المحبة لا تطلب ما لنفسها

 

“المحبة لا تطلب ما لنفسها” ( 1 كو 5:13)

آدم لم يكن سعيداً لما خلقه الله بمفرده لذلك خلق من جنبه إنسانا آخر يُكمل سعادته ، وماذا تكون سعادة آدم سوى الارتباط الأكثر بالله ، وذلك بأن يصير لآدم إنسان آخر يعطيه ويبذل من أجله، وهو بذلك العطاء والبذل المستمر بإخلاص يفرغ ذاته فيصير أهلاً ليحل الله فيه دائماً.

الخطيئة فتت الإنسان إلى كثرة غير منسجمة ، غير سعيدة ، وصار كل إنسان يطلب ما لنفسه فقط ، وهذا ضد ناموس المحبة تماماً: المحبة لا تطلب ما لنفسها.

المسيح جاء ليعيد الوحدة الإنسانية إلى أعلى مما كانت ، لأنه بتجسده وبذله وحبه للإنسان ربط النفس البشرية به في وحدة روحية فائقة على العالم والجسد والذات ، نسميها زيجة مقدسة. لقد صارت لنا بالمسيح فرصة للعودة إلى الاتحاد بالله، إنما بحبنا للآخرين وبذلنا حياتنا لهم بدون تحيز أو حدود أو تحفظ.

الحياة مع المسيح تجعلنا نتجاوز أنفسنا ونلغيها حتى إلى درجة أن ننكرها ، حتى نكسب الآخرين ، نكسبهم للمحبة ، المحبة الخالصة في وجه الله . وبذلك نتجاوز الخطيئة في أصلها ومنبعها ، نتجاوز العداوة المدمرة للمحبة والوحدة في الله ونصير مهيئين للاتحاد ببعضنا البعض بسهولة بدون تحفظ أو حدود.

فلندرك تماماً أن قانون الروح في الله ينتهي إلى حقيقة عجيبة هي أن ربح الآخرين هو ربحي، وخسارة الآخرين هي خسارتي ، طالما أن الربح والخسارة متعلق بأمور الله والمحبة.4G 1 3:1

لابد أن نموت عن ذواتنا لتحيا المحبة ونحيا في الله والله يحيا فينا ، المسيح أعطانا الصليب ليس شعاراً بل وسيلة نكمل بها الخلاص . المسيح لم يمت عن نفسه بل عن العالم ؛ ولكنه لم يبق في الموت ؛ بل قام ليعطينا أيضا أن نقوم من موتنا. فالموت الذي ماته أعطاه لنا لا لنفتخر به بل لنموته تماماً كما ماته هو ، ولكنه ضمن لنا القيامة.

كل بذل موت . وكل موت عن بذل قيامة . ولا سبيل لنا للقيامة إلا بالموت . ولا موت يُحسب لنا موتاً إلا إذا كان عن محبة … المحبة قيامة.

إن الموهبة لا تُعطى لفرد لمنفعته الخاصة ، بل لمنفعة الجماعة ، فالذي ينال موهبة ويحتجزها لنفسه ولا يسلمها للأخرين فهي تميته . لذلك فحين تنال موهبة أو فضيلة فلا تظن أنها مُعطاة لك لحسابك الخاص ، بل هي لحساب الجماعة ، فإياك أن تصرها في نفسك ولا تخدم بها الآخرين كالجاهل الذي دفن موهبته في التراب.

إذن فشعوري الخاص حينما تكون لي مواهب أكثر من الآخرين لا يجب أن يكون ذلك إطلاقاً شعوراً بالافتخار أو بالاكتفاء ؛ بل على العكس يتولاني خوف شديد لأني أحس أني مسئول لكي أُحول هذه الموهبة لحساب الآخرين أو بالحري لحساب المسيح. لأن شعوري بالموهبة بدون بذل وعطاء يكون مثل تاجر يحجز في مخزنه بضاعة غير موجودة في في السوق والناس في حاجة إليها . لذلك لا أجد راحة إلى أن أحول كل ما عندي لخدمة الآخرين ، وإلا تتحول الموهبة إلى دينونة ومحاكمة. 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى