تفسير إنجيل مرقس أصحاح 4 – كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ 
مثل الزارع وحبة الخردل | هياج البحر

 

(1) مَثَل الزارع (ع 1-20):

1 وَابْتَدَأَ أَيْضًا يُعَلِّمُ عِنْدَ الْبَحْرِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ عَلَى الْبَحْرِ، وَالْجَمْعُ كُلُّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَحْرِ عَلَى الأَرْضِ. 2 فَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَال. وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: 3 «اسْمَعُوا! هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، 4 وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ. 5 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى مَكَانٍ مُحْجِرٍ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. 6 وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. 7 وَسَقَطَ آخَرُ فِي الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ فَلَمْ يُعْطِ ثَمَرًا. 8 وَسَقَطَ آخَرُ فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، فَأَعْطَى ثَمَرًا يَصْعَدُ وَيَنْمُو، فَأَتَى وَاحِدٌ بِثَلاَثِينَ وَآخَرُ بِسِتِّينَ وَآخَرُ بِمِئَةٍ». 9 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ» 10 وَلَمَّا كَانَ وَحْدَهُ سَأَلَهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ عَنِ الْمَثَلِ، 11 فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، 12 لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلاَ يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلاَ يَفْهَمُوا، لِئَلاَّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ». 13 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أَمَا تَعْلَمُونَ هذَا الْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ جَمِيعَ الأَمْثَالِ؟ 14 اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ الْكَلِمَةَ. 15 وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ عَلَى الطَّرِيقِ: حَيْثُ تُزْرَعُ الْكَلِمَةُ، وَحِينَمَا يَسْمَعُونَ يَأْتِي الشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ الْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ. 16 وَهؤُلاَءِ كَذلِكَ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ: الَّذِينَ حِينَمَا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ يَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ، 17 وَلكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ إِلَى حِينٍ. فَبَعْدَ ذلِكَ إِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ، فَلِلْوَقْتِ يَعْثُرُونَ. 18 وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا بَيْنَ الشَّوْكِ: هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ، 19 وَهُمُومُ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى وَشَهَوَاتُ سَائِرِ الأَشْيَاءِ تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ الْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ. 20 وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ: وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِئَةً».

يُلاحظ أن مثل الزارع قد سبق شرحه في (مت 13: 1-23)، وسَيُرَاعَى هنا الاختصار.

 

ع1-2: “عند البحر”: حدث هذا أكثر من مرة، فالبحر هنا هو بحر الجليل. وعند ازدحام الجمع على المسيح، استخدم السيد أحد قوارب الصيد, وجلس عليه في مواجهة الجموع الذين على الشاطئ ليعلمهم. والبحر يرمز عادة للعالم المضطرب، والمالح أي الذي يعطش كل من يشرب منه، والسفينة ترمز للكنيسة مصدر التعليم والنجاة.

“بأمثال”: أحد الأساليب التي استخدمها السيد كثيرًا في التعليم، وهناك الوعظ المباشر كالموعظة على الجبل. وهنا، يستخدم مثلا تصويريًّا يرتبط بالبيئة وأذهان الناس، ليسهّل المعنى المراد تصويره.

 

ع3-4: “الزارع”: هو الله، وكذلك كل خادم أمين يستخدمه الله في نشر كلمته (البذار).

“خرج”: أي نزل وتجسد من أجل الفداء والكرازة بكلمته، بذاره، التي سقط بعضها على الطريق فلم ينبت، إذ جاءت طيور السماء وأكلته.

يلاحظ أن السيد المسيح سيعود ويشرح لتلاميذه بالتفصيل معنى هذا المثل وأنواع الأراضي في الأعداد (14-20).

 

ع5-6: والبعض سقط بين الأحجار على تربة صخرية، فلم يقدر الجذر على تخلل الصخور، ومات الزرع بعد أن نبت بسرعة، وأحرقته الشمس، خاصة وأن جذوره لم تستطع أن تمده بالماء والغذاء.

 

ع7-8: وسقط البعض في أرض كان من الممكن أن تعطى ثمرا، لولا امتلائها بالأشواك والحشائش الغريبة غير النافعة، التي حجبت عنها الشمس والهواء، وأعاقت الجذور عن النمو، فاختنقت وماتت.

سقط الجزء الأخير من الحبوب على أرض جيدة، فأعطى ثمرا متنوعا مقداره ثلاثين أو ستين أو مائة.

 

ع9: “من له أذنان”: تعبير استخدمه المسيح أكثر من مرة، والمقصود به دعوة المستمع إلى حسن الإصغاء والفهم والتأمل، ليس فقط في المعنى الحرفي، بل أيضًا في المعنى الروحي الأعمق.

† إلهي الحبيب… كنتَ حريصا على كلمتك أن تصل لكل إنسان حتى تأتي بثمارها، ولهذا كلّمتَ كل الناس بكل أنواع الكلام ليفهموا… ولكن، ماذا أفعل أنا؟ لماذا لا أتحدث مع الناس عنك أو بكلامك، فكلامك مفرح وَمُعَزٍّ، وفهمه والعمل به هو الطريق للأبدية؟

أعطنى يا إلهي أن أتحدث بكلامك بدلًا من كلامى، وبحكمتك عوضا عن فهمى، فتكون التعزية لى وللآخرين.

 

ع10-11: بعد انصراف الجموع، وعند الانفراد بالمسيح، سأله الاثنا عشر مع بعض التابعين له عن معنى المثل، فسُرَّ بهم لأنهم سألوه ليعرفوا المعاني الروحية.

“أعطى لكم”: هبة خاصة ونعمة يعطيها الله لخدامه الأمناء لفهم المعاني الروحية الخفية والرمزية، فيشبعوا أولًا بها، ثم يشرحونها للآخرين، كل واحد بحسب استيعابه.

 

ع12: الكلام هنا، هو تذكير من المسيح لتلاميذه بنبوة إشعياء عن الشعب الذي قاوم تعليم النبي في زمانه (إش 6: 9-10). والمقصود من ذلك أنه ليس كل من يسمع، ولا كل من ينظر، يؤمن بالكلام أو يفهمه، بل في كثير من الأحيان لا يقبله ويقاومه، فيحكم الإنسان بذلك على نفسه، ولا يستحق مغفرة الخطايا.

 

ع13-14: بدأ السيد يشرح لهم المثل، وأوضح أنه أبسط من غيره من الأمثال. وبدأ بأن الله هو الزارع، الحريص على أن يلقى بكلمته في قلوب البشر، والقادر أن يغيّر طبيعة الإنسان إن أراد الإنسان ذلك.

 

ع15: “الطريق”: هم أصحاب القلوب المتكبرة، لأن الطريق أعلى من الحقل، وهو بلا سور يحفظه، أي بلا تدقيق. ومن كثرة مرور الناس على الطريق، يصبح صلبا، فهو يشبه الناس الذين يسمحون للأفكار الشريرة أن تدخل فيهم، فتقسّى قلوبهم فلا يقبلون كلام الله. ثم يأتي الشيطان ويخطف الكلمة فلا تأتي بأى ثمر.

† إلهي… أعطنى أن أكون حقلا منخفضا ومتضعا، ولا أكون طريقا متكبرا، فكلمتك لا تعرف سوى القلب المتضع لتأتى منه بالثمر.

 

ع16-17: “الأماكن المحجرة”: هي أرض لها تربة خفيفة تخفى بداخلها أحجارا صلبة، كالقلوب المرائية التي تظهر الرحمة وتخفى القسوة، تشير أيضًا لعبادة الأحجار -الأصنام- دون الله. وهي أرض لم يمر فيها المحراث الخشبى الذي يرمز للصليب ليفتت قساوتها، حتى يقبل أصحابها الكلمة. وحتى إن استقبل هؤلاء كلمة الله بفرح، يكون هذا مؤقتا وغير ثابت، لا يصمد أمام التجارب أو الضيق أو الاضطهاد.

 

ع18-19: “الشوك”: المزروعين بين الشوك تخنقهم هموم العالم واهتماماته المادية الباطلة، وما يصاحب هذا من قلق وغرور بسبب الغنى. ويقول القديس أكليمنضس الإسكندري: “لا تَلُمْ المال، بل سوء استخدامه.

 

ع20: أما الأرض الجيدة، فهي من يسمعون ويعملون ويثمرون ثمارًا متدرجة. وهي أرض منخفضة (متضعة)، محروثة (حملت الصليب)، معرضة للشمس (أي تقف أمام مسيحها كل يوم)، مرويّة بالروح القدس وبدمه الكريم… ونلاحظ من هذا المثل الآتي:

(1) كلمة الله متاحة للجميع، ومتروك للإنسان درجة التجاوب معها، أو حتى رفضها.

(2) أن هناك مستويات للشبع والتأمل في كلمة الله (التلاميذ)، وهناك مستوى القبول والفهم (الجموع)، وكلاهما مقبول.

(3) أن عدد الأراضي السيئة ثلاث والجيدة ثلاث، وهذا يذكّرنا بمثل العذارى الحكيمات والجاهلات (مت 25: 1-13)، في أن دعوة ونعمة الله واحدة للجميع. ولكن، ماذا عن رد فعلك أيها الحبيب؟!

(2) دعوة الكرازة (ع 21-25):

21 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ؟ أَلَيْسَ لِيُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ؟ 22 لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ صَارَ مَكْتُومًا إِلاَّ لِيُعْلَنَ. 23 إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ» 24 وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ! بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ. 25 لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ».

 

ع21: بعد شرح المثل للتلاميذ، أكمل المسيح حديثه بسؤال استنكارى، الغرض منه دعوة التلاميذ للعمل الكرازى الجاد.

“يؤتى بسراج”: السراج هو كلام المسيح وشرحه وتعليمه الذي أنار به قلوب وعقول تلاميذه. وكما استناروا، عليهم إنارة قلوب الآخرين بذات الكلام، وهي مسئولية تقع علينا نحن أيضا، فيجب ألا ننشغل بالعالم الذي يرمز إليه المكيال في إخفائه لكلمة الله، أو نتكاسل ونرقد على السرير، تاركين عمل الله، بل علينا أن نرفعه عاليا على المنارة حتى يضىء العالم كله بتعليم المسيح. وترمز المنارة كذلك إلى الكنيسة المضيئة في وسط العالم المظلم، فهي المسئولة عن نشر تعليم المسيح. ولنلاحظ أن طقس بناء الكنائس حرص على بناء المنائر تأكيدا لهذا المعنى.

 

ع22-23: أي ما شرحته لكم على انفراد من أسرار الملكوت ليس لإخفائه، بل لإعلانه والتعليم به، وهي مسئوليتكم… ولأهمية الموضوع، كرر السيد المسيح ما قاله للجموع في (ع9) بأن من له أذنان للسمع فليسمع.

 

ع24-25: طلب المسيح من تلاميذه أن يفهموا الحقيقة التالية، وهي: عدل الله أمام محبة وتعب خدامه. فكل من قدّم تعبا من أجل انتشار الملكوت والكرازة، ستكون له المكافأة بزيادة، ويعطيه الله هنا القوة على العمل. أما من ليس له رغبة في العمل، فحتى مواهبه الطبيعية التي لم يستخدمها، ستؤخذ منه هنا، ويعاقب على تقصيره في الأبدية.

 

(3) مَثَلا نمو الزرع وحبة الخردل (ع 26-34):

26 وَقَالَ: «هكَذَا مَلَكُوتُ اللهِ: كَأَنَّ إِنْسَانًا يُلْقِي الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، 27 وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ، 28 لأَنَّ الأَرْضَ مِنْ ذَاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ. أَوَّلًا نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلًا، ثُمَّ قَمْحًا مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ. 29 وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ». 30 وَقَالَ: «بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَل نُمَثِّلُهُ؟ 31 مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. 32 وَلكِنْ مَتَى زُرِعَتْ تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا». 33 وَبِأَمْثَال كَثِيرَةٍ مِثْلِ هذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ حَسْبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا، 34 وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ.

 

ع26: “ملكوت الله: هناك فرق بين تعبيرى “ملكوت الله” و”ملكوت السماوات”… فملكوت السماوات يعني الأبدية وما بعد المجيء الثاني للمسيح. أما ملكوت الله، فيعنى أمرين: الأول: هو انتشار الإيمان على الأرض ومُلك الله على قلوب الناس، والثانى: هو عمل الله في الإنسان من أجل نمو الإيمان بداخله (ص 1: 14-15).

“إنسانا”: ترمز للمسيح نفسه أو للخادم الأمين الموصل لكلام المسيح، والبذار هى كلمات الله وتعاليمه ووصاياه، والأرض هى قلب الإنسان أو البشر عامة.

 

ع27: “البذار يطلع وينمو”: إشارة واضحة لعمل الروح القدس في الكنيسة والإنسان، فالروح القدس هو المسئول عن النمو الروحي في حياة كل منا، ولهذا تنمو البذار في القلب ويتجاوب معها الإنسان.

“وهو لا يعلم”: بالطبع تعود هذه الكلمات على شخص الخادم الذي ألقى بكلمة الله في القلوب، لأن مسئولية النمو والإثمار هي مسئولية الله نفسه وليس الخادم، كما قال بولس الرسول: “ليس الغارس شيئًا ولا الساقى، بل الله الذي ينمى” (1 كو 3: 7).

 

ع28: “الأرض من ذاتها”: إشارة إلى طبيعة البشر الجديدة بعد المعمودية في أنها مستجيبة لعمل الله، وتميل للخير. ويوضح لنا السيد المسيح هنا أن النمو الروحي في حياة الإنسان هو نمو تدريجى، وليس انقلابا وتغييرا في لحظة… فيبدأ كنبات بسيط في بداية التوبة، وبعد ذلك سنابل، أي الأعمال الصالحة، ثم يصير قمحا أي ثمرا ناضجا ثابتا، وكذلك هو مصدر غذاء روحي لآخرين.

 

ع29: “متى أدرك الثمر”: أي عند كمال النضج. والمقصود انتشار ملكوت الله على قلوب الناس.

“المنجل”: هو سكين نصف دائرى يستخدم في الحصاد.

المعنى العام: عند اكتمال الزمن ونهاية الأيام، يرسل الله ملائكته الحصادين (مت 13: 39) لاقتطاف هذا الثمر، وينتقل الناس إلى السماء ليحاسبوا على أعمالهم.

† إلهي الحبيب… اجعلنى أرضا صالحة أقبل كلامك الذي يصل إلىَّ, واجعلنى خاضعا لروحك القدّوس… فأنا فعلا أريد أن أنمو، وليس لى سوى عملك في حياتى الذي أحتاجه بقوة، ثبّت فىَّ كلامك، واشغل قلبى بحبك، واجعلنى أشتهى خدمتك، وأكون مستحقا لملكوتك السمائى في مجيئك الأخير.

 

ع30: سؤال سأله المسيح، ليس بغرض الحصول على إجابة من مستمعيه، بل ليوضح لناحرصه على توضيح الحقائق الإيمانية بأمثلة بسيطة تتناسب مع عقول الناس.

 

ع31-32: لا زال حديث المسيح هنا مرتبطا بالحديث السابق في نمو عمل الله داخل حياة الإنسان، وكيف وإن بدأ صغيرا في القلب، كحبة خردل واحدة وهي الصغرى بين الحبوب، إلا أن رعاية الله تجعلها شجرة هائلة تضم أغصانا وفروعا، أي فضائل روحية متنوعة، حتى أن النفوس التي بلا مأوى تجد الراحة بداخلها.

† أليست هذه هي كنيسة الله التي تبدو ضعيفة في عينى العالم؟ ولكنها واحة الراحة لكل المتعبين والتائهين في العالم… فإلى متى يا أخي تظل متغربا عن كنيستك؟ تعال واستظل، تجد الراحة والماء والمرعى، ومسيحك المنتظر باشتياق ليتعهد نموك وإثمارك.

 

ع33-34: بحسب طاقة المستمعين وفهمهم، كان الرب يتكلم بالأمثال والتشبيهات. أما على انفراد، أي مع تلاميذه في جلساتهم الخاصة، فكان يفسر لهم كل شيء.

(4) هياج البحر (ع 35-41):

35 وَقَالَ لَهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ». 36 فَصَرَفُوا الْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. 37 فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. 38 وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» 39 فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «اسْكُتْ! اِبْكَمْ!». فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. 40 وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟» 41 فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!»

 

ع35-36: في نفس اليوم الذي تحدث فيه المسيح بالأمثال، طلب من التلاميذ عبور بحر الجليل إلى شرق الأردن، فقام التلاميذ بصرف الجموع، وأخذوا الرب بدون استعدادات كما كان إلى السفينة. والسفينة هنا تشير إلى الكنيسة التي تحمل دائما مسيحها بداخلها وحوله الرسل، أي آبائها وخدامها.

 

ع37-38: هبت رياح مضادة وعنيفة ومعاكسة، وهي تشير إلى التجارب والحروب التي تتعرض لها النفس أو الكنيسة في العالم، والأمواج العالية تشير إلى الشهوات التي يحاول الشيطان أن يملأ بها النفس. والمسيح في كل هذا لم يترك سفينته (كنيسته)، بل كان يمتحن إيمان خدامها أثناء الضيقة، ويُظهر ضعفهم وسرعة التجائهم إليه. فأيقظوه وعاتبوه لإهماله لهم، بدلًا من أن يطلبوا منه باتضاع وبثقة في قدرته على إنقاذهم.

 

ع39: “.. انتهر.. وقال..”: تحدث المسيح مع البحر والرياح بسلطان السيد على عبيده، وأمرهما بالخَرَسِ، فجاءت الاستجابة فورية وسريعة، وصار هدوء عظيم.

 

ع40-41: كان كلام المسيح مع التلاميذ توبيخا وعتابا على نقص إيمانهم أمام الشدة، وعلى أسلوب كلامهم -الغير لائق- معه. وبعد الهدوء، صار خوف أعظم داخل قلوب التلاميذ، وتساءلوا فيما بينهم عن حقيقته، واكتسبوا خبرة روحية جديدة عن قدرة المسيح الذي تطيعه الرياح والبحر وكل الطبيعة.

† ونتعلم من هذه المعجزة أكثر من شيء:

(1) أن وجود المسيح داخل الكنيسة لا يمنع حدوث التجارب والاضطهادات.

(2) أن الغرض من التجارب عامة هو امتحان للإيمان والثقة في عمل الله.

(3) سماح الله بالتجارب لنا، هو لنعرف ضعفاتنا، ونلتجئ إليه فينقذنا ويعضدنا.

(4) أنه مهما كانت الدالة في حديثنا مع أبينا السماوي، فلا يجب أبدا أن تكون على حساب احترام كرامة اسم الله ومهابته ومخافته في قلوبنا.

تفسير مرقس 3 إنجيل مرقس – 4  تفسير إنجيل مرقس تفسير العهد الجديد تفسير مرقس 5
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير مرقس – 4 تفاسير إنجيل مرقس تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى