تفسير إنجيل لوقا أصحاح 16 – أ. بولين تودري
21- يدعونا لنكون أمناء علي عطاياه لنا (16: 1-15)
إن كل ما نتمتع به الآن في حياتنا الحاضرة من وقت وصحة ومال وأقرباء وآباء وأولاد، إنما هي عطايا من الله الغني لنا، ونحن وكلاء عليها. وإذا أراد الرب أن نكون أمناء علي هذه العطايا، حكي مثل وكيل الظلم لتلاميذه، وكان الفريسيون يسمعونه أيضًا، فقال: كان إنسان غني له وكيل، وقد علم عنه أنه يبدد أمواله، فأراد أن يستغني عنه. ففكر الوكيل ماذا يفعل في أيامه القادمة، أنه لم يتعود العمل في الأرض وزراعتها، ويخجل في أن يمد يده ليأخذ من الناس، فنادي علي أحد مديونيّ سيده عليه مئة بث زيت (البث مكيال عبراني للسوائل يساوي نحو 22 أقة، ¾ أقة) وقال له أكتب خمسين، ونادي علي أخر عليه مئة كُر قمح (الكر يساوي 140 أقة) وقال له أكتب ثمانين فقط، وقد فعل هذا حتى يقبلوه في بيوتهم. أنه أخطأ إذ بدد أموال سيده، ولكن السيد الغني أمتدحه لأنه في حكمة فكر في مستقبله، فكر في أن يكون له أصدقاء يلجأ إليهم حينما يأخذ منه سيده الوكالة.
إن أبناء هذا العالم يعرفون جيدًا كيف يدبروا حياتهم ومستقبلهم، أن لديهم عزم ثابت علي بلوغ طموحاتهم في هذه الدنيا، ولا تعوزهم الوسائل لبلوغ غاياتهم، ولديهم غيرة واجتهاد في استعمال هذه الوسائل. أما أبناء النور، يعوزهم النظرة المستقبلية لحياتهم الأبدية، إن عطايا الله لهم في هذا العمر تشغلهم عن العمل لحساب الملكوت، مجاملاتهم الأسرية بعضهم لبعض تأخذ الوقت كله فلا يتبقى منه شيء لعبادة فردية يومية وصلاة مشتركة مع المؤمنين في الكنيسة. يحرصون علي الألفة الأسرية، والأكل سويًا، والتنزه معًا، ولا يدركون ضرورة العبادة الأسرية، والالتفاف حول كلمات الكتاب المقدس، يدخرون أموالهم ليؤمنوا مستقبل حياتهم هنا علي الأرض وينسون أن يشتروا بهذا المال أصدقاء من الفقراء والمحتاجين بكل نوع ليستقبلوهم في الحياة الأبدية.
فكيف ونحن غير أمناء في مال لم نتعب فيه، وفي عطايا زمنية أودعها لنا الله، أن نؤتمن علي حياة أبدية سعيدة مع الرب كل حين. فالأمين في القليل الذي في هذا الدهر، هو أمين في الكثير الذي في الدهر الآتي.
22- الله يعرف خفايا القلب (16: 14-18)
لقد كان الفريسيون يسمعون ما قد قيل من الرب يسوع وسخروا منه، لأنهم محبين للمال. حقًا أنهم يلبسون ثوب القداسة ومعرفة الناموس أمام الناس، ولكن كيف يهربون من فاحص القلوب والكلي.
أنهم كمعلمين للناموس سخروا من تعليم الرب يسوع، ويبدو أنهم نظروا إليه ككاسر للناموس. فخاطب الرب قلوبهم مؤكدًا علي كرامة الناموس، وعدم زوال كلمة منه قد سبق وتكلم بها أحد الأنبياء من موسي إلى يوحنا المعمدان، وأنهم هم الذين يكسرون الناموس بسماحهم بالطلاق، الذي يرفضه الرب، من أجل أبسط الأسباب.
23- يؤكد علي ضرورة الاهتمام بالقريب (16: 19-31)
لم يتعلم الفريسيون من مثل وكيل الظلم، إذ كانوا محبين للمال، فعاد الرب يسوع وأكد كلامه بمثل الغني ولعازر، كنموذج لمن أساء استخدام مال الظلم هنا، فخسر أبديته. هذا الغني لم يذكر عنه أنه فعل شيء من الخطايا، ولكن إدانته تنحصر في أنه لم يهتم إلا بإشباع نفسه، فلبس الحرير كل يوم دليل الافتخار والتنعم، ونسي أن الله ينظر إليه في صورة المحتاجين لشيء من ماله. وكأن لعازر (ومعناه الله معين) هو الطريقة التي وضعها الله أمام الغني لعله يفهم ويصنع له أصدقاء بمال الظلم، فقد أعتاد اليهود أن يضعوا الفقراء علي أبواب الأغنياء لعلهم يرقوا لهم فيجدوا ما يأكلونه، ولكن الغني لم يفهم إذ كان منشغلًا بذاته.
وقد أعتقد اليهود أن الوجود في حضن إبراهيم هو حظ كل مؤمن يهودي تقي، وأنه عند موته تأخذه الملائكة لتصعده إلى هناك ، وبفكرهم هذا رفعنا الرب يسوع إلى مكان الانتظار لنري حالة كل منهم.
حقًا إن ما يؤذي الإنسان هو سلوكه في الحياة، وطريقة استخدامه لعطايا الله، وليس فقره أو غناه.
يا رب أعطني عينًا تري، وأذنًا تسمع، وقلبًا يرق، لكل محتاج بأي نوع، لعله يكون طريقي للدخول إلى الملكوت.