تفسير سفر ملاخي ٣ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير ملاخي – الإصحاح الثالث
بعد أن أظهر فساد الكهنة والشعب، نجد الله هنا يقدم الحل في المسيح الذي سيقيم عهداً جديداً، فيه يحرق الشر ويبيده ويقدم بره وخلاصه.
الآيات (1-6):
“هانذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرّون به هوذا يأتي قال رب الجنود. ومن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره. لأنه مثل نار الممحص ومثل اشنان القصّار. فيجلس ممحصا ومنقيا للفضة فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر. فتكون تقدمة يهوذا وأورشليم مرضية للرب كما في أيام القدم وكما في السنين القديمة. واقترب إليكم للحكم وأكون شاهدا سريعا على السحرة وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زورا وعلى السالبين أجرة الأجير والأرملة واليتيم ومن يصدّ الغريب ولا يخشاني قال رب الجنود. لأني أنا الرب لا أتغيّر فانتم يا بني يعقوب لم تفنوا. “
إن الكلمات الأولى لهذا الإصحاح هي إجابة مباشرة عن السؤال السخيف الذي قدموه سابقاً قائلين “أين هو إله العدل؟” والإجابة هنا أنه قريباً سيظهر، وهو على الأبواب وهو سيأتي لتصحيح كل الأوضاع وسيسبق مجيئه سابق هو يوحنا المعمدان= هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي. وقد قال مرقس الرسول (مر1:1،2) هذا صراحة، أن بدء إنجيل يسوع المسيح سوف يكون إتمام هذا الوعد الذي ختم به العهد القديم، وبهذا يتصل العهد القديم بالعهد الجديد. وكلمة ملاكي تعني رسولي. هو ملاك الله أي رسول من الله، ولذلك يجمع الكل أن يوحنا كان نبياً، وأنه هيأ الطريق أمام المسيح بدعوة الناس للتوبة حتى يتقبلوا تعزيات المسيح. وبعد يوحنا يأتي المسيح مباشرة= يأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه= فهو الرب الذي انتظره أتقياء اليهود. وهو ملاك العهد= سمى الابن ملاك أي رسول لأن الآب أرسله ليقيم عهداً جديداً (عب15:9). والمسيح كان يستخدم كلمة الآب أرسلني كثيراً (يو36:5-38). فهو رسول الآب يعلن محبة الآب. الذي تسرون به فهو الذي سيعطي الفرح والتعزية. يأتي بغتة= أي قد اقترب موعد مجيئه وسيأتي مباشرة بعد ظهور يوحنا، وسيكون ظهوره وهيئته بصورة غير التي يتوقعونها. وسوف يأتي إلى الهيكل، فهو أتى وسنه 40 يوماً ثم وعمره 12 عاماً ثم حين دخل لأورشليم وإتجه للهيكل لتطهيره. ولكن قوله إلى هيكله= تشير إلى التجسد، فالهيكل الذي أسسه المسيح هو هيكل جسده (يو21:2) وفي (2) من يحتمل يوم مجيئه= ظهر مجد المسيح كثيراً بالرغم من إخلائه لذاته وظهر هذا في التجلي وفي سقوط من أتي للقبض عليه، عند قوله “أنا هو”. وفي معجزاته ولقد فزعت منه الشياطين وقالت “أتيت لتهلكنا”. ولكنه كان مخفياً مجد لاهوته، لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو8:2). ولم تحتمل الأمة اليهودية نتائج فعلتها أي صلبها له، فلم يثبت الكهنوت اليهودي ولا الأمة اليهودية التي صلبته ورفضته= من يثبت يوم ظهوره. فهو مثل نار الممحص فالأمة اليهودية لم تثبت بسبب صلب رب المجد، والدولة الرومانية إحتمل الله كل أخطائها لأنه يعلم أنها ستتحول يوماً للإيمان، ولكن كان مصير الأباطرة الذين إضطهدوا المسيحية مصيراً مرعباً. والشياطين لم يثبتوا من يوم ظهوره للآن وبعلامة الصليب يحترقون. ولكن الله في طول أناته يحتمل المخطئين كثيراً. ربما يسمح ببعض الآلام ضد الخطاة، ولكنها إما تكون مثل نار الممحص أو إذا لم يستفد الخاطئ من هذه النيران المطهرة، تكون نهايته صعبة، فهو لن يحتمل أن يثبت أمام المسيح. ونار الممحص حينما يتعرض لها الذهب تنفصل عنه رواسبه، وتكون الآلام التي يسمح بها الله مثل أشنان القصار= أي الصابون الذي يستخدمه منظف الأقمشة ومبيضها، فالمسيح بمجيئه يفرز من يقبل الملكوت عن من لا يقبله، فمن يقبل الملكوت فهذا يطهره ويغسله بدمه أولاً (رؤ14:7) وبسماحه ببعض التجارب له، أما من لا يقبل فهذا يكون مرفوضاً ومصيره الهلاك ولن يستطيع أن يثبت أمام الله، مهما كان جباراً قوياً وعنيداً.
وفي (3) ينقي بني لاوي= أي كل من تكرس لخدمته أي الكهنة، فالقضاء سيبتدئ من بيت الرب (1بط17:4) وذلك سيكون في شخص الكهنة فيطهرون ليليقوا بعملهم الرفيع وليقربوا للرب تقدمة بالبر= (مُقَرَّبين)= وهي أتت في الإنجليزية وترجمات أخرى ليُقَرّبوا. فهذا عمل الكهنة أن يقربوا أي يقدموا قرابين لله، ولكي يقوموا بهذا العمل يقوم الله بتطيرهم ليقدموا تقدماتهم بالبر أي وهم في طهارة. وبصورة عامة فكل المؤمنين لهم كهنوت عام، فكلنا ملوك وكهنة (رؤ6:1) والمؤمنون أيضاً يطهرهم المسيح ليقدموا تقدماتهم بطهارة وتقدمات المؤمنين هي صلواتهم وتسابيحهم وعطاياهم (مز2:141 + عب15:13،16). وبنى لاوي كانوا مكرسين لخدمة الله، وهكذا كل مسيحي فهو مكرس للرب وقدس للرب (زك21:14) المسيحيين كلهم مفروزين ومكرسين لخدمة الرب ولإتمام الأعمال المقدسة التي خلقهم لأجلها (أف10:2). والله يطهر شعبه فالذهب والفضة= يقدسهم في الداخل من الأقذار التي لصقت بهم في الداخل وذلك أساساً بدمه، وبعمل روحه القدوس، ولا مانع من استخدام بعض التجارب المتنوعة بحسب حكمة الله. وذلك ليقربوا ذبائح صلواتهم وتسابيحهم وأعمال محبتهم، بطهارة= تقدمة بالبر. وتكون تقدمة يهوذا وأورشليم= هنا يهوذا وأورشليم هما تعبير عن الكنيسة المسيحية. ومتى تكون تقدمة الكنيسة مرضية للرب= حينما تتم تنقية الكهنة والشعب. وهذا كما قلنا يتم [1] بدم المسيح [2] بعمل الروح القدس [3] باستجابة المؤمن لعمل الروح القدس. كما في أيام القدم= كما رضى الرب على نوح وإبراهيم والآباء وتنسم رائحة الرضا (تك21:8). وما هي تقدمات وذبائح الكنيسة [1]ٍ أهم تقدمة هي ذبيحة الافتخارستيا [2] الصلاة والتسبيح من قلب طاهر [3] أعمال المحبة والعطاء وكل من يقدم جسده ذبيحة حية أي يموت عن شهواته يكون مرضياً أمام الله (رو1:12). والله كما كان يقبل ذبائح العهد القديم بنار تنزل من السماء نجده يقبل من يقدم جسده ذبيحة حية ويملأه بنار الروح القدس النازل من السماء، وهذه النار تطهره وتنقيه وتملأه ثماراً “(غل22:5-24)، (5) أقترب إليكم للحكم. وأكون شاهداً= فإذا كان الله هو الذي يطهر وينقي فما عذر من يستمر في خطيته؟ وماذا يكون تبريره لموقفه حين يقترب الله للحكم؟ أي حين يأتي للدينونة. ففي مجيء المسيح مسرة وفرح لمن يقبله ونار دينونة لمن يرفضه أمثال السحرة= أي كل من يتعامل مع الشيطان، والفاسقين= الذين يتمرغون في شهوات الجسد. والحالفين زوراً= هؤلاء يدنسون اسم الله. ومن يصد الغريب= الذي ليس له أحد يدافع عنه، يدافع عنه الله بنفسه. وكلمة شاهداً سريعاً= أي أن دينونة المسيح ستفاجئ مثل هؤلاء. وفي (6) الله لا يتغير. ولن تسقط كلمة واحدة من كلامه ودليل ذلك أن شعب إسرائيل لم يفنى حتى الآن= لم تفنوا بالرغم من خطاياهم، لأن الرب كان أميناً على عهده معهم ومع أبائهم. والله لا يتغير= فبالرغم من حبه المعلن على الصليب إلا أنه كاره للشر والخطية وهو يفي بوعده للأبرار ولكنه سيعاقب الأشرار وعلينا نحن أن نتغير ونرجع للرب ونقدم توبة فنتمتع بوعوده للأبرار.
الآيات (7-12):
“من أيام آبائكم حدتم عن فرائضي ولم تحفظوها. ارجعوا إليكم أرجع إليكم قال رب الجنود. فقلتم بماذا نرجع. أيسلب الإنسان الله. فأنكم سلبتموني. فقلتم بم سلبناك. في العشور والتقدمة. قد لعنتم لعناً وإياي أنتم سالبون هذه الأمة كلها. هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود أن كنت لا أفتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع. وأنتهر من أجلكم الآكل فلا يفسد لكم ثمر الأرض ولا يعقر لكم الكرم في الحقل قال رب الجنود. ويطوّبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرّة قال رب الجنود. “
عتاب من الله على أنهم حادوا عن فرائضه. وهربهم من خدمة سيدهم وذلك من أيام أبائكم= أي تكررون نفس خطاياهم ثم دعوة بالتوبة إرجعوا إلىّ أرجع إليكم. ثم نجد منهم إجابة تدل على عماهم بماذا نرجع= كأنهم يقولون ما هي خطايانا حتى نقدم عنها توبة، فنحن لا نخطئ فلماذا يحدثنا عن الرجوع. والله يلاحظ الإجابات التي تجيب بها قلوبنا على كلمته فهم إما مستائين من تحذير الأنبياء لهم على خطاياهم أو هم لا يرون لأنفسهم خطايا يتوبون عليها، أو هم مصممين على خطاياهم. وفي (8) الله يتهمهم بسرقته= إنكم سلبتموني= وسرقة الأشياء المقدسة التي لله هي أشر أنواع السرقة والله يتساءل أيسلب الإنسان الله= أيتجاسر على هذا. أو يسرق الله الذي أحسن إليه. ونحن نسرق الله إذا لم ندفع العشور فهي حقه، أو إمتنعنا عن التقدمات للكنيسة= في العشور والتقدمة= فالعشور ليست أموالي، بل هي أموال الله، فالله له الكل وهو الذي أعطاني الكل، والله لا يطلب سوى العشور. ودفع العشور هو حب عملي تجاه الله وتجاه الفقراء وتجاه خدام الله الذين يعيشون من هذه العشور. وفي (9) لعنتم لعناً= حين يسلب الإنسان الله عليه أن يتوقع توقف البركات، وأن تأتي المجاعات ورادءة الطقس والحشرات التي تلتهم ثمار الأرض. هذه الأمة كلها=إذاً الخطية جماعية لذلك فالعقوبة جماعية. ولاحظ أن العشور الواجبة لله هي من أموالنا ومن وقتنا فهناك أوقات ينبغي أن تكون لله نقضيها في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس والذهاب للكنيسة لحضور القداسات والاجتماعات. وفي (10) هاتوا جميع العشور= تترجم “كامل العشور” فكان منهم من يأتي ببعض العشور ويحتفظ بالباقي (كما فعل حنانيا وسفير). ليكون في بيتي طعام= أي حتى يجد من يخدمون المذبح طعامهم. وجربوني=هذا هو المكان الوحيد الذي سمح الله فيه بأن نجربه. وهو موقف إيماني، فيه يدفع المؤمن عشوره وينتظر بركة الرب كما فعلت الأرملة مع إيليا، وصنعت له كعكة بكل ما عندنا من دقيق وزيت فحلت البركة في منزلها= إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء= هذه العبارة تشير أن أيام هذا الكلام من النبي، كانت أيام قحط شديد، ولكن الله حين يريد يفيض ببركاته في السماء بغني، وهو يعطي بسخاء ولا يعير (1مل13:17) والله يفتح كوى السماء بالبركة لمن يؤمن، أما من يغضب عليه الله فتنفتح عليه كوى السماء بأشياء أخرى (الطوفان أيام نوح،ونار وكبريت مع سدوم) حتى لا توسع= حتى لا تعود المخازن تتسع للغلال. وهي تترجم أيضاً “حتى لا تعود بعد حاجة” أي من الوفرة. وفي (11) وأنتهر من أجلكم الآكل= أي يوقف الله نمو الحشرات التي تأكل المحصول مثل الجراد. . الخ. فالخليقة كلها خاضعة لأمر الله. ولا يعقر لكم الكرم= لا يعود يتلف. وفي (12) يطوبكم كل الأمم= أي تتكلم عنكم بكل وقار، وتطوب إلهكم الذي أعطاكم كل هذه الخيرات، وتعتبركم شعباً مغبوطاً. والله يريد هذا، أن يرى الآخرون بركته لشعبه، ويروا قداسة شعبه أيضاً، وأن الله باركهم بسبب قداستهم، وهذه طريقة للكرازة. ويبدو أن الشعب قد إلتزم بهذا النداء. راجع (نح 12:13) إن كل يهوذا أتوا بعشر القمح. . “
الآيات (13-15):
“أقوالكم أشتدّت عليّ قال الرب. وقلتم ماذا قلنا عليك. قلتم عبادة الله باطلة وما المنفعة من إننا حفظنا شعائره وأننا سلكنا بالحزن قدام رب الجنود. والآن نحن مطوّبون المستكبرين وأيضاً فاعلو الشر يبنون بل جربوا الله ونجوا. “
كما أن هناك من الشعب من قد إلتزم بنداء النبي إلا أن هناك من إزداد استهزاؤه، بل ربما شددوا أيادي بعضهم البعض في التجديف والله يترك الكل ينموا معاً الحنطة والزوان. وفي (13) أقوالكم اشتدت علىَّ أي كنت قاسية لا تلين وملحة لا تكف. وفي ترجمات أخرى “أقوالكم جريئة علىَّ. هم قالوا كلمات بوقاحة على ملك الملوك واعترضوا على أحكامه أو هم عيروه ولم يخجلوا مما قالوه، وتكلموا بجرأة وكبرياء “وعلى القدير تجبروا” (أي25:15). ماذا قلنا عليك= كلمة قلنا في العبرية جاءت بصورة فعل متبادل، بمعنى أنهم كانوا يتبادلون الكلام على الله. وهم بهذا القول إما يخففون مما قالوه بمنطق “وماذا يضير الله لو كنا قد قلنا كذا وكذا” أو هم ينكرون ما قالوه، ويطالبون النبي بإقامة الدليل. وفي (14) قلتم عبادة الله باطلة=أي أنها تُخضِع الناس للآلام والأحزان، وقد عبدنا الله، فأين الثروات والمكاسب التي حققناها. وأننا سلكنا بالحزن قدام رب الجنود= مع أن الله يريد لشعبه أن يفرح، ولكنهم هم بخرافاتهم جعلوا عبادة الله أمراً شاقاً. والمعنى أنهم يطالبون الله بخيرات زمنية في مقابل عبادتهم. وفي (15) يكررون نفس الكلام بصورة أخرى أن فاعلي الشر هم الذين يستفيدون ويبنون أي تكون لهم ثروات وأن الذين جربوا الله نجوا. مع أن نجاح الأشرار وقتي (مز18:73،19). نطوب المستكبرين= هم بنظرتهم القاصرة ظنوا أن نجاح الأشرار أبدي فطوبوهم.
الآيات (16-18):
“حينئذ كلّم متّقو الرب كل واحد قريبه والرب أصغى وسمع وكتب أمامه سفر تذكرة للذين أتقوا الرب وللمفكرين في أسمه. ويكونون لي قال رب الجنود في اليوم الذي أنا صانع خاصة وأشفق عليهم كما يشفق الإنسان على أبنه الذي يخدمه. فتعودون وتميزون بين الصدّيق والشرير بين من يعبد الله ومن لا يعبده. “
هنا حديث عن قديسي صهيون= متقو الرب. فرأس الحكمة مخافة الله أي أن يتقي الإنسان الله. كلم متقو الرب كل واحد قريبه= تكلموا بالحب عن الله. وقارن مع كلام الأشرار مع بعضهم باستخفاف عن الله = “ماذا قلنا” آية (13). والأتقياء يتكلمون كلام للبنيان ولزيادة الإيمان والقداسة. فكلما إزداد الآخرون شراً، وجب أن نزداد نحن تقوي. وللمفكرين في إسمه= أي أن هؤلاء يتأملون في إسم الرب ومحبته من نحوهم، وهذا يؤدي للتعمق في الشركة مع الله وإثارة عواطف المحبة نحو إسمه. والرب أصغى= فالله يلاحظ كل الأحاديث الطيبة، ولا ينسى محبة شعبه= وكتب أمامه سفر تذكرة. فمن لا ينسى كوب ماء يقدمه أحد، هو بالتأكيد لن ينسى محبة شخص نحوه هو شخصياً. وفي (17) ماذا سوف يعطي الله لهؤلاء المتقين. يكونون لي في اليوم الذي أنا صانع خاصة= أي في يوم الأبدية يكونون لله، خاصة له، شعبه المحبوب المخصوص وفي ترجمات أخرى “في اليوم الذي أنا صانع كنزي الخاص” فالله يعتبر أن من أحبه وأتقاه أنه كنزه الخاص، والله سينجي الأمناء له من الدينونة كما ينجي أحد كنزه الخاص. هؤلاء “يسترهم الله في يوم سخط الرب” (صف3:2) وفي هذا اليوم يجمع الله خاصته من وسط الأقذار التي هم فيها الآن “يرسل ملائكته فيجمعون مختاريه (أي كنزه) من أربع رياح السماء ” (مت31:24) وقوله يكونون لي أي أنه سوف يقدسهم بالكلية ليصبحوا له بالكلية بدون أي إهتمامات جسدية وسيفرزهم عن الذين هم ليسوا له. ويشفق عليهم كما يشفق الإنسان على إبنه الذي يخدمه= أجمل ما أخذناه هو البنوة حيث ننال نصيبنا مع أبانا الذي في السموات. ولاحظ أن كلمة أشفق عليهم تعني أن الله سيتعامل معنا ليس حسب ما نستحق بل بحسب مراحمه، ولكن لاحظ أن على الابن أن يخدم أبيه، أي نعبد الله بروح البنين. فتعودون وتميزون= هناك سيظهر الفرق بين الأبرار والأشرار، في الأبدية، فهؤلاء سيكونون في مجد، وهؤلاء يحترقون (1:4). هذا سيحدث على الرغم من أن الفرق الآن غير واضح بين الأبرار والأشرار على الأرض، ولكن في السماء سيميز الله بين الصديق والشرير، وسيرى الأبرار نتيجة برهم فيفرحون ويسبحون. وهذا الكلام موجه لمن قالوا أن الله لا يميز بين الخير والشر، وأن عبادة الله باطلة، والله يقول لهم أنه هناك سوف تدركون خطأكم. فالذين إتقوا الله يرفعهم الله من المزبلة إلى عرشه، والذين أهانوا الله يلقيهم من على كراسيهم، أي كراسي تنعمهم إلى المزبلة. وهذا تم بصورة رمزية عند حصار أورشليم حيث نجا المسيحيين والباقون هلكوا في مجاعة أولاً ثم في حريق أورشليم، بل صلب منهم حوالي مليون يهودي. وهذا ما سيحدث في ذلك اليوم حيث تنجو البقية التقية. الآن يبدو أن العناية الإلهية لا تفرق بين التقي والشرير. ولكن الفرق هناك خطير، فهو يوم التمييز الكامل بينهما.