مت4: 5-7 …مكتوب أيضًا لا تُجرِّب الرب إلهك
“5ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6وَقَالَ لَهُ:«إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 7قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ».“ (مت4: 5-7)
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
سابعًا: التجربة الثانية، على جناح الهيكل
“ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدّسة،
وأوقفه على جناح الهيكل.
وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل،
لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك،
فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.
قال له يسوع: مكتوب أيضًا لا تُجرِّب الرب إلهك” [5-7].
يقدّم لنا الشيطان تجاربه بكلمات معسولة مملوءة سمًا، فإن كلماته “أنعم من الزيت وهي سيوف مسلولة”. يستخدم كلمة الله بعد أن يحرّفها، فما جاء في المزمور: “لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك” (مز 91: 11-12) كعلامة عن رعاية الله لنا المستمرّة، استخدمها الشيطان لكي يدفع السيّد المسيح ليجرِّب أباه، أو لكي يفسد رسالته بعيدًا عن حمل الصليب، مهتمّا باستعراض إمكانيّاته، بطلب الملائكة لتحفظه عِوض الدخول في حياة الألم.
يقول القديس جيروم: [يفسّر الشيطان المكتوب تفسيرًا خاطئًا… كان يليق به أن يكمّل ذات المزمور الموجَّه ضدّه إذ يقول: “تطأ الأفعى وملك الحيّات وتسحق الأسد والتنين”. فهو يتحدّث عن معونة الملائكة كمن يتحدّث إلى شخص ضعيف محتاج للعون ولكنه مخادع إذ لم يذكر أنه سيُداس بالأقدام[142].]
الأمر المرير هو أن الشيطان يدخل لمحاربة أولاد الله في المدينة المقدّسة على جناح الهيكل، وفي أعلى الأماكن المقدّسة؛ هكذا لا يتوقّف عن محاربتنا أينما وجدنا!
كانت كلمات إبليس “اطرح نفسك إلى أسفل”… وكما يقول القديس جيروم: [هذه هي كلمات إبليس دائمًا إذ يتمنى السقوط للجميع[143].]
اهتزّ القديس يوحنا الذهبي الفم أمام طول أناة السيّد المسيح حتى في تعامله مع إبليس أثناء التجربة، إذ يقول: [لم يسخط ولا ثار، إنّما برقّة زائدة تناقش معه للمرة الثانية من الكتاب المقدّس… معلّما إيّانا أننا نغلب الشيطان لا بعمل المعجزات، وإنما بالاحتمال وطول الأناة، فلا نفعل شيئًا بقصد المباهاة والمجد الباطل[144].]
تفسير القمص أنطونيوس فكري
التجربة الثانية: تجربة جناح الهيكل – آيات (5-7):
كان رد المسيح على الشيطان في التجربة الأولى أنه بكلمة الله يحيا الإنسان أي أن المسيح استخدم كلمة الله. وهنا نجد أن الشيطان يتقدم بمشروعه الثاني القائم على الاعتماد على كلمة الله. هو يستخدم كلمة الله بطريقة مضللة ويجعلها أساسًا للتجربة، وكان رد المسيح أيضًا بكلمة من كلام الله. ففي كلام الله كل الكفاية للرد على تشكيك إبليس ومحاولاته.
ما هو هدف إبليس من هذه التجربة؟
1- إما يموت المسيح فَيُسَّرْ إبليس بموته، أو على الأقل يتألم.
2- أو يفعلها المسيح وينجو فعلًا فيقع في الافتخار والكبرياء. ولاحظ أن المسيح لو فعل هذا وقت احتشاد الجماهير لآمن الجميع به بسبب هذه المعجزة الخارقة ولكن طريق المسيح هو طريق الصليب وليس هذه الأساليب الصبيانية التليفزيونية. وعموما فالشيطان يريد أن يتأكد هل هذا هو ابن الله، وإن كان هو فليبعده عن الصليب عن طريق عمل المعجزات والخوارق مثل هذا العرض الذي يعرضه عليه بإلقاء نفسه. وهذا ما سوف يعمله الشيطان مع ضد المسيح في الأيام الأخيرة إذ يزوده بالعجائب (رؤ13).
3- أو أن المسيح لا يجيب خوفًا من الموت فيعيره إبليس بأنه غير قادر.
4- إبليس يقنع المسيح باستخدام حقه كابن لله بطريقة فيها تهور، طريقة خاطئة وفيها تجربة للآب ولكن محبة الآب لنا لا تحتاج لإثبات بهذه الأساليب فهو يحفظنا في كل طرقنا الصالحة، ولا داعي أن نضعه موضع الامتحان.
5- قول إبليس أطرح نفسك يعبر عن شهوته لسقوط كل إنسان.
6- لاحظ أن إبليس يحارب المسيح في المدينة المقدسة وعلى جناح الهيكل أي في الأماكن المقدسة، والشيطان لا يكف عن أن يحاربنا حتى في أقدس الأماكن.
7- قد تكون حرب الشيطان هنا ذهنية فقط أي هو يغري المسيح بأن يذهب ويفعل هذا ليصير الكارز المشهور بالأعاجيب وهذا هو تعظم المعيشة أما المسيح فاختار طريق الصليب.
8- الشيطان استخدم آيات من (مز91) ولكنه لم يكملها، فالباقي ليس في مصلحته، إذ أن بقية الآيات تقول “تطأ الأفعي”.. كناية عن إبليس.
9- ونرى في رد السيد المسيح.
[1] لم يسخط ولم يثور ولم يهتاج ضد إبليس بل يرد في ثقة وهدوء.
[2] الله يحفظنا من التجارب التي أتعرض لها وليس التي اصنعها بنفسي حتى أجرب محبته. وعلينا أن نثق في محبة الله دون طلب إثبات.
[3] المسيح اختار طريق الصليب ورفض طريق استعراض إمكانياته بطلب ملائكة تحفظه. وعلينا أن نختار طريق الألم واحتمال الألم دون أن نطلب معجزات تسهل لنا الطريق، أو بقصد المباهاة والمجد الباطل.