تفسير الإنجيل بحسب القديس لوقا أصحاح 4 – كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
الأَصْحَاحُ الرابع
تجربة المسيح وكرازته في الناصرة والجليل
(1) صوم المسيح (ع1 – 2)
(2) تجربة الخبز (ع3 – 4)
(3) تجربة الماديات (ع5 – 8)
(4) تجربة الكبرياء (ع9 – 12)
(5) نهاية التجارب (ع13)
(6) خدمته في الناصرة (ع14 – 30)
(7) إخراج شيطان بكفرناحوم (ع31 – 37)
(8) شفاء حماة سمعان (ع38 – 41)
(9) الكرازة في الجليل (ع42 – 44)
(1) صوم المسيح (ع1 – 2):
1 أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ 2 أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا.
ع1: بعد عماد المسيح وظهور الروح القدس حالًا عليه مثل حمامة، كان هذا إشارة لبدء خدمة المسيح، فيعلن هنا امتلاءه من الروح القدس وقيادته به، مع أن الروح القدس هو روحه منذ الأزل، ولكن هنا إعلان لنا ليعرفنا بالثالوث القدوس وأهمية قيادة الروح القدس لحياتنا.
† إن لم يمتلئ الخادم بالروح أولًا من خلال إرتباطه بالأسرار المقدسة والصلاة وقراءة الكتاب المقدس وأيضا خضوعه باتضاع لإرشاد الله، لا يستطيع أن يخدم خدمة ناجحة.
ع2: صام المسيح أربعين يوما قبل بداية خدمته، ليعلن أهمية الهدف وهو الحياة الروحية التي يصاحبها التنازل عن الماديات.
وكان يُجرب طوال الأربعين يوما من إبليس، ولم يقدر إبليس عليه لأن زهده بالصوم وانفراده للصلاة في البرية يُبطل كل قوة لإبليس كما قال المسيح نفسه عن الشيطان “هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم” (مر9: 29).
وقد صام المسيح أربعين يوما فقط، كما صام موسى وإيليا حتى لا يصنع شيئًا فوق طاقة البشر، وجاع ليؤكد ناسوته الحقيقي الذي شابهنا فيه. وبالتالي يمكننا أن نقتدى بصومه وصلواته مع الخلوة الهادئة فنغلب كل حروب إبليس.
(2) تجربة الخبز (ع3 – 4):
← ذُكِرَت هذه التجربة أيضًا في (مت4: 3، 4).
3 وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». 4 فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلًا: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ».
ع3: إن كانت هناك تجارب كثيرة طوال الصوم الأربعينى، ولكن في نهايته ظهرت أقوى التجارب، وهي هذه الثلاثة المذكورة هنا.
فأتى الشيطان إلى المسيح في برية اليهودية، بعد أن شعر بالجوع لصومه أربعين يومًا، وركز كلامه عن احتياج المسيح للطعام.
فدائما إبليس يختار نقاط الاحتياج والضعف فينا ليحاربنا بها، ليكون كلامه منطقيا فنقبله ونسقط في الخطية.
وقد أراد هنا أن يستخدم المسيح قوته الإلهية لصالح راحته كإنسان، وهذا طبعا مرفوض لأن المسيح أتى ليشابهنا في كل شيء، ويحتمل أصعب الآلام من أجلنا وينتصر على إبليس، وهو في هذا الضعف البشرى، لننتصر نحن أيضًا فيه.
إن كنت أنت ابن الله: كلام إبليس تشكيكى استفزازى كعادته في حروبه معنا على ألسنة المحيطين بنا وأراد بسؤاله هذا أن يفهم حقيقة يسوع، فإن حول الحجر يعرف إنه المسيح ويبتعد عنه، وأن قال لا أقدر، يعلم أنه مجرد إنسان فيحاربه ويهزمه.
يقول الآباء أن إبليس يقدم فقط حجارة وليس خبزًا، لتصير قلوبنا حجرية قاسية. ويقولون أنه قد يكون المقصود بالحجر هو البدع، فتصير حجر صدمة وصخرة عثرة لنا بدل كلام الله الطعام الحقيقي.
ع4: حول المسيح في أجابته النظر إلى موضوع أهم، هو الغذاء الروحي بكلام الله. واعتمد في هذا على المكتوب في التوراه (تث8: 3)، ليعلمنا ان نستند في حياتنا على وصايا الله.
† إن شبع الإنسان بكلام الله والتناول من الأسرار، يستطيع أن يحتمل آلام الحياة وضعف الجسد، ويكون قنوعا بما عنده حتى لو كان قليلا.
(3) تجربة الماديات (ع5 – 8):
← ذكرت هذه التجربة أيضًا في (مت4: 8 – 10).
5 ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. 6 وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. 7 فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». 8 فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».
ع5: التجربة الثانية هي شهوة التملك على ماديات العالم، ولكيما يبهر إبليس المسيح في تجربته، أصعده على جبل عالٍ، لتظهر مساحات ضخمة من البلاد المحيطة بكل مجدها.
ع6: في جسارة وخداع، أعلن إبليس تسلطه على كل الأرض، وقدرته أن يعطيها لمن يريد، مع أنه لا يسيطر إلا على الأشرار، ولكنه كذاب من البدء، ويخدعنا ليهز إيماننا أن صدقنا أكاذيبه.
ع7: طلب من المسيح السجود له وهو سجود التعبد والخضوع، فيعطيه أن يملك على الأرض والبشر دون إحتمال آلام الصليب. فهو دائما يدعونا إلى الحياة السهلة والإنهماك في اللذات ومحبة التملك، فنترك عنا حرصنا ضد الخطية وجهادنا الروحي، منشغلين بمباهج وإبهار العالم. هذا هو السجود الذي يطلبه منا، وبالتالي نترك عنا صلواتنا ومحبتنا لله.
ع8: لم يناقش السيد المسيح إبليس في أكاذيبه بإدعاء سلطانه على الأرض، ليعلمنا أن نهرب من الحوار مع أفكار الشيطان. ورد عليه بالمكتوب في الكتاب المقدس وهو السجود لله وحده (تث6: 13)، وكلمة يسوع قائلًا “اذهب”، لنتعلم طرد كل أفكاره، مهما بدت لذيذة ومغرية أو مقنعة.
† أين قلبك؟…إن كان لمحبة الله والتعلق به فلن تتأثر بكل إغراءات إبليس من المال أو الشهوة أو المقتنيات.
(4) تجربة الكبرياء (ع9 – 12):
ذكرت أيضًا في (مت 4: 5- 7).
9 ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، 10 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، 11 وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 12 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ».
ع9: التجربة الثالثة بأورشليم في الهيكل أي أقدس مكان. فإبليس يحارب في كل مكان حتى في الكنيسة. وجناح الهيكل هو أعلى مكان فيه، ويكرر تشكيكه واستفزازه للمسيح، حتى يستخدم قدرته لمجده الشخصى، بأن يطرح نفسه من أعلى مكان وتحته الجموع محتشدة في الهيكل، ثم تظهر الملائكة حاملة إياه، لينزل بين الجموع ويبدأ خدمته. فيبدو كلام إبليس مقنعًا، ولكن حقيقته هي جذب يسوع للكبرياء ومحبة الظهور وتمجيد الناس له.
وخطية الكبرياء تحارب الكل خاصة من هم في منصب أو سلطان، وتحارب أيضًا الخدام والكهنة الذين في المكان المقدس.
ع10-11: إذ وجد الشيطان يسوع يستند إلى المكتوب، استند هو أيضًا على المكتوب ولكن بخداع وتفسير خاطئ، فقد أخذ جزءً من (مز 91: 11، 12)، وهو ينطبق على حفظ الله لأولاده إذا صادفتهم أي مشاكل وتجارب من إبليس، كما توضح آية 13 “على الأسد والصل تطأ. الشبل والثعبان تدوس”، أي يحفظهم الله بملائكته وينتصرون على إبليس الحية القديمة. وليس المقصود بهذه الآيات استعراض لقوتنا لنوال كرامة من الناس.
ع12: رد يسوع عليه بكلام الكتاب المقدس من (تث6: 16)، وهو أنه لا يصح أن نجرب الله لنختبر صدقه، بل نثق في وعوده إذا صادفتنا تجربة.
† احذر من السعى وراء الكرامة وحب الظهور، واثقا من وعود الله ومساندته لك، وعلى قدر ما تخفى نفسك، ترتفع في نظر الله ويجازيك ليس فقط في الأبدية، بل بسلام وفرح في هذه الحياة.
ع13:
(5) نهاية التجارب (ع13):
13- وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ، فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.
كل تجربة: أي التجارب المتنوعة طوال الأربعين يومًا.
بعدما أظهر إبليس حروبه المختلفة وهُزم أمام المسيح، فارقُه مخزيا ولكن إلى حين. وعاد ثانيةً ليحاربه من خلال الكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة، وحتى تلاميذه مثل يهوذا الإسخريوطي.
† كن محترسًا دائمًا لأن إبليس لا يكل عن محاربتك، وإن ابتعد عنك قليلا إنتهزها فرصة للنمو الروحي حتى إذا عاودك في تجارب جديدة تنتصر عليه أيضًا فيزداد نموك ومحبتك لله.
(6) خدمته في الناصرة (ع14 – 30):
14 وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. 15 وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّدًا مِنَ الْجَمِيعِ. 16 وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، 17 فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: 18 «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، 19 وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». 20 ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. 21 فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». 22 وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟» 23 فَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى كُلِّ حَال تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ! كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ» 24 وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ. 25 وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، 26 وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ. 27 وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ». 28 فَامْتَلأَ غَضَبًا جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هذَا، 29 فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. 30 أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.
ع14: بعد أن قضى المسيح أربعين يوما في برية اليهودية، عاد إلى الجليل، حيث تربى في إحدى مدنه وهي الناصرة. ويؤكد الإنجيلى أنه كان مقتادا بالروح القدس، ليعلمنا الخضوع لعمل الروح فينا وليس لفكرنا الخاص.
وقد ذهب المسيح إلى الجليل مرتين، الأولى هي المذكورة هنا بعد عماده، ثم عاد إلى اليهودية، وبعد حوالي سنة زار الجليل بعد سجن يوحنا المعمدان كما يذكر متى ومرقس (مت4: 12، مر1: 14) وقد ذكر يوحنا الزيارتين (يو1: 43، يو4: 3).
ومعنى هذا أنه زار الناصرة أيضًا مرتين، الأولى يذكرها لوقا هنا والثانية يذكرها متى ومرقس عند زيارته للجليل (مت13: 54- 58، مر6: 1- 6).
ع15: بدأ يسوع يعلم في مجامع مدن الجليل، وكذلك القرى المحيطة بكفر ناحوم مركز كرازته في الجليل، حيث علم وصنع معجزات كثيرة، مما أثار غيرة أهل مدينة الناصرة لأنه لم يبدأ بهم. وكان يعلم بسلطان وقوة، فانبهر السامعون ومجدوه.
ع16 كعادته: اعتاد المسيح حضور المجمع أيام إقامته منذ طفولته في الناصرة، وكذلك اعتاد حضور المجامع في كل بلد يكرز بها، ملتزما بالنظام اليهودي ومنتهزا هذه الفرص للتبشير.
أنتشرت المجامع في كل اليهودية حيثما تجمعت عشرة عائلات، وكانت تقدم فيها قراءات من الأسفار المقدسة ووعظ، ودخل المسيح كعادته ليفسر النبوات التي أشارت إليه، فهو ما جاء لينقض بل ليكمل.
ع17: كان من العادة في المجمع بعد القراءة من أسفار موسى، أن يُقْرَأ من الأنبياء، فاختار من سفر إشعياء هذه الآيات (إش61: 1- 2)، وهي بمثابة خطاب العرش التي تعلن بداية خدمة المسيا المنتظر.
ع18: تحدث إشعياء بروح النبوة عن حلول الروح القدس على المسيا، فيبدأ خدمته بتبشير المساكين، الذين أذلهم إبليس وأبعدهم عن الله. وكل من انكسر قلبه لعجزه عن إتمام الوصايا، وكذا كل من قيدهُ إبليس بالخطية ومشتاق لحرية مجد أولاد الله. ويفتح أعين من أظلمت عيونهم بالشر، ويعطى كل المنسحقين الضعفاء حياة جديدة فيه.
ع19: سنة الرب المقبولة هي سنة اليوبيل، وتأتى كل خمسين عام (لا25: 10) وفيها تستريح الأرض ولا تُزرع، ويطلق العبيد أحرارًا. وهي تشير إلى الوقت الذي يبشر فيه المسيح، ويفدى البشرية لتنال الحياة الأبدية.
وكان بدء كرازة المسيح، في الناصرة يوافق سنة اليوبيل عند اليهود.
ع20 طوى: كانت الأسفار المقدسة تكتب على رقائق جلدية وتلف حول خشبة، فتكون بشكل إسطوانه، فبعد القراءة يلفها حول الخشبة أي يطويها.
الخادم: هو الشخص المسئول عن حفظ الكتب المقدسة بالمجمع.
جلس: كان المعتاد قديما في المجامع، الوقوف عند قراءة الأسفار ثم الجلوس عند الوعظ، وشخصت عيون الناس إليه، إذ قرأ الكلمات بسلطان وبقوة.
ع21: فسر السيد المسيح كلمات إشعياء التي عن المسيا، معلنا تنفيذها الآن فيه، وهكذا بشرهم ببدء العهد الجديد والخلاص الذي انتظروه.
† المسيح أتى من أجل الضعفاء ليعطيهم قوة وحرية. فلا تنزعج من ضعفك، وثق أن المسيح يحبك ويسندك وقد جاء من أجلك.
ع22: رغم انبهار أهل الناصرة بكلام المسيح القوى، لكنهم احتقروه لأنه ابن يوسف نجار القرية. فلكبريائهم نظروا إلى أصله الاجتماعي ولم يستفيدوا من تعاليمه.
†هل تحتقر الآخرين متشامخا بنسبك أو إمكانياتك، ولا تقبل كلام الله على أفواههم أو تتعلم من فضائلهم؟
ع23 جرى في كفرناحوم: يُفهم أنه زار كفرناحوم قبل الناصرة، وصنع فيها معجزات كثيرة لم يذكرها القديس لوقا.
ظهر لاهوت المسيح في كشفه أفكارهم التي تلومه، لأنه صنع معجزات كثيرة في كفرناحوم، ولكن عندما أتى إلى الناصرة لم يصنع إلا معجزات قليلة، إذ يشعرون بأنانية أنهم أحق من أي بلد آخر بمعجزاته، واعتبروا هذا ضعفا فيه وعجزا عن إتمام معجزات عندهم.
ع24: أعلن المسيح سبب عدم صنع معجزات عندهم وهو ضعف إيمانهم لكبريائهم وعدم تقديرهم لقوة ابن بلدهم، كما حدث مع الأنبياء في العهد القديم، إذ أن معرفتهم بأصل الأنبياء في طفولتهم وشبابهم، جعلتهم يستهينون ولا يصدقون نبواتهم وتعاليمهم، فصار ذلك مثلا شائعا عند اليهود.
† لا تتضايق إذا رفض كلامك المقربون منك، ولكن اتضع واستمر في محبتك وصلواتك ودعوتك لهم ليقتربوا إلى الكنيسة.
ع25-27: أظهر المسيح قبوله للأمم كما اليهود، مؤكدا ذلك بحوادث من العهد القديم. ففى أيام إيليا وانتشار المجاعة، صنع المعجزة مع أرملة أممية من مدينة صرفة صيدا، وهي مدينة على ساحل البحر الأبيض بجوار مدينة صيدا، فأقام عندها وليس مع أي أرملة يهودية وبارك بيتها، مفضلها عن كل أرامل اليهود، لاستعداد قلبها للإيمان (1 مك17).
وكذلك إليشع، شفى نعمان الأممى وهو من أعداء اليهود مع وجود برص كثيرين يهود لم يشفهم.
وبهذا أكد المسيح اهتمامه بصنع المعجزات في كفرناحوم بين الأمم لاستعدادهم للإيمان، أما في بلده الناصرة فلم يفعل لعدم إيمانهم.
† راجع نفسك لئلا يكون ضعف إيمانك وعدم طلبك لله هو السبب في تعطيل عمله معك. وافتح قلبك بالمحبة لكل البشر وصلى لأجلهم لأنهم أولاد الله. ولا تغتاظ من مساعدة الله لهم أكثر منك، واجعل هذا يدفعك للإقتراب منه باتضاع وتضرع.
ع28-29: كشف المسيح أفكار أهل الناصرة، وفضح خطاياهم وأعلن تفوق الأمم عليهم وبالتالي استحقوا الخلاص مثلهم بل وعمل معجزات أكثر بينهم، فغضبوا جدًا بدلًا من أن يتوبوا وذلك لكبريائهم، بل في قساوة قلوبهم اقتادوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه من فوق ويقتلونه.
† إعلم أن “غضب الإنسان لا يصنع بر الله” (يع1: 20). فلا تأخذ قرارا في غضبك لأنه خاطئ مهما بدا صحيحا في نظرك، وإقبل نصح وتوبيخ الآخرين لعله رسالة من الله لتتوب.
ع30: لم يقاومهم المسيح، ولكن بكل ثقة تركهم ومضى وهم منشغلون مع بعضهم في غضبهم، وهكذا هرب من الشر.
† إن الحكمة تقتضى منك الهروب من المجادلات الغير نافعة، والتي قد تتطور إلى غضب وإساءات كثيرة. فابحث عن الكلام المفيد والأعمال النافعة لخلاص نفسك والآخرين.
(7) إخراج شيطان بكفرناحوم (ع31 – 37):
← ذكرت هذه الحادثة أيضًا في (مر 1: 23- 26).
31 وَانْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي السُّبُوتِ. 32 فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ. 33 وَكَانَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ 34 قِائِلًا: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ!». 35 فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ!». فَصَرَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي الْوَسْطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. 36 فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هذِهِ الْكَلِمَةُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ!». 37 وَخَرَجَ صِيتٌ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ.
ع31: عاد يسوع إلى كفرناحوم، وهي مدينة كبيرة ومركز لقيادات كثيرة رومانية، فانتشرت الوثنية فيها وكذا الفساد.
ومدينة كفرناحوم منخفضة تحت سطح البحر، أما الناصرة فمرتفعة على جبل لذا يقول انحدر.
وتمثل الناصرة الكبرياء الذي يرفض الخضوع لله، أما كفرناحوم المتضعة فتقبل كلامه، لذا صنع بها معجزات كثيرة. ومعنى اسم كفرناحوم مدينة النياح والراحة.
السبوت: كان اليهود يجتمعون يوم السبت في المجمع لسماع القراءات والوعظ، وانتهز المسيح هذه الفرص لتعليمهم، ولما ذاع صيته تبعوه في كل مكان، فكان يعلمهم كل يوم.
ع32: تميزت تعاليم المسيح، كذلك معجزاته أنه يصنعها بسلطان، وليس مثل الأنبياء الذين يطلبون قوة الله لأتمام معجزاتهم، لذلك انبهرت الجموع عند سماعه ورؤية معجزاته في كفرناحوم.
ع33-34: كان حاضرا في المجمع رجل دخله شيطان، لم يحتمل قوة التعليم وخاف من وجوده في حضرة الله الذي له سلطان أن يدين العالم كله، فصرخ بفزع وسط المجمع، معلنا ضعفه وخوفه، وشهد بلاهوت المسيح.
ع35: رفض المسيح أن يسمع شهادة له من الشيطان، وبسلطان أمره أن يخرج من الإنسان، فسقط على الأرض متشنجًا مثل مرضى الصرع وخرج منه الروح النجس، واستعاد هدوءه بعد خروج الشر والتوتر منه. ولم يستطع إبليس أن يضر أي عضو فيه لخوفه من المسيح.
† لا تقبل مديح الأشرار وتملقهم لأنه كاذب، وارفض الحوار معهم فتحتفظ بنقاوتك.
ع36: تعجب الحاضرون من سلطان المسيح على الشياطين، فلا يقدر على هذا إلا الله، فكيف يظهر هذا السلطان في رجل يحيا في وسطهم؟ … ولكن كان هذا دافعا بالتدريج إلى إيمانهم بلاهوت المسيح.
ع37: انتشرت أخبار تعاليم المسيح وسلطانه ولاهوته في كل البلاد المحيطة بكفرناحوم، لأنها كما ذكرنا كانت مدينة كبيرة يحيط بها مدن كثيرة أصغر منها.
† عش بإستقامة مع الله، وكن أمينًا في خدمتك، واثقا أن نور الله وعمله فيك سيؤثرفى كثيرين دون أن تشعر ويجذبهم للمسيح.
(8) شفاء حماة سمعان (ع38 – 41):
← ذكرت هذه الحادثة أيضًا في (مت 8: 14- 15؛ مر1: 29 – 31).
38 وَلَمَّا قَامَ مِنَ الْمَجْمَعِ دَخَلَ بَيْتَ سِمْعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ قَدْ أَخَذَتْهَا حُمَّى شَدِيدَةٌ. فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا. 39 فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَانْتَهَرَ الْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا! وَفِي الْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدُمُهُمْ. 40 وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ. 41 وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضًا تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ!» فَانْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ.
ع38: كانت العادة أن يذهبوا إلى المجمع يوم السبت صائمين، فدعا بطرس المسيح والتلاميذ ليأكلوا الوجبة الأساسية في بيته. ومن أجل هذه المحبة، أعطاه المسيح محبة أيضًا، لأن حماته كانت قد أصيبت بحمى شديدة وكانت متألمة، فسأله أهل البيت ليشفيها.
† أصنع محبة، تجد محبة أكبر من الله.
ع39: كانت حماة سمعاة راقدة في فراش على الأرض، فوقف يسوع على الأرض بجوارها، فكان أعلى منها أي فوقها، وأمر المرض أن يخرج منها، كما أمر الشيطان في المجمع بسلطان أن يخرج من الرجل، ففارقتها الحمى في الحال، واستعادت كل قوتها حتى أنها استطاعت أن تقوم وتخدم المسيح والضيوف الذين في البيت.
وحماة سمعان ترمز للنفس البشرية التي ضعفت بالخطية وفقدت قدرتها على العمل الروحي، ولكن إن جاء إليها المسيح واستجاب لشفاعة الآخرين فيها، تستعيد قوتها الروحية، بل وتخدمهم.
† إن عطية المسيح ونعمته كاملة، أكثر مما نطلب أو نفتكر.
ع40: عندما غربت شمس يوم السبت، أصبح مسموحا لليهود بالسفر، إذ انتهى يوم الراحة.فأسرعوا من كفرناحوم والبلاد المحيطة نحو بيت سمعان بطرس، يحملون ويقتادون مرضاهم بأمراضهم المختلفة. فوضع المسيح يديه عليهم، وخرجت قوة منه أعطتهم الشفاء. فمحبة المسيح لكل محتاج.
ع41: بالإضافة للمرضى، قدموا إليه كثيرين دخلت فيهم الشياطين وأذلتهم، فأخرجها منهم، وأثناء خروجها كانت تصرخ بخزى وخوف معلنة أنه المسيح، أما هو فمنعهم من الاستمرار في هذا الكلام لأنه:
(1) ليس مُحتاجًا لشهادة الشياطين.
(2) ليس الوقت المناسب لإظهار نفسه، لئلا يثير هذا الرؤساء ويصلبوه قبل أن يتمم خدمته على الأرض.
(3) لأنه لا يطلب مجد من الناس، ويعلمنا بهذا الهرب من المديح.
(9) الكرازة في الجليل (ع42 – 44):
42 وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ الْجُمُوعُ يُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ. فَجَاءُوا إِلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ لِئَلاَّ يَذْهَبَ عَنْهُمْ. 43 فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ الْمُدُنَ الأُخَرَ أَيْضًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، لأَنِّي لِهذَا قَدْ أُرْسِلْتُ». 44 فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِ الْجَلِيلِ.
ع42: بات المسيح ليلته في كفرناحوم. وفي الصباح الباكر دون أن تعلم الجموع، خرج إلى موضع خلاء في البرية ليصلى، حتى يعلمنا أهمية الخلوة والصلاة، لنشبع بمحبة الله ولا نتوه وسط المشاغل العالمية، حتى لو كانت خدمة الله.
ولما فتشت الجموع عنه ولم يجدوه، بحثوا حتى وصلوا إليه وطلبوا منه بإلحاح أن يظل معهم لمحبتهم له وإعجابهم به، لأنه شفى أمراضهم، وسمعوا منه تعاليمًا عظيمة جدًا.
ع43: رغم تقدير المسيح لمحبتهم وتمسكهم به، لكنه أعلن لهم ضرورة التبشير في البلاد الأخرى، فهذه هي رسالته التي من أجلها تجسد، ليخلص العالم كله. وقد أوضح أنه مرسل من الله، حتى يؤكد أنه المسيا المنتظر وليس إلها جديدًا مستقلا عن الله القديم المعروف.
† جيد أن تهتم بكل المحيطين بك وليس فقط أهل بيتك وتدعوهم جميعًا إلى محبة الله وأسرارهُ المقدسة.
ع44: وبدأ المسيح فعلا يجول في بلاد الجليل، وهي الجزء الشمالى من بلاد اليهود، مستغلا عادة اليهود أن يرحبوا بالوعاظ المتجولين، ليعظ في المجامع ويبشر بالخلاص.