يو24:4 الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا

 

 

“اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». “(يو24:4)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

الله روح،

والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا”. (24)

v بقوله “الحقيقيون” يستبعد اليهود والسامريين، لأن هؤلاء اليهود وإن كانوا أفضل من السامريين إلا أنهم أدنى كثيرًا من المزمعين أن يسجدوا “بالروح والحق“…. إن كان الله في الماضي قد سعى إلى مثل هؤلاء… إنما لطفًا وتنازلاً منه حتى يأتي بهم إلى حظيرة الإيمان.

وإن سألت: ومن هم الساجدون الحقيقيون؟ أجبتك: الذين لا يربطون عبادتهم بمكانٍ محددٍ، وهم ينجذبون بالروح. وكما يقول بولس الرسول: “الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه” (رو ١: ٩). وفي موضع آخر يقول: “أطلب إليكم أيها الاخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم الفعلية” (رو ١٢: ١).

قول المسيح للمرأة السامرية: “الله روح” لا يدل على معنى آخر إلا على أنه خالٍ من جسم، لذلك ينبغي أن تكون عبادة للخالي من جسم خالية من جسم أيضًا، وأن نقدمها بما هو فينا خالٍ من جسم، أي أن تكون بروحنا وبنقاوة عقلنا، لذلك قال المسيح: “والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا“.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v لست أتجاسر فأحدّ قدرة اللَّه الكلية أو أقيّدها بشريحة ضيّقة من الأرض، هذا الذي الأرض والسماء لا تسعانه. كل مؤمن يُدان ليس حسب مسكنه هنا أو هناك، وإنما حسب براري إيمانه. العابدون الحقيقيون يعبدون الآب، لا في أورشليم، ولا على جبل جرزيم.

القديس جيروم

v بكونه ابن داود يخضع للزمن وللتدبير والتنازل النسبي، لكن من جهة اللاهوت لا يخضع لزمان ولا لمكان. “جيله من يعلنه؟” (إش 8:53)

اللَّه روح“؛ فذاك الذي هو روح قد وُلد روحيًا بكونه غير جسدي بنسبٍ غير مدرك ولا مفحوص.

الابن نفسه يقول للآب: “قال الرب لي: أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك” هذا “اليوم” ليس زمنيًا بل سرمدي. اليوم هنا غير زمني بل قبل كل الدهور. “من الرحم قبل كوكب الصبح ولدتك” .

القديس كيرلس الأورشليمي

v أي عجب مادام الآب والابن يُقال عنهما أنهما “روح”، الأمر الذي نتحدث عنه بأكثر توسع عند حديثنا عن “وحدة الاسم”…

ليقرأوا أن الآب يُدعى “الروح“، كما يقول للرب في الإنجيل: “لأن اللَّه روح” (24). والمسيح يدعى “الروح“، إذ قال إرميا: “الروح أمام وجهنا، المسـيح الرب”) مرا 20:4) .

القديس أمبروسيوس

v الكلمات: “الله روح” لا تغير الحقيقة أن الروح القدس له اسمه الخاص به، وأنه هو العطية المقدمة لنا. قيل للسامرية التي وضعت حدودًا لله بالجبل أو الهيكل أن الله يحوي كل الأشياء ومُحوى في ذاته، وهو غير منظور ولا مُدرك، يلزم أن يُعبد بوسائل غير منظورة ولا عندما علم المسيح أن الله بكونه الروح يجب أن يعبد بالروح، وأظهر أية حرية ومعرفة ومجالات بلا حدود للسجود في عبادة الله الروح بالروح.

القديس هيلاري اسقف بواتييه

فاصل

تفسير الأب متى المسكين

24:4- اَللَّهُ رُوحٌ. والَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا.

المسيح يرتفع بمفهوم الله ليرتفع بمفهوم الإتصال به. فـ «الله روح» بمعنى أنه لا يدخل في كيانه أي شيء من قياسات العالم المنظور لا الزمان ولا المكان ولا المحدودية، وأهم تركيز هنا هو على المكان, لا أورشليم ولا جرزيم. وقد سبق وقلنا إن الله وضع في الإنسان عنصراً روحياً وهو الروح ليقيم كيانه كمخلوق روحي، ليتسنى له الاتصال بالله والوجود في حضرته دون النظر إلى الزمان أو المكان أو الشكل أو اللغة. لذلك فالعبادة والسجود لله لكي تكون منظورة من الله ولكي يراها ويسمعها ويستجيب لها، يلزم أن تكون من طبيعته بالروح والحق غير ملتزمة لا بزمان ولا بمكان لا بيهود ولا بسامريين. وهنا كلمة «ينبغي» تعني «يلزم إلزاماً» و«يتحتم تحتيماً»، أي لا يمكن أن تقبل عبادة وسجود إلا إذا ارتفعت لمستوى الروح والحق، بمعنى أن لا ترتبط قط لا بأمكنة ولا بأزمنة ولا بأجناس ما.
‏وبنظرة سريعة إلى الخلف، نستطيع أن نحصل على محور التجديد في إنجيل يوحنا في الأمثلة السابقة. فالخمر الجيدة, في قانا، والهيكل الجديد, في أورشليم، والماء والروح والميلاد من فوق عند نيقوديموس, والتعميد بالروح القدس على ضوء المعمدان، والماء الحي والعبادة بالروح والحق للسامرية؛ هذه كلها عناصر الانتقال من الحياة حسب الجسد الى الحياة بحسب الروح, أي عناصر التجديد والخلقة الجديدة التي يرسخ المسيح مفاهيمها بالتدريج. كما أن هذه العناصر جيعها، الخمر والهيكل والميلاد الفوقاني والتعميد بالروح والسجود بالروح والحق، هي المقابل الروحي الحق والمطلق الذي لا تحده حدود بشرية أيا كانت تجاه اليهودية وكل العبادات الأخرى للانسان. هذه ‏هي صورة العهد الجديد للانسان عاد‏ة، التي صارت في محيط «تأتي ساعة وهي الآن» .
‏والعجيب حقاً أن هنا هذه العناصر أو الرموز الحية: الخمر الجديد، الهيكل الجديد، الإنسان الجديد، العبادة بالروح والحق, تتركز في شخص المسيح نفسه: «أنا هو الذي يكلمك»!
‏علينا الأن أن نجسد هذه المعاني المطلقة «بالروح» و«الحق» حتى نفهم كيف يكون السجود بالروح والحق على مستوى حياتنا اليومية وعبادتنا. فالسجود بحد ذاته هو«بالجسد شكلاً» فإذا بقي السجود بشكله الجسدي والعددي فقط فهو لا يُحسب أنه سجود بالروح. ولكن إذا انطلق الإنسان من داخل السجود الجسدي بروحه بإحساس الوجود في حضرة الله، يُحسب سجوداً بالروح. والسجود بالروح له مواصفات روحية تثبت حقيقته. فإن روح الإنسان في حضرة الله تكون خاشعة غاية الخشوع، منضبطة، غيرمشتتة, مطروحة أمام الله، مكشوفة بكل عيوبها وأخطائها, كما تكون الروح في حالة استقبال أكثر من كونها متكلمة وذات مطالب, شديدة التركيز والحساسية للاستماع لتعليمات الله وتوبيخ الروح، أو تقبل التشجيعات الخفية أو الرد على أمثلة روحية للبنيان.
‏كذلك السجود بالروح لا يمنع أن يلتزم بالمواعيد والعدد وأصول السجود. ولكن إذا اكتفى الانسان بالإتقان الشكلي فلن ينتفع شيئاً, وذلك يظهر بوضوح حينما ينهي الإنسان سجوده وعبادته ويخرج كما دخل وذهنه مشغول بأموره الخاصة أو العامة. فعلامة السجود بالروح هي أن يخرج الانسان من حضرة الله مفعماً بمشاعر الرضى والراحة والفرح مهما كانت أموره محزنة. فالحزن والضيقة والألم والشكوى كل هذه يتحتم أن ننفضها عنا قبل الدخول في حضرة الله للسجود. حالة خروجنا من السجود يكشف هل كنا حقاً في حضرة الله, وهل حصل إتصال فعلي أم لا. السجود بالروح في حضرة الله ليس هو واجباً، بل ضرورة روحية كالأكل والشرب والدواء والعلاج تماما بالنسبة للجسد. إذا لم نمارس السجود بالروح ، فالروح تجف ويتعطل عملها، فتنقفل رؤية الإنسان ولا يحس بوجود الله، وقليلاً قليلاً ينكمش الإيمان ويفقد الإنسان حرارة الروح وتبدأ المثل العليا تهتز أمامه، ويزحف الشك على إيمانه، ويفقد الإحساس بصدق الإنجيل والله، ويشك في الحياة الآبدية، لأن أداة الإتصال بالله قد أصبحت عاطلة، أي الروح المرفوعة في الإنسان لهذا الأمر.
‏يلزم أن يفهم الإنسان أن الله وضع فيه الروح كأداة إتصال بالله, فإذا لم ‏تُستخدم تُنزع مواهبها من الإنسان، وروح الإنسان الأمينة والنشطة والملتصقة بالله على الدوام تصير مكان سكنى الروح القدس ومرافقته, فإذا أهمل الإنسان السجود بالروح، لا يعود يحظى بزيارة الروح القدس والنعمة. والخطية تترصده, فتتعتم الرؤيا: «روحك القدوس (يا رب) لا تنزعه مني» (مز11:51). فإن كان الله قد وضع الروح في الإنسان رغبة منه أن يتصل بواسطتها مع الإنسان, إذن أصبح السجود بالروح جزءاً لا يتجزأ من كيان الإنسان بالنسبة لحياته مع الله. لأنه كما أعطي الإنسان الشهية للأكل، كذلك أعطي الروح للعبادة والسجود والصلاة. فإذا كان الإنسان يعرض نفسه للموت إذا لم يأكل, هكذا فهو معرض للموت إذا لم يسجد بالروح. غير أن الموت الروحي لا يشعر به الجسد, والنفس المستهترة لا تعيره اهتماماً. ولكن في نهاية عمر الإنسان يستيقظ ضميره فيرى عظم الخسارة بل المصيبة التي اكتسبها لنفسه بإهمال الإتصال بالله الذي سيذهب ليتراءى أمامه. لذلك فالمرجو أن يختبر الإنسان نفسه بعد كل سجود هل كان بالروح أم لا, وهل اتصل بالله فعلاً أم لا.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (24): “الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا.”

معنى الكلام أن الله لا يدخل في كيانه أي شئ من قياسات العالم المنظور، لا الزمان ولا المكان ولا المحدودية فهو روح. ولكي نعبد الله علينا أن نسجد له بالروح وهنا لا يهم من الذي يسجد لله هل يهود أم سامريين، وأين يسجدون هل في أورشليم أم جرزيم، وهكذا العبادة في المسيحية لا ترتبط بمكان ولا زمان ولا أجناس، بل الكل يسجدون للآب، إذ آمنوا بإبنه المسيح. وحل فيهم الروح القدس ليقودهم في العبادة بالروح. السجود بالروح= (رو9:1) هو عبادة نقدمها لله منقادين بالروح، طالبين مجد الله لا أشياء تافهة لأنفسنا. ليس هو الإنحناء بل هو الشعور بوجود الله والإنسحاق أمامه. شاعراً الإنسان بخطاياه ونجاسته في مقابل قداسة الله وعطاياه ومحبته. مثل هذا السجود يعطي للإنسان أن يقبل توبيخ وتبكيت الروح القدس وأيضاً تشجيعه ويخرج الإنسان من صلاته وهو مملوء سلاماً وقد إزداد إنسحاقاً. وكلما إزداد إنسحاقاً يمتلئ من الروح فيمتلئ فرحاً. ولذلك ينبغي أن ندخل للصلاة ونحن تاركين أحزاننا وضيقاتنا، أو نبدأ صلاتنا بعرضها على الله وطلبنا منه أن يتصرف فيها(أي في ضيقاتنا). ثم نبدأ صلاتنا التي نطلب فيها الله لنعرفه ونمتلئ من الروح فيسهل على الروح أن يقودنا للعبادة التي تفرح قلب الله وتفرحنا. والإتصال بالله هو طعام الروح، إن لم يتم فالروح تجف ويبطل عملها، فلا يعود الإنسان يشعر بوجود الله، بل يشك في الله وفي الحياة الأبدية وذلك لأن أداة الإتصال معطلة. فالله وضع الروح كأداة إتصال بالله، فإمّا أن نستخدمها أو تنزع مواهبها منّا. وروح الإنسان النشطة تصير مكاناً لسكنى الروح القدس ومرافقته. فإذا أهمل الإنسان السجود بالروح لا يعود يحظى بزيارة الروح القدس والنعمة وتترصده الخطية فتتعتم الرؤيا. السجود بالحق= السجود بالروح فيه يملك الروح على القلب فينير فيعرف الحق. فتكون لنا فكرة صحيحة عن الله الذي نقدم له العبادة. ونعرف إرادته وفكره فمن يقدم عبادة لله وقلبه مملوء من الشهوات العالمية والأحقاد وطلب الماديات أو طلب الإنتقام من أحد فهذا ليس سجود بالحق. من يطلب الله لأجل الماديات فقط، لم يفهم أن الله أبدي وأعد لنا مجداً في الأبدية هو الذي يجب أن نتعلق به. السجود بالحق هو أن الله الحق يقودنا لنعبده بالحق فنعرف الحق فنتحرر. ومن يصلي وهو شاعر أن الله لا يمكنه حل مشكلته، هو لا يعبد بالحق، فهو لم يعرف أن الله قدير ولا يعسر عليه أمر. لكن من يصلي طالباً معرفة شخص المسيح القدير بل والتلذذ باللهالله هو الحق) يكون ساجداً بالحق. وكما أعطى الله للإنسان الشهية للأكل أعطى الروح الشهية للعبادة والسجود والصلاة. ومن لا يأكل معرض للموت الجسدي. ومن لا يصلي معرض للموت الروحي ولكن الموت الروحي لا يشعر به الجسد، والنفس المستهترة لا تعيره إهتماماً. والمرأة حين سمعت هذا وجدت ملكوتاً أخر غير ما تسمعه في السامرة.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى