تفسير سفر يونان أصحاح 1 للقمص مكسيموس صموئيل

الإصحاح الأول
يونان النبي وعصيانه للرب ونزوله في بطن الحوت

بدأ السفر بحرف العطف (و) دليل على أن الرب تكلم مع يونان بشئ لم يعلنه في هذا السفر يبدو أنه سر أو غيره.

(1) سبب دعوته للكرازة في نينوى :-

يعطي السفر السبب المباشر لصعود شرهم إلى الرب وفي الترجمة القبطية : ‏.Afi`e`p]wi aroi nje `p`’rwou `nte teckakia . أي صعد صراخ شرهم إلى، وهنا دائماً أن الشر يجلب صراخ وضجيج ويحتاج إلى السلام وإلى يونان الذي معنى اسمه حمامة (يونا) والحمامة ترمز للروح القدس الواهب السلام.

فقد قيل عن ربنا يسوع أنه لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (مت 19:12). ولما قتل قايين هابيل كلم الله قايين قائلاً ” صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض ” (تك 4: 10)

وسدوم وعمورة قيل عن شرهم ” صراخ سدوم وعمورة قد كثر ” ( تك 18: 20).

هكذا تحتاج نينوى إلى يونان لكي يهب نينوى السلام بندائه لها بالتوبة التي توهب الغفران وترفع غضب الله عنهم.

 ونحن كنينوى نحتاج إلى يونانا الحقيقي ربنا يسوع الذي له العينان الحمامتان على مجاري المياه ( نش 1: 15 ؛ 4: 1) لكي يعطينا سلاماً حقيقياً، هكذا قال القديس يوحنا إكليماكوس ” أن الله يسكن في النفس حيث السلام، وأن النفس القلقة هي مسكن للشيطان”.

وسبب غير مباشر لدعوة يونان أن أمه من صرفة صيدا وهو الذي أقامه إيليا من الموت حسب التلمود اليهودي، فهو أممي من حيث الأم وهو من جت حافر التابعة لسبط زبولون شمال الناصرة فهو يسكن وسط الأمميين.

وهو النبي الذي واصل حلقة النبوة بين إيليا وأليشع وبين هوشع وعاموس وتدرب في مدرسة الأنبياء التي أنشأها صموئيل النبي.

وهو كان في زمان يربعام الثاني ملك إسرائيل وكان الآراميون مضايقين لإسرائيل فتنباً عليهم بإنقاذ الله لشعبه (2 مل 14: 25-27).

لكن هي دعوة غريبة أن يذهب نبي يهودي إلى بلد أممية لدعوتها للتوبة ولمعرفتها إلهه، يعني هذا خروج يهوه إلى الأمم وهذا فكر مرفوض لدى أي يهودي، فيهوه يخص شعب إسرائيل فقط حسب فكرهم !!! لهذا كان الهروب !!

(2) هروب یونان إلى ترشيش :-

هروب يونان فيه عدة عناصر :-

1- أنه هرب من وجه الرب من الأرض إلى البحر وهو يعترف بأن الله إله السماء الذي خلق الأرض والبحر فكان تصرف فيه عدم حكمة.

2- الله قال له اذهب إلى نينوى، وهي قريبة لإسرائيل شرقاً فذهب هو في الاتجاه المضاد غرباً إلى ترشيش وهي عند مضيق جبل طارق في أسبانيا وهي تسمى ترتيسوس كما قال عنها هيروديت.

3- نلاحظ تكرار فعل نزل دليل انحدار النبي المستمر في مستواه الروحي فهو نزل إلى السفينة من يافا – نزل إلى السفينة لينام وقت العواصف – نزل إلى بطن الحوت !!

4- كان متشبعاً بعاطفة لشعبه ولخلاص شعبه مثلما قال موسى الله ” الآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك” (خر 32: 31-32) ومثلما قال معلمنا بولس أنه يود أن يكون محروماً في سبيل خلاص أنسبائه حسب الجسد أي اليهود.

5- بين يافا وترشيش : يافا تعني الجمال أما ترشيش تعني البحر والتأمل المفرح، فبدل من أن يذهب يونان ويحمل صليب الكرازة سلك حسب هواه وفكره اليهودي بالتأمل المفرح.

(3) نوء عظيم في البحر بسبب يونان :

– إذ صار يونان عنيداً فكلمه الله بلغة الثورة التي تعبر عن داخله.

– فأرسل الله ريحاً ونوء عظيماً كاد أن يكسر السفينة، وكثيراً ما تعبر الأسفار النبوية عن أن الله في الريح وهو خالق الريح (أي 38: 8 ، مز 7:135 ، أم 4:30، مز 8:148)، بل أيضاً أن الريح تعني الدينونة للعصاة كما في (مز 107: 25، أي 17:9).

– صار الوثنيون راكبي السفينة أحكم من نبي الله إذ عملوا شيئاً صرخ أولاً كل واحد إلى إلهه حسب معرفتهم ثم عملوا ما عليهم فطرحوا أمتعتهم من السفينة ظناً إنها تثقل السفينة لكن خطية عناد نبي الله كانت هي ثقل السفينة، هكذا تثقلنا خطايانا التي في العمق.

– لاحظ رئيس النوتية أن إنسان واحد لم يهمه ما يحدث ونائم نوم عميق نوم الهروب من الله وهو نوم ليس فيه سلام، فليس من الجيد ما يقوله العلامة جيروم في نوم يونان في باطن السفينة أنه في هذه الحالة يرمز لربنا يسوع لأن ربنا يسوع كان يعمل مشيئة الذي أرسله، فراح رئيس النوتية بوداعة رغم عنف التجربة يوقظه وينصحه أن يصرخ إلى إلهه لعله ينقذهم، وهنا رسالة واضحة في وداعة الأمميين وأنهم يثقوا بل يريدوا إليه يونان أن يخلصهم إن كانت قد فشلت كل محاولة في الصراخ إلى الآلهة الأخرى.

(4) القاء قرعة :-

ليست القرعة في كل الأمور سليمة فمتياس الرسول اختير بالقرعة في سفر الأعمال (أع 26:1 ) لكن الله يرشد الذين يريدوه حسب فكرهم البشري :- 

– فالمجوس أرشدهم بالنجم (مت 2: 2 ) ، وبلعام أرشده خلال الحمار (عد 28:22).

– وقيافا عرف أنه ينبغي أن يموت واحد عن أمة، فتنبأ عن موت ربنا يسوع عن العالم رغم شره ( يو 5:11 ).

– لكن هنا استخدم الله القرعة بإرشاده فوقعت على يونان فعرفت كل السفينة أن يونان وراءه سراً !!

(5) محاكمة وديعة في قلب السفينة :-

وسط النوء والاضطرابات بعد وقوع القرعة عليه سأل النوتية يونان أسئلة تفصيلية لكن بوداعة مع أنهم في ظروف تثير الغضب فأظهروا حكمتهم.

عُرفت الخطية وهي العصيان ينقص الاعتراف بها ليرجع النبي الهارب من الله إلى البحر إلى الله خلال الحوت.

اعترف يونان عن خطأه وعن إلهه فقال أنا عبراني وهي تعني معنيين أنه يهودي أو عبراني بمعنى عابر من مكان لآخر أي ضعيف.

واعترف أنه خائف من الرب إلهه الذي يعبده وهو الإله الحقيقي الذي صنع البحر والبر وهنا آمن به الوثنيون إذ الله يعمل حتى خلال عصياننا.

والنتيجة أنهم آمنوا بإله يونان وخافوا الرب.

 تعرفوا من اعترافه أنه نبي الله وأنه هارب من وجهه. . فسألوه : أنت قلت لنا أنى أنا المرض أن هذا النوء بسببك فأنت نبي الله فهم أخطئوا إذ استضافوه في سفينتهم، فأرادوا منه العلاج ماذا يفعلوا به.

فكان نبي الله عارف بالعلاج أنه ينبغي أن يرموه من السفينة ليسكن البحر عنهم.

وهنا نبوة عن نزول ربنا يسوع المسيح إلى بحر عالمنا ليهبنا السلام ومن خلال الصلب والقبر 3 أيام و 3 ليالي والقيامة يكون لنا الخلاص.

 وأيضا وجود يونان في السفينة وطرحه عنها سبب لها سلام، وهذا رمز لطرح الخطية عنا فتسبب لنا السلام.

(6) طرح يونان في البحر وابتلاع الحوت له :-

حاول الرجال التجديف لإنقاذ السفينة ويونان لكنهم فشلوا فواضح أنهم لم يبحروا لمسافة كبيرة.

فعرفوا إرادة الله وليس الهتهم وأنهم استعانوا بالله بعدما كانوا يصلوا للآلهة الوثنية لأنهم آمنوا باله يونان الصانع البحر والبر، وكانوا مملوئين حكمة وخافوا أن يحسب عليهم دما برينا رغم خطية عناد يونان ومعرفتهم أن الذي حدث لهم هو بسببه لكنهم قالوا عنه دما بريئاً بلا عيب كأنهم تنبأوا عن ربنا يسوع المسيح الذي هو حمل بلا عيب ينبغي أن يموت ليفدي البشرية كلها.

 أخذ الرجال يونان فلم ينقضوا عليه ولا قبضوا عليه لكنهم برفق أخذوا يونان وألقوه إلى البحر الذي كان ينتظره لكي يهدأ وكأنه العالم الذي ينتظر رئيس السلام ليحل السلام فيه. 

خاف الرجال الرب وذبحوا ذبائح ونذروا نذوراً فلم تكن في السفينة ذبائح لكنهم ذبحوا ذبيحة الاعتراف بالله وذبيحة الحمد، والنذور حينما يصلون يوفوها لإله يونان. 

فعندما نزل يونان إلى البحر لم يهلكه البحر، هكذا ربنا يسوع لما دخل إلى الموت أمات الموت.

بل أعد الله له حوتاً فابتلعه وكان هناك في باطن الحوت 3 أيام و 3 ليالي، فكان من المفروض أن الحوت يقتله لكنه لم يفعل هكذا ربنا يسوع نزل إلى الموت لكي يصطاد هو الموت. 

أما عن 3 أيام و 3 ليالي بالنسبة لربنا يسوع فهي ترمز للـ 3 أيام والـ 3 ليالي التي قضاها في القبر وليس الجحيم كما قال العلامة جيروم لأنه قال للص اليمين اليوم تكون معي في الفردوس.

وربنا يسوع قضى 3 أيام و 3 ليالي تحسب هكذا :-

1. أن الجزء من يوم يعتبر عند اليهود يوماً، فهو مات يوم الجمعة فاعتبر يوماً، والسبت كاملاً في القبر يكون يوماً ثانيا، وجزء من يوم الأحد يكون يوماً ثالثاً.

2. اعتبر البعض إظلام الشمس من الساعة السادسة (12 ظهراً) إلى التاسعة (3 ظهراً) ليلا فيكون 3 ليالي.

ملحوظة :-

كان لابد أن يقوم المسيح في فجر الأحد لأنه لو أكمل يوم الأحد كان الحراس مضوا ويكون ما شاعه اليهود صحيحاً لكنه قام والحراس قائمين ليشهدوا أنه قام بالحقيقة.

تفسير يونان – مقدمة يونان 1  تفسير سفر يونان
تفسير العهد القديم تفسير يونان 2
القمص مكسيموس صموئيل
تفاسير يونان 1  تفاسير سفر يونان تفاسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى