تفسير إنجيل مرقس – المقدمة للقمص تادرس يعقوب ملطي
بسم الآب والابن والروح القدس
الله الواحد. آمين.
في دراستنا لإنجيل معلمنا متى البشير نتذوق بشارة ربنا يسوع المسيح المفرحة التي سبق فأعد لها الله بواسطة أنبيائه القديسين حتى نتقبلها كدخول إلى ملكوته الأبدي، والآن في إنجيل معلمنا مرقس البشير نتمتع بذات البشارة المفرحة من جانب آخر، إذ نرى ربنا يسوع المسيح العامل لحسابنا، خلال خدمته العملية، خاصة قبوله الآلام والصلب أكثر من كلماته وعظاته.
كُتب هذا السفر للرومان المعتزين بالذراع البشري والسلطة الزمنيّة مع العنف وحب التسلط، لذلك جاء هذا السفر يبرز شخص السيد المسيح كصاحب سلطان حقيقي خلال تواضعه وحبه بالآلام والصلب. وكأن روح الله يود أن يسحبنا لكي نسلك بروح ملكنا، فنحمل روح القوة والعمل بالحب والبذل.
هذا وأود أن أشير أننا في تفسير هذا السفر، إذ نلتقي بأحداث تمس حياة السيد المسيح وأعماله سبق الحديث عنها في تفسير “الإنجيل بحسب متى” مستشهدًا بأقوال الكثير من الآباء وددت عدم التكرار، مشيرًا إلى الرجوع إلى التفسير السابق متى اقتضى الأمر، مع عرض مفاهيم جديدة في هذا الكتاب ما استطعت.
القمص تادرس يعقوب ملطي
القديس مار مرقس
نشأته
v وُلد القديس مرقس في القيروان إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا، في بلدة تُدعى ابرياتولس، من أبوين يهوديين من سبط لاوي، اسم والده أرسطوبولس، ووالدته مريم، سيدة تقيّة لها اعتبارها بين المسيحيّين الأولين في أورشليم.
v حمل مار مرقس اسمين (أع 12: 12، 25، 15: 37): يوحنا وهو اسم عبري يعني “يهوه حنان”، ومرقس اسم روماني يعني “مطرقة”.
v كان القديس مرقس يمت بصلة قرابة لبرنابا الرسول بكونه ابن أخته (كو 4: 10)، أو ابن عمه، كما كان والده ابن عم زوجة القديس بطرس الرسول أو ابن عمتها.
v تعلم اليونانيّة واللاتينيّة والعبريّة وأتقنها.
v إذ هجمت بعض القبائل المتبربرة على أملاكهم تركوا القيروان وذهبوا إلى فلسطين، حيث تمتع مع والدته بالسيد المسيح، فقد كانت أمه مريم من النساء اللواتي خدمن السيد من أموالهن. فتحت بيتها ليأكل الفصح مع تلاميذه في العُليّة، وهناك غسل أقدام التلاميذ، وسلمهم سرّ الإفخارستيا، فصارت أول كنيسة مسيحيّة في العالم دشنها السيد بنفسه بحلوله فيها وممارسته سرّ الإفخارستيا. وفي نفس العُلية حلّ الروح القدس على التلاميذ (أع 2: 1-4)، وفيها كانوا يجتمعون.
v كان القديس مرقس أحد السبعين رسولاً الذين اختارهم السيد للخدمة، وقد شهد بذلك العلامة أوريجينوس والقديس أبيفانيوس.
v كان القديس مرقس حاضرًا مع السيد في عرس قانا الجليل، وهو الشاب الذي كان حاملاً الجرة عندما التقى به التلميذان ليُعدا الفصح للسيد (مر 14: 13-14؛ لو 22: 11). وهو أيضًا الشاب الذي ترك إزاره وهرب عاريًا عند القبض على السيد (مر 14: 52).
القديس مار مرقس والأسد
يُرمز للقديس مار مرقس بالأسد، لذلك نجد أهل البندقيّة وهم يستشفعون به جعلوا الأسد رمزًا لهم، وأقاموا أسدًا مجنحًا في ساحة مار مرقس بمدينتهم. ويعلل البعض هذا الرمز للأمور الآتية:
أولاً: قيل أن القديس مرقس اجتذب والده أرسطوبولس للإيمان المسيحي خلال سيرهما معًا في الطريق إلى الأردن حيث فاجأهما أسد ولبوة، فطلب الأب من ابنه أن يهرب بينما يتقدم هو فينشغل به الوحشان، لكن الابن طمأن الأب وصلى إلى السيد المسيح فانشق الوحشان وماتا، فآمن الأب بالسيد المسيح.
ثانيًا: بدأ القديس مرقس إنجيله بقوله: “صوت صارخ في البرية”، وكأنه صوت أسد يدوي في البريّة كملك الحيوانات يهيئ الطريق لمجيء الملك الحقيقي ربنا يسوع المسيح. هذا وإذ جاء الإنجيل يُعلن سلطان السيد المسيح لذلك لاق أن يُرمز له بالأسد، إذ قيل عن السيد أنه “الأسد الخارج من سبط يهوذا“ (رؤ 5: 5).
ثالثًا: يرى القديس أمبروسيوس أن مار مرقس بدأ إنجيله بإعلان سلطان لاهوت السيد المسيح الخادم “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله“ (1: 1)، لذلك بحق يرمز له بالأسد.
كرازته
v بدأ الرسول خدمته مع معلمنا بطرس الرسول في أورشليم واليهوديّة.
v انطلق مع الرسولين بولس وبرنابا في الرحلة التبشيريّة الأولى، وكرز معهما في أنطاكية، لكنه على ما يظن أُصيب بمرض في برجة بمفيليّة فاضطر أن يعود إلى أورشليم.
v إذ بدأ الرسول بولس رحلته التبشيريّة الثانية أصر برنابا الرسول أن يأخذ مرقس، أما بولس الرسول فرفض، حتى فارق أحدهما الآخر، فانطلق بولس ومعه سيلا، أما برنابا فأخذ مرقس وكرزا في قبرص (أع 13: 4-5)، وقد ذهب إلى قبرص مرة ثانية بعد مجمع أورشليم (أع 15: 39).
v اختفت شخصيّة القديس مرقس في سفر الأعمال، إذ سافر إلى مصر وأسس كنيسة الإسكندرية بعد أن ذهب أولاً إلى موطن ميلاده “المدن الخمس” بليبيا، ومن هناك انطلق إلى الواحات ثم صعيد مصر ودخل الإسكندرية عام 61 م من بابها الشرقي.
يروي لنا التاريخ قصة قبول إنيانوس الإيمان المسيحي كأول مصري بالإسكندرية يقبل المسيحيّة. فقد تهرأ حذاء مار مرقس، وإذ ذهب به إلى الإسكافي إنيانوس ليصلحه دخل المخراز في يده فصرخ: “يا الله الواحد”، فشفاه مار مرقس باسم السيد المسيح وبدأ يحدثه عن الإله الواحد، فآمن هو وأهل بيته. وإذ انتشر الإيمان سريعًا بالإسكندرية رسم إنيانوس أسقفًا ومعه ثلاثة كهنة وسبعة شمامسة. هاج الشعب الوثني فاضطر القديس مرقس أن يترك الإسكندرية ليذهب إلى برقة (بليبيا) ومنها إلى روما، حيث التقى بالقديسين بطرس وبولس وبقي معهما حتى استشهادهما عام 64 م.
عاد إلى الإسكندرية عام 65 م ليجد الإيمان المسيحي قد ازدهر، فقرر أن يزور المدن الخمس، وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد هناك في منطقة بوكاليا.
v تعتقد لبنان أن القديس كرز بها، هذا وقد كرز أيضًا بكولوسي (كو 4: 10)، وقد اتخذته البندقيّة شفيعًا لها، واكويلاً من أعمال البندقيّة.
نختم حديثنا عن كرازته بكلمات الرسول بولس وهو يواجه لحظات الاستشهاد: “خذ مرقس واحضره معك لأنه نافع لي للخدمة” (2 تي 4: 11).
مقدمة في
الإنجيل بحسب مرقس
تاريخ ومكان كتابته
أجمع الدارسون على أن إنجيل مار مرقس هو أقدم ما كُتِبَ في الأناجيل، بل وحسبه كثير من الدارسين المصدر الرئيسي الذي استقى منه الإنجيليان متى ولوقا في كتابتهما إنجيليهما.
يرى القديس إيريناؤس أنه كُتب بعد استشهاد القديسين بطرس وبولس. وقد اتجه غالبيّة الدارسين إلى القول بأنه كتب ما بين عام 65 م وعام 70 م.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه كُتِبَ في مصر، بينما نادى البعض بأنه كُتِبَ في روما.
إنجيل مرقس وبطرس الرسول
حاول بعض الدارسين أن ينسبوا إنجيل مرقس إلى بطرس الرسول، متطلعين إلى القديس مرقس ككاتب أو مترجم للقديس بطرس قريبه، وأن هذا الإنجيل ليس إلاَّ مذكرات للرسول بطرس أو عظات سمعها مار مرقس عنه أثناء إقامته معه في روما، سجلها بعد استشهاد القديسين بطرس وبولس.
هذا الرأي ترفضه الكنيسة القبطيّة تمامًا، وقد قام قداسة البابا شنودة الثالث بتفنيده في دراسته التي قدمها عن “القديس مرقس الرسول” بمناسبة مرور 16 قرنًا على استشهاده، لذلك رأيت هنا الاكتفاء بإبراز العناصر الرئيسيّة تاركًا للقارئ أن يرجع لكتاب قداسة البابا.
أولاً: اعتمد هذا الرأي على قول للقديس بابياس عن القديس مرقس وقد ذكر عنه أنه لم يسمع الرب ولا عاينه، إنما تبع الرسول بطرس الذي آمن على يديه. وإن كان قد نقل بعض الآباء هذا الفكر عن بابياس، لكنه رأي خاطئ، فقد شهد كثير من الآباء كما أكّد دارسو التاريخ الكنسي أن مار مرقس عاين الرب وتبعه.
ثانيًا: لم يكن مار مرقس كاتبًا ولا مترجمًا لبطرس الرسول في خدمته في روما كما ادَّعَى البعض، بل إن بطرس الرسول لم يكرز في روما وإنما بولس الرسول هو الذي كرز بها كما يظهر من رسالته إلى روما معلنًا اشتياقه للعمل بينهم (رو 1: 10-11) وفي نفس الرسالة يؤكد أنه لا يبني حيث وضع آخر أساسًا (رو 15: 20)… وكأن بولس وهو كارز للأمم – بينما بطرس كارز لأهل الختان – أراد أن يكون له هذا العمل في روما.
ثالثًا: لو أن مار مرقس سجّل مذكرات بطرس أو عظاته بعد استشهاده لما كان هناك دافع لإخفاء هذه الحقيقة، وكان يجب أن يشير القديس مرقس إلى ذلك، على الأقل من قبيل أمانته وتواضعه.
رابعًا: علل البعض أنها مذكرات بطرس بحجة أنها تحوي ضعفات بطرس وتغفل ما يمجده، وأن بطرس الرسول فعل هذا من قبيل تواضعه. ويُرد ذلك بالآتي:
1. أن كاتبي الأسفار فوق المستوى الشخصي عند كتابتهم للأسفار، لذلك نجد موسى النبي يسجل بيده: “وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض“ (عد 12: 3). وقد ذكر في أسفاره المعجزات التي صنعها الله على يديه، وظهور الله له، وأحاديثه معه، وقبول الله شفاعته، ومديح الله له، ولم يمنعه تواضعه من ذكر هذه الأمور. وفي نفس الوقت ذكر أيضًا ضعفاته كيف كان ثقيل الفم واللسان (خر 4: 10)، وذكر خطيّته ومنع الله له من دخول أرض الموعد… إنهم كتبوا “مسوقين من الروح القدس” (2 بط 1: 21).
وفي العهد الجديد نجد القديس يوحنا الحبيب لم يغفل وقوفه عند الصليب، ومخاطبة الرب له، وتسليمه أمه له (يو 19: 25-27)، ملقبًا نفسه “التلميذ الذي يسوع يحبه“، والذي “يتكئ في حضن يسوع” (يو 13: 3، 25).
2. لم يغفل مار مرقس الرسول مديحه لبطرس الرسول، فذكر دعوة الرب له كأول دعوة (1: 16-20)، ووضع اسمه في مقدمة أسماء الرسل (3: 16)، وذكر أن الرب دخل بيته وشفي حماته كأول معجزة ذكرها مار مرقس للرب (1: 29-31)… وذكر قول بطرس الرسول: “ها قد تركنا كل شيء وتبعناك” (10: 28)، وذكره في مناسبات كثيرة مع يعقوب ويوحنا (5: 37، 9: 2-8، 14: 32).
خامسًا: علل بعض الدارسين أنها مذكرات بطرس لما حملته من شواهد داخليّة أن الكاتب شاهد عيان لكثير من الأحداث، فإن عرفنا القديس مار مرقس أحد السبعين رسولاً الذين اختارهم الرب ومركز والدته بين تابعي المسيح لأدركنا أن كثيرًا من الأحداث عرفها الرسول بنفسه أو خلال التلاميذ والرسل أو والدته أو من كانوا محيطين بالسيد.
سماته
أولاً: عرف المسيحيون الأُوَل كلمة “إنجيل” بمعنى “أخبار مفرحة للعالم”، وقد سبق لنا الحديث عن كلمة “إنجيل” في دراستنا للإنجيل حسب معلمنا متى البشير، أما القديس مرقس فكما يرى غالبيّة الدارسين هو أول من استخدم هذا التعبير ليقصد به السفر نفسه الذي يعرض حياة السيد المسيح كأخبار مفرحة للعالم. ويبدو أن هذه الكلمة كانت محببة جدًا لنفس هذا القديس، فنجده يضعها عنوانًا للسفر بقوله: “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله” (1: 1). كما كرَّر التعبير في أكثر من موضع، فحين تحدث عن حمل الصليب ذكر قول السيد: “من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها” (8: 35)، بينما لم يذكر الإنجيليان متى ولوقا تعبير “الإنجيل” في نفس الموضع (مت 16: 25؛ لو 9: 24). وأيضًا حين أورد حديث السيد المسيح عن الترك، قال: “ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل إلاَّ ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان… وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية” (10: 29)، وأيضًا لم يذكر متى الإنجيلي تعبير “إنجيل” في نفس الموضع (مت 19: 29).
كثيرًا ما كرر كلمة “إنجيل (بشارة)” (1: 14-15، 14: 9)، فإذ كرز بين الأمم الوثنيين والفلاسفة خاصة في مدينة الإسكندرية كان لهذه الكلمة طعمًا خاصًا لديه، فقد شعر بالفرح الحقيقي الذي انفتح بابه على الأمم بمجيء السيد المسيح وتقديمه ذبيحة الصليب كسّر مصالحة الأمم والشعوب مع الله.
ثانيًا: إذ كتب القديس مرقس إنجيله للرومان نجده يتبع الآتي:
1. يترجم الكلمات الآرامية التي لا يفهمها الرومان مثل “بوانرجس” (3: 17)، “طليثا” (5: 14)، “قربان” (7: 14)، “أفثا” (7: 34)، “إلوي، إلوي، لما شبقتني” (15: 34)، “جلجثة” (15: 21)… فلو أنه كان يكتب لليهود لما كانت هناك حاجة لشرح معنى هذه الكلمات، إذ هي معروفة ودارجة عندهم.
2. يشرح العادات اليهوديّة وأماكنهم وطوائفهم، الأمور التي يعرفها اليهود دون الرومان، فيوضح مفهوم النجاسة عند الفريسيّين واهتمامهم بالغسالات الخارجيّة (7: 2-4)، وعادة ذبح الفصح في اليوم الأول من الفطير (14: 12)، ومعنى كلمة “الاستعداد” (15: 42)، وإنكار الصدوقيّين للقيامة (12: 18). كما يسبق كلمة “الأردن” بكلمة “نهر” (1: 5)، ويوضح أن جبل الزيتون هو تجاه الهيكل (13: 3)، وأن بيت فاجي وبيت عنيا قريبتان من أورشليم (11: 1).
3. إذ كتب البشير متى لليهود اقتبس الكثير من العهد القديم، أما البشير مرقس فلم يقتبس الكثير إذ هو يكتب للأمم.
4. لم يكتب القديس مرقس لليهود كرجال متدينين ولا لليونان كرجال فلسفة وفكر، وإنما للرومان وهم رجال عمل، لذلك جاء السفر صغيرًا في حجمه بلا مقدمات، اهتم بإبراز السيد المسيح في أعماله المستمرة أكثر منه في عظاته أو خطاباته.
5. آمن الرومان بالقوة والسلطة كأصحاب سيادة في العالم في ذلك الحين، لذلك حدثهم الإنجيلي مرقس عن السيد المسيح كصاحب سلطان حقيقي، وقد ظهر هذا الخط واضحًا في السفر كله من بدايته حتى نهايته، فيظهر سلطانه على الشياطين (1: 27) وعلى الأمراض (1: 42) وعلى الطبيعة (4: 39-41) وعلى النباتات (11: 12-20). له سلطان في الهيكل (11: 33)، وأيضًا على السبت كرب السبت (2: 28). بسلطانه الحق يعرف أسرار الأفكار(2: 8) ويعلن عن أسرار المستقبل (ص 13)، قادر بسلطانه أن يشبع الجماهير (6: 33-44، 8: 1-9).
آمن الرومان بالسيادة خلال العنف والكبرياء مع الاغتصاب، أما الإنجيلي فيعلن سلطان السيد المسيح خلال التواضع وخدمة الآخرين (9: 33، 10: 35، 45)، وقد جاءت فكرة الألم والصليب تسود السفر كله، فقد استوعبت آلام السيد حوالي ثلث السفر، وإن كان السفر ككل هو تهيئة للنفس لقبول المسيح الملك خلال الألم!
6. قدم الإنجيلي مرقس هيرودس كعينه لملوكهم الذين يجتمع حولهم المتملقون للهو والرقص مع اتسامه بالعنف والقتل ظلمًا، بينما يقدم السيد المسيح الذي يملك ببشارة الملكوت، يجتذب النفس ويرويها فتبهر به. لذلك كثيرًا ما يُعلن الإنجيلي عن التفاف الجماهير حول السيد (1: 28، 33، 45؛ 2: 1-2؛ 3: 7-9؛ 4: 1-2؛ 6: 32-34؛ 7: 24؛ 9: 15؛ 5: 24). الكل يجري إليه حتى إن انفرد في موضع خلاء (6: 32-34) أو أراد أن يختفي في بيت (7: 24). ما أكثر المواضع التي أعلن فيها الإنجيلي أن الجماهير قد بُهتت إلى الغاية (1: 22، 27؛ 4: 41؛ 6: 51؛ 10: 24-26). إنه لا يفرض نفسه على الغير إنما يجتذب بحبه وتواضعه قلوب الكثيرين.
7. ربما ركز الإنجيلي على إبراز الصراع بين السيد المسيح واليهود بطوائفهم ليشجع الرومان على قبول ذاك الذي رفضه اليهود، خاصة وأن السيد المسيح لم يقف ضعيفًا أمام مقاوميه من اليهود، بل كان يفحمهم. وحين صلبوه لم يفعلوا هذا عن ضعف من جانبه، إذ سبق فأعلن لتلاميذه عن صلبه، مؤكدًا ذلك ثلاث مرات (8: 31؛ 9: 31؛ 10: 33-34)، موضحًا أنه يقوم من الأموات ويأتي بمجد أبيه مع الملائكة القديسين (8: 38)، ويأتي على سحاب السماء (14: 62).
ومن جانب آخر أوضح اتجاه السيد نحو الأمم (7: 24-30، 11: 17، 13: 10، 16: 15). وقد جاءت الوصيّة الأخيرة: “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها“ (16: 15).
8. إذ وجه القديس مرقس إنجيله للرومان كشف عن جامعية رسالة الإنجيل لتضم الأمم أيضًا، لذلك كثيرًا ما يستخدم التعبيرين “كل“، “جميع” (1: 5، 28، 33، 39؛ 2: 13؛ 4: 1؛ 6: 33، 39، 41، 55؛ 13: 10).
أخيرًا نردد ما قاله أحد الدارسين: “يظهر مرقس كلاهوتي خلاّق عاش وسط جماعة مسيحيّة من أصل أممي، لكنها لم تكن معتزلة عن اليهوديّة تمامًا، لها ثقافتها الخاصة النامية”.
ثالثًا: إن كانت كلمة “إنجيل” محببة للغاية لدى القديس مرقس الإنجيلي، فإن الإيمان هو طريق التمتع بالإنجيل. وقد أبرز السفر بقوة كيف أن الإيمان هو طريق التمتع بالبركات الزمنيّة والروحيّة، وأن عدم إيمان الشعب حجب عنهم عمل السيد المسيح (6: 1-6). ويرى بعض الدارسين أن السيد المسيح يظهر في هذا السفر كمن كرس حياته لإيقاظ إيمان الناس.
رابعًا: السفر الذي بين أيدينا هو “إنجيل المسيح المتألم” يهيئ النفس لقبول إنجيل المسيح المتألم، لذلك احتلت أقوال السيد المسيح عن الألم مركزًا أساسيًا. فقد تحدث السيد عن آلامه بوضوح وفي صراحة في ثلاثة مواضع.
1. في قيصريّة فيلبس (8: 31).
2. في تحركه نحو الجليل (9: 31).
3. في طريقه إلى المدينة المقدسة (10: 33-34).
قوبل السيد المسيح في كل مرة، إما بالانتهار كما من سمعان بطرس، أو بالخوف وعدم الفهم من جانب التلاميذ، فقد كان سرّ الصليب غير مدرك بعد، بالرغم من أن السيد مهّد له مبكرًا في أكثر من موضع (راجع 2: 20؛ 3: 6؛ 6: 1-6؛ 6: 14-29).
ويلاحظ أن إعلانات السيد المسيح عن الآلام ضمنت ثلاثة عناصر:
1. دعوته نفسه أنه “ابن الإنسان” (8: 31، 9: 31، 10: 45). فإن كان الإنجيلي قد افتتح السفر بإعلان أن السيد المسيح هو “ابن الله” (1: 1)، فقد صار ابن الله ابن الإنسان ليُسلم نفسه في أيديّ بني الناس حتى تتحقق فيه إرادة أبيه (صلبه).
2. تأكيد أنه يُقتل (8: 31؛ 9: 31؛ 10: 34)، فقد جاء إلى العالم متجسدًا لهذه الغاية… تسليم نفسه ذبيحة، إذ هو الطريق الوحيد لإعلان محبته الخلاصيّة.
3. تأكيد أنه بعد 3 أيام يقوم، فإنه لا يموت عن ضعف بل ليقيمنا معه.
في دراستنا لصُلب السفر سيظهر بمشيئة الله الألم واضحًا للغاية عبر السفر كله، فإن تحدث عن مثل الكرم والكرامين أبرز أن الكرامين يضمرون قتل الوارث (12: 7)، كما يعلن السيد عن نفسه أنه حجر الزاوية المرفوض (12: 10)، وإن قدمت امرأة قارورة طيب ناردين تسكبه على رأسه إنما ليُعلن السيد: “قد سبقت ودهنت بالطيب جسدي للتكفين” (14: 8) الخ.
رأي بعض الدارسين السفر كله يدور حول آلام السيد المسيح وتذوقه مرارة الموت، فعلق أحدهم، قائلاً: “الإنجيل في كُليته هو شرح كيف جُرب يسوع”، وقال آخر أنه في مجمله عرض لآلام المسيح، إما خلال تجارب مباشرة من الشيطان أو خلال مصادر بشريّة.
هذه السمة دفعت البعض للاعتقاد بأن القديس مرقس كتب السفر لجماعة مسيحيّة متألمة، تقع تحت نير الاضطهاد، فقد هدف به إلى الكشف عن التزامها بممارسة شركة الآلام مع مسيحها المتألم والذي يدعو تلاميذه لقبول الآلام. لقب البعض هذا السفر “إنجيل الشهيد“، أي الإنجيل الذي وُضع لمساندة المسيحي وهو يواجه الاستشهاد وتشجيعه على ذلك. حقًا إنه لم يشرح فلسفة الألم، لا في حياة السيد المسيح، ولا في حياة تلاميذه كما في رسائل معلمنا بولس الرسول، لكنه أكَّد الالتزام بقبول الألم حسب المقاصد الإلهيّة.
خامسًا: إن كان معلمنا مرقس في إنجيله يكشف عن شخص ربنا يسوع بكونه العامل بلا انقطاع لحسابنا، فيورد 16 قصة عن معجزاته بخلاف تأكيده أنه شفي كثيرين وأخرج شياطين كثيرة (1: 34-39؛ 3: 10-11) لكن السفر في كُليته جاء يعلن ما قاله السيد: “لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم لن يُعطى هذا الجيل آية” (8: 12).
يميز البعض بين عمل المعجزات سواء خلال الأشْفِية وإخراج الشياطين وبين تقديم آية أو علامة من السماء. فالمعجزات قدمها السيد من قبيل حبه وترفقه إذ رأي شعبه في حاجة لمن يسندهم، فما قدمه السيد إنما هو حنانه، وقد أبرز القديس مرقس الإنجيلي مشاعر السيد المسيح نحو شعبه، إذ كثيرًا ما يقول “تحنن عليهم” أو احتضن الأولاد الخ. أما الآية التي كان الفريسيون يطلبونها وأيضًا هيرودس حين وقف أمامه إنما يقصد بها تحقيق عمل خارق بقصد الاستعراض، الأمر الذي رفضه السيد المسيح تمامًا، إذ يلاحظ في هذا السفر الآتي:
1. تبع رفضه عمل آية حديثه مع تلاميذه أن يتحرزوا من خمير الفريسيّين وخمير هيرودس (8: 15)، ففكروا قائلين بعضهم لبعض: ليس عندنا خبز، مع أن الإنجيلي يقول “لم يكن معهم في السفينة إلاَّ رغيف واحد” (8: 14). وكأن الآية كانت بين أيديهم ولم يدركوها، إذ كان السيد المسيح هو “الرغيف الواحد” المكسور لأجلهم وهم لا يعلمون. لذا وبخهم السيد على عدم فهمهم (8: 17-21). فالآية الحقيقيّة غير المنظورة هي “العمل الإفخارستي” أو الخبز المكسور الذي قدمه لهم .
2. يرى بعض الدارسين أن السيد رفض تقديم آية من السماء، إذ يريد أن يركز أنظارهم عليه، فيقول أحدهم: “يسوع نفسه هو الآية الوحيدة للإنجيل… يليق بنا ألا نطلب معجزة أو آية منفصلة عن يسوع نفسه”. لعل هذا الفكر جاء مستندًا على قول النبي: “ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل” (إش 7: 14). هذه الآية التي اشتهى أن يتمتع بها الأنبياء: الالتقاء مع كلمة الله المتجسد ربنا يسوع!
3. رفض تقديم آية استعراضية، إذ جاء يطلب “الإيمان”، وكما رأينا أن إنجيل مار مرقس يدور حول الإيمان الذي يقوم على الثقة في المسيح القادر أن يشبع احتياجاتنا الداخليّة، لا الإيمان القائم على علامات وآيات منظورة. وإن كانت الجموع التي تعجب به وتُبهر منه (6: 2)، سرعان ما تقاومه قائلين: “من أين لهذا هذه؟ وما هذه الحكمة التي أُعطيت له حتى تجرى على يديه قوات مثل هذه؟ أليس هذا هو النجار ابن مريم…؟” (6: 2-3). فالإيمان إذن لا يقوم على مجرد أن يُبهر الإنسان بآية أو معجزة، وإنما يقوم على اتكاء صادق على صدر الرب المشبع للنفس.
4. طلب رؤساء الكهنة مع الكتبة آية في لحظات الصلب، قائلين: “لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب لنرى ونؤمن” (15: 32) طلبوا آية منظورة أن ينزل عن الصليب، خلالها يؤمنون به، ولم يدركوا أنه لو فعل ذلك لبهرهم كما لو كان إنسانا فائقًا للطبيعة “سوبرمان” ولكن ما كان يحقق عمله بكونه المسيح ملك اليهود روحيًا! رفض السيد أن يتمم آية منظورة بنزوله عن الصليب، فإذا به يجتذب خلال مجد الصليب قلب اللص اليمين وأيضًا قائد المائة ويشق حجاب الهيكل. أضاء مجد الصليب، لا ليبهر الناس، إنما ليجتذب ملايين النفوس إلى الإيمان، وكأن الصليب قد صار الإعلان الحقيقي والعلامة أو الآية التي تمت لا بنزوله عنه، وإنما بإعلان حبه وتواضعه وبذله حتى الموت ليقيمنا من موتنا.
ما فعله هنا رؤساء الكهنة والكتبة، إنما هو امتداد لحديث عدو الخير مع السيد المسيح الذي طلب منه أن يلقي بنفسه من جناح الهيكل ليبهر الجماهير فتؤمن به. لكن طريق السيد المسيح هو طريق الصليب لا إبهار الناس بعلامات فائقة!
5. حقًا قبيل صلبه قدَّم لتلاميذه آية هي تجليه أمامهم، لكنه حتى في هذا العمل لم يهدف نحو تقديم آية باهرة وإنما كشف حقائق إيمانيّة تمس حياتهم معه، فلو أراد إبهار الناس لحقق التجلي، لا أمام ثلاثة من تلاميذه أو حتى جميع تلاميذه ورسله، وإنما بالحري كان يتجلى أمام الجماهير غير المحصيّة ليبهرهم بمجده. بمعنى آخر ما قدمه في التجلي ليس آية ليبهر الناظرين إنما عطيّة وإعلان إلهي وكشف. أمور تُقَدَّم لمن يلتقي معه في حياة سريّة خفيّة داخليّة، ينعم بها ليمارس الحياة السماويّة الفائقة. في كلمات أخرى لم يقدم التجلي لينال السيد دهشة الغير وإعجابهم، وإنما ليسحب قلوبهم إلى حياة الشركة مع الآب في ابنه بالروح القدس كحياة عمليّة وخبرة صادقة.
وحين التقت المرأة نازفة الدم بالسيد تمتعت بقوة خرجت منه (5: 30)، لا خلال علامة أو آية ظاهرة تمتعت بها، وإنما خلال إيمانها بالقادر أن يشفي.
6. أخيرًا إن كان السيد قد رفض تقديم آية من السماء أو علامة يؤكد بها شخصه، فإن أضداد المسيح والأنبياء الكذبة على العكس يقدمون الآيات ليخدعوا إن أمكن حتى المختارين (13: 21-23).
سادسًا: استدعى نظر بعض الدارسين أن الإنجيلي مرقس عبَّر عن اعتقاده بأن السيد المسيح قد أراد أن تبقى طبيعته بكونه المسيح ابن الله سرًا لا يود إعلانها حتى قيامته. فقد جاء تحليل W. Wrede لإنجيل مرقس يرتكز على أربعة أمور رئيسيّة هي أن السيد رفض الإفصاح عن سره أنه المسيح مدة خدمته على الأرض، وإنه أعلن هذا السرّ لتلاميذه دون الجماهير. مع ذلك حتى التلاميذ لم يستطيعوا إدراكه، وأن الشياطين قد عرفته، لكنه كان ينتهرها، ولم يدعها تشهد له، وأن أعمال الشفاء التي صنعها كانت تعلن عن هذا السرّ، لهذا كثيرًا ما كان يطلب من المتمتعين بالشفاء ألاَّ يُعلنوا ذلك.
رأى دارس آخر إن عقيدة الإنجيلي مرقس بخصوص سريّة طبيعة السيد المسيح وإخفاء السيد لها تظهر من العلامات التالية:
أ. إذ عرفته الشياطين منعها من الإخبار عنه (1: 25، 34؛ 3: 12).
ب. كان السيد المسيح يتجنب الإعلان عن معجزاته وأشفيته (1: 44؛ 5: 43؛ 7: 36؛ 8: 26) إلاَّ في حالة واحدة إذ كان المتمتع بالشفاء غالبًا أمميًا أو يسكن بين الأمم (5: 19-20).
ج. يميل السيد في الغالب إلى الانسحاب من الجماهير (1: 35؛ 3: 7؛ 4: 35؛ 6: 31؛ 7: 24؛ 8: 27؛ 9: 30).
د. رفضه تقديم آية لذلك الجيل (8: 21).
ه. في أكثر من مرة كان يقدم تعليمًا خاصًا لتلاميذه على انفراد (4: 33-34؛ 7: 17-23؛ 9: 28-31)، أما أمثاله التي يقدمها للجماهير، فكانت تحمل معانٍ سريّة غير مدركة (4: 10-13).
و. عدم إدراك الجماهير لأمثاله سره قسوة قلب الشعب اليهودي أو على الأقل قسوة قلب قادتهم (3: 5؛ 7: 6-7).
ز. رفض السيد المسيح الإعلان عن طبيعته حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات (8: 30؛ 9: 9).
ولعل سرّ إخفائه لطبيعته يقوم على أساس روحي، وهو أن السيد المسيح صاحب السلطان الحقيقي لا يطلب أمجادًا زمنيّة، بل سلك في تواضع، حتى متى قام يكشف عن طبيعته، لا ليتمجد ظاهريًا، وإنما لكي يمجد الذين يؤمنون به، ويتمتعون بقوة قيامته أو بحياته المقامة عاملة فيهم. ومن جانب آخر، لعل إخفاءه الأمر كان لكي تتم مقاصده الإلهيّة من جهة صلبه،إذ يقول الرسول بولس عن اليهود أنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1 كو2: 8).
سابعًا: إن كان هذا السفر قد أبرز شخص السيد المسيح كخادم البشريّة فقد جاء كمعلم لا بالعظات والوصايا فحسب وإنما بالحب العملي والحنان الإلهي في قوة وسلطان، يجتذب النفوس إليه. وردت كلمة “يُعَلِّم” باليونانيّة “ديدسقلون” في هذا السفر أكثر من أي سفر آخر في العهد الجديد، إذ تكرر هذا الفعل 15 مرة، كما دُعي السيد المسيح معلمًا 12 مرة، ليس فقط من السيد نفسه (14: 14) ومن تلاميذه وجموع الشعب، وإنما حتى من المقاومين له كالفريسيّين والهيرودسيّين والصدوقيّين والكتبة.
قدَّمه لنا هذا السفر معلمًا يتحرك في كل اتجاه تارة يعلم في المجمع والهيكل (1: 21؛ 6: 2؛ 11: 7؛ 12: 35؛ 14: 39)، وثانية نحو الجموع (2: 13-14؛ 6: 34؛ 10: 1)، وثالثة نحو تلاميذه (6: 30).
في تعليمه لم يستخدم النظام الخاص بالحاخامات، فيتبعه تلاميذه كحاخام أو رباني جديد يسمعون له، وإنما يعيشون معه ويصاحبونه في شركة عمليّة.
أما موضوع تعليمه الرئيسي فهو ليس مجموعة من التعاليم والوصايا بقدر ما هي تقديم نفسه ليقبلونه، وان كانوا لم يتعرفوا عليه حقًا إلاَّ بعد قيامته. لقد قدم نفسه كمتألمٍ، وحثَّهم على الشركة معه في آلامه (8: 34؛ 9: 31؛ 10: 32 الخ.). هذا هو موضوع تعليمه لهم، وهو المكافأة، يقبلونه في حياتهم بصليبه وآلامه.
أخيرًا فإنه كمعلمٍ جاء فريدًا في سلطانه، فإن كان اليهود كما الأمم قد اعتقدوا أن صراعًا مرًا يقوم بين الخالق وقوى الشر الخفيّة الفائقة، جاء السيد يطرد بسلطان الأرواح الشريرة، مطهرًا الخليقة التي استخدمها عدو الخير مراكز عمل له. لقد غلب قوى الشر الخفيّة، وطردها من خليقته، أما غلبته على القيادات اليهوديّة المقاومة وإفحامهم، إنما لكونها وكالات عمل لحساب قوى الشر.
بهذا يكون هذا السفر في جوهره ليس عرضًا لحياة المعلم، بل هو إنجيل الغلبة على قوات الشر وخلاص الخليقة من سلطانها خلال التمتع بالمعلم شخصيًا كغالبٍ ومنتصرٍ!
ثامنًا: إن كان الإنجيل بحسب مرقس قد اتسم بالاختصار الشديد، لكنه في نفس الوقت اتسم بالتدقيق والتوضيح، فيذكر أن متى العشار هو ابن حلفي (2: 14)، وبارتيماوس الأعمى ابن تيماوس (10: 46)، وسمعان القيرواني هو أبو الكسندروس وروفس (5: 21). وعندما يصف معجزة إشباع الجموع يدقق أنهم اتكأوا مئة مئة، خمسين خمسين (6: 39-40). كما دقق في إعلان مشاعر السيد المسيح كمن كان معاينًا لتصرفاته مدركًا أنه محب البشر. يكشف عنه إنه يشاركنا عواطفنا وأحاسيسنا كمن هو قريب منا جدًا، فيقول عنه أن تحنن (1: 2)، وأشفق (8: 2)، وانتهر (1: 43)، ونظر إلى الشاب وأحبه (10: 21)، واحتضن الأولاد (9: 36، 10: 16).
تاسعًا: كان مغرمًا باستخدام التعبيرين: “للوقت” و”في الحال“، ليضع في نفس القارئ ذات الأثر الذي يشعر هو به. كما استخدم صيغة المضارع في سرد بعض الأحداث ليجعل منها واقعًا يحمل حركة مستمرة.
عاشرًا: انفرد بذكر معجزتين هما: شفاء الأصم الأعقد (7: 31-37)، وتفتيح عيني أعمى بيت صيدا (8: 22-26)، كما انفرد بذكر مثل الحقل الذي ينمو زرعه دون أن يدري الزارع كيفيّة نموه (4: 26-29).
أقسامه ومحتوياته
1. بدء الخدمة 1: 1-13.
2. خدمته في الجليل 1: 14- 6: 30.
3. انسحابه من الجليل 6: 31- 9: 50.
4. خدمته في بيرية 10.
5. خدمته في أورشليم 11-13.
6. آلام السيد وقيامته 14-16.
فهرس | إنجيل مرقس | تفسير إنجيل مرقس | تفسير العهد الجديد | تفسير مرقس 1 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | ||||
تفاسير إنجيل مرقس | تفاسير العهد الجديد |