتم العريس وتحفظ كنوزه؟

لنفحص ولنرَ أين يوجد الحق بينهما؟ تلك التي تقول الحقائق تُمجد.

لقد حدث الجدال بين الكنيسة لنُسكتها ولتدخل أفعالها بدون ضجة…

أشرق لي نور، واستنرت به، لأنني كنت مظلمة. يسوع الضوء فتح عينيّ، لأنني كنت عمياء.

صرخ النبي (وقال) لي: انسي شعبك وبيت أبيك، فنسيتهم لأجل العريس الذي أحبه…

ما أجملك! ما أجملك يا بنت الآراميين، وكلماتك أحلى من شهد العسل!

منظركِ نور، وكلمتك حياة ولذة، والعريس جمالكِ، ودمه في رقبتك كالقلادة!

صليبه الغافر هو تاج مجيد، موضوع على رأسكِ، وجسده في فمكِ دواء الحياة بدون نهاية.

إنه مُصور على شفتيكِ كخيط القرمز، ومنظر لون دمه يطرد الشرير عنك.

عندك كل كنوز بيت الله. مبارك المسيح الذي بواسطته أعطاك أبوه الغنى(161).

القديس مار يعقوب السروجي

8. بالصليب صرنا سحابًا

لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ إِلَى السَمَاوَات،

وَإِلَى الْغَمَامِ حَقُّكَ [ع10].

أدرك المرتل أن مراحم الله عظيمة وعالية، فكما تعلو السماوات عن الأرض، هكذا تعلو مراحم الله عن أفكار البشر وخططهم، ليس من يقدر أن يقاومها أو يصدها أو يمنعها عن رجال الله.

إن الحق الإنجيلي أشبه بالسحاب، من يقدر أن يحطمه أو ينزعه عن خائفي الرب؟!

*    إن تحننك على البشر جعل الملائكة في السماوات تعظمك، لأنك رفعت الإنسان الساقط إلى السماوات. لقد حققت ما قد أعلنته لأنبيائك. فكما أن السحاب يصعد من الأرض مرتفعًا، ويأخذ قوة المطر، ويروي الأرض، كذلك الأنبياء والرسل ارتفعوا عن الأرضيات بفضائلهم، وأخذوا من الله نعمة بأن يرووا نفوس الأرضيين مما نالوه من إعلانات من الله، لهذا يُدعون سحابًا.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*    في السماء تسبح الملائكة الله، إذ يرون شكل الحق نفسه، دون أية ظلمة في الرؤية، وبلا امتزاج بأية أوهام. إنهم يرون ويحبون ويسبحون بلا هم. هناك يوجد الحق؛ أما هنا في بؤسنا، فتوجد بالتأكيد الرحمة. إذ تُقدم الرحمة للبائسين، إذ لا تكون هناك حاجة للرحمة فوق حيث لا يوجد كائن ما بائس… يُقهم “السحاب” بكونه الكارزين بالحق. يشرق الله على الناس الحاملين الجسد بطريقة مظلمة، بومضات المعجزات، ويرعد عليهم برعود الوصايا(162).

القديس أغسطينوس

ارْتَفِعِ اللهُمَّ عَلَى السَمَاوَاتِ.

لِيَرْتَفِعْ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ مَجْدُكَ [ع11].

يختم المرتل المزمور بسؤال المخلص أن يأتي ليقيم كنيسته المتألمة ويرفعها كما إلى السماء، تحمل شركة أمجاده الفائقة.

*    لما ظهر الحق بكرازة الأنبياء والمرسلين، عرف الناس أنك إله عالٍ، خالق السماء والأرض وكل المخلوقات.

الأب أنثيموس الأورشليمي

*    ما هو مجدك فوق كل الأرض؟ كنيستك هي فوق كل الأرض، عروسك هي فوق كل الأرض!(163)

*    لمن قيل هذا؟ هل يُقال “لترتفع” للآب الذي لم يخل نفسه؟ لا، إنما “لترتفع” أنت الذي نزلت إلى أحشاء أمٍ…(164)

القديس أغسطينوس

من وحي مز 57

لأعبر مع المرتل إلى صليبك

 

*    لأدخل مع داود في المغارة.

فأنسى شاول وكل مكائده.

إنما أنطلق مع داود أبي إلى صليبك.

*    أراك يا سيدي قد قبلت مغارة طبيعتنا.

وأنت مالئ السماوات والأرض،

صرت إنسانًا، تخفي جلال لاهوتك!

*    من أجلي ارتفعت على الصليب.

يا للعجب! كتب بيلاطس علة صلبك: ملك اليهود!

هل أدرك هذا الأممي سرّ صليبك؟

هل أدرك أنك ملك الملوك؟

هل علم أنك بالصليب تحطم إبليس وجنوده حتى النهاية؟

*    صليبك، فيض من المراحم لا ينقطع!

صليبك، مغارة سماوية، أختبئ فيها من الشرير!

صليبك، هو جناحان سماويان أستظل تحتهما.

هل لسهام العدو أن تلحق بي، وأنا مختفي في صليب حبك الفائق؟

*    على الصليب تلتقي رحمتك مع برَّك.

وببرّك تمجدني فيك، يا أيها الحق الإلهي.

لا أخشى يوم الدينونة العظيم.

فأنت الديان الساتر كل كياني!

*    ما لي أرى الكل ثائرًا ضدك؟

صاروا كأشبالٍ يطلبون افتراسك!

تحولت ألسنتهم الشريرة إلى سيفٍ ماضٍ!

صوبوا سهامهم ضدك، يا واهب الحياة!

سقطوا في الشبكة التي نصبوها،

وانحدروا في الحفرة التي حفروها.

أما أنت فحملت مؤمنيك فيك،

وصعدت بهم إلى سماواتك،

لكي تهب الجميع شركة أمجادك!

*    صليبك، صار نبعًا فريدًا،

يبعث في أعماقي قوة وثباتًا وفرحًا لا ينقطع!

صليبك، حوَّل حياتي إلى قيثارة،

يعزف عليها روحك القدوس،

تسابيح لا يُمكن للغة بشرية أن تعبَّر عنها.

*    صليبك، فتح أبواب الرجاء لكل الشعوب.

رفع البشرية من الفساد،

وأقام منها سحابة شهود سماوية!

لك المجد يا من صُلبت من أجل البشرية!

_____

(141)  Cf. W. Plumer: The Psalms, p. 598.

(142) Sermon 218: 7; see sermon 201: 2.

(143) Commentary on Songs, 3: 5.

(144) Mamer 201 on Nativity of our Lord (see Dr .Behnam Sony).

(145) الرسالة الأولى (د. بهنام سوني).

(146) Demonstrations, 7: 1.

(147)Letter 125 to Rusticus, 19.

(148) Mamer 53 on Eve Holy Thursday (see Dr .Behnam Sony).

(149) On Matthew, homily 81.

(150) In Ascensione PG 50.

(151) Mamer 204 on Ascension of our Lord Jesus (see Dr .Behnam Sony).

(152) Plmer, P 597-598.

(153) Sermon 162B.

(154) The Ascension, 263.

(155) In Luc. Sermon 1:40.

(156) On Joshua, homily 16: 4.

(157) Sermon on Mount, 1:19:58.

(158) Sermon 226: 1.

(159) The Fathers of the Church, vol. 57, on Ps 15 ((16)

(160) Letter 75: 2.

(161) Mamer 212 Against the Jews 6 (see Dr .Behnam Sony).

(162) Sermon 262: 4.

(163) Sermon 147 A. 4.

(164) Sermon 262: 4.

زر الذهاب إلى الأعلى