تفسير انجيل لوقا أصحاح 4 للقديس كيرلس الكبير

الأصحاح الرابع

عظة (12 ـ أ) صوم المسيح وتجربته في البرية
(لو 4: 1-2)

“أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوماً يُجرب من إبليس. ولم يأكل شيئا في تلك الأيام. ولما تمـت جـاع أخيراً”.

حينما يتكلم الأنبياء المباركون عن كلمة الله الوحيد، الذي هو مساو لله في المجد، وشريك عرشه، الذي يضئ معه بمساواة كاملة، فإنهم أي الأنبياء يقودوننا إلى الاقتناع أنه أظهر كمخلص ومحرر لأولئك الذين على الأرض، وذلك بقولهم ” قم يا رب، أعني” (مز ٤٤: ٢٦)، لذلك قام وأعان، وذلك باتخاذه صورة عبد، إذ قد صار في شبه الناس، فإنه كواحد منا قد أقام نفسه كمنتقم بدلاً منا، منتقم من تلك الحية القاتلة والمتمردة، التي أدخلت الخطية إلينا، وبذلك جعلت الفساد والموت يملكان الأرض. فإننا بواسطته وفيه نحصل على النصرة بينما كنا في القديم مهزومين وساقطين في آدم.

لذلك تعالوا بنا لنسبح الرب ونرتل مزامير الله مخلصنا، هلموا ندوس الشيطان تحت أقدامنا، لنرفع صوت النصر على الذي هو الآن مطروح وساقط، هيا لنرتفع فوق الزحاف الخبيث الذي أمسك في فخ لا فكاك منه، ولنقل عنه نحن أيضا بكلمات إرميا النبي: ” كيف كسرت مطرقة الأرض كلها وضربت! فقد وجدت وأخذت، لأنك وقفت ضد الرب” (إر 1: 23). لأنه منذ القدم، أي قبل زمن مجيء المسيح مخلص الكل، فإن عدو الجميع كانت له تصورات كبيرة ومخيفة عن نفسه. لأنه كان يفتخر متعظما على ضعف سكان الأرض قائلاً: “سأمسك العالم في يدي وكعش وكبيض مهجور أخذه، ولن يهرب أحد مني أو يتكلم ضدي” (إش 10: 14 س). وفي الحقيقة لم يكن  أحد من أولئك الذين على الأرض يستطيع أن يقوم ضد قوته، ولكن الابن قام ضده وتصارع معه إذ قد صار مثلنا، لذلك كما قلت فإن الطبيعة البشرية وهي منتصرة فيه تربح الإكليل. وهذا ما أنبأ به الابن نفسه في الزمن القديم حينما خاطب الشيطان بواسطة أحد الأنبياء القديسين هكذا ” هاأنذا عليك أيها الجبل المهلك، المهلك كل الأرض” (إر 51: 25).

تعالوا إذا وهيا بنا لنرى ماذا يقول الإنجيل المبارك، حينما كان المسيح ذاهبا ليحارب لحسابنا ضد ذلك الذي أهلك الأرض كلها: ” أما يسوع فرجع من الأردن ممثلنا من الروح القدس”. انظروا هنا، أرجوكم، طبيعة الإنسان ممسوحة بنعمة الروح القدس في المسيح كباكورة، ومتوجة بأعلى الكرامات، لأنه منذ القديم قد وعد إله الكل قائلاً: ويكون في تلك الأيام أني سأسكب من روحي على كل جسد” (يؤ 2: 28). وقد تحقق الوعد لأجلنا في المسيح أولاً. وبينما يقول الله عن أولئك الذين في القديم، الذين استسلموا لشهوة الجسد بلا ضوابط ” لا يسكن روحي في هؤلاء الناس لأنهم جسد” (تك 4: 3 س)، أما الآن فلأن كل الأشياء قد صارت جديدة في المسيح وقد اغتنينا بالميلاد الجديد الذي بواسطة الماء والروح، فإننا لم نعد أولاد اللحم والدم، بل بالحري ندعو الله أبا لنا، لذلك إذ صرنا الآن في كرامة بحق، وإذ نمتلك امتياز التبني المجيد، فقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بواسطة حصولنا على الروح القدس. ولكن الذي هو البكر في وسطنا، حينما صار هكذا بكرا بين إخوة كثيرين وأعطى نفسه للإخلاء فإنه كان أول من حصل على الروح، رغم أنه هو نفسه معطي الروح، لكي تصل إلينا بواسطته هذه الكرامة ونعمة الشركة مع الروح القدس. والرسول بولس يعلمنا مثل هذا حينما يتحدث عنه وعنا ويقول “لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد” (عب 2: 11، 12)، لهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة قائلاً: “أخبر باسمك إخوتي”، ولأنه لم يستح بالمرة أن يدعونا إخوة نحن الذين أخذ شكلنا لذلك إذ قد نقل فقرنا إلى نفسه، فإنه يتقدس معنا رغم أنه هو نفسه مقدس الخليقة كلها، وذلك لكي لا تراه أنت رافضا لمستوى الطبيعة البشرية، هو الذي رضي من أجل خلاص وحياة الكل أن يصير إنسانا.

لذلك، حينما يقول الإنجيلي الحكيم عنه ” أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح”، فلا تعثروا ولا تخطئوا في أفكاركم الداخلية وتحيدوا عن تعليم الحق، فيما يخص الطريق والكيفية التي بها تقدس الكلمة الذي هو الله، بل بالحرى افهموا حكمة التدبير التي بسببها، هو موضوع إعجابنا، لأنه قد صار جسدا وأصبح إنسانا، لا لكي يتحاشى كل ما يخص بحالة الإنسان ويحتقر فقرنا، بل لكي نغتني نحن بما هو له، وذلك بأنه قد صار مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية، لذلك فهو يتقدس كإنسان، ولكنه يقدس كإله، لأنه إذ هو بالطبيعة إله صار إنسانا. لذلك يقول الإنجيلي ” وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوما يجرب من ايليس”، فما هو إذا معنى كلمة يقتاد؟ إنها لا تعني توصيله إلى هناك، بقدر ما تعني أنه أقام واستمر هناك. لأننا نحن أنفسنا أيضا اعتدنا أن نقول عن أي واحد يحيا بالتقوى، إن فلانا أو فلانا أيا كان الشخص إنما يحيا حياة صالحة. ونحن نعطي لقب مربي لا لنشير به بحسب المعنى الحرفي إلى أولئك الذين يقودون الأطفال فعلاً، بل نعني أنهم يعتنون بهم ويدربونهم بطريقة حسنة جديرة بالثناء، مربين إياهم ومعلمينهم أن يسلكوا بطريقة لائقة.

إذا فهو قد أقام في البرية بالروح، أي روحيا، فإنه صام، ولم يمنح أي طعام إطلاقا لحاجات الجسد، ولكني أتخيل أن البعض قد يعترضون على هذا قائلين:
وما هو الضرر الذي يلحق يسوع من الإقامة الدائمة في المدن؟ وما هو الذي يفيده حتى يختار الإقامة في البرية؟ فليس هناك شيء حسن يحتاج إليه، وأيضا لماذا هو يصوم؟ وما الذي كان يضطره أن يتعب وهو الذي لا يعرف أي أحساس بتحرك أي رغبة منحرفة؟ فنحن نمارس الصوم كوسيلة نافعة جدا نميت اللذات بواسطته ونقاوم ناموس الخطية الذي في أعضائنا، ونقتلع تلك العواطف التي تؤدي إلى الشهوة الجسدية. أما المسيح فأي حاجة له إلى الصوم؟ فهو الذي بواسطته يبيد الآب الخطية في الجسد. وبولس الإلهي إذ عرف هذا كتب: ” لأن الناموس فيما كان عاجزا عنه بسبب ضعفه بواسطة الجسد فإن الله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب
الجسد بل حسب الروح” (رو 8: 3، 4). لذلك فهو الذي يميت حركات الجسد فينا نحن أنفسنا الكائنات البائسة، وقد أباد الخطية، فأي صوم يمكن أن يحتاجه فيما يخصه هو نفسه؟ إنه قدوس وغير مدنس بالطبيعة، وهو نقي تماما وبلا عيب، وهو لا يمكن أن يحدث له ولا ظل تغيير. فلماذا إذا جعل إقامته في البرية وصام وجرب؟

يا أحبائي إن المسيح كمثال لنا يهتم بنا، فهو يضع أعماله أمامنا كنموذج لنا، ويؤسس مثالاً للحياة الفضلي والعجيبة التي يمكن أن تمارس في وسطنا، وأنا أعني حياة الرهبان القديسين، لأنه منذ متى كان ممكنا للناس على الأرض أن يعرفوا أن عادة السكن في الصحاري هي نافعة لهم، ومفيدة جدا للخلاص؟ لأنهم يعتزلون من أمام الأمواج والعواصف ومن الاضطراب الشديد وارتباكات هذا العالم الباطلة، وهكذا كما لو كانوا مثل يوسف المبارك، فأنهم يتجردون ويتركون للعالم كل ما هو خاص به. وبولس الحكيم يقول شيئا مثل هذا أيضا عن أولئك الذين يريدون أن يعيشوا هكذا ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا للجسد مع الأهواء والشهوات” (غل 5: 24). وهو يبين لأولئك الذين يختارون هذه الطريقة للحياة أن الإمساك ضروري، الذي ثمرته الصوم وقوة الاحتمال، والإمساك عن الطعام أو أخذ القليل منه. فإنه عندئذ حينما يجرب الشيطان فإنه سيهزم.

لاحظوا هذا بنوع خاص أن الرب اعتمد أولاً وامتلأ من الروح القدس، وبعد ذلك ذهب إلى البرية، ومارس الإمساك أي الصوم كما لو كان سلاحا له، وهكذا إذ كان مستعدا فحينما اقترب منه الشيطان انتصر عليه، وبذلك فقد وضع نفسه أمامنا كنموذج لنا.

فأنت، لذلك ينبغي أيضا أن تلبس أولاً سلاح الله، وترس الإيمان، وخوذة الخلاص. ينبغي أولا أن تلبس قوة من الأعالي، أي ينبغي أن تصير مشتركا في الروح القدس بواسطة المعمودية الثمينة، وحينئذ يمكن أن تسلك الحياة المحبوبة والمكرمة لدى الله، وحينئذ يمكنك بشجاعة روحية أن تسكن في الصحاري، وحينئذ تحفظ الصوم المقدس وتميت الأهواء وتهزم الشيطان حينما يجربك، لذلك، فإننا في المسيح قد حصلنا على كل الأشياء…

 يا للعجب فإنه يظهر بين المصارعين وهو نفسه كإله يمنح الجائزة، يظهر بين أولئك الذين يلبسون إكليل النصر، وهو الذي يكلل هامات القديسين. لذلك فلننظر ولنلاحظ مهارته في مصارعته وكيف هزم خبث الشيطان وشره، فحينما قضى أربعين يوما صائما فإنه جاع أخيرا ولكنه هو نفسه يعطي الجياع طعاما، وهو نفسه الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم وهو الذي به تقوم كل الأشياء. ولكن من الجهة الأخرى، بسبب أنه كان من الضروري لذلك الذي لم يرفض فقرنا، أن لا ينسحب من أي شيء يخص حالة الإنسان، لذلك فقد وافق أن يحتاج جسده للمؤونة الطبيعية. وهذا هو السبب للقول “إنه جاع” ولكنه مع ذلك لم يجع إلا بعد أن صام مدة كافية، وبقوته الإلهية قد حفظ جسده من الخوار، رغم امتناعه عن الطعام والشراب، لكي يسمح لجسده أن يشعر بالإحساسات الطبيعية كما هو مكتوب “إنه جاع”. ولأي سبب هذا؟ لكي بمهارة بواسطة الاثنين ، فإن ذلك الذي هو إله وإنسان معا في نفس الوقت يمكن أن يعرف بهاتين الصفتين في نفس الشخص الواحد: أي أعلى منا بطبيعته الإلهية، ومساو لنا في بشريته.

(لو 4:4) ” وقال له إبليس: إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً “.

حينئذ يقترب الشيطان لكي يجربه، متوقعا أن إحساس الجوع سيساعده في خطته الخبيثة. فإن الشيطان كثيرا ما ينتصر علينا باتخاذه ضعفاتنا كمساعد لمكائده ومغامراته، لقد تصور الشيطان أن الرب يسوع سيقفز حالاً نحو الرغبة في رؤية الخبز جاهزا للأكل، ولذلك قال ” إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبز ًا”. إذا فهو يقترب منه، كإنسان عادي وكواحد من القديسين، ومع ذلك فهو لا يزال متشككاً في أمره، أنه ربما يكون هو المسيح. فبأي طريقة أراد أن يعرف هذا؟ لقد اعتبر الشيطان أن تغيير طبيعة شيء إلى طبيعة أخرى إنما هو فعل وعمل قوة إلهية، لأن الله هو الذي يصنع هذه الأشياء وهو الذي يحولها. لذلك، قال في نفسه إن فعل هذا، فإنه يكون هو بالتأكيد ذلك الشخص المنتظر الذي سيبطل قوتي، ولكن إن رفض أن يعمل هذا التغيير، فإني بذلك أتعامل مع إنسان وأطرح الخوف بعيدا، وأنجو من الخطر، لذلك فإن المسيح لمعرفته بحيلة الشيطان فإنه رفض أن يحول الحجر خبزا، كما أنه لم يقل إنه غير قادر أو غير راغب أن يعمل هذا التغيير، بل بالحرى يصده بسبب إلحاحه وتداخله فيما ليس له قائلاً: ” إن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده”. وهو يعني بهذا، أنه إن أعطى الله القوة للإنسان، فإنه يمكن أن يصمد بدون طعام، ويحيا مثل موسى وإيليا اللذان بقوة كلمة الرب صرفا أربعين يوما دون أن يأكلا شيئا، لذلك فإذا كان ممكنا للإنسان أن يحيا بدون خبز، فلماذا أحول الحجر خبزا؟ ولكن الرب تعمد الأ يقول، إني لا أستطيع وذلك لكي لا ينكر قوته الخاصة، كما إنه لم يقل، إني أستطيع لئلا عندما يعرف المجرب بذلك أنه هو الله الذي عنده وحده كل شيء مستطاع، فإنه يتركه ويهرب. 

وأرجوكم أن تلاحظوا كيف أن طبيعة الإنسان في المسيح هي حرة من أخطاء شراهة آدم، فعن طريق الأكل انهزمنا في آدم وبواسطة الصوم انتصرنا في المسيح. بواسطة الطعام الذي يخرج من الأرض، يتقوى جسدنا الأرضي، ويسعى إلى الحصول على غذائه مما هو مجانس له، أما النفس العاقلة فإنها تتغذى وتنمو إلى الصحة الروحانية بواسطة كلمة الله، لأن الطعام الذي تقدمه الأرض يغذي الجسد الذي هو قريب لها، أما الطعام الذي من فوق ومن السماء فيقوي الروح ويشددها، طعام النفس هو الكلمة الآتية من الله، أي الخبز الروحاني الذي يقوى قلب الإنسان كما يرنم في كتاب المزامير، وإننا نؤكد أيضا أن الطبيعة خبز الملائكة هي هكذا.

(لو 4: 5) أصعدة إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان”.

وأنت أيها الكائن الخبيث الشرير الملعون، كيف تتجاسر أن تري الرب ممالك الخليقة كلها وتقول ” إنها لي؟ فإن سجدت أمامي ساعطيها لك ” فكيف تعد بشيء ليس هو لك؟ من جعلك وارثا لمملكة الله؟ من جعلك سيدا على كل ما تحت السماء؟ إنك حصلت على هذه الأشياء بالخداع والاحتيال، لذلك أرجعها، للابن المتجسد، رب الكل. واسمع ما يقوله إشعياء النبي عنك: ” هل قد أعد لك أيضا أن تملك؟ هي هوة عميقة، ونار، وكبريت، وحطب مرتب، وغضب الرب كهوة مشتعلة بكبريت ” (إش 30: 33).

فكيف إذا وأنت نصيبك هو اللهيب الذي لا ينطفئ تعد ملك الكل بما هو ليس لك؟ هل تظن أنك تجعله يسجد لك وهو الذي ترتعد أمامه كل الكائنات والسارافيم وكل القوات الملائكية تسبح بمجده؟ إنه مكتوب: ” للرب إلهك تسجد واياه وحده تعبد”. لقد ذكر الرب هذه الوصية في الوقت المناسب ووجهها إليه في الصميم، فقبل مجيء الرب، كان الشيطان قد خدع كل من تحت السماء، وكان يعبد في كل مكان، أما وصية الله هذه فإنها تطرده من السيادة التي اغتصبها بالخداع، وتوصي الناس أن يعبدوا الذي هو بالطبيعة وبالحق الله وأن يقدموا الخدمة والسجود له وحده. 

(لو 4 : 9) ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامة على جناح الهيكل وقال له: إن كنت ابـن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل “.

التجربة الثالثة التي يستخدمها الشيطان هي المجد الباطل قائلاً: ” ألق نفسك إلى أسفل”، كبرهان على ألوهيتك، ولكنه لم يستطع أن يسقطه بواسطة الغرور، بل إن سهم الشيطان أخطأ الهدف، فقد أجابه الرب ” إنه قيل لا تجرب الرب إلهك”. فإن الله لا يمنح معونته لأولئك الذين يجربونه، بل لأولئك الذين يثقون به، ولا ينبغي بسبب تلطفه ورحمته علينا أن نتباهي ونغتر، ولنلاحظ أيضا أن المسيح لم يعط آية لأولئك الذين كانوا يجربونه: فيقول “جيل شرير يطلب آية ولا تعطى له آية” (مت 12: 39). فليسمع الشيطان وهو يجرب هذه الكلمات. لذلك فنحن قد نلنا الانتصار في المسيح، أما الذي انتصر في آدم فمضى الآن خجلاً لكي ما نستطيع أن نضعه تحت أقدامنا، لأن المسيح كمنتصر قد سلمنا أيضا القوة لكي ننتصر، قائلاً ” ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ” (لو 10: 19).

(لو 4: 10) ” لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك”

انظروا كيف يحاول بخبث أن يستخدم الكتاب المقدس لكي يحط من مجد الرب، كما لو كان الرب محتاجا لمساعدة الملائكة، وكما لو كان سيعثر لو لم تساعده الملائكة، لأن هذا المزمور لا يشير إلى المسيح، والرب العالي لا يحتاج للملائكة. أما جناح الهيكل، فقد كان مبنى مرتفع جدا، مقام إلى جانب الهيكل.

والبعض يشيرون بهذا المزمور خطأ إلى شخص الرب، ويأخذون عباراته معا التي تقول هكذا ” لأنك، يا رب أنت رجائي، جعلت العلي ملجأك” (مز 91: 9)، ولذلك يقولون إن الرب له ملجأ هو العلي، أي الآب الذي في السماء. وحجتهم في مثل هذه الطريقة في الفهم، أن الشيطان فهمها هكذا فقال ” إن كنت ابن الله فالق نفسك إلى أسفل: لأنه مكتوب انه يوصى ملائكته بك لكي يحفظوك”، فالشيطان لأنه كذاب ومخادع، يطبق ما هو مكتوب عنا نحن على شخص المسيح مخلصنا جميعا. ولكننا نحن لا نفهمها بطريقة الشيطان، حتى إن كان الأريوسيون قد فهموها هكذا، فليس هناك ما يدعو للدهشة في موقفنا هذا، لأنهم يتبعون أباهم، الذي هو كذاب، وليس فيه حق، بحسب كلمات المخلص (انظر يو44:8)، فإن كان ما يقولونه هو الحق، ونحن قد جعلنا المسيح عوننا، وهو قد جعل الآب ملجأه، فعندئذ نكون نحن قد التجأنا إلى واحد هو نفسه محتاج إلى المساعدة، ودعونا ذلك الذي يخلص بواسطة آخر مخلصا لنا. هذا لا يمكن أن يكون، حاشا الله. لذلك فنحن نقول لأولئك الذين يريدون أن يفكروا هكذا، أنتم تسيرون خارج الطريق الملكي المستقيم، أنتم تسقطون وسط الأشواك والفخاخ، لقد ضللتم بعيدا عن الحق. فالابن مساو للأب في كل الأشياء، فهو صورة ورسم جوهره، وهو العلي كما أن الأب أيضا هو العلي.

الشيطان استخدم إذا هذه العبارات كما لو كان المخلص إنسانا عاديا، فلأنه ظلام بكليته، وقد أعمى عقله، فإنه لم يفهم قوة المكتوب في المزمور أنه يقصد به شخص كل إنسان بار ينال عونا من السماء، وإلى جانب ذلك، لم يعرف أن الكلمة، إذ هو الله، قد صار إنسانا، والآن هو نفسه يجرب بحسب خطة الخلاص. وكما سبق أن قلت، فقد افترض (الشيطان) أن كلمات المزمور قد قيلت كما على إنسان عادي، أو على واحد من الأنبياء القديسين.

ولكن بالنسبة لنا نحن الذين نعرف السر تماما، والذين نؤمن أنه من الله وابن الله، وأنه صار من أجلنا إنسانا مثلنا، فإنه أمر بشع جدا أن نتصور أن عبارات المزمور هذه تتحدث عنه، إذا فنحن نقول، إن عبارة “جعلت العلي ملجأك” لا تناسب شخص المخلص، فإنه هو نفسه العلي، ملجأ الكل، ورجاء الكل، وهو عن يمين الآب الكلي القدرة، وكل من يجعله حصنا له، فلن يقترب منه شر لأنه يأمر الملائكة، الذين هم أرواح خادمة، أن يحرسوا الأبرار.

فكما أن آباءنا الجسديين حينما يرون الطريق خشنا ويصعب عبوره، فإنهم يمسكون أطفالهم في أيديهم، لكي لا تصاب أقدامهم الضعيفة بأذى، لكونهم لا يزالون غير قادرين أن يسيروا على الطرق الصعبة، هكذا أيضا قوات الملائكة لا يسمحون لأولئك، الذين لا يزالون غير قادرين على الجهاد، والذين لا يزال ذهنهم طفوليا، أن يتعبوا بما يفوق طاقتهم، بل يختطفونهم بعيدا عن كل تجربة.

عظة ( 12 ـ ب ) خدمة المسيح في كفر ناحوم


(لو 4: 14، 15) ” ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل، وخرج خبر عنـه فـي جميـع الكورة المحيطة. وكان يعلم في مجامعهم ممجداً من الجميع “

حينما ترك المسيح سكني المدن، فإنه سكن في البراري، وهناك صام وجرب من الشيطان، وهناك حقق النصرة لحسابنا، هناك سحق رؤوس التنانين، هناك سقطت سيوف العدو تماما، وهدمت مدنا كما يقول داود (مز 9: 6)، وأعني بالمدن أولئك الذين كانوا كالأبراج والمدن. لذلك فهو إذ قد تسلط باقتدار على الشيطان، وإذ قد توج طبيعة الإنسان بالغنائم التي غنمها بالانتصار على الشيطان، رجع إلى الجليل بقوة الروح عاملاً بقوة وسلطان وأجرى عجائب كثيرة مما أثار دهشة عظيمة جدا عند الجموع. وهو قد أجرى المعجزات ليس كمن يقبل نعمة الروح من خارجه أو يناله كموهبة مثل جماعة القديسين، بل بالحرى كمن هو بالطبيعة وبالحق ابن الله الآب، فإنه يأخذ كل ما هو له باعتباره ميراثه الخاص. لأنه قال لأبيه: ” كل ما هو لك فهو لي، وأنا ممجد فيهم” (يو 17: 10). إذا فهو يتمجد بممارسة قوة الروح المساوي باعتبارها قوته الخاصة واقتداره.

(لو 4: 16 و17) ” وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى. ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ، فدفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كـان مكتوبا فيه”.

حيث إنه كان ضروريا وواجبا أن يظهر نفسه الآن للإسرائيليين، وأن يضئ سر تجسده على أولئك الذين لم يعرفوه، ولأنه الآن قد مسح من الله الآب لأجل خلاص العالم، فأنه بحكمة يرتب هذا أيضا أن تنتشر شهرته في كل مكان، وقد منح هذا الإحسان أولاً لشعب الناصرة، لأنه من الناحية البشرية قد تربى بينهم. وإذ دخل المجمع وقد أخذ السفر ليقرأ، ولما فتحه اختار فقرة من الأنبياء تعلن عن سر مجيئه. وبهذه الكلمات يخبرنا هو نفسه بوضوح تام بصوت النبي أنه يصير إنسانا، وأنه يأتي ليخلص العالم، فنحن نؤكد أن الابن قد مسح عن طريق مجيئه في الجسد واتخاذه طبيعتنا، فهو لكونه إله وإنسان في نفس الوقت، فهو يعطي الروح للخليقة بطبيعته الإلهية، كما أنه ينال الروح من الله الآب في طبيعته البشرية. وهو نفسه الذي يقدس الخليقة كلها بإشراقه من الآب القدوس، وهو الذي يمنح الروح الذي يسكبه على القوات العلوية كروحه الخاص ويسكبه أيضا على أولئك الذين يؤمنون بظهوره.

(لو 4: 18-21) ” روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشـفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين فـي الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلّمه إلى الخادم، وجلس. وجميـع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم: إنه اليـوم قـد تـم هـذا المكتوب في مسامعكم.”

إنه بهذه الكلمات يبين بوضوح أنه أخذ على نفسه الانسحاق والخضوع للإخلاء من مجده، وقد اتخذ اسم “المسيا” وحقيقته من أجلنا، لأنه يقول إن الروح الذي هو بالطبيعة موجود في، وأنا وهو من نفس الجوهر والألوهية، هذا الروح نفسه نزل علي أيضا من الخارج، وهكذا فإنه أتى علي أيضا في الأردن على شكل حمامة، ليس لأنه لم يكن موجودا في، ولكن لأجل السبب الذي من أجله مسحني. وما هو السبب الذي من أجله اختار المسيح أن يمسح؟ السبب هو لأننا نحن صرنا مقفرين من الروح بذلك الحكم القديم “لا يسكن روحي في الإنسان. لأنه بشر” (تك6: 3).

هذه الكلمات يقولها كلمة الله المتجسد، فلكونه الإله الذي من الله الآب، ولأنه صار إنسانا لأجلنا دون أن يلحقه تغيير، فإنه يمسح معنا بزيت البهجة، إذ نزل عليه الروح في الأردن على شكل حمامة. لأنه قديما كان الملوك والكهنة يمسحون رمزيا، وبهذا يحصلون على درجة معينة من التقديس، أما هذا الذي تجسد من أجلنا، فقد مسح بالزيت الروحاني زيت التقديس، ونزل عليه الروح القدس بالحق، وهو قد قبل الروح لا لأجل نفسه، بل لأجلنا، كما أن الروح غادرنا ولم يسكن فينا لكوننا جسد، لذلك امتلأت الأرض من الحزن، لأنها قد حرمت من المشاركة في الله.

وهو بشر المأسورين بالإطلاق، الذي تممه حينما ربط القوى، الشيطان الذي بطغیانه ساد على جنسنا، وانتزعنا من الرب جاعلاً إيانا غنائم له.

وهكذا فإن عبارة “مسحني” تناسب ناسوته، فليست الطبيعة الإلهية هي التي مسحت بل تلك الطبيعة التي هي ، منا، هكذا أيضا عبارة “أرسلني” إنما تشير إلى ما هو بشرى. وأولئك الذين أعتمت قلوبهم منذ القديم بظلمة إيليس، قد أنار لهم بإشراقه كشمس للبر، وجعلهم أبناء لا لليل والظلمة فيما بعد، بل أبناء للنور والنهار كقول بولس الرسول (1تس 5: 5). وأولئك الذين كانوا عميانا “لأن المضل أعمى قلوبهم” قد استعادوا بصرهم وعرفوا الحق، وكما يقول إشعياء ” صارت ظلمتهم نورا” (إش 42: 16)، أي صار الجهال حكماء، وأولئك الذين كانوا في للخطية عرفوا مسالك البر، والأب أيضا يقول للابن في موضع ما ” أجعلك عهداً للشعب، لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة” (إش 42: 6 ، 7)، لأن الابن الوحيد جاء إلى هذا العالم وأعطى عهذا جديدا لشعبه، الإسرائيليين، الذين منهم ولد حسب الجسد، وهو العهد الذي أعلن عنه سابقا جدا بصوت الأنبياء. ولكن النور الإلهي السماوي أضاء أيضا على الأمم، وذهب وبشر الأرواح في الجحيم، وأظهر نفسه لأولئك الذين كان مغلقا عليهم في بيت السجن، وفك قيود الجميع وحررهم من العنف، فكيف لا تبرهن كل الأشياء أن المسيح هو إله وابن الإله بالطبيعة؟

وما معنى إرسال المنسحقين في الحرية؟ معناه إطلاق الذين سحقهم الشيطان بقضيب العنف الروحي، ليذهبوا في طريقهم أحرارا. وما معنى الكرازة بسنة الرب المقبولة؟ إنها تشير إلى الأخبار المفرحة عن مجيئه، أي أن الابن قد جاء، فتلك كانت هي السنة المقبولة التي فيها صلب المسيح لأجلنا، لأننا عندئذ صرنا مقبولين عند الله الآب كثمار حملها المسيح. لذلك فقد قال هو نفسه ” وأنا إن ارتفعت عن الأرض سأجذب إلى الجميع” (رو 11: 32)، وحقا فقد عاد إلى الحياة في اليوم الثالث حينما داس على قوة الموت، وبعد ذلك قال لتلاميذه ” دُفع إلي كل سلطان” (مت 28: 18). أيضا من كل ناحية هي سنة مقولة التي فيها إذ قد انضممنا إلى عائلته، فقد دخلنا إليه بعد أن اغتسلنا من الخطية بالمعمودية المقدسة، وصرنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة شركة الروح القدس. تلك أيضا. هي سنة مقبولة إذ أظهر فيها مجده بمعجزات تفوق الوصف، ونحن قد استقبلنا زمن خلاصه بفرح عظيم، وهو الزمن الذي يشير إليه بولس الحكيم قائلاً: ” هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن وقت خلاص” (٢و٦: ٢)، وهو اليوم الذي فيه، صار أولئك المساكين الذين كانوا سابقا مرضى بسبب انعدام كل بركة، والذين لم يكن لهم رجاء وكانوا بلا إله في العالم ـ أي شعوب الأمم ـ هؤلاء المساكين صاروا أغنياء بالإيمان به، إذ حصلوا على الكنز الإلهي السماوي، كنز رسالة إنجيل الخلاص، الذي به جعلوا شركاء في ملكوت السموات، وصاروا مشاركين مع القديسين، ووارثين للبركات التي لا يستطيع عقل أن يدركها ولا لسان أن يخبر عنها. لأنه مكتوب ” ما لم تره عين وما لم تسمع به آنن، ما لم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله للذين يحبونه” (1كو 2: 9). وهذا الكلام يمكن أن ينطبق أيضا على فيض النعم السخية المعطاة من المسيح والمنسكبة منه على المساكين بالروح. 

ويعني “بالمنكسري القلوب” أولئك الذين لهم ذهن ضعيف مستسلم، ولا يستطيعون مقاومة هجمات الشهوة. وهكذا تجرفهم الشهوات ويصبحون أسرى لها، هؤلاء يعطي لهم الوعد بالشفاء والغفران.

وللعمي يعطي استعادة البصر. لأن أولئك الذين يعبدون المخلوق بدل الخالق، “ويقولون للخشب أنت أبي وللحجر أنت ولدتني” (إر 2: 27)، دون أن يعرفوا ذلك الذي هو الإله بالطبيعة وبالحق، مثل هؤلاء هل يمكن أن يعتبروا سوى عميان يبصرون بعيونهم ولكن قلبهم محروم من النور الإلهي الروحاني. هؤلاء ينعم عليهم الآب بنور معرفة الله الحقيقية، لأنه يدعوهم بواسطة الإيمان فيعرفونه، أو بالحري يصيرون معروفين منه، وبينما كانوا سابقا أبناء الليل والظلمة، فقد صاروا أبناء النور، لأن النهار قد أشرق عليهم، وشمس البر قد أنارت وكوكب الصبح اللامع قد ظهر.

ومع ذلك ليس هناك اعتراض على من يطبق هذه الإعلانات على الإسرائيليين لأن هؤلاء أيضا كانوا مساكين ومسحوقي القلوب ومأسورين وسجناء في الظلمة. ” فلم يكن على الأرض من يعمل صلاحا، ليس ولا واحد. الكل قد زاغوا معا وفسدوا” (مز 14: 3). ولكن جاء المسيح مبشرا بأمجاد ظهوره للإسرائيليين قبل غيرهم وكانت أمراضهم مثل أمراض الشعوب الوثنية. ولكن هؤلاء الوثنيين افتدوا بواسطته إذ صاروا أغنياء بحكمته وتوشحوا بالفهم، ولم يعودوا ضعفاء ومسحوقين في قلوبهم، بل صاروا أصحاء وأقوياء ومهيئين لقبول وممارسة كل عمل صالح للخلاص. لأنهم حينما كانوا في ضلالهم كانوا في حاجة للحكمة والفهم، أولئك الذين في حماقتهم الشنيعة عبدوا المخلوق بدل الخالق، وأطلقوا أسماء الآلهة على الأخشاب والأحجار، ولكن أولئك الذين عاشوا منذ القديم في الغم والظلمة بسبب عدم معرفتهم للمسيح، فإنهم الآن يؤمنون ويعترفون به إلها لهم.

وحينما قرأ الرب هذه الكلمات للشعب المجتمع، فإنه جذب أنظارهم إليه إذ كانوا ربما مندهشين كيف يعرف الكتب وهو لم يتعلم، لأنه كان من عادة الإسرائيليين أن يقولوا إن النبوات الخاصة بالمسيا قد تحققت، إما في أشخاص بعض ملوكهم أو في أشخاص أنبيائهم القديسين، ولأنهم لم يفهموا ما كان مكتوبا عنه فهما صحيحا لذلك فقدوا الاتجاه الحقيقي وساروا في طريق آخر. ولكن لكي لا يسيئوا فهم هذه النبوة أيضا لذلك نراه يحرص على تنبيههم للخطأ بقوله: ” إنه اليوم قد تمت هذه النبوة المكتوبة في مسامعكم”. واضعا نفسه أمامهم بوضوح بهذه الكلمات، باعتباره الشخص الذي تتكلم عنه النبوة، لأنه هو الذي كرز بملكوت السموات للأمم، الذين كانوا مساكين، إذ لم يكن لهم شيء، ليس لهم إله ولا شريعة ولا أنبياء، أو بالحري لقد كرز بالملكوت لكل الذين كانوا محرومين من كنوز الغني الروحي، وأطلق المأسورين أحرارا إذ قد طرح خارجا الطاغية المرتد الشيطان، وقد أفاض النور الإلهي الروحي على الذين كانوا مظلمي القلب. ولأجل هذا قال: ” أنا قد جئت نورا إلى هذا العالم” (یو 12: 46)، إنه هو نفسه الذي حل سلاسل الخطية عن أولئك الذين سحقتهم الخطية، والذي أظهر بوضوح أن هناك حياة آتية.

وأخيرا إنه هو الذي كرز بسنة الرب المقبولة، تلك التي فيها جاء المخلص كارزا، فإني أظن أن المقصود بالسنة المقبولة هو مجيئه الأول، أما المقصود بيوم العودة فمقصود به يوم الدينونة.

(لو 4: 22) ” وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون: أليس هذا ابن يوسف؟”

ولأنهم لم يفهموا أنه هو الذي مسح وأرسل، وأنه هو صانع العجائب، فقد رجعوا إلى طرقهم المعتادة وتكلموا عنه كلاما غبيا وباطلاً، فرغم أنهم تعجبوا من كلمات النعمة الخارجة من فمه إلا أنهم اعتبروا هذه الكلمات كأنها بلا قيمة لأنهم قالوا ” أليس هذا هو ابن يوسف”؟ ولكن هل هذا ينقص شيئا من مجد صانع المعجزات؟ فما الذي يمنع أن يكرم ويعجب به حتى لو كان هو ابن يوسف كما ظنوا؟ ألا ترى المعجزات؟ فالشيطان سقط، وقطيع الشياطين أبيد، وجموع كثيرة تحررت من مختلف أنواع الأمراض. أنت تمدح النعمة التي كانت في تعاليمه، ولكنك بطريقة يهودية تقلل من قدره في نظرك، لأنك حسبت يوسف أبا له، يا للحماقة العظيمة! حق هو أن يقال عنهم ” الشعب الجاهل، والعديم الفهم، الذين لهم أعين ولا يبصرون ولهم أذان ولا يسمعون” (إر 5: 21).

(لو 4: 23-24) “فقال لهم: على كل حال تقولون لي هذا المثل: أيها الطبيب اشـف نفسك! كم سمعنا أنه جرى في كفرناحوم، فافعل ذلك هنا أيضا في وطنك وقـال: الحـق أقول لكم: إنه ليس نبي مقبولا في وطنه ” .

كان هذا قولاً شائعا بين اليهود، فحينما يكون الأطباء أنفسهم مرضى، حينئذ يقول الناس أيها الطبيب اشف نفسك، لذلك فالمسيح بوضعه هذا المثل أمامهم فكأنه يقول لهم أنتم لا تريدون أن تجرى آيات كثيرة بينكم أنتم بنوع خاص، أنتم الذين تربيت في بلدتكم، ولكني أعرف الشعور السائد بالنسبة لكل الناس، لأن ما يحدث دائما هو أن أفضل الأشياء وأندرها تصير حقيرة عندما توجد بكثرة حينما يحصل عليها الناس بوفرة. وهكذا أيضا نفس الحال مع البشر فإن الأصدقاء أحيانا يرفضون الشخص المألوف لديهم والذي يكون موجودا بينهم على الدوام برغم أنه يكون مستحقا للكرامة، ولذلك وبخهم بسبب تساؤلهم بغباوة قائلين ” أليس هذا هو ابن يوسف”، ثم أكد موضوع تعليمه فقال لهم ” الحق أقول لكم إنه ليس نبي مقبولا في وطنه”.

(لو 4: 25-27) ” وبالحق أقول لكم: إن أرامل كثيرة كن في إسرائيل في أيام إيليا حـين أغلقت السماء مدة ثلاث سنين وستة أشهر، لما كان جوع عظيم في الأرض كلهـا، ولـم يرسل إيليا إلى واحدة منها، إلا إلى امرأة أرملة، إلى صرفة صيداء. وبرص كثيرون كانوا في إسرائيل في زمان أليشع النبي، ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان السرياني “.

حيث إنه ـ كما ذكرت ـ بعض اليهود أكدوا أن النبوات المتعلقة بالمسيح قد تحققت إما في أنبيائهم القديسين أو في بعض رجالهم البارزين، لذلك فإنه يجتنبهم بعيدا عن هذا الافتراض، لأجل منفعتهم، وذلك بقوله إن إيليا أرسل إلى أرملة واحدة، وإن أليشع النبي قد شفى أبرصا واحدا هو نعمان السرياني وكلاهما يشيران إلى كنيسة الأمم الذين كانوا عتيدين أن يقبلوه ويشفوا من مرضهم، في الوقت الذي بقي شعب إسرائيل غير تائب.

(لو 4: 28-30) ” فامتلأ غضبا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا، فقاموا وأخرجوه خارج المدينة، وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى “.

وبعد ذلك اشتعلوا غضبا لأنه وبخ فكرهم الرديء، وأيضا لأنه قال، اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم أي ” روح الرب على”، وأنه بذلك جعل نفسه مساويا للأنبياء. وأكثر من ذلك فقد أخرجوه من مدينتهم وبذلك حكموا بالدينونة على أنفسهم وأثبتوا ما قاله المخلص، لأنهم هم أنفسهم طردوا من المدينة التي فوق بسبب عدم قبولهم للمسيح. ولكي لا يكون توبيخه لهم على عدم تقواهم بالكلام فقط، لذلك سمح لوقاحتهم ضده أن تمتد لتصل إلى أفعال، فقد كان عنفهم غير معقول وحقدهم بلا رادع. ولذلك اقتادوه إلى حافة الجبل وحاولوا أن يلقوا به فوق الصخور، ولكنه اجتاز في وسطهم بدون ملاحظة، ليس لأنه يرفض أن يتألم ـ فهو لأجل هذا السبب قد جاء ـ بل لأنه كان ينتظر الوقت المناسب إذ أنه كان الآن في بداية كرازته، ولم يكن مناسبا أن يتألم ويعاني الموت قبل أن يكرز بكلمة الحق. فإن قبول الآلام أو عدم قبولها هو أمر متوقف عليه، لأنه هو رب الأزمنة كما أنه رب كل الأشياء، وهذا برهان يبين أنه حينما تألم فقد تألم بإرادته، وأنه حتى في ذلك الوقت الذي تألم فيه فإنه لم يكن غير ممكن أن يتألم لو كان يسلم نفسه للآلام بإرادته.

(لو 4: 31-33) ” وانخدر إلى كفر ناحوم، مدينة من الجليل، وكان يعلمهم في السبوت. فبهتوا من تعليمه، لأن كلامه كان بسلطان. وكان في المجمع رجل به روح شیطان نجـس فصرخ بصوت عظيم قائلا: آه! ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتهلكنا! أنا أعرفك من أنت: قدوس الله!”

أولئك الذين لا يستطيع الجدل أن يجتذبهم إلى معرفة ذلك الذي هو إله ورب بالطبيعة وبالحق، معرفة يقينية. هؤلاء ربما يربحون بواسطة المعجزات إلى الطاعة والإذعان ولذلك كان من النافع أو الضروري في أحيان كثيرة أن يكمل تعاليمه بإجراء بعض المعجزات. لأن سكان اليهودية كانوا غير مستعدين أن يؤمنوا، وكانوا يستخفون بكلمات الذين يدعونهم إلى الخلاص. وكان أهل كفر ناحوم خاصة يتصفون بهذه الصفة، ولهذا السبب فقد وبخهم المخلص قائلاً: وأنت يا كفر ناحوم المرتفعة إلى السماء ستهبطين إلى الهاوية” (لو10: 15). ورغم أنه يعرف أنهم عصاة وقساة القلب، فإنه يزورهم كما يزور الطبيب البارع أولئك الذين يعانون من مرض خطير جدا ويحاول أن ينقذهم من مرضهم، فهو نفسه يقول: “إنه لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى” (لو 5: 31). لذلك فقد علم في مجامعهم بحرية كبيرة في الكلام، فهذا ما سبق أن تنبأ به بصوت إشعياء قائلاً: “لم أتكلم في الخفاء، ولا في مكان مظلم من الأرض” (إش 45: 19)، بل إنه أمر الرسل القديسين أن يعلنوا كلماتهم عنه بكل جرأة في الكلام، إذ قال لهم ” الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح” (مت 10: 27). وأيضا في السبت، حينما يكونون في فراغ من العمل كان يتحدث إليهم. وكانوا يتعجبون من قوة تعليمه ومن عظمة سلطانه. فالإنجيل يقول إنه كان يتكلم بسلطان فهو لم يكن يداهن في الكلام، بل كان يستحثهم على الخلاص، كان اليهود يظنون أن المسيح لم يكن أكثر من أحد القديسين، وأنه قد ظهر بينهم كواحد من رتبة الأنبياء فقط، ولذلك فلكي يجعلهم يرتفعون بفكرهم عنه، فإنه يتجاوز مستوى الأنبياء إذ أنه لم يقل أبدا “هكذا يقول الرب”، كما كانت عادة الأنبياء طبعا، ولكن إذ هو رب الناموس فإنه تكلم بأمور تعلو على الناموس.

بل إن الله قال بواسطة إشعياء: ” وأقطع لكم عهدا أبديا مراحم داود الصادقة. هوذا قد جعلته شارعا للشعوب، رئيسا وموصيا للشعوب” (إش 55: 3 و4)، لأنه كان من الملائم أن موسی كعبد يصير خادما للظل الذي لا يستمر، ولكني أؤكد أن المسيح، كان هو المعلن الأبدي لعبادة باقية لا تزول. وما هو العهد الأبدي؟ إنه يعني كلمات المسيح المقدسة، الذي هو من نسل داود حسب الجسد، وكلماته تنشئ فينا قداسة وثقة، وكما أن مخافة الله نقية لأنها تجعلنا أنقياء وكلمة الإنجيل هي حياة لأنها تنشئ حياة. لأنه هو نفسه يقول ” الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” (يو 6: 63)، أي أنه روحاني ومعطي للحياة. ولكن لاحظوا حسنا دقة النبوة، فإن إشعياء يتكلم باسم الله الآب بخصوص المسيح ويقول ” هوذا قد جعلته شارعاً للشعب”، أي أن يشهد لهم، أن هذه الأمور مقبولة، ولكي لا يتصور أحد أنه واحد من الأنبياء القديسين، بل لكي يعلم كل البشر بالحرى أنه يضئ بمجد الربوبية إذ لكونه الله فقد ظهر لنا، وهكذا يواصل القول، ليس فقط أنه جعل شارعا أو شاهذا، بل أيضا رئيسا وموصيا للشعب. لأن الأنبياء المباركين وموسى أيضا قبلهم إذ كانوا في منزله العبيد الخدام فإنهم كانوا يقولون لسامعيهم: ” هكذا يقول الرب” لا كمن يعطون وصايا أو أوامر، بل كخدام للكلمات الإلهية. أما ربنا يسوع المسيح فإنه تكلم كلمات تليق بالله جدا. ولذلك كان اليهود أنفسهم يدهشون ويتعجبون منه، لأن كلمته كانت بسلطان ولأنه كان يعلمهم كواحد له سلطان، وليس مثل كتبتهم، لأن كلمته لم تكن عن ظل الناموس، بل لكونه هو معطي الناموس فقد حول الحرف إلى الحق، والرموز حولها إلى معانيها الروحية، لأنه كان رئيسا وحاكما وكان يملك سلطان الحاكم أن يأمر ويوصى.

(لو 4: 35، 36) “فانتهره يسوع قائلا: اخرس! واخرج منه!. فصرعة الشيطان في الوسط وخرج منه ولم يضره شيئا. فوقعت دهشة على الجميع، وكانوا يخاطبون بعـضهم بعضا قائلين: ما هذه الكلمة؟ لأنة بسلطان وقوة يأمر الأرواح النجسة فتخرج! “

بقوة إلهية انتهر الأرواح النجسة، فجعل المعجزة تحدث بعد كلماته مباشرة وذلك حتى لا نسقط في عدم الإيمان، لقد رأينا الشيطان المجرم ينهزم وينغلب منه في البرية، وينكسر بثلاث سقطات، ولقد رأينا قوته تهتز ثانية، والقوة التي كانت ضدنا تسقط، لقد رأينا أنفسنا ننتهر الأرواح الشريرة في المسيح كباكورة لنا، ويمكنك أن تتعلم أن هذا أيضا يشير إلى تشريف الطبيعة البشرية وذلك من كلمات المخلص نفسها. فإن اليهود افتروا على مجده وقالوا ” هذا الإنسان لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين” (مت۱۲: ۲)، ولكنه هو إذ تحدث كثيرا أولاً في رده عليهم فإنه أنهى حديثه بقوله: ” ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله”، لأنه إن كان يقول “أنا” وهو الذي صار إنسانا مثلك، وهو ينتهر الأرواح النجسة بقوة إلهية وجلال عظيم، فإن طبيعتك هي التي تكلل بهذا المجد العظيم، وكأنه يقول لك: لأنك أنت ترى من خلالي وفي، وقد حصلت على ملكوت الله.

لذلك فالشياطين الأشرار قد طردوا وصاروا يشعرون بقوته التي لا تغلب، ولأنهم لم يستطيعوا أن يحتملوا الصراع مع الله، لذلك صرخوا بعبارات متعجرفة وخبيثة، دعنا وحدنا، مالنا ولك، وهم يقصدون بذلك لماذا لا تدعنا نحتفظ بمكاننا وأنت تقوم بتحطيم ضلال عدم التقوى؟ ولكنهم بعد ذلك لبسوا مظهرا كاذبا من كلمات صحيحة، إذ دعوه “قدوس الله” لأنهم ظنوا أنه بهذا النوع الخادع من الكلام يستطيعون أن يستثيروا الرغبة في المجد الباطل، وبذلك يمنعون انتهاره لهم، ولكن رغم أن الروح خبيث فإنه سيترك فريسته، لأن الله لا يسخر به، وهكذا فإن الرب يوقف كلماتهم النجسة، ويأمرهم أن يخرجوا من أولئك الذين كانوا يتسلطون عليهم. والواقفون إذ قد صاروا شهودا لهذه الأعمال العظيمة دهشوا لقوة كلمته. لأنه صنع معجزاته دون أن يقدم صلاة ولم يسأل من أي أحد آخر أي قوة لتتميم هذه المعجزات، ولكن إذ هو نفسه كلمة الله الآب، الكلمة الحي الفعال الذي به توجد كل الأشياء والذي فيه توجد كل الأشياء، فإنه بشخصه سحق الشيطان وأغلق الفم الدنس للشياطين النجسين.

(لو 4: 38-40) ” ولما قام من المجمع دخل بيت سمعان. وكانت حماة سمعان قـد أخذتها حمى شديدة. فسألوه من أجلها. فوقف فوقها وانتهر الحمى فتركتها! وفـي الحال قامت وصارت تخدمهم. وعند غروب الشمس، جميع الذين كان عندهم سقماء بـأمراض مختلفة قدموهم إليه، فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم ” .

لاحظوا كيف أن ذلك الذي احتمل الفقر الإرادي من أجلنا لكي نستغني نحن بفقره دخل إلى بيت أحد تلاميذه وهو إنسان فقير وليس من المعروفين، وذلك لكي نتعلم أن نسعى لمصاحبة المتضعين، ولا نتفاخر أو نرتفع على أولئك الذين في حاجة أو ضنك. يصل يسوع إلى بيت سمعان ويجد حماته مريضة بالحمي، ويقف وينتهر الحمى، فتتركها الحمى، وما ورد في رواية متى ورواية مرقس عن ترك الحمى لها، ليس فيه إشارة إلى أي شيء باعتباره السبب الفعال للحمى، ولكن في عبارة لوقا: ” وقف فوقاً منها وانتهر الحمى فتركتها”. لا أعرف هل نحن مضطرين أن نقول إن ذلك الذي انتهره الرب كان شيئا حيا لم يستطيع أن يقاوم تأثير ذلك الذي انتهره، لأنه من غير المعقول انتهار شيء لا حياة فيه ولا يعي الانتهار. وهذا ليس بالأمر الغريب لأنه توجد بعض قوات تصيب الجسد البشري بالأذى، ولا ينبغي أن نفكر عن نفوس أولئك الذين يعانون من أذى هذه القوات أنها نفوس شريرة، وحينما أخذ الشيطان إننا أن يجرب أيوب بأمراض جسدية وضربه بقروح مؤلمة فإن أيوب لم يكن بذلك شريرا. بل إنه واجه التجربة برجولة واحتمل الضربة بنبل، ولكن الله على أي حال وفي أي وقت نجرب فيه بالآم جسدية يمنحنا هذه النعمة بقوله: ” ولكن لا تمس نفسه” (أي 2: 6)، فالرب إذا بانتهاره يشفي أولئك الذين تمتلكهم أرواح شريرة.

وقد وضع يديه أيضا على كل واحد من المرضى فشفاهم من أمراضهم موضحا بذلك أن جسد بشريتنا المقدس الذي جعله جسدا له وملأه بالقوة الإلهية، كان يمتلك الحضور الفعال لقدرة الكلمة، قاصدا بذلك أن يعلمنا أنه رغم أن كلمة الله الوحيد قد صار مثلنا، إلا أنه بالرغم من ذلك لا يزال إلها ويستطيع بسهولة بواسطة جسده الخاص أن يتمم كل الأشياء. لأنه استخدم هذا الجسد كأداة لعمل المعجزات، ولا يوجد أي سبب للتعجب من هذا بل على العكس فيمكنكم أن تلاحظوا كيف أن النار عندما توضع في إناء نحاس فإنها تنقل إلى الإناء قوة إنتاج تأثيرات الحرارة، هكذا أيضا فإن كلمة الله الكلي القدرة، إذ قد وجد الهيكل الحي العاقل المأخوذ من العذراء القديسة مع نفسه اتحادا حقيقيا فإنه ملأه بالقوة التي تظهر قدرته الإلهية بصورة فعالة. لذلك فلكي يخجل اليهود فهو يقول: ” إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فأمنوا بالأعمال” (يو 10: 38). وبشهادة الحق نفسه هذه يمكننا أن نرى أن الابن الوحيد لم يعط مجده “لإنسان”” منفصل عنه وغيره هو نفسه ويعتبر مولود المرأة، بل بالحري إذ هو الابن الوحيد مع الجسد المقدس المتحد به، فإنه قد صنع المعجزات وهو يعبد أيضا من خليقة الله.

لقد دخل الرب إلى بيت بطرس وهناك كانت امرأة ممددة على فراش مرهقة من حمى شديدة، وبدلاً من أن يقول كإله: “اتركي المرض وقومي” فإنه يسلك طريقا آخر، فإنه لكي يبين أن جسده يملك قوة الشفاء لكونه جسد الله “لمس يدها ” (لو 8: 15). ولذلك تركتها الحمى.

لذلك هيا بنا نحن أيضا لنقبل يسوع، لأنه حينما يدخل إلينا ونقبله في عقلنا وقلبنا، فإنه عندئذ يطفئ حمى اللذات غير اللائقة، ويقيمنا ويجعلنا أقوياء، حتى في الأمور الروحية. وبذلك نخدمه بأن نعمل الأمور التي ترضيه.

ولكن أرجو أن تلاحظوا أيضا ما أعظم فاعلية لمسة جسده المقدس، فإنها تطرد الأمراض من كل نوع، وتطرد جمعا من الشياطين وتطرح قوة إبليس عنا، وتشفي جمعا كبيرا من الناس في لحظة من الزمان، ورغم أنه يستطيع أن يعمل المعجزات بكلمة وبمجرد ميل إرادته، إلا أنه لكي يعلمنا شيئا نافعا لنا فهو يضع يديه على المرضى أيضا، لأنه كان لازما، بل ولازما جدا لنا أن نتعلم أن الجسد المقدس الذي جعله جسده الخاص كان مزودا بفاعلية قوة الكلمة بأن زرع فيه قوة إلهية. لذلك فلندعه يمسك بنا، أو بالحري فلنمسك نحن به بواسطة الإفخارستيا السرية لكي يحررنا من أمراض النفس ومن هجمات الشياطين وعنفهم.

. (لو 4: 41) ” وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله! فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون، لأنهم عرفوه أنه المسيح .

لم يسمح الرب للشياطين النجسين أن يعترفوا به، لأنه لم يكن مناسـبا أن يتجنـوا على مجد الوظيفة الرسولية، ولم يسمح للسان النجس أن يتكلم عن سر المسيح. ولأنهم لا يتكلمون أي كلام صادق، فلا ينبغي لأحد أن يضع ثقته فيهم لأن النور لا يعـرف بمساعدة الظلمة كما يعلمنا تلميذ المسيح حينما يقول ” لأنه أية شركة للنور مع الظلمة، أو أي اتفاق للمسيح مع بليعال” (2كو 6: 10).

 

زر الذهاب إلى الأعلى