تفسير إنجيل مرقس – مقدمة للقس أنطونيوس فكري

1- مَنْ هو القديس مرقس؟

وُلِدَ القديس مرقس في القيروان إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا، من أبوين يهوديين واسم والده أرسطوبولوس ووالدته مريم امرأة تقية لها اعتبارها بين المسيحيين الأولين في أورشليم. وحمل مارمرقس اسم يوحنا أيضًا (أع12:12) وهو ابن أخت برنابا رفيق خدمة بولس الرسول. ووالده ابن عم زوجة القديس بطرس أو ابن عمتها (القيروان هي مدينة كيريني أو سيريني Cyrene).

وإذ هجمت بعض القبائل المتبربرة على أملاكهم تركوا القيروان إلى فلسطين حيث تمتع مع والدته بالسيد المسيح، فقد كانت أمه من النساء اللواتي خدمن السيد من أموالهن. وفي بيت مارمرقس أكل السيد الفصح مع تلاميذه في العلية، وهناك غسل أقدامهم وسلمهم سر الإفخارستيا وفيها حلَّ الروح القدس على التلاميذ فصارت هذه العلية في بيت مارمرقس أول كنيسة. وكان مرقس من السبعين رسولًا.

وكان مارمرقس هو الشاب الذي كان حاملًا الجرة عندما التقى به التلميذان ليعدا الفصح للسيد (مر13:14-14) وهو الشاب الذي ترك إزاره وهرب عاريًا عند القبض على السيد (مر52:14). (مرقس هو اسم روماني ويوحنا اسمه العبري).

ويرمز لمارمرقس بالأسد، إذ اجتذب أبيه للإيمان حين هاجمهما أسد ولبؤة أثناء سيرهما في الطريق إلى الأردن وبصلاة مارمرقس انشق الوحشان. كما بدأ القديس مرقس إنجيله بقوله “صوت صارخ في البرية” وكأنه صوت أسد يمهد لمجيء السيد المسيح “الأسد الخارج من سبط يهوذا” (رؤ5:5)

بدأ خدمته مع بطرس في أورشليم واليهودية ثم مع بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى وكرز معهما في إنطاكية، ولظروف ما عاد إلى أورشليم. وفي بدء رحلة بولس الرسول الثانية أصر بولس على عدم اصطحاب مرقس معه فانفصل عنه برنابا وذهب برنابا مع مرقس وأخذ بولس معه سيلا (أع4:13-5+ 39:15-40) “كان يوحنا خادمًا” كلمة خادم في أصلها اللغوي معلم مدرسة فهو يعلم ويعد الناس للمعمودية. ثم اختفت شخصية مارمرقس من سفر الأعمال إذ ذهب ليكرز بعد انفصاله عن بولس مع برنابا إلى قبرص ثم انفصل عن برنابا وذهب ليكرز في الخمس مدن ثم جاء ليكرز في مصر. وأسس كنيسة الإسكندرية. ورسم إنيانوس ليصير أول بطريرك مصري على الكرسي الإسكندري. ولما هاج الشعب الوثني عليه ترك الإسكندرية وذهب إلى ليبيا ومنها إلى روما حيث إلتقى بالقديسين بطرس وبولس وبقى معهما حتى استشهادهما سنة 64 م. وعاد سنة 65 م. ليجد الإيمان المسيحي قد ازدهر فقرر أن يزور المدن الخمس وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد فيها.

2- تسلم عليكم التي في بابل.. ومرقس ابني (1 بط 13:5)

من هنا نرى أن رسالة بطرس الأولى كتبت من مكان يسميه بابل وكان معه مرقس. والأخوة الكاثوليك يرون أن بابل هي روما وأن مرقس هو تلميذ لبطرس ولكنه لم يرى المسيح بل هو مجرد مسجل لما يقوله بطرس والرد على ذلك، أن بيت مارمرقس كان أول كنيسة وكان هو من السبعين رسولًا. وبابل ليست هي روما:

1- ما الداعي لأن بطرس لا يذكرها صراحة باسم روما.

2- ثابت تاريخيًا أن بطرس وصل لروما في آخر حياته، ولم يكن هناك فترة لكتابة رسالتين.

3- ترتيب الولايات كما جاءت في الرسالة من الشرق للغرب لذلك فمن المرجح أن بطرس كتب رسالته الأولى من مكان ما بالشرق.

ويرجح أن يكون هذا المكان هو مصر التي تسمى بابلون أي مصر القديمة وقد كانت قبلا موطنًا لجماعة من اليهود ومقر عسكري روماني لا تزال أثاره باقية للآن وهذا الرأي تسنده التقاليد التاريخية التي تقول بأن مرقس الرسول قدم إلى مصر سنة 61 أو 62م. وهناك رأي أخر أن مرقس حين ترك الإسكندرية ذهب إلى بطرس في مكان فيه تجمع يهودي باسم بابل (وقد يكون بالعراق) حيث كتب بطرس رسالته من هناك.

 أما قصة خلاف بولس مع مرقس فانتهت بل قال بولس أنه نافع للخدمة (2تي11:4).

4- وقد يكون أن بطرس بعد أن حاول هيرودس قتله وأنقذه الملاك، يقول الكتاب أنه “خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ” (أع17:12). وهذا الموضع الآخر قد يكون بابل فعلا أي العراق التي كان يوجد بها وقت المسيح جالية يهودية تقدر بحوالي خمسة ملايين يهودي. هؤلاء هم الذين لم يرجعوا من بابل بعد أن سمح لهم كورش بالعودة إذ كانوا قد إستقروا في بابل وصار لهم بيوتهم بل صار لهم مغنين ومغنيات (عز65:2+نح67:7). وهذا هو المرجح فبطرس هو رسول الختان كما يقول بولس الرسول ” بَلْ بِٱلْعَكْسِ، إِذْ رَأَوْا أَنِّي ٱؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ ٱلْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ ٱلْخِتَانِ” (غل7:2).

3- أجمع الدارسون أن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل:

وكان المصدر الرئيسي لكلا الإنجيليين متى ولوقا. ويرى البعض أنه كتب في مصر والبعض الآخر يرى أنه كتب في روما. والكنيسة القبطية ترفض فكر الكاثوليك بأن مرقس ما هو إلا كاتب مذكرات بطرس (راجع كتاب البابا شنوده الثالث).

4- إذ كتب مارمرقس للرومان نجد:

‌أ- يترجم الكلمات الآرامية التي لا يفهمها الرومان مثل بوانرجس (مر 17:3) وطليثا (مر 41:5) وقربان (مر 11:7) وإفثا (مر 34:7) Ἐφφαθά وإلوي إلوي (مر 34:15) وجلجثة (مر 22:15).

‌ب- يشرح العادات اليهودية (مر 2:7-4+ 12:14+ 42:15+ 18:12).

‌ج- لم يقتبس كثيرًا من العهد القديم كما فعل متى.

‌د- الرومان رجال عمل وليسوا رجال فلسفة وأقوال. لذلك يقدم مرقس المسيح لهم كرجل أعمال ومعجزات ولا يقدم عظاته وأقواله.

‌ه- آمن الرومان بالقوة والسلطة كأصحاب سيادة في العالم في ذلك الحين لذلك حدثهم مرقس عن المسيح كصاحب سلطان حقيقي على كل شيء، على الشياطين (مر 27:1) وعلى الأمراض (مر 42:1) وعلى الطبيعة (مر 39:4-41) وعلى النباتات (مر 12:11-20) وعلى الهيكل (مر 33:11) وقدم المسيح كرب للسبت (مر 28:2)، له سلطان أن يعرف الأفكار (مر 8:2) ويعلن أسرار المستقبل (مر 13)، قادر أن يشبع الجماهير (مر 33:6-44، 1:8-9) بل أن هذه القوة ستتبع من يؤمن به (مر 17:16-18) فالمسيح قوي وهكذا من يتبعه. ولكن الرومان آمنوا بالسيادة خلال العنف والكبرياء مع الاغتصاب، أما مارمرقس فيعلن سلطان السيد خلال الاتضاع وخدمة الآخرين (مر 33:9-36).

‌و- إذ يكتب للرومان قدّم لهم هيرودس كعينة لملوكهم يجتمع حولهم المتملقون للهو والرقص مع اتسامه بالعنف والقتل ظلمًا، بينما يقدم المسيح الذي أتى ليملك من خلال محبته وآلامه وبذله وصليبه وإشباعه للنفوس وقدم الجماهير المبهوتة من تعاليمه، الكل يجري إليه. فهو قدم المسيح كابن الله (مر 1:1) صاحب السلطان الكامل على الخليقة الذي جاء ليخدم البشر ويبذل نفسه لأجلهم إذًا هو إنجيل القوة الإلهية الخادمة والباذلة.

‌ز- ركز الإنجيل على إبراز الصراع بين السيد المسيح واليهود ليشجع الرومان على قبوله خصوصًا أنه لم يقابل اليهود في ضعف بل كان يفحمهم، وحين صلبوه لم يفعلوا هذا عن ضعف من جانبه، إذ هو سبق وأعلن لتلاميذه عن صلبه، مؤكدًا ذلك 3 مرات (مر 31:8+ 31:9+33:10-34) وموضحًا أنه يقوم من الأموات ويأتي بمجد أبيه مع الملائكة القديسين (مر 38:8) ويأتي على سحاب السماء (مر 62:14) ومن جانب آخر أوضح اتجاه السيد نحو الأمم (مر 24:7-30+ 17:11+ 10:13+ 15:16) وجاءت وصيته الأخيرة اذهبوا إلى العالم أجمع..

‌ح- لأنه وجه إنجيله للرومان كشف عن جامعية رسالة الإنجيل لتضم الأمم أيضًا لذلك كثيرًا ما يستخدم التعبيرين “كل” و”جميع” (مر 5:1+28+33+39)+ (مر 13:2+1:4).

‌ط- لأنه يكتب للرومان وليس لليهود لم يهتم بسلاسل الأنساب.

‌ي- في تعليمه أظهره ليس كمعلم (رابي ناموسي) يجلس، ويجلس حوله تلاميذ يسمعون له إنما قدمه كمعلم يعيش مع تلاميذه ويصاحبونه في شركة عملية لذلك اختفت العظات التعليمية من إنجيل مرقس.

5- يبدأ الإنجيل بأن المسيح هو ابن الله وينتهي تقريبًا بصرخة قائد المئة أنه ابن الله (مر 39:15). وهكذا نفهم أن الإنجيل يخبرنا صراحة عن لاهوت المسيح + (مر 29:8+ 7:9).

6- القديس مرقس من السبعين رسولًا الذين عينهم المسيح.

7- مارمرقس هو واضع القداس الكيرلسي ونسب لكيرلس لأنه أضاف إليه.

8- يبدأ القديس مرقس بقوله “بدء إنجيل..” وما هو الإنجيل إلا البشارة المفرحة بالخلاص للجميع حتى الأمم (مر مر10:13+ 9:14). هو إرادة الله من نحو البشر.

9- يبدو أنه زميل إلكسندروس وروفس ولدا سمعان القيرواني، فهم كلهم من القيروان وذكر مرقس لهذه الأسماء تشير لكونه شاهد عيان لقصة الصلب.

فهرس إنجيل مرقس  تفسير إنجيل مرقس تفسير العهد الجديد تفسير مرقس 1
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير إنجيل مرقس تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى