تفسير إنجيل مرقس 10 للقس أنطونيوس فكري
الآيات (1:10-12):
(مت 1:19-12):-
ولما اكمل يسوع هذا الكلام انتقل من الجليل وجاء إلى تخوم اليهودية من عبر الأردن. وتبعته جموع كثيرة فشفاهم هناك.وجاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب. فأجاب وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى. وقال من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا. إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق. قال لهم أن موسى من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم أن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني. قال له تلاميذه أن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج. فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم. لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم ويوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات من استطاع أن يقبل فليقبل.
(مر 2:10-12):-
فتقدم الفريسيون وسألوه هل يحل للرجل أن يطلق امرأته ليجربوه. فأجاب وقال لهم بماذا أوصاكم موسى. فقالوا موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق فتطلق. فأجاب يسوع وقال لهم من اجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية. ولكن من بدء الخليقة ذكرا وأنثى خلقهما الله. من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته. ويكون الاثنان جسدا واحدا إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. ثم في البيت سأله تلاميذه أيضا عن ذلك. فقال لهم من طلق آمراته وتزوج بأخرى يزني عليها. وأن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بأخر تزني
قضى الرب فى الجليل فترة طويلة من خدمته، ولما أكمل الخدمة ترك الجليل ولم يعد إليها إلاّ بعد القيامة. وهنا نراه متجهاً إلى اليهودية وأورشليم للمرة الأخيرة، ماراً بعبر الأردن. وفى زيارته هذه الأخيرة لأورشليم صُلبَ. وفى أثناء هذه الرحلة تدخل أحداث (لو 51:9-34:18). ومنطقة عبر الأردن (بيرية وتسمى الآن الجولان) هى التى كان يوحنا المعمدان يعلم ويعمد فيها (يو40:10) ليجربوه = كانت هناك مدرستين عند اليهود فى موضوع الطلاق:-
- مدرسة الراباى هليل، وهم يسمحون بالطلاق لكل سبب حتى عدم إجادة الطهى أو حتى لو أعجبت الرجل إمرأة أخرى وكره إمرأته.
- مدرسة الراباى شمعى وهى تقيد الطلاق إلاّ لسبب الخيانة فقط
وسؤال الفريسيين للمسيح هنا فى خبث، فهو موجه ضد هيرودس وهيروديا فهيرودس كان قد طلق إمرأته بنت الحارث ليتزوج بإمرأة أخيه فيلبس. فلو منع المسيح الطلاق لإشتكوه لهيرودس فيقتله كما قتل المعمدان. ولو سمح المسيح بالطلاق لكان أقل من المعمدان جرأة فى الشهادة للحق. لكل سبب= أى لكل ما لا يعجبه فيها بحسب مدرسة الرابى هليل. خلقهما ذكراً وأنثى= الرب هنا يقرر شريعة الزوجة الواحدة، فالله خلق إمرأة واحدة لآدم، بالرغم من حاجته لزيادة النسل فى الأرض. يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته= الرابطة الزوجية أقوى من كل الروابط العائلية ولا تفك. ولقد سمح موسى بالطلاق، لذلك كان هؤلاء الفريسيون الخبثاء، وكانوا قد سمعوا رأيه بمنع الطلاق أثناء عظته على الجبل (مت 31:5،32) يريدونه أن يكرر رأيه هذا ثانية ليتهموه بأنه كاسر للناموس. أما السيد المسيح فإستغل السؤال ليشرح لهم ولنا أن الزواج سر مقدس= فالذى جمعه هو الله= الله هو الذى جمع الزوجين ليصبحا جسداً واحداً. وإذا كان الله هو الذى جمعهما فكيف يفرق الإنسان بالطلاق ما جمعه الله. من أجل هذا يترك.. = من أجل أن يتم سر الزواج ليستقل الرجل عن عائلته ليبنى أسرة جديدة.
والكتاب قدس سر الزواج فى عدة مناسبات:-
- هنا يقول عنه السيد المسيح أن ما جمعه الله. إذاً هو رباط إلهى.
- كثيراً ما سمعنا فى العهد القديم عن اليهود شعب الله أنهم عروس الله (أش 1:50 + هو 2:2).
- بولس الرسول شبه علاقة المسيح بكنيسته بعلاقة الرجل بإمرأته وقال إن هذا السر عظيم
(أف 23:5-32). - السيد المسيح كرم الزواج بحضوره عرس قانا الجليل (يو2).
- يقول بولس الرسول “ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس (عب 4:13) وراجع أيضاً (1تى 1:4-3 + 1كو 10:7،11).
- المسيح كعريس للكنيسة ترك أباه= اى ترك مجده وأخلى ذاته أخذاً صورة عبد وترك أمه = أى الشعب اليهودى الذى أتى منه بالجسد. ليلتصق بإمرأته أى كنيسته.
وموسى لم يوصى بالطلاق، فالسؤال خاطئ فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق. (تث 1:24) لكن موسى أوصى أنه فى حالة أن يطلق رجل زوجته يعطيها كتاب طلاق به يمكنها أن تصبح حرة وتتزوج من رجل آخر لو أرادت. والسيد يشرح لماذا سمح موسى بهذا. بأن موسى من أجل قساوة قلبهم أذن أو سمح ولم يوصى بهذا. وهم فى قساوة قلوبهم كانوا سيقتلون نساءهم لو تضايقوا منهم. إذاً طلاق الزوجات كان خيرٌ من قتلهن. بل ربما كان الرجل وهو يكتب كتاب طلاق لزوجته ويعرف أن بهذا الكتاب ستصير لآخر، يرجع عن فكرة الطلاق. والسيد أعطى سبباً واحداً للطلاق وهو الزنا. فالزنا يجعل الزانية جسد واحد مع الرجل الآخر، وبهذا هى قطعت علاقة الجسد الواحد مع زوجها وبهذا فرب المجد يقيد الطلاق تماماً إلاّ لعلة الزنا. وبهذا على الزوج والزوجة أن يحتملا بعضهما بثبات للحفاظ على العلاقة التى جمعها الله. ومن يطلق إمرأة لغير سبب الزنا ويتزوج بأخرى (عن طريق المحاكم العالمية) فهو يزنى، لأن الذى طلقه إنسان. ولكن الله لم يطلقه. ونرجع للقاعدة التى وضعها المسيح ما جمعه الله لا يفرقه إنسان. ومادام الله لم يحكم بالإنفصال فهما مازالا جسداً واحداً، فكيف يتزوج بأخرى؟ فهذا يكون زنا. فالزنا هو أن يقيم الرجل علاقة مع إمرأته اخرى غير زوجته، وزوجته الأولى (التى طلقها بواسطة إنسان) مازالت زوجته بحسب حكم الله، لذلك قال السيد فى (مر11:10) يزنى عليها فهى مازالت زوجته. وإن كان موسى قد سمح بالطلاق فملاخى النبى أعلن عن غضب الله على من يغدر بإمرأته (ملا13:2-16) وهنا يصرح أن الله يكره الطلاق. فالمسيح يشرح لهؤلاء القساة روح الناموس وليس حرفه.
وواضح طبعاً أن فى كلام السيد المسيح منعاً باتاً من تعدد الزوجات فإذا كان من طلق إمرأته (بحكم من المحكمة) يزنى إن تزوج بأخرى. فماذا يكون الموقف ممن تزوج إمرأة أخرى دون أن يطلق الأولى
(حتى بحكم من المحكمة)
ونلاحظ فى (مر12:10) أن السيد ساوى بين الرجل والمرأة فقال وإن طلقت إمرأة زوجها.. واليهود كانوا يعطون حق طلب الطلاق للزوج فقط وليس للزوجة. فكان كلام المسيح هنا غريباً على أسماع اليهود.
(آية 10):-
قال له تلاميذه أن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج.
فلا يوافق أن يتزوج = هذا الكلام معناه أن التلاميذ رأوا فى منع السيد للطلاق تقييداً لحرية الرجل، فقالوا إذاً الأ سهل أن يعيش الإنسان بلازواج حتى لا تضايقه إمرأة لا يستطيع أن يطلقها.
(آية 11):-
فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم.
ليس الجميع يقبلون هذا الكلام= ليس كل إنسان يستطيع مقاومة الغريزة الطبيعية التى فيه ويتبتل، بل من يُعطى معونة إلهية فيصبح أعلى من الطبيعة. هؤلاء أعطى لهم = أعطى لهم معونة ونعمة للسمو فوق الطبيعة. هؤلاء أسماهم السيد فى آية 12 خصيان خصوا أنفسهم= لا بالمعنى الحرفى كما فعل العلامة أوريجانوس، فالكنيسة تحرم هذا، ولكن المعنى هو زيادة الجهاد والصلوات والأصوام فتزداد النعمة، ويفرح مثل هذا بالمسيح ولا يريد أن يعطله الزواج عن علاقته بالمسيح (1كو 32:7-34) فيمتنع مثل هذا عن الزواج مكرساً كل حياته وعواطفه لله. أما من يهرب من الزواج بسبب مسئولياته فلا يقال عنه هذا الكلام. فهناك فرق بين البتولية (من إمتنع عن الزواج حباً فى المسيح) وبين العزوبية (الهروب من مسئوليات الزواج).
خصيان ولدوا هكذا= بسبب عيب خَلْقى. وهؤلاء لا يقال عنهم بتوليون. خصيان خصاهم الناس= كما كانوا يفعلون مع العبيد ليخدموا فى بيوت النساء
الزواج فى المسيحية
الزواج فى المسيحية هو سر من أسرار الكنيسة، وأسرار الكنيسة هى حصولنا على نعمة غير منظورة تحت أعراض منظورة. ففى سر الزواج يعطى الروح القدس للزوجان أن يصيروا جسداً واحداً ويجمعهما فى محبة روحانية [ من طقس صلوات سر الإكليل “إعطهم يارب المحبة الروحانية تجمع بين قلبيهما] والمحبة الروحانية تفترق عن المحبة الجسدانية فالمحبة الجسدانية هى محبة دافعها الأول والأخير الشهوات الجسدية وهذه مصيرها أن تضيع مع الأيام لذلك كثير من الزيجات التى بدأت بالحب إنتهت بالطلاق، لأن الحب كان جسدياً فقط.
ولكن من حصل على نعمة الروح القدس فى سر الزواج يضع الروح القدس الحب فى قلب الزوجين، بل ويزيد هذا الحب طوال العُمر وهذه هى المحبة الروحانية. ولكن لماذا تفشل بعض الزيجات التى تتم بسر زواج؟ سر الزواج مثل أى سر نحصل فيه على النعمة ولكن علينا أن نضرمها. فمثلاً فى سر المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه فهل كل معمد هو ميت عن العالم ويتمتع بالحياة المقامة مع المسيح ؟ نحن حصلنا على النعمة فى سر المعمودية ولكن المستهتر فى جهاده يفقد هذه النعمة. مثال أخر:- فى سر الميرون يمتلئ المؤمن المعمد من الروح القدس فهل كل من يحصل على السر هو ممتلئ الآن؟ قطعاً لا فهذا يتوقف على جهادة وإلاّ لما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس “إضرم موهبة الله التى فيك بوضع يدى (2تى6:1) ويقول لأهل أفسس إمتلئوا بالروح (أف 18:5) إذاً كل من يجاهد يمتلئ. ومن لا يجاهد يطفئ الروح (1 تس 19:5).
وهذا ما يحدث فى سر الزواج، فالعروسين يحصلان على النعمة ولكن إن أهملا جهادهما الروحى وعاشا بلا صلاة وبلا صوم وبلا كتاب مقدس وبلا كنيسة تنطفئ النعمة التى حصلا عليها فى سر الزواج “لا تطفئوا الروح” وبهذا تختفى المحبة الروحانية الى كانت تبتلع الخلافات الطبيعية بين أى زوجين، فتكبر الخلافات.. وينتهى هذا البيت فى أحيان كثيرة بالطلاق. فالسيد المسيح حين منع الطلاق أعطى لكل زوجين نعمة تصون البيت من الإنهيار. ولكن هل يصون الزوجين هذه النعمة بأن تكون لهما علاقة مع الله ويستمروا فى جهادهم؟ لو فعلوا لما كان هناك طلاق ولما عانت الأسر المسيحية.
مر 13:10-16
(مت 13:19-15 + مر 13:10-16 + لو 15:18-17) المسيح يبارك الأولاد
(مت 13:19-15):-
حينئذ قدم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصلي فانتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت السماوات. فوضع يديه عليهم ومضى من هناك
(مر 13:10-16):-
وقدموا إليه أولادا لكي يلمسهم وأما التلاميذ فانتهروا الذين قدموهم. فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت الله. الحق أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله. فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم.
(لو 15:18-17):-
فقدموا إليه الأطفال أيضا ليلمسهم فلما رآهم التلاميذ انتهروهم. أما يسوع فدعاهم وقال دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت الله. الحق أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله.
راجع تفسير (مت 1:18-6) بعض الأباء قدموا أطفالهم للسيد ليباركهم، أما التلاميذ إنتهروا الأطفال بحسب المفهوم اليهودى الذى يحتقر الأطفال(فلا يصح أن يوجدوا فى حضرة المسيح). ولكننا نجد هنا السيد يحنو على الأطفال كما يحنو على كل ضعيف. ومن يقبل للرب فى بساطة الأطفال يحتضنه الرب كما إحتضن هؤلاء الأطفال (مر16:10) ويباركه. وباركهم= الكلمة اليونانية تعنى باركهم بشدة مرة ومرات.
مر 17:10-27
(مت 16:19-26 + مر 17:10-27 + لو18:18-27):- الشاب الغنى
(مت 16:19-26):-
و إذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح اعمل لتكون لي الحياة الأبدية. فقال له لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالحا إلاّ واحد وهو الله ولكن إن أردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. قال له اية الوصايا فقال يسوع لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد بالزور. اكرم أباك وأمك واحب قريبك كنفسك. قال له الشاب هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فماذا يعوزني بعد. قال له يسوع ان أردت ان تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني. فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا لأنه كان ذا أموال كثيرة. فقال يسوع لتلاميذه الحق أقول لكم انه يعسر ان يدخل غني الى ملكوت السماوات. وأقول لكم أيضاً ان مرور جمل من ثقب إبرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله. فلما سمع تلاميذه بهتوا جدا قائلين إذا من يستطيع ان يخلص. فنظر إليهم يسوع وقال لهم هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع
(مر 17:10-27):-
وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله. أنت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب اكرم أباك
وأمك. فأجاب وقال له يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتي. فنظر إليه يسوع واحبه وقال له يعوزك شيء واحد اذهب بع كل ما لك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني حاملا الصليب. فاغتم على القول ومضى حزينا لأنه كان ذا أموال كثيرة. فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما اعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله. فتحير التلاميذ من كلامه فأجاب يسوع أيضا وقال لهم يا بني ما اعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله. مرور جمل من ثقب إبرة ايسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله. فبهتوا إلى الغاية قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص. فنظر إليهم يسوع وقال عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله لان كل شيء مستطاع عند الله.
(لو18:18-27):-
وسأله رئيس قائلا أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله. أنت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور اكرم أباك وأمك. فقال هذه كلها حفظتها منذ حداثتي. فلما سمع يسوع ذلك قال له يعوزك أيضا شيء بع كل ما لك ووزع على الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني. فلما سمع ذلك حزن لأنه كان غنيا جدا. فلما رآه يسوع قد حزن قال ما اعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله. لان دخول جمل من ثقب إبرة ايسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله. فقال الذين سمعوا فمن يستطيع أن يخلص. فقال غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.
هذه القصة مرتبطة بما سبق، فما سبق أن الرجوع لبساطة الطفولة هو شرط لدخول الملكوت، وتحدثنا هذه القصة عن الشرط الثانى وهو عدم الإعتماد على شىء سوى الله.
ومن لوقا نفهم ان هذا الشاب كان رئيس أى رئيس مجمع لليهود أو عضو فى السنهدريم لكنه كان صادقاً فى سؤاله للمسيح لذلك أحبه يسوع (مر10:21).وقيل عنه ركض وجثا إذاً هو مهتم ويحترم المسيح.
أيها المعلم الصالح.. لماذا تدعونى صالحاً.. ليس صالح إلاّ واحد وهو الله المسيح لم يقل له لا تدعونى صالحاً، والمسيح قال عن نفسه، أنا هو الراعى الصالح (يو11:10). ولكن المسيح أراد ألاّ يكلمه الشاب بلا فهم كما إعتادوا أن يكلموا معلمى اليهود، إذ يطلقون عليهم ألقاب لا تطلق إ لاّ على الله وحده والمسيح لا ينخدع بالألقاب التى تقال باللسان، بل هو يطلب إيمان هذا الشاب القلبى بأنه هو الله، وانه هو الصالح وحده “من منكم يبكتنى على خطية (يو 46:8). والمسيح كان يقود الشاب خطوة خطوة. وكانت الخطوة الأولى أن يقوده للإيمان به، أنه هو الله، فبدون الإيمان لا يمكن فعلاً حفظ وصايا الناموس وبالتالى لا يمكن له أن يرث الحياة الأبدية. وإذا آمن هذا الشاب لأمكنه حفظ الوصايا. فكيف يصير كاملاً ؟ الخطوة التالية هى التخلى عن الثقة فيما نملكه وأن نضع كل ثقتنا فى المسيح هذا هو المعنى المطلوب لقول السيد أذهب بع أملاكك… والسيد بنفسه فى (مر 24:10) فسر ما يعنيه بالقول السابق حين قال = ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله =فالبيع معناه أن أفقد إهتمامى بالشىء ولا أعود أعتمد عليه أو أضع فيه ثقتى =إتبعنى وبهذا المفهوم يستطيع الغنى أن يعطى للفقراء وللمحتاجين من ثروته دون خوف من المستقبل، فالله يدبر المستقبل، ولا يخاف مثلاً أن تضيع ثروته، فالله هو ضمان المستقبل، وليس الثروة. والسيد فى إجابته لم يقل أن الأغنياء لن يدخلوا إلى ملكوت السموات بل سيد خلوا إن هم قبلوا الدخول من الباب الضيق = مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله = ثقب الإبرة هو باب صغير داخل باب سور أورشليم الكبير. فهم تعودوا على إغلاق أبواب أورشليم قبل الغروب، وحينما تأتى قافلة متأخرة لا يفتحون الباب الرئيسى، بل باب صغير فى الباب الرئيسى. والجمل لا يستطيع أن يدخل من هذا الباب الصغير (ويسمى ثقب الإبرة) إلاّ بعد أن يناخ على ركبتيه (يركع على ركبتيه) وتُنْزَلْ كل حمولته ويُجَّرْ ويُدْفَعْ للداخل.وهكذا الغنى لا يدخل ملكوت السموات إلاّ لو تواضع وشعر أن كل أمواله هى بلا قيمة. وتدفعه النعمة دفعا، هذا معنى أنه عند الله كل شىء مستطاع = فالنعمة تفرغ قلب الغنى من حب أمواله وتلهب قلبه بحب الكنز السماوى. راجع (اتى 17:6-19). ومعنى الكلام أن الأغنياء يمكنهم ان يدخلوا الملكوت لو قبلوا الدخول من الباب الضيق والنعمة تعين من يريد.والمسيح بإجابته ليس أحد صالح يوجه الكل إلى عدم الرغبة فى محبة أى كرامة أو ألقاب مبالغ فيها، وأن ننسب كل كرامة لله لا لأنفسنا. وبقوله إذهب وبع كل أملاكك= هو قد لمس نقطة ضعف هذا الشاب أولا وهى محبته للأموال.
الله ليس ضد الأغنياء فهو جعل سليمان الملك غنياً جداً وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب كانوا من الأغنياء. لكن المهم عند الرب هو أن لا يعتمد أحد أو يضع ثقته فى أمواله.
مضى الشاب حزيناً= فالطبيعة البشرية بحكم التصاقها الشديد بمغريات هذا العالم، من العسير عليها جداً أن تترك العالم بإختيارها الطبيعة وتلتحق بالله والروحيات، ولكن بمساعدة نعمة الله تستطيع. هذا الشاب اراد أن يجمع بين حبه لله وحبه للمال ولكن محبة المال هى عداوة لله وأصل لكل الشرور (1تى 9:6،10). والعبادة يحب ان تكون لله وحده. وطالما هذا الشاب معلق بحب المال بهذه الصورة، فيستحيل عليه أن يحفظ الوصايا تماماً.
والعجيب ان الله يفيض من البركات الزمنية مع البركات الروحية لمن ترك محبة العالم بإرادته (مت 29:19). وهذا ما حدث مع بطرس وباقى التلاميذ، فقد تركوا شباكاً ومهنة صيد وحصلوا على محبة الناس فى كل مكان وزمان وعلى أمجاد أبدية.
ولاحظ فى (مر19:10) أن السيد يضع من ضمن الوصايا لا تسلب فالرب غير مقيد بحرفية الوصية، بل هو يشرح روح الوصية، والوصية العاشرة تتكلم عن لا تشته بيت قريبك ولا إمرأته ولا عبده.. والأغنياء والحكام والرؤساء ومنهم هذا الشاب معرضون بحكم قوتهم ومركزهم أنهم إذا إشتهوا ما لقريبهم أو جارهم يأخذوه منه عنوة أى يسلبوه، وهم أيضاً ينهبون أجر الفعلة (يع 4:5) (راجع قصة أخاب ونابوت اليزرعيلى)
- كثيرون من الأغنياء تبعوا يسوع مثل نيقوديموس ويوسف الرامى ولم يطلب منهم أن يبيعوا ما لهم ولكنه طلب هذا من الشاب لأنه كان متعلقاً بأمواله وأحبها أكثر من الله. فكانت أمواله هى التى تمتلكه وليس هو الذى يمتلكها. لذلك تصلى الكنيسة “صلاحاً للأغنياء“. الله خلق العالم والمادة والأموال لنستعملها لا لتستعبدنا، وبهذا بدلاً من أن تسند الأموال الناس ربطت البعض فى شباك التراب، والسيد شرح أن العيب ليس فى المال بل القلب المتكل على المال (كما شرح هذا إنجيل مرقس إذ قال ما أعسر دخول المتكلين على الأموال…). ولما سمع التلاميذ هذا التعليم بهتوا إلى الغاية.. قائلين.. فمن يستطيع أن يخلص = لقد أدرك التلاميذ صعوبة الطريق بسبب إغراءات المال، وهم يعلمون أن الناس منكبين على المال لا يستطيعون أن يتخلوا عنه. واليهود كانوا يعتقدون ان لا شىء يفضل على الماديات.
- واضح أن هذا الشاب كان يبحث عن طريق الكمال، لقد حفظ وصايا الناموس فماذا بعد ؟ ماذا يعوزنى بعد (مت 20:19) إذاً هو يطلب الكمال الذى فوق الناموس، ولا كمال فوق الناموس سوى المسيح الذى قال جئت لأكمل. لذلك حين قال الشاب للسيد “أيها المعلم الصالح” كان رد المسيح يعنى “أنت لاتؤمن إنى الله، وإرتدائى للجسد قد ضللك فلماذا تنعتنى بما يليق بالطبيعة العلوية وحدها مع أنك لا تزال تحسبنى إنساناً مثلك” وبهذا كان المسيح يجتذبه للإيمان به كإبن لله فهذا هو طريق الكمال، وإذا آمن به وجد فيه كل كفايته، وَجَدَ فيه اللؤلؤة الكثيرة الثمن، حينئذ يسهل عليه بيع اللالىء الكثيرة التى لديه أى يبيع أمواله، ويضع كل إعتماده وإتكاله عليه فقط.
- فى الثلاثة أناجيل تأتى قصة ذلك الشاب الغنى وقول المسيح أن من العسير دخول الأغنياء إلى الملكوت، مباشرة بعد قصة مباركته للأطفال وقوله أن لمثل هؤلاء ملكوت السموات، فالأطفال فى بساطتهم وعدم تعلقهم بالعالم يسهل دخولهم للملكوت، أماّ من تثقل بمحبة العالم فمثل هذا يصعب دخوله للملكوت. وبهذا فالإنجيل يعرض صورتين متناقضين أحداهما للحياة والأخرى للموت ليختار كل إنسان بينهما.(تث 10:30). الصورتين إحداهما تصور البساطة مع غنى الله والملكوت والأخرى تصور غنى العالم ومجده وهو زائل وفانى وسوف نتركه.
- ليس معنى هذه القصة أن الفقراء سيدخلون الملكوت بلا نقاش، فهناك فقراء بلا قناعة، متذمرين، يلعنون الزمان الذى جعلهم فقراء هكذا، يشتهون المال ضماناً لمستقبلهم، غير شاكرين الله على ما أعطاهم، فهؤلاء والأغنياء هم وجهان لعملة واحدة. العُملة هى عدم الإتكال على الله.
مر 28:10-31
(مت 27:19-30 + مر 28:10-31 + لو 28:18-30):-
(مت 27:19-30):-
فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا. فقال لهم يسوع الحق أقول لكم أنكم انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضا على اثني عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكل من ترك بيوتا أو اخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من اجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين وآخرون أولين.
(مر 28:10-31):-
وأبتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتا أو اخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا لأجلي ولأجل الإنجيل. إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا واخوة
وأخوات وأمهات وأولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الأتي الحياة الأبدية. ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين والآخرون أولين.
(لو 28:18-30):-
فقال بطرس ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فقال لهم الحق أقول لكم أن ليس أحد ترك بيتا أو والدين أو اخوة أو امرأة أو أولادا من اجل ملكوت الله. إلا ويأخذ في هذا الزمان إضعافا كثيرة وفي الدهر الأتي الحياة الأبدية
بطرس هنا يقارن بينه وبين الشاب الغنى الذى رفض بيع أمواله وربما كان بطرس يريد أن يطمئن على نفسه. ولكن لنسأل بطرس ماذا تركت وماذا أخذت ؟ بطرس ترك شباكاً بالية وربما تركها لأنه ظن أنه يحصل من المسيح على مجد زمنى حين يملك المسيح. والمهم أن ندرك أن كل ما نتركه لن يزيد عن كونه أشياء بالية، بجانب ما سنحصل عليه من أمجاد فى السماء وتعزيات على الأرض= مئة ضعف = ربما ينظر الإنسان بفخر أن ما تركه لأجل المسيح كان شيئاً ذو قيمة، لكن حقيقة فإنه لا يوجد فى العالم شىء له قيمة. والله يعطى الكثير لمن يترك فهناك حقيقة مهمة..”أن الله لا يحب أن يكون مديوناً ” ولكن لاحظ الآية فى (مر 30:10) يأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان … مع اضطهادات حقاً سيعوض الله من يترك العالم بخيرات زمنية مع تعزيات، ولكن لا ننسى أننا طالما نحن فى العالم، فالإضطهادات والضيقات هى ضريبة يفرضها العالم ورئيسه على من يحتقر العالم ويختار الحياة الأبدية، والله يسمح بهذه الضيقات 1) حتى لا يتعلقوا بالماديات ويفقدوا شهوتهم للسماء 2) بهذه الضيقات نَكْمُلْ ونزداد نقاوة 3) خلال الضيقات تزداد تعزيات الله 4) من يشترك مع المسيح فى الصليب سيكون شريكه فى المجد. تجلسون على إثنى عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل =سيكون التلاميذ فى يوم الرب العظيم كديانين للأسباط الإثنى عشر، لأن ما كان ينبغى لهؤلاء أن يفعلوه، أى أن يؤمنوا بالمسيح ويكرزوا به ويكونوا نوراً للأمم قد تخلوا عنهُ ولم يقوموا به، ولكن التلاميذ وهم من شعب اليهود أى لهم نفس ظروف اليهود قد قبلوا المسيح وآمنوا به وكرزوا به وصاروا نوراً للعالم، بل هم تركوا كل شىء لأجله. فماذا سيكون عذر اليهودى الذى رفض المسيح وهو يرى أمامه التلاميذ الذين هم مثله فى كل الظروف فى مجد عظيم بسبب إيمانهم بالمسيح. مئة ضعف=الذى يقبل أن يترك من أجل المسيح سيعوضه المسيح هنا فى هذه الأرض بكل الخيرات المادية التى يحتاجها والأهم التعزيات السماوية. فالراهب أو البتولى الذى يرفض الزواج يُحرم من وجود زوجة وأبناء له، ولكنه يتقبل من الله سلاماً فائقاً ولذة روحية خلال إتحاده مع عريس نفسه يسوع، هذه اللذة تفوق كل راحة يقتنيها زوج خلال علاقته الأسرية. وكل هذا ما هو إلاّ عربون ما سوف يناله من مجد أبدى.
لاحظ قوله إخوة وأخوات وأولاداً.. وإمرأة = هذه شريعة الزوجة الواحدة، فلم يقل من يترك نساء بل إمرأة. والترك يعنى محبه المسيح أكثر وهناك شرط أن يكون الترك لأجل المسيح وليس لأى غرض آخر = لأجلى ولأجل الإنجيل= لأجل خدمة كلمة الإنجيل.
أولون يكون آخِرين= هؤلاء هم من آمنوا أولاً ثم إرتدوا. والمقصود بهم اليهود والفريسيين فهؤلاء كانوا شعب الله لكنهم إذ رفضوا المسيح رُفِضُوا ويقصد بهم الأغنياء والملوك، فهم هنا أولون وفى الآخِرة آخِرون والآخِرون أولين = هؤلاء مثل الأمم كانوا فى وثنيتهم آخِرون وآمنوا بعد ذلك فصاروا أولون. وتشير للرسل والتلاميذ، فهؤلاء كانوا فقراء معدمين محتقرين فى الدنيا فجعلهم المسيح أولون. وكان من ترك حقه فى هذا العالم ليصير آخراً (أى يضع نفسه فى آخر الصفوف ) يجعله المسيح أولاً. وفى مرقس ولوقا يأتى بعد هذا مباشرة نبوة المسيح عن ألامه وصلبه وكأنه بهذا يضع نفسه كأعظم نموذج للترك، إذ ترك مجده أخذاً صورة عبد متألم يصلب فى نهاية الأمر..ولكن بعد هذا يقوم ويصعد ويجلس عن يمين الآب.. فهل نقبل أن نترك شىء لنحصل على هذا المجد المعد لنا.
مر 32:10-34
(مت 17:20-19 + مر 32:10-34 + لو31:18-34):-
(مت 17:20-19):-
وفيما كان يسوع صاعدا إلى أورشليم اخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم. ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزاوا به
ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم.
(مر 32:10-34):-
وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع وكانوا يتحيرون وفيما هم يتبعون كانوا يخافون فاخذ الاثني عشر أيضا وأبتدأ يقول لهم عما سيحدث له. ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة ويحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزاون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم.
(لو31:18-34):-
واخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان. لأنه يسلم إلى الأمم ويستهزأ به ويشتم ويتفل عليه.
ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا وكان هذا الأمر مخفى عنهم ولم يعلموا ما قيل
لقد إقترب ميعاد الصليب، والمسيح متجه الآن إلى أورشليم للمرة الأخيرة التى سيصلب فيها. ونسمع فى (مر32:10)أن التلاميذ كانوا يتحيرون ويخافون فهم يعرفون عداوة الفريسيين والسنهدريم لمعلمهم، وطالما تنبأ لهم المعلم بأنه سوف يتألم منهم، وها هم ذاهبون إلى أورشليم وكانوا شاعرين بان أموراً خطيرة ستحدث ولكنهم كانوا متحيرون ماذا سيحدث بالضبط. وها هو السيد يتكلم بوضوح عما سيتم حتى إذا ما كان يؤمنون (يو29:14) وإذا ما حدث ما قاله فحينئذ سيعرفون أن ما حدث كان بإرادته وسيؤمنون بالأكثر. ومع ان كلام المسيح كان واضحاً إلاّ أن التلاميذ لم يفهموا، فهم لم يتصوروا أن هذا المعلم العجيب الذى يقيم الموتى يستسلم بهدوء للكهنة =ولم يعلموا ما قيل وربما تصوروا أن ما قاله المعلم سيكون مجرد مناو شات يتسلم بعدها مُلك إسرائيل. لذلك يأتى بعد هذا مباشرة طلب إبنا زبدى أن يجلسا عن يمينه ويساره فى ملكه. فهم ما تصوروا أبداً موت المخلص الذى أتى ليخلص إسرائيل، فكيف يخلصها إن هو مات.
مر 35:10-45
(مت 20:20-28 + مر 35:10-45):- طلب إبنا زبدى
(مت 20:20-28):-
حينئذ تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا. فقال لها ماذا تريدين قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف اشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها أنا قالا له نستطيع. فقال لهما أما كاسي فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها أنا تصطبغان وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين اعد لهم من أبى. فلما سمع العشرة اغتاظوا من اجل الأخوين. فدعاهم يسوع وقال انتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون فيكم أولا فليكن لكم عبدا. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.
(مر 35:10-45):-
وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين يا معلم نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا. فقال لهما ماذا تريدان أن افعل لكما. فقالا له اعطنا أن نجلس واحد عن يمينك والأخر عن يسارك في مجدك. فقال لهما يسوع لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان أن تشربا الكأس التي اشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها أنا. فقالا له نستطيع فقال لهما يسوع أما الكأس التي اشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها أنا تصطبغان. وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين اعد لهم. ولما سمع العشرة ابتداوا يغتاظون من اجل يعقوب ويوحنا.فدعاهم يسوع وقال لهم انتم تعلمون أن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما. ومن أراد أن يصير فيكم أولا يكون للجميع عبدا. لان ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.
بمقارنة متى ومرقس نفهم أن يعقوب ويوحنا طلبا من أمهما أن تطلب هى من المسيح أن يجلسا عن يمينه وعن يسارة، فهم ربما خافا أن يطلبا هذا الطلب من السيد مباشرة. وهذا الطلب يعنى أن أفكارهما ما زالت فى الملك الأرضى. ولكن الطلب يبين أيضاً أنهما مخلصان للسيد ويودان لو تألما معه كما يقول وبعد هذا يجلسان عن يمينه وعن يساره. وحين سمع السيد طلب الأم وجه الكلام ليعقوب ويوحنا فرد عليه يعقوب ويوحنا. فحين يقول مرقس أن يعقوب ويوحنا هما اللذان قاما بالطلب من المسيح، فهذا لأن الطلب هو أصلاً منهما، وأن الحوار بعد ذلك تم معهما مباشرة. وهم طلبوا المجد مع المسيح ولكنهم لم يفهموا أن المسيح سيتمجد بالصليب، لذلك قال لهما المسيح عن الصبغة أى أنه سيتغطى بالدم. وبهذا فالسيد يشرح ليعقوب ويوحنا ثم باقى التلاميذ أن العظمة الحقيقية هى فى الصليب وفى الخدمة والبذل، وهذا التعليم غير تعليم اليهود والفريسيين. حينئذٍ= بعد كلام المسيح عن صليبه. فكان كلام إبنى زبدى هو عدم الفهم التام لما سوف يحدث.
أما كأسى= هذه الكأس هى التى أعطاها له الآب أى الآلام المعدة له. فتشربانها = فيعقوب مات شهيداً، ويوحنا عذبوه كثيراً (أع 2:12) ونحن هل نقبل أن نشرب الكأس التى يعطيها لنا الآب، من يقبل سيكون له نصيب فى المجد = هؤلاء قال عنهم الذين أعد لهم من أبى = هؤلاء هم الذين قبلوا حمل الصليب مع المسيح.
فليس لى أن أعطيه = السيد المسيح قال أن الآب قد أعطى كل الدينونة للإبن (يو22:5). ولكن فى (يو47:12) يقول لأنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم. ومن هذا نفهم أن المسيح فى مجيئه الأول أتى ليخلص وليدعو الناس للإيمان والتوبة. أما فى مجيئه الثانى فهو سيأتى ليدين (مت 31:25-34،41)لذلك فالمسيح فى مجيئه الأول لن يحدد من يجلس عن يمينه ومن يجلس عن يساره فى الملكوت. وفى تواضعه أو بينما هو فى وضع إخلائه لذاته قال ليس لى أن أعطيه.. لكن الذين أعد لهم من أبى.. وهذه متفقه مع قوله لأن أبى أعظم منى (يو 28:14)
- أم إبنى زبدى = هى سالومى خالة المسيح، فيعقوب ويوحنا ظنا أن السيد المسيح سيوافق على طلبهما بسبب القرابة الجسدية. ولكن ليس هذا هو موقف المسيح من القرابة الجسدية (راجع مت 46:12-50)
- سؤال المسيح لهما ماذا تريدان أن أفعل لكما= ليس لأنه لا يعرف بل ليحرك مشاعرهما فيخجلان مما يطلبانه تصطبغا بالصبغة التى أصطبغ بها أنا= المسيح سيصطبغ بدمه على الصليب ويعقوب اصطبغ بدمه إذ مات شهيداً. ولكن كل مسيحى حين يعتمد فهو يموت ويدفن مع المسيح، وتكون المعمودية هى الصبغة التى يصبطغ بها ويعقوب ويوحنا فى تسرع قالا نستطيع وهذا التسرع ناشئ عن:-
1) محبتهم للمسيح 2) جهلهم بما يعنيه المسيح 3) تفكيرهم محصور فى جد أرضى
العشرة إبتدأوا يغتاظون= إذ ظنوا أن المسيح أعطاهم نصيباً عظيماً فى ملكوته الأرضى فدب الحسد فى قلوبهم، وهذا هو المرض الذى يوجهه عدو الخير بين الخدام، حب الرئاسات والكرامة الزمنية. لذلك بدأ المسيح يشرح لهم أن ملكوته يختلف عن أى ملكوت عالمى فى مبادئه وروحه وأغراضه، العظيم فى ملكوت السموات هو من ينسى نفسه ويخدم الآخرين ويتضع باذلاً نفسه.. كما فعل المسيح نفسه.
والآن ونحن قد فهمنا إخلاء المسيح له المجد لنفسه واختياره طريق الصليب صرنا نفهم أن العظمة الحقيقية ليست فى المراكز العالمية بل بالتشبه بالمسيح فى رفض كل مجد عالمى.
مر 46:10-52
(مت 29:20-34 + مر 46:10-52 + لو 35:18-43) شفاء أعميين
(مت 29:20-34):-
وفيما هم خارجون من اريحا تبعه جمع كثير. وإذا أعميان جالسان على الطريق فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين ارحمنا يا سيد يا ابن داود. فانتهرهما الجمع ليسكتا فكانا يصرخان اكثر قائلين ارحمنا يا سيد يا ابن داود. فوقف يسوع وناداهما
وقال ماذا تريدان أن افعل بكما. قالا له يا سيد أن تنفتح أعيننا. فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه.
(مر 46:10-52):-
وجاءوا إلى اريحا وفيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع انه يسوع الناصري أبتدأ يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن ينادى فنادوا الأعمى قائلين له ثق قم هوذا يناديك. فطرح رداءه وقام وجاء إلى يسوع. فأجاب يسوع وقال له ماذا تريد أن افعل بك فقال له الأعمى يا سيدي أن ابصر. فقال له يسوع اذهب إيمانك قد شفاك فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق.
(لو 35:18-43):-
ولما اقترب من اريحا كان أعمى جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع الجمع مجتازا سال ما عسى أن يكون هذا. فاخبروه أن يسوع الناصري مجتاز. فصرخ قائلا يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره المتقدمون ليسكت أما هو فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يقدم إليه ولما اقترب سأله. قائلا ماذا تريد أن افعل بك فقال يا سيد أن ابصر. فقال له يسوع ابصر إيمانك قد شفاك. وفي الحال ابصر وتبعه وهو يمجد الله وجميع الشعب إذ رأوا سبحوا الله.
1) متى يذكر أنهما أعميان ومرقس ولوقا يذكران أنه أعمى واحد بل أن مرقس يحدد إسمه،ويبدو أنهما كانا إثنين فعلاً ولكن أشهرهما هو بارتيماوس هذا، فذكر مرقس ولوقا أنه واحد وهو المشهور ولكن لعل هذا يحمل معنى رمزى، فالمسيح أتى ليجعل الإثنين واحداً اليهود والأمم، ويعطى كليهما إستنارة ومعرفة لله، فكلاهما كانا أعميان.
2) كان هذا جالساً يستعطى (مر 46:10) وفى هذا يشبه الخاطى الذى هو أعمى روحياً ويسلك فى الظلمة ولا يرى طريق الملكوت، بل يجلس ليستعطى كسرة عفنة من شهوات زائلة.
3) إنتهره كثيرون ليسكت، وهذا يحدث فى صراع التوبة إذ تنتهرنا العادات القديمة والشهوات المحبوبة والأصدقاء الأشرار والمجتمع الفاسد فلا نجد لنا طريق إلاّ الصراخ أكثر كثيراً مثل الأعمى طالبين الرحمة، وكما إستجاب يسوع لهذا الأعمى الذى يصرخ سيستجيب حتماً لكل من يناديه
4) يا يسوع إبن داود إرحمنى = هذا الأعمى يهودى وهو سمع عن المسيا وأنه سيكون إبن داود حسب النبوات، لذلك فقوله إبن داود يحمل معنى إيمانه بأنه المسيا المنتظر (مز11:132 +أش1:11)
5) طرح الأعمى رداءه وقام وجاء إلى المسيح، وهذا يشير إلى أن كل خاطى يريد أن تستنير عينيه، عليه أن يطرح أعماله القديمة تابعاً المسيح. الرداء قد يشير للحياة القديمة أو التكاسل القديم أو الحياة العتيقة.
6) سؤال السيد ماذا تريد أن أفعل بك، يعنى أن السيد يريد أن يعلن إيمان هذا الرجل أمام الجميع. وأنه يعطى من يسألونه.
7) لاحظ أنه حين تمتع بالبصيرة تبع يسوع.
8) فصرخ أكثر كثيراُ = هذه تعلمنا اللجاجة فى الصلاة بإيمان.
9) متى ومرقس يقولان وفيما هو خارج من أريحا ولوقا يقول ولما إقترب من أريحا. ويقول متى أنهما إثنان ومرقس ولوقا يقولان واحد:- وهناك حلاّن لهذا:-
- بينما كان يسوع يقترب من أريحا سمع عنه هذا الأعمى فصرخ ولكن يسوع تركه ليشتد إيمانه. وفى الصباح أثناء خروجه من أريحا إزداد هذا الأعمى صراخاً، فى حين كان أعمى آخر قد إنضم إليه فشفاهما.
- يقول يوسيفوس أنه كانت هناك مدينتين بإسم أريحا، أريحا الجديدة وأريحا القديمة. وهما متجاورتان، على بعد ميل واحد من بعضهما. ويكون يسوع فى هذه الحالة خارجاً من واحدة مقترباً من الأخرى والأعميان فى وسط الطريق.
- كانا إثنين ولكن كان واحد هو المتقدم فى الكلام.
هذه المعجزة أخر معجزة للسيد المسيح قبل دخوله لأورشليم ليصلب وبها نرى أن الأعميان يرمزان للبشرية (يهود وأمم) التى عجزت عن رؤية الله ومعرفته. وجاء المسيح ليقدم لها الفداء وتنفتح أعين البشرية وتعرف الله وتدرك محبته. وكلما صرحنا مثل هذا الأعمى تدركنا مراحم الله وتنفتح أعينا بالأكثر لندرك الله فنحبه لأنه أحبنا اولاً. أما الجموع التى كانت تنتهر الأعميان فهى تشير لكل المعطلات التى تمنعننا عن الصراخ لإستدرار مراحم الله. ونأتى لسؤال السيد للأعمى… ماذا تريد… وهو سؤال لكل منا الآن.
ماذا نريد
تفسير مرقس 9 | إنجيل مرقس – 10 | تفسير إنجيل مرقس | تفسير العهد الجديد | تفسير مرقس 11 |
القمص أنطونيوس فكري | ||||
تفاسير مرقس – 10 | تفاسير إنجيل مرقس | تفاسير العهد الجديد |