تفسير إنجيل لوقا أصحاح 20 – أ. بولين تودري
4- الذين رفضوه في القلب، يحاولون الإيقاع به في العلن (20: 1-25)
زاد حقد رؤساء الكهنة وعظماء الشعب على الرب يسوع واشتهوا أن يهلكوه ولكن بطرقة علنية لأن الشعب كان قد تعلق بتعليمه النقي. فحاولوا أولًا تشكيك الشعب في انه لا يستمد سلطان تعليمه من الله بل من الشيطان، لأنه ليس كاهنًا أو معلمًا رسميًا، فسألوه بخبث بأي سلطان يُعلم، أما الرب الذي عرف ضميرهم سألهم عن معمودية يوحنا، وكأنه بسؤاله هذا أراد أن يردهم إلى عقلهم حتى يتذكروا أن يوحنا الذي يعترفون به نبيًا شهد علانية للمسيح وقت عماده منه في الأردن، ولكنهم رفضوا أن يرجعوا عن عنادهم.
فوجه الرب يسوع كلامه للشعب قائلًا مثل الكرامين الخائنين ليبين لهم فيه خبث هؤلاء الرؤساء منذ البداية، فشبه نفسه بصاحب الكرم، ورؤساء الكهنة والكتبة بالكرامون، والعبد الأول الذي أرسله لهم الضمير الإنساني الذي وضعه فيهم ليرشدهم من جهة حياتهم وسلوكهم ولكنهم أماتوه بالسلوك السيئ. أما العبد الثاني فهو تعليم الناموس الذي تركه عندهم وخصهم به ولكنهم أماتوا الوصية داخلهم إذ طبقوها بحرفية جامدة دون الاهتمام بالجوهر الذي يهتم بمحبة الإخوة والرحمة بهم. أما العبد الثالث فهو النبوة التي أرسل بها مجموعة من الأنبياء ليشجعوا الشعب على التوبة ويعلنوا عن مجيء المسيح المخلص، ولكنهم امسكوهم واضطهدوهم وقتلوهم. وحتى الابن الوحيد، ربنا يسوع المسيح، الذي أرسله الله الآب صاحب الكرم لخلاصنا سيمسكوه هؤلاء الرؤساء عن قصد وحسد وسيصلبوه على جبل الجلجثة خارج أورشليم.
فهم رؤساء الكهنة والكتبة أن هذا المثل قيل عليهم وبدلًا من أن يرجعوا عن عنادهم، ازدادوا غيظًا وأرادوا أن يوقعوا به، فسألوه عن الجزية لمن تقدم؟ لأنه من وقت أن استولى الرومانيون على بني إسرائيل فرضوا عليهم ضريبة يجب أن يقدموها لهم، وكان من رأي الفريسيين في هذا الوقت أن اليهود لا يجوز أن يؤدوا الجزية لقيصر الروم لأنهم شعب الله وميراثه، فلا يجب أن يقدموا ضريبة إلا لله. وأرادوا بسؤالهم هذا أن ينصبوا فخًا ليسوع، لأنه إن قال لا، فسيشتكوا عليه لقيصر، وإن قال نعم، سيتهموه بأنه مخالف للناموس. لذلك وبخهم الرب يسوع قائلًا لماذا تجربونني؟ فالأمر بديهي لأن المؤمن الذي يقدم قلبه وسلوكه لله يعرف جيدًا أنه يجب أن يُعطى للدولة حقها أيضًا.
5- العدو يأخذ أشكالًا مختلفة (20: 27-40)
بعد أن فشل الكتبة والفريسيون في التآمر على الرب يسوع، حضر قوم من الصدوقيون، وهم فرقة من اليهود نسبة إلى صادوق رئيسهم، مثقفين، وأغلبهم أغنياء، وذو مكانة مرموقة، ورؤساء كهنة، وهم لا يؤمنون بقيامة الأجساد ولا بالملائكة ولا بخلود النفس، ولهذا كانوا متخاصمين مع الفريسيين، ولكنهم اتفقوا معهم في العداء للرب يسوع فقط ، فقدموا له سؤال عن امرأة تزوجت ولم تنجب، وبحسب شريعة موسى يتزوجها أخو الزوج ليقيم نسل لأخيه فمات الثاني وتزوجت الثالث والرابع.. والسابع ومات الكل ولم تُنجب، ففي القيامة لمن تكون؟ فأجاب الرب موضحًا أننا في القيامة سنكون كملائكة الله لا نحتاج للزواج لننجب الأطفال بدلًا من الذين يموتون، لأنه لا يوجد موت في السماء (رؤ21: 4). ففرح الفريسيون والكتبة لهذه الإجابة التي أيدت إيمانهم.
6- الرب يُعلن لاهوته (20: 41-47)
وبعدما غلب الرب يسوع مؤامرات الفريسيين والصدوقيين، أراد أن يكشف لهم فقرهم في معرفة الله وشريعته، فسألهم قائلًا أنتم تعرفون الناموس، والناموس قال أن المسيح سيأتي من نسل داود، فكيف يدعوه داود ربًا في المزامير (مز110: 1). وهو ابنه؟ فلم يعرفوا الإجابة، لم يدركوا أن داود يعني أن السيد المسيح ابنه من نسله في الجسد، ولكنه ربه بلاهوته الكائن منذ الأزل والدائم إلى الأبد.
وساعتها رفع الرب صوته وحذر كل الشعب من الكتبة والفريسيين الذين يتظاهرون بالمعرفة والتقوى، وهم يحملون في صدورهم قلوب لا تعرف الرحمة ولا تسلك بالصدق.