تفسير إنجيل مرقس 11 للقس أنطونيوس فكري

 

  • مر 11: 1-11 ← دخول المسيح أورشليم في موكب عظيم (مت1:21-11+ مر1:11-11+ لو29:19-44+ يو12:12-19) + آية 11
  • مر 11: 12-14 ← شجرة التين غير المثمرة يوم الاثنين (مت18:21، 19، [20-22]+ مر12:11-14، [20-26)
  • مر 11: 15-17 ← تطهير يسوع للهيكل للمرة الثانية (مت12:21-17+ مر15:11-19، 11+ لو45:19-48+ لو37:21، 38)، كانت المرة الأولى في بداية خدمة المسيح (يو14:2-17)

* يوم الثلاثاء من أسبوع الآلام:

– شجرة التين اليابسة (مت20:21-22 + مر20:11-26)

(مت20:21-22): “فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال. فأجاب يسوع وقال لهم الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم أيضًا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون. وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه.”

(مر20:11-26): “وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول. فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست. فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم  إيمان بالله. لأني الحق أقول لكم أن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون فمهما قال يكون له. لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم. ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السماوات زلاتكم. وإن   لم تغفروا انتم لا يغفر أبوكم الذي في السماوات أيضًا زلاتكم.”

يرى الدارسون أن الجبل المتحرك يشير إلى كل ما هو صعب. وكانت اللغة المألوفة عند حاخامات اليهود وفي مدارسهم أن من يفسر نبوة أو نصًا صعبًا من الكتاب أنه محرك الجبال. وكما رأينا سابقًا أن الجبل  أيضًا يشير للمسيح (دا 35:2، 45) وبالإيمان ينتقل المسيح إلى القلب الذي مثل البحر في اضطرابه فيسوده السلام. وينتقل إلى الأمم الذين كالبحر فيسودهم الإيمان والفرح. ولكن هناك شرطين:

1-             أن نصلي ونطلب بإيمان وليس عن شك. إلى أن تكون طلبتنا وفق مشيئة الله (1يو14:5).

2-    أن يملأ القلب الصفح عن خطايا الآخرين ليغفر لنا الله، فالله لن يستجيب لمن يملأ قلبه الكراهية والغضب والحقد وطلب الانتقام ولا من يملأ قلبه الشهوات النجسة. الله يستجيب لمن يكون قلبه طاهرًا فيسكن فيه.

ولاحظنا أن المسيح لعن التينة يوم الاثنين فتوقف عنها تيار الحياة فورًا ولكن علامات الموت ظهرت يوم الثلاثاء صباحًا.

 

– تعليق على شجرة التين وتطهير الهيكل

 يوم الاثنين صباحًا خرج الرب من بيت عنيا متوجها إلى أورشليم، وجاع ورأى شجرة تين أوراقها خضراء ممتدة ولم يجد بها ثمر. وحقا لم يكن الوقت وقت إثمار التين، ولكن في فلسطين يظهر الثمر قبل الأوراق. وعادة يوجد على شجر التين بعض من الثمار المتبقية من الموسم الماضى وصالحة للأكل ويستعملها المارة أو العاملين مع خبز عندما يشعرون بالجوع. وتقول المشناة أن التين غير الناضج يبدأون أكله حينما يتغير لونه إلى اللون الأحمر. ولكن الرب لم يجد على الشجرة العقيمة غير المثمرة لا ثمار قديمة ولا ثمار جديدة فلعنها. هذه التينة هي التي قال عنها الرب مَثَلْ التينة غير المثمرة المزمع أن يقتلعها. شجرة التين هذه كانت رمزا لإسرائيل التي أتى إليها الرب يسوع فوجدها أمة مزدهرة ولكن بلا ثمر كهذه الشجرة، أوراق بلا ثمار. فشابهت أبوينا الأولين حينما تغطيا بأوراق التين. وهذا ما جعل الرب يبكى على أورشليم في اليوم السابق عند دخوله إليها إذ رأى ما سيُفعَل بها. وتعجب التلاميذ حينما رأوا الشجرة قد جفت. وكان تعليق الرب “إن قلتم لهذا الجبل بإيمان إنتقل فسينتقل”. وكان هذا مثلا يستخدمه الربيين كمبالغة على عمل الشيء المستحيل، ولكن الرب إستخدمه هنا للتدليل على أن الصلاة بإيمان تصنع المعجزات. وكانوا يقولون هذا المثل على الرابى الذي يستطيع حل مشكلة كبيرة في تفسير الناموس. ووضع الرب شرطا آخر غير الإيمان لإستجابة الصلاة وهو أن نغفر للآخرين. وكان التلاميذ في احتياج لهذا الدرس بسبب ما سيقابلونه في المستقبل من صعوبات.

ثم توجه الرب إلى الهيكل ثانية ليطهره. وهذه المرة لم يسأله الفريسيين وغيرهم أن يعطيهم علامة فهم كانوا قد إتخذوا قرارهم بقتل المسيح (يو2 : 18 + يو7 : 25 + يو11 : 49 ، 53). ولكنهم خافوا من جموع الجليليين المحيطين به.

ووسط كراهية اليهود للرب نجد الأطفال يسبحونه فهم في براءتهم رأوا وجهه المضئ.

كان تطهير الرب للهيكل في المرة الأولى (يو2) للتعليم والإنذار ولكن الآن وهو في نهاية خدمته على الأرض يعتبر هذا التطهير رمزا لحكم الدينونة على إسرائيل وهذا هو نفس معنى شجرة التين التي  لعنها الرب.

 

وتبدأ أحداث يوم الثلاثاء

أحداث كثيرة حدثت في هذا اليوم وهو آخر يوم يوجه الرب يسوع تعاليمه وأحاديثه وحواراته للشعب، وتحذيراته للفريسيين والصدوقيين، وكان آخر يوم ينادى فيه للكل بضرورة التوبة. وبدأ اليوم بملاحظة التلاميذ لشجرة التين التي يبست.

بدأ الرب هذا اليوم بتعليم الناس في الهيكل. فكان التعليم في الهيكل مسموحا به. ولكن بالنسبة للرب كانوا يراقبون ما يقوله وما يعمله، ولكنهم كانوا خائفين من التعرض له وسط الجموع. وكانوا يحاولون إصطياد شيء عليه لإثارة الجماهير ضده. وبدأت مشاورات السلطات لكي يجدوا طريقة لوقف هذا الخطر القادم. والمعروف أن التعليم في الهيكل يحتاج لموافقة السلطات والتأكد أن التعليم متفق مع التقاليد ومن أي مدرسة للربيين، بل ومن أي معلم تسلم تعليمه. فالتعليم يتم تسليمه من معلم لمعلم آخر. وكان هناك نظام لإعتماد أي معلم ويلزمه لذلك شهادة من ثلاثة ربيين معروفين، وتصريح من السنهدريم. ولذلك نجدهم هنا يسألون السيد وهو يُعلِّم في الهيكل عن من أعطاه السلطان ليفعل هذا، أو هل معه تصريح. وإذا لم يُظهر مصدر تعليمه فسيقولون أن بعلزبول هو الذي يقوده، ويثيروا الناس ضده. والسؤال أيضًا كان يشمل ما فعله في اليوم السابق بتطهيره للهيكل. وهذا السؤال لأي معلم يقوم بالتعليم لهم الحق فيه. ولكن سؤالهم للمسيح كان فيه تحايل وجبن. فأراد الرب أن يكشفهم ويسألهم عن معمودية يوحنا من أين كانت من السماء أم من الأرض؟ ويوحنا كان كنبى بين اليهود وشهد للمسيح. فلو قالوا من السماء سيكون الرد ولماذا لم تؤمنوا بي فهو قد شهد لي. ولو قالوا من الأرض لهاجت عليهم الجماهير. وبهذا السؤال أسكتهم الرب في هذه النقطة.

– سؤال الرؤساء عن سلطان يسوع (مت23:21-27 + مر27:11-33 + لو1:20-8)

(مت23:21-27): “ولما جاء إلى الهيكل تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلم قائلين بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان. فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة فان قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضًا بأي سلطان افعل هذا. معمودية يوحنا من أين كانت من السماء أم من الناس ففكروا في أنفسهم قائلين   إن قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به. وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي. فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم فقال لهم هو أيضًا ولا أنا أقول لكم بأي سلطان افعل هذا.”

(مر20:11-33): “وجاءوا أيضًا إلى أورشليم وفيما هو يمشي في الهيكل اقبل إليه رؤساء الكهنة  والكتبة والشيوخ. وقالوا له بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان حتى تفعل هذا. فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة أجيبوني فأقول لكم بأي سلطان افعل هذا. معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس أجيبوني. ففكروا في أنفسهم قائلين إن قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به. وإن قلنا   من الناس فخافوا الشعب لأن يوحنا كان عند الجميع أنه بالحقيقة نبي. فأجابوا  وقالوا ليسوع لا نعلم فأجاب يسوع وقال لهم ولا أنا أقول لكم بأي سلطان افعل هذا.”

 (لو1:20-8): “وفي إحدى تلك الأيام إذ كان يعلم الشعب في الهيكل ويبشر وقف رؤساء الكهنة و الكتبة مع الشيوخ. وكلموه قائلين قل لنا بأي سلطان تفعل هذا أو من هو الذي أعطاك هذا السلطان. فأجاب وقال لهم وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة فقولوا لي. معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس. فتآمروا فيما بينهم قائلين إن قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به. وإن قلنا من الناس فجميع الشعب يرجموننا لأنهم واثقون بأن يوحنا نبي. فأجابوا أنهم لا يعلمون من أين. فقال لهم يسوع ولا أنا أقول لكم بأي سلطان افعل هذا.”

أحداث كثيرة حدثت في هذا اليوم وهو آخر يوم يوجه الرب يسوع تعاليمه وأحاديثه وحواراته للشعب، وتحذيراته للفريسيين والصدوقيين، وكان آخر يوم ينادى فيه للكل بضرورة التوبة. وبدأ اليوم بملاحظة التلاميذ لشجرة التين التي يبست.

بدأ الرب هذا اليوم بتعليم الناس في الهيكل. فكان التعليم في الهيكل مسموحا به. ولكن بالنسبة للرب كانوا يراقبون ما يقوله وما يعمله، ولكنهم كانوا خائفين من التعرض له وسط الجموع. وكانوا يحاولون إصطياد شيء عليه لإثارة الجماهير ضده. وبدأت مشاورات السلطات لكي يجدوا طريقة لوقف هذا الخطر القادم. والمعروف أن التعليم في الهيكل يحتاج لموافقة السلطات والتأكد أن التعليم متفق مع التقاليد ومن أي مدرسة للربيين، بل ومن أي معلم تسلم تعليمه. فالتعليم يتم تسليمه من معلم لمعلم آخر. وكان هناك نظام لإعتماد أي معلم ويلزمه لذلك شهادة من ثلاثة ربيين معروفين، وتصريح من السنهدريم. ولذلك نجدهم هنا يسألون السيد وهو يُعلِّم في الهيكل عن من أعطاه السلطان ليفعل هذا، أو هل معه تصريح. وإذا لم يُظهر مصدر تعليمه فسيقولون أن بعلزبول هو الذي يقوده، ويثيروا الناس ضده. والسؤال أيضًا كان يشمل ما فعله في اليوم السابق بتطهيره للهيكل. وهذا السؤال لأي معلم يقوم بالتعليم لهم الحق فيه. ولكن سؤالهم للمسيح كان فيه تحايل وجبن. فأراد الرب أن يكشفهم ويسألهم عن معمودية يوحنا من أين كانت من السماء أم من الأرض؟ ويوحنا كان كنبى بين اليهود وشهد للمسيح. فلو قالوا من السماء سيكون الرد ولماذا لم تؤمنوا بي فهو قد شهد لي. ولو قالوا من الأرض لهاجت عليهم الجماهير. وبهذا السؤال أسكتهم الرب في هذه النقطة.

هو كملك دخل وطهر الهيكل وبهذا يعلن أنه ابن الله والسؤال بأي سلطان تفعل هذا. والرد كان بسؤال عن يوحنا فلماذا؟ لأن يوحنا دعاهم للتوبة ولو فعلوا لانفتحت بصيرتهم وعرفوه من هو. ورؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ الذين يكونون مجمع السنهدريم، إذ شعروا بأن السيد سلب سلطانهم بطرد الباعة وتطهير الهيكل، بل وأنه كان يجلس في الهيكل يعلم سألوه بأي سلطان تفعل هذا (لو قال من الله وهو قالها مرارًا ولم يصدقوا، لقالوا اصنع معجزة، ولو صنع قالوا من إبليس) وأنت لست من سبط لاوي ولا أنت مكلف من رؤساء الكهنة، لو أتوا ليتعلموا ويبحثوا عن الحق لأجابهم السيد، ولكنهم أتوا يدافعون عن الظلمة ويقتنصوا منه كلمة. وهم في ظلمتهم لم يدركوا أنه هو نفسه واضع الناموس. وهو طالما علَّم ولم يريدوا أن يفهموا فلماذا يجيب هذه المرة بوضوح وقلبهم متحجر. وكان أن المسيح سألهم هل معمودية يوحنا من السماء أم من الأرض وهنا نلاحظ عدة نقاط:

  1. أن يوحنا علَّم بدون سلطان منكم فلماذا تعترضون عليَّ بأنني لم أخذ منكم سلطانًا. فالمسيح لا يتهرب من الإجابة بل يواجه ضمائرهم.
  2. إن يوحنا قد شهد للمسيح. فإن كانت رسالة يوحنا صحيحة من السماء فلماذا لم يؤمنوا، بالمسيح. بل هم سبقوا واتهموا السيد أنه يخرج الشياطين بسلطان بعلزبول فهم يريدون التشكيك في المسيح أمام الجموع.

فهم لو أجابوا أن معمودية يوحنا من السماء فيكون السؤال لهم فلماذا لم تؤمنوا بالمسيح بل لماذا لم تعتمدوا من يوحنا، ولو أنكروا أن معمودية أي خدمة ورسالة يوحنا كانت من السماء فهم يستعدون الناس عليهم وهم بهذا ينكرون الحق أيضًا. وبالتالي لا يستحقون أن يجيبهم السيد. ولذلك تهربوا من الإجابة على سؤال المسيح وقالوا لا نعلم فأثبتوا أنهم وهم معلمو إسرائيل أنهم غير مستحقين لهذا المنصب ولا يستطيعون التمييز والحكم الصحيح وبالتالي لا يستحقون أن يجيبهم المسيح (فالحقيقة أنهم رفضوا يوحنا خوفًا على مراكزهم). ولكنه أجابهم بعد ذلك بمثل الكرامين الأردياء.

ونلاحظ أن مكر هؤلاء الرؤساء في سؤالهم أن المسيح لو قال أنا فعلت هذا بسلطان ذاتي لاقتنصوه بتهمة التجديف، ولو قال أنا فعلت هذا بسلطان من آخر يتشكك الناس فيه إذ هو يعمل أعمال إلهية وسطهم. لذلك لم يجيبهم السيد. ولنلاحظ أننا لو تقدمنا للمسيح بقلب بسيط يدخلنا إلى أسراره إذ يفرح بنا ويقودنا بروحه القدوس إلى معرفة أسراره غير المدركة، أمّا من يستخدم مكر العالم فلا يقدر أن يدخل إليه ويبقى خارجًا محرومًا من معرفته. وهذا حال كثيرين من دارسي الكتاب المقدس وناقدي الكتاب المقدس. فبينما ينهل البسطاء من كنوز الكتاب المقدس ويشبعون يقف النقاد بكتبهم ومعارفهم يحاولون اصطياد فرق بين كلمة وكلمة وبين فعل وفعل في الكتاب المقدس طالبين مجدهم الذاتي، ولذلك ضاع منهم سر معرفة لذة الكتاب المقدس ولم يعرفوا المسيح بل وجدوا أنفسهم. فالمسيح لا يعلن نفسه لمن يتشامخ عليه.

تفسير مرقس 10 إنجيل مرقس – 11  تفسير إنجيل مرقس تفسير العهد الجديد تفسير مرقس 12
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير مرقس – 11 تفاسير إنجيل مرقس تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى