تفسير إنجيل لوقا ١٢ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثاني عشر
الآيات (1-12): في كتاب إنجيل متى (مت16:10-42 وما بعده)
آية (10): في كتاب إنجيل متى (مت22:12-37 وما بعده)
الآيات (13-21):
الآيات (13-21): “وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث. فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً. وقال لهم انظروا وتحفظوا من الطمع فأنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله. وضرب لهم مثلا قائلاً إنسان غني أخصبت كورته. ففكر في نفسه قائلاً ماذا أعمل لأن ليس لي موضع اجمع فيه أثماري. وقال اعمل هذا اهدم مخازني وابني اعظم واجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون. هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله.”
في الآيات السابقة كان المسيح يكلمهم عن الكرازة بلا خوف والضيقات التي ستأتي. فإرتفع صوت شخص يشتكي أخيه الذي ظلمه في الميراث. ويظهر هنا التناقض، فلو فهم هذا الشخص كلام المسيح الذي يعني أنه في هذا العالم سيكون ضيق مستمر، ولكن الروح القدس يساندنا وفي النهاية من يثبت يعترف به المسيح، لإحتقر هذا الشخص الماديات كلها فماذا ستنفعه أمواله وقت الإضطهاد والاستشهاد، وماذا سيخسر هذا حينما يقف مُعْتَرَفَاً به أمام الله. المسيح واضح هنا أنه يريد رفع مستوى تفكيرنا إلى السماويات، وإيماننا بأننا غرباء في هذه الأرض. لذلك ينبه أن الطمع هو أخطر عدو يقابل المسيحي، لذلك أسماه بولس الرسول عبادة أوثان (كو5:3). لأن الطماع ينسى إنتمائه للسماء ويظن أنه سيعيش للأبد على الأرض (هذا هو معنى المثل الذي قاله هنا السيد المسيح). لنثق أن المال لا يعطي سلاماً، الله هو الذي يعطيه. والسيد المسيح رفض أن يأخذ دور السلطة الزمنية أي القضاة وصمم على أن يكون دوره روحياً. هو تحاشى أن يضع قوانين أرضية بل هو السماوي، أتى من السماء ليرفعنا للسماويات، هو يريد أن يحل المشاكل بإصلاح الداخل، ومنع الطمع المفسد للحياة السماوية. ولاحظ فإن المسيح لا يدين الغني بل الطمع. والطمع هو الشعور الدائم بعدم الإكتفاء والنهم للأرضيات والماديات، والإنشغال بالماديات عن الروحيات، وعدم الإهتمام بأن يكون للشخص كنز سماوي.
يا معلم قل لأخي= كان وظيفة معلمي اليهود أن يتدخلوا لحل هذه المشاكل.
مثل الغني الغبي: هل خطأ أن يفكر إنسان أن يقيم مخازن؟ قطعاً هذا ليس خطأ، فما هو إذاً خطأ هذا الغني الذي جعله غبياً؟
1) هو كان يفكر في الحاضر فقط والمستقبل على أنه سيعيش دائماً وربما للأبد. ولم يفكر أنه في هذه الليلة ستؤخذ نفسه. فعلينا أن نعمل بجد ولكن لا ننسى أننا هنا غرباء، قد نترك العالم في أي لحظة.
2) إذا فهمنا أنه يمكن لنا أن نترك العالم في أي لحظة، فما الذي أعددناه للسماء. هذا الغني كل ما فكر فيه كان يخص حياته على الأرض، فأين هي كنوزه التي في السماء (أي أين صلاته وأصوامه وصدقاته..).
3) عطايا الله له حسبها تخصه وحده= أثماري غلاتي خيراتي فهو نسب الخير لنفسه ولم يذكر أن الله أعطاه الكثير فيشكر الله وليعطي هو من ليس لهم، فنحن وكلاء على ما عندنا.
4) أنظر ما يفكر فيه يا نفسي كلي واشربي وإفرحي= فكل ما يفكر فيه هو ما يشبع الحيوانات أيضاً، ولكن أين نصيب الروح.
5) لكِ خيرات يا نفسي= هو إعتبر أن الخيرات هي الماديات فقط وتناسي أن الخيرات الحقيقية هي الفضائل فهذه توصلنا للسماء أما الأموال فهذه يمكن توجيهها لتكون خيراً ويمكن توجيهها لتكون شراً.
6) هو إفترض أن غناه سيكون سبباً في راحته، مع أنه أصبح هماً ثقيلاً عليه وشاغلاً يشغل باله ويملأه قلقاً. لقد ظن أنه يملك المال لكن المال هو الذي إمتلكه. أمّا الراحة الحقيقية هي في المسيح. غنياً لله= أي يكون غناه هذا لمجد الله وليس لراحته هو شخصياً.
7) يقول يا نفسي لكِ خيرات كثيرة، موضوعة لسنين كثيرة= ولم يخطر على باله أي اعتبار أن كل شئ هو ملك لله، وأننا وكلاء على ما بين أيدينا. وأن الله سيحاسب كلٌ منا حسب ما سوف يتصرف في أمواله. ولاحظ قوله سنين كثيرة، هو لا يفكر أنه يمكن أن ينتقل في أي لحظة. هذا الإنسان ربط نفسه بالأرضيات وبالتالي فهو لا يصلح للسماويات. فمن يصلح للسماويات هو من عاش في الأرض سماوياً غريباً عن الأرض.
8) حينما زادت خيراته فكر في زيادة مخازنه بدلاً من أن يفكر في إحتياج الفقراء لهذه الزيادات.
الآيات (22-31): في كتاب إنجيل متى (مت25:6-34) وما بعده)
الآيات (32-48):
الآيات (32-48): “لا تخف أيها القطيع الصغير لان أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت. بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة اعملوا لكم أكياساً لا تفنى وكنزاً لا ينفد في السماوات حيث لا يقرب سارق ولا يبلي سوس. لأنه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضاً. لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة. وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين الحق أقول لكم انه يتمنطق ويتكئهم ويتقدم ويخدمهم. وأن أتي في الهزيع الثاني أو أتي في الهزيع الثالث ووجدهم هكذا فطوبى لأولئك العبيد. وإنما اعلموا هذا انه لو عرف رب البيت في أي ساعة يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب. فكونوا انتم إذا مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان. فقال له بطرس يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً. فقال الرب فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق أقول لكم أنه يقيمه على جميع أمواله. ولكن إن قال ذلك العبد في قلبه سيدي يبطئ قدومه فيبتدئ يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها فيقطعه ويجعل نصيبه مع الخائنين. وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيراً. ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلاً فكل من أعطى كثيراً يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر.”
في الآيات السابقة دعوة السيد لأولاده ألا يقلقوا فالله يعول أولاده ويهتم بهم.
لا تخف= من الغد أو من قلة الغذاء والكساء، فإن كان الله قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت فهل يبخل عليكم بالجسديات.
القطيع الصغير= فالمدعوون كثيرون والمنتخبون قليلون، الذين يخلصون هم قليلون. وفي أول لقاء مع تلاميذه أعطاهم الرب صيداً وفيراً بلا عدد (لو5) وفي آخر لقاء أعطاهم 153سمكة هم القطيع الصغير. وفي مثل عرس إبن الملك كان المدعوون كثيرين، ولكن عاد وأخرج من ليس عليهم ثياب العرس. وهم قطيع صغير لقلة عددهم وسط عالم كبير وأعداء كثيرين أشداء. وهم قطيع صغير لقلة إمكانياتهم البشرية.
لأن أباكم= ربما هم بلا حول ولا قوة في العالم، لكن أنظر لأبيهم الذي سر بهم، وماذا أعد لهم؟ الملكوت. ولاحظ أن عدد المؤمنين في القطيع الصغير معروف عدده لا يهلك منه أحد/ بل هو معدود واحداً فواحداً (رمزياً هم 153 وهم 100خروف لو ضل أحدهم يذهب الراعي ليفتش عليه حتى يجده). فهو راعي وهو أب. بيعوا ما لكم= من آمن وصدَّق أن الله أعد له الملكوت سيبيع بسهولة الأرضيات، ويعطي صدقة فيكنز له كنزاً سماوياً حيث يثق أنه ذاهب هو ينقل بهذا أمواله إلى بنك السماء حيث هو ذاهب. ومن هذه الآية نفهم إستحالة الجمع بين كنزين إذ لا يمكن أن يتوزع القلب بين إثنين الله والمال. بهذا يتوقف المسيح عن الكلام في الماديات وينتقل للروحيات. وقوله بيعوا لا تعني أن نبيع كل شئ ونفتقر بل أن نتوقف عن التعلق بها أو الإعتماد عليها. أن نفهم بقلوبنا تفاهتها، فلنا أب سماوي هو يعولنا. أكياساً لا تفني= الإتكال على الله هو كمن له كيس لا يفنى ما فيه من نقود. فالله مصدر لا نهائي لكل ما يحتاجه أولاده. ولكن هذا لمن إهتم أن يكون له كنز في السموات= أي تكون حياته سماوية وتكون أمواله لخدمة المحتاجين.
لتكن أحقاءكم ممنطقة= ثياب الشرقيين طويلة، وإذا لم يتمنطقوا تعوقهم ثيابهم عن العمل والرحيل لأنها تشتبك بأقدامهم. إذاً المعنى الروحي أن لا يرتبك المؤمن بالمعوقات العالمية التي تعوقه عن الخدمة وعن إنتظار الرب بفرح، ويكون هذا بضبط النفس عن الإسترسال في الشهوات والإنغماس في ملذات الدنيا، والإهتمام بحياة الفضيلة والأعمال الصالحة. إذاً هي إعتبار الجسد ميت عن ملذات العالم والخطية (كو5:3) (جهاد سلبي) وعمل أعمال بر وخدمة (جهاد إيجابي). فمن باع العالم أي لم يعد يهتم به يسهل عليه تركه.
قصة: حينما أتت ساعة الموت من شخص مريض طريح الفراش، كان ينام على وسادة، وجدوه يحتضن وسادته بعنف، وحاولوا أخذ الوسادة منه ليجعلوه ينام عليها ويستريح، فكان يرفض بشدة محتضناً وسادته حتى مات، ولما مات فتحوا الوسادة، فوجدوه قد أخفى ثروته فيها. هذا كان رافضاً للموت متعلقاً بثروته. فكل من تعلق بالعالم لا يريد أن يتركه.
أحقاؤكم= مفردها حُق وهو حُق الفخذ الذي يُرْبَطْ حزام الوسط فوقه فيشد قامة الإنسان ويرفع ملابسه فوق الأرض ويجعله بهذا مستعداً للمشئ والرحيل.
سرجكم موقدة= يحتاج الإنسان في الليل لسراج موقد يسير به في الظلام. لئلا يصيب الإنسان ما أصاب العذارى الجاهلات. وهذا إشارة لضرورة الإمتلاء من الروح القدس وسط ليل هذا العالم. وهذا يكون بطلب الروح القدس بلجاجة في الصلاة. فيمتلئ الإنسان ويحل المسيح (النور) في قلبه. فينير هو أيضاً.
ينتظرون سيدهم متى يرجع= إشارة للمجيء الثاني، أو ساعة الإنتقال. ساهرين= ساهر على أن يكون مصباحه مملوءاً بالزيت كالعذارى الحكيمات وساهر على أولاده وبيته، والخادم ساهر على كنيسته حتى لا يخطف عدو الخير أحد أولاده، ساهراً أن يؤدي خدمته بأمانة. وكل إنسان يكون ساهراً على أن تكون عبادته بأمانة، والساهر يأخذه رب المجد للمجد. وقد يكون العبيد إشارة لطاقات الإنسان (الجسدية والروحية) التي ينبغي أن تكون في خدمة السيد المسيح.
يتمنطق.. ويخدمهم= لا ولائم في السماء ولكن المعنى هو لا شئ من البركات والمجد في السماء لن ينعم به المسيح علينا. هو يتمنطق ليخدم الذين سبقوا وتمنطقوا في العالم. وهو يمنطق حقويه إستعداداً للدينونة وفيها يكرم الساهرين، ويحكم على الأشرار. وعربون هذا هو الفرح والسلام اللذان يحيا فيهما أولاد الله الآن على الأرض.
ولكن قوله يتمنطق ويخدمهم هو إعلان عن محبة المسيح وإشتياقه الشديد أن يرى أولاده معه في السماء وفي المجد، فمن أكرمه على الأرض سيكرمه المسيح في السماء “أنا أكرم الذين يكرمونني” (1صم30:2)
الهزيع الثاني أو..= اليهود يقسمون الليل إلى أربعة هُزع. ويقسمون عْمر الإنسان لأربعة أقسام (الطفولى/ الشباب/ الرجولة/ الشيخوخة) وأشار هنا إلى الليل الذي يشير لفترة وجودنا على الأرض. ولكنه أشار لثلاثة هُزُعْ فقط. وقد يكون الهزيع الرابع هو:
- الطفولة= فالطفل غير مسئول عن تصرفاته ولا يعاقب على خطاياه فيها.
- الشيخوخة= حتى لا نؤخر توبتنا لسن الشيخوخة “أذكر خالقك أيام شبابك” (جا1:12)
والمعنى هو الاهتمام بالسهر وسط ليل هذا العالم. وهو يشبه أن الموت يأتي كلص فجأة دون إنتظار. لذلك على الإنسان أن يسهر أي يكون مستعداً في كل وقت بتوبة مستمرة.
وكان رد السيد على سؤال بطرس ألنا تقول هذا.. أم للجميع. أن ما قيل كان يخص كل خادم وكل راعي يقيمه السيد ليخدم شعبه. بل أن هذا المثل يمتد لكل من أعطاه السيد وزنة يخدمه بها. فالغني الغبي أعطاه الله وزنة هي المال الوفير، وكان هناك حوله جوعي، فهو كوكيل على هذه الأموال لم يكن أميناً على هذه الوكالة وهكذا. والسيد يطوب كل من كان أميناً في وزنته (آية43).
العلوفة= هي كمية الأكل المخصصة لكل واحد والمعنى الغذاء الروحي اللازم والمناسب لكل واحد. وسؤال بطرس غالباً لأنه فهم من أقوال المسيح الكرامة التي ستنال الخادم الساهر، فسأل ليتأكد بالأكثر. وبمقارنة النص هنا بما ورد في نظيره في إنجيل (مت42:24-45) نجد فرقين:
متى (يكتب لليهود) |
لوقا (يكتب للأمم) |
1. أقامه 2. طعام |
يقيمه علوفة |
فيقول لليهود أقامه فلطالما أرسل الله لليهود أنبياء، أما للأمم فهو مزمع أن يقيم لهم رعاة. ولليهود أرسل الله لهم طعاماً فهم أبناء وقد أرسل لهم ناموس ونبوات. أمّا للأمم فيشير لطعامهم بقوله علوفة، فهم كانوا بلا إله غارقين في شهواتهم كالبهائم.
يضرب الغلمان ويأكل ويشرب= هو إهتم بملذاته، وأعثر أولاد الله ومنعهم أو صدهم عن الشبع بكلمة الله، في قسوته عليهم لم يكن صورة للمسيح فصدهم عن معرفة المسيح والشبع به.
يقيمه على جميع أمواله= يوحده فيه كعروس مع عريسها ويعطيه مجداً، لا مجداً أرضياً بل سماوياً. أي يعطيه الملك الأبدي.
تطبيق عام على كلمات الرب= على كل واحد منّا أن يكون أميناً في وزناته أميناً على جسده وصحته وأعضائه وعواطفه وغرائزه وعمله وخدمته التي أستأمنه الله عليها، ليكن كل ما سلمنا الله إياه هو أمانة بين أيدينا، نشبع حياتنا بطعام الروح حتى لا تهلك.
ونرى في كلام السيد أن مسئولية كل إنسان ستكون بحسب معرفته، ولكن هذا ليس مبرراً أن نهمل المعرفة، فقلة المعرفة قد تسبب الهلاك بل هي من المؤكد ستسبب الهلاك “هلك شعبي من عدم المعرفة” (هو6:4)
وهنا نرى أن من لا يعلم يعاقب أيضاً، فهو أهمل في أن يعرف. فمن يعرف ويهمل يضرب كثيراً، ومن لا يعرف لأنه لم يطلب المعرفة يضرب قليلاً. كلاهما يضرب أي يهلك.
سيدي يبطئ قدومه= من يتصور أن ساعة موته بعيدة فيجري وراء شهوات العالم. يقطعه= ينهي حياته.
الآيات (49-53): في كتاب إنجيل متى (مت37:10-39 وما بعده)
الآيات (54-59): راجع كتاب إنجيل متى (1:16-3)
راجع كتاب إنجيل متى (25:5،26)
الآيات (54-59): “ثم قال أيضاً للجموع إذا رأيتم السحاب تطلع من المغارب فللوقت تقولون انه يأتي مطر فيكون هكذا. وإذا رأيتم ريح الجنوب تهب تقولون أنه سيكون حر فيكون. يا مراؤون تعرفون أن تميزوا وجه الأرض والسماء وأما هذا الزمان فكيف لا تميزونه. ولماذا لا تحكمون بالحق من قبل نفوسكم. حينما تذهب مع خصمك إلى الحاكم ابذل الجهد وأنت في الطريق لتتخلص منه لئلا يجرك إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الحاكم فيلقيك الحاكم في السجن. أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير.”
هنا يؤنب السيد من له حكمة زمنية بها يعرف علامات الجو، ومتى ستمطر السماء، ومتى يكون الجو صحواً. وفي نفس الوقت لا يميز الوقت المقبول للتوبة والإيمان والتصالح مع الله. وبنفس المفهوم يؤنب السيد الذين يسعون لمعرفة زمان مجيئه الثاني الذي سيكون للدينونة ويتركون معرفة قيمة الزمان الحاضر، وهو زمان المصالحة وإمكانية التوبة والخلاص. والرب واقف على الباب يقرع، هو زمان ترحيب الله بكل تائب. أما في مجيئه الثاني سيغلق باب التوبة والمراحم.
والأمطار= ترمز للنعم السمائية. وريح الجنوب حارة ترمز للحرارة الروحية التي يعطيها الروح القدس للتائب. وهذا ما تم بالمسيح وفدائه.
أما هذا الزمان فكيف لا تميزونه= هذا القول للفريسيين هو عتاب أنهم لم يميزوا أن الذي أمامهم هو المسيح بعد كل ما سمعوه من أقواله ورأوه من أعماله وهذا راجع لكبريائهم وريائهم. وهذا القول لنا لننتهز الفرصة، فرصة هذه الحياة للتوبة والتصالح مع الله، وخطورة إهمال ذلك.
ولاحظ أن هذا الكلام يأتي بعد نبوة المسيح عن الإضطهاد القادم حتماً فهو جاء ليلقي ناراً وإنقساماً (آيات49-53). وهذه الإضطهادات لن يحتملها سوى التائبين والمتصالحين مع الله، فهؤلاء سيتمتعون بالتعزية التي بها يحتملون الآلام. أمّا الفاترين، أو المنغمسين في الخطية ورافضي التوبة، حينما تأتي الآلام سيتركون المسيح لأنهم لم ولن يستطيعوا أن يميزوه= لماذا لا تحكمون بالحق من قبل نفوسكم= إمتداداً لعدم التمييز لا يُحاسب الإنسان نفسه فيقدم توبة، ويرفض الخضوع للحق الإلهي ويتمادى في الخطية مبرراً نفسه أما من يحيا حياة التوبة سيقتني المسيح داخله فيميز الحق، وهؤلاء الفريسيين مملوئين رياء وحسد لذلك لا يستطيعون أن يميزوا الحق، والمنغمسين في خطاياهم أيضاً لن يستطيعوا تمييز المسيح، لذلك سيتركونه إذا جاءت آلام وإضطهادات.
وبعد أن وبخ المخلص السامعين على عدم تمييزهم للأزمنة وعدم إنتهازهم فرصة عهد النعمة لإتمام التوبة، أخذ يبين لهم الخطر العظيم الذي ينجم عن ذلك، فشبه الخاطئ برجل أخذه خصمه للقاضي ليحاكمه. هذا الخصم هو ناموس الله ووصاياه العادلة وقد يكون الخصم هو صوت تبكيت الروح القدس، وهو يطلب إستيفاء حقوقه كاملة والقاضي هو الديان العادل الذي يجلس للقضاء يوم الدين، والطريق هو فرصة هذا العمر. والحاكم هو من يلقي في السجن أي الملائكة التي تضع النفس في مكان العذاب الأبدي. والتخلص من العمر. والحاكم هو من يلقي في السجن أي الملائكة التي تضع النفس في مكان العذاب الأبدي. والتخلص من الخصم هو التصالح معه قبل الوصول إلى كرسي القضاء. أي نطلب العفو والمغفرة ونقدم توبة لله قبل إنتقالنا للعالم الآخر. وإلا سنوضع في السجن حتى نوفي آخر فلس (أصغر عملة إشارة لأصغر خطية). وكيف نوفي ما علينا ونحن في العذاب الأبدي، فإن لم يبررنا دم المسيح فسنظل هناك للأبد، فلا شئ يفوق دم المسيح قادر أن يبرر.
إنجيل القديس لوقا: 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16– 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24
تفسير إنجيل القديس لوقا: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15– 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24