تفسير إنجيل متى أصحاح 2 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
الأَصْحَاحُ الثَّانِي
زيارة المجوس – الهرب إلى مصر والعودة إلى الناصرة
(1) مجيء المجوس (ع 1-6):
1 وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ 2 قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». 3 فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. 4 فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» 5 فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: 6 وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».
ع1-2: المجوس هم المنجمون الذين كانوا يهتمون بدراسة الطب والفلك، وكانوا علماء في بلادهم، ويُعتبَرون كهنة أيضا، ولهم مكانة عظيمة تبيِّنها هداياهم. وقد أتوا من المشرق، غالبًا من فارس أو العراق، ولم يُذكَر عددهم لكن على الأقل كان فيهم ثلاثة متقدمون، وقد يكون تابعا لهم عدد كبير؛ وكانوا قد سمعوا نبوات من أجدادهم عن ظهور نجم يشير إلى ميلاد ملك عظيم. وقد قال بَلْعَامُ ابن بَعور النبي ذلك، وهو من المشرق حيث يسكنون: “أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى” (عد 24: 17). وقد يكونوا فهموا هذا من دانيال الذي كان رئيسًا للمجوس، من نبوته عن ميلاد المسيح: “فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويُبْنَى سوق وخليج في ضيق الأزمنة” (دا 9: 25).
والنجم الذي رأوه لم يكن نجما عاديًّا، فهو إما ملاك ظهر بشكل نجم، أو نجم خاص روحي أرسله الله، ويظهر هذا مما يأتي:
أ) النجوم تتحرك من الغرب إلى الشرق، أما هذا فمن الشرق إلى الغرب.
ب) هذا النجم يظهر في النهار والشمس ساطعة، وليس في الليل فقط.
حـ) كان يظهر أحيانا ويختفي أحيانًا أخرى (كما حدث عند سؤالهم هيرودس).
د) كان يسير مرتفعا في السماء، ثم ينزل فوق منزل حقير حيث وُلد المسيح.
فلما وصل النجم بهم من المشرق حتى أورشليم، تأكدوا من النبوات، وأنه ملك اليهود، وظنوا أنه يولد في القصر الملكي، فسألوا مَن في القصر.
ع3: هيرودس هذا هو المسمى هيرودس الكبير، وهو من أصل أدومي، ودخيل على اليهود، وقد اغتصب المُلك. واتصف بالعنف، فقتل زوجته وبعض أولاده، وكان عمره حينذاك سبعين عاما، فخاف من المَلك الجديد. وسرى الخبر في القصر وكل أورشليم، فاضطربوا متحيّرين ماذا يحيط بميلاد الملك الجديد، وهل يمكن أن تحدث صراعات بينه وبين هيرودس؟!
و هيرودس هذا هو والد هيرودس أنتيباس الذي قتل يوحنا المعمدان، وجد هيرودس الذي قتل يعقوب بن زَبْدِي وسجن بطرس.
ع4: فهم هيرودس أنهم يتحدثون عن المسيا المنتظر، وخاف أن ينتزع منه المُلك، فجمع رؤساء الكهنة، أي الرئيس الحالي والرؤساء السابقين، وكل رؤساء فرق الكهنة، وكتبة الناموس الدارسين له، ليُعلموه أين يولد المسيح حتى يستطيع قتله.
† مهما كانت عظمة وسلطان الإنسان، لا يستطيع أن يحتفظ بسلامه، ما دام في الخطية بعيدًا عن الله، فالسلام لا يتمتع به إلا أولاد الله.
ع5-6: “بيت لحم”: هى قرية صغيرة جنوب غرب أورشليم، تبعد عنها حوالي 8 كم.، وتسمى أيضًا أفراتة (مى 5: 2)، أو مدينة داود لأنه وُلد فيها (لو 2: 4)، وتنبأ عنها ميخا النبي (مي 5: 2)، وهي في اليهودية تمييزا لها عن مدينة أخرى تسمى بيت لحم في الجليل، وواضح من النبوة أنها صغيرة وحقيرة، ولكنها صارت عظيمة جدًا بميلاد المسيح فيها.
لاحظ كيف لم يهتم الكهنة ورؤساؤهم بالبحث عن المسيا المنتظر، الذي تكلم عنه الأنبياء، وأشارت إليه الرموز، لانشغالهم بمراكزهم وأموالهم. بينما بحث الأمم، والبعيدون عنه في شكل المجوس المسافرين من بلاد بعيدة، ليؤكد الكتاب المقدس أن المسيح قد أتى لخلاص العالم كله، وهو يجذب إليه كل إنسان بالطريقة التي تناسبه (اليهود بالنبوات، والمجوس بالنجم لأنهم علماء فلك)؛ المهم أن يتجاوب الإنسان مع صوت الله.
† فمهما كنت ضعيفًا أو حقيرًا، تتحول إلى أعظم إنسان بسكنى المسيح في قلبك.
(2) سجود المجوس للمسيح (ع 7-12):
7 حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. 8 ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». 9 فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. 10 فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. 11 وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. 12 ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ.
ع7: بعد أن علم هيرودس بمكان ميلاد المسيح، سأل المجوس عن ميعاد ظهور النجم لهم في بلادهم، وحَسَبَ الوقت حتى وصولهم من فارس إلى اليهودية، فكان أكثر من عام، وذلك ليعرف سن الملك الجديد.
“سرا”: لأنه يشعر بشرّه إذ ينوى قتل المسيح، حتى لا تنكشف خطته في قتل أطفال بيت لحم التي سيفاجئ بها اليهود.
ع8: أخفى هيرودس قساوته في قلبه ورغبته في أن يقتل الملك الجديد، وأظهر نفسه في براءة للمجوس، كأنه يريد أن يسجد مثلهم له، فطلب منهم أن يعرفوا المكان بالتدقيق ثم يخبروه. ويبدو أنه، من اضطرابه، لم يرسل وراءهم أحدا ليعرف مكان المولود.
ع9-10: اعتمد المجوس على منطقهم، فسألوا في القصر الملكى حيث ظنوا أن الملك الجديد يولد، ولم يرشدهم أحد، ثم خرجوا فوجدوا أن النجم قد اختفى عنهم. وبعدما فشلوا في معرفة مكانه، ظهر لهم النجم الإلهي ففرحوا جدا، وقادهم إلى بيت لحم ثم إلى البيت الذي ولد فيه المسيح.
† تمسك بوصايا الله لتهديك في طريق حياتك، وكذا إرشادات أب اعترافك فوق كل أفكارك ومنطقك، حتى لا تضل عن المسيح.
فلا تتعطل بمشاغل العالم ومنطقه عن هدفك وهو محبة الله، وقدر تمسكك بوصايا الله سيظل يرشدك، ولكن إن أهملته ستحتار وتسأل: كيف أسمع صوت الله؟
ع11: عندما رأوا الطفل يسوع مع أمه العذراء ويوسف النجار، شعروا بخشوع عظيم، وسجدوا له وقلوبهم ممتلئة فرحا، ثم قدموا له هداياهم وهي الذهب واللبان والمر، وهي تشير إلى وظائف المسيح، فالذهب لأنه ملك، واللبان، أي البخور، لأنه كاهن بذبيحة نفسه على الصليب، والمر إشارة إلى آلامه وموته. ولعل هذه الهدايا كانت معينة للعائلة المقدسة في تكاليف الرحلة إلى مصر في بعض نفقاتها.
وتظهر هنا عظمة إيمان المجوس بالمسيح أنه كان في صورة حقيرة، وكذلك لاحظوا عدم اهتمام اليهود بتمجيد ملكهم، ولكنهم آمنوا بحسب إرشاد الله لهم بالنجم.
ع12: لم يفهم المجوس قصد هيرودس الشرير، ولكن الله بعد زيارتهم للمسيح، أعلمهم في حلم ألا يرجعوا إلى هيرودس لأنه شرير، وهداهم إلى طريق آخر عادوا منه إلى بلادهم. ويبدو أن هذا الحلم أتاهم بعد رؤية المسيح مباشرة ليسرعوا في الرحيل إلى بلادهم، قبل أن ينتبه هيرودس وينفذ خطة قتله لأطفال بيت لحم.
† إن كنت قد تمتعت بالجلوس مع المسيح، فلا تعد إلى هيرودس الشرير، أي شرورك الأولى، بل عد إلى بلدك الأول وهو الفردوس حيث خُلق آدم قديما، أي ارفع قلبك للسماء مستمرا في علاقة روحية مع الله.
(3) حلم يوسف الثاني (ع 13-15):
13 وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». 14 فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15 وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
ع13: أعلم المجوس العائلة المقدسة بما قاله الله لهم في الحلم، ففهموا أن هيرودس يبحث عن يسوع ليؤذيه، ولكنهم لم يضطربوا، وانتظروا إرشاد الله. ثم تظهر عناية الله بهم واستهزائه بهيرودس الشرير، فظهر ملاك الله في حلم ليوسف للمرة الثانية، وطلب منه أن يأخذ الطفل يسوع وأمه مريم ويهرب بهما إلى مصر، ويكون هناك حتى يقول له.
ومصر هي أقرب مكان لليهودية وليست تحت سلطان هيرودس.
† وبهذا، يعلن لنا الله أمورا أساسية في سلوكنا الروحي، وهي:
أ) ضرورة احتمال الآلام ليتزكى الإنسان، فكم كان صعبا على العجوز يوسف والشابة الصغيرة مريم والطفل يسوع أن يتحملوا مشاق السفر والإقامة في بلد غريب.
ب) تأكيد تجسد المسيح،واحتماله كل معاناة البشر منذ طفولته، غير مستخدم لقوة لاهوته ليريح نفسه.
حـ) عدم مقاومة الشر، بل الهروب منه.
د) مباركة مصر لتكون مركز اللعمل الروحي على مدى الأجيال بعلمائها ورهبانها وقديسيها.
ع14: أطاع يوسف النجار كلام الملاك، غير معتذر بسبب شيخوخته، أو صغر الطفل، أو عدم معرفته بمصر، وقام ليلًا للسفر إليها.
“ليلا”: غالبًا في نفس الليلة التي رأى فيها الحلم، ليسرع في الهرب قبل إتمام خطة هيرودس، ولأنه كان غريبا لم يكن معه حاجيات كثيرة تحتاج لإعدادها عند السفر، كذلك لم يلتفت إليه أحد فهو ليس من أهل المكان.
ع15: تحركت العائلة المقدسة إلى مصر، ومرت بأماكن كثيرة وباركتها، ومكثت هناك حوالي سنتين حتى مات هيرودس، وبذلك تمت نبوة هوشع النبي في عودة المسيا إلى أرض إسرائيل: “من مصر دعوت ابنى” (هو 11: 1)، وكانت هذه النبوة عن خروج بنى إسرائيل من مصر، وكذا عن رجوع المسيح من مصر إلى بلاد اليهود.
(4) قتل أطفال بيت لحم (ع 16-18):
16 حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. 17 حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18 «صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ».
ع16: غضب هيرودس جدًا بسبب عدم طاعة المجوس له واعتبرها إهانة عظيمة، وازداد خوفه من الملك الجديد، فقرر في قسوة قلب أن يقتل كل أطفال بيت لحم الذين منهم الملك الجديد. ولكيما يضمن قتله، طلب من الجنود محاصرة المكان، فلا ينجو أحد من كل تخوم (حدود) بيت لحم.
وبحسب توقعاته لعمر الملك الجديد أن يكون حوالي سنة أو أكثر، طلب أن يُقتَل كل الأطفال حتى سن سنتين ليضمن التخلص منه، لئلا يخطئ العسكر في تقدير سن الأطفال، وكذلك أمر بقتل كل من حول بيت لحم، وكذا من هم أكبر من سن الطفل ليكون قد قضى عليه، وهذا يُظهر وحشية هيرودس.
ع17-18: وتحققت بهذا نبوة إرميا السابق الإشارة إليها في (ع8)، والتي تعبر عما حدث أثناء السبي، وأيضا ما حدث في مذبحة بيت لحم، حيث انتشر الخبر في كل أورشليم وما حولها، إذ أن مدينة الرامة تقع شمال أورشليم، فسمعوا ببكاء وصراخ الأمهات اليهوديات (اللاتي يُرمَز لهن براحيل) لفقد أطفالهن. وأيضا راحيل زوجة يعقوب المدفونة في بيت لحم بكت أولًا على من قُتِلوا أيام سبى بابل، وتبكى أيضًا على الأطفال المقتولين أيام هيرودس. كل هذا رمز للحزن الذي ساد، ليس فقط بيت لحم، بل كل البلاد المحيطة بأورشليم.
† إن قسوة القلب تجعل الإنسان لا يشعر بمن حوله، فيسىء إليهم وهو منهمك في تحقيق أغراضه. فليتك تضع نفسك مكان الآخرين لتشعر بهم، ولا يكون تحقيق أغراضك على حساب راحة الناس، بل ليتك تبحث عن راحتهم قبل راحتك كما فعل المسيح حين مات لأجل فدائنا وخلاصنا.
(5) العودة إلى الناصرة (ع 19-23):
19 فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ 20 قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». 21 فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. 22 وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. 23 وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا».
ع19-20: بعد أن ظلت العائلة المقدسة حوالي سنتين في مصر، منتظرة سماح الله لها بالرجوع إلى أرض إسرائيل، ظهر الملاك ليوسف للمرة الثالثة وأعلمه بموت هيرودس وابنه أنتيباتر اللذين كانا يريدان قتل يسوع (لأن هيرودس قتل ابنه قبل أن يموت بخمسة أيام بعد أن أكمل 37 عامًا في الملك، وكان ذلك عام 4 ق.م.)، وأمر الملاك يوسف بالرجوع.
ع21: أطاع يوسف، ولم يطلب أن يظل بمصر معتذرا بشيخوخته أو الابتعاد عن الأشرار في اليهودية، ففضيلة الطاعة تعلو فوق كل منطق، ليقود الله حياة من يطيعه.
ع22: عندما وصل يوسف إلى مشارف أرض إسرائيل، سمع أن أرخيلاوس ابن هيرودس قد مَلَكَ عوضا عنه، وقد كان مشهورا بالقسوة مثل أبيه، فخاف أن يعود إلى بيت لحم بجوار أورشليم، حيث كان يظن أنها مكان مناسب لسكنى المسيح قريبا من الهيكل وكهنة اليهود.
وسأل الله ماذا يعمل؟ فـ “أوحى إليه في حلم”، ربما بواسطة ملاك كالمرات السابقة، بالذهاب إلى الجليل، وهو في شمال أرض إسرائيل، حيث يملك هيرودس أنتيباس شقيق أرخيلاوس، وكانت بينهما مشاكل، بالإضافة إلى اتصافه باللطف.
ع23: عندما وصل إلى الجليل، ذهب إلى مدينة الناصرة، حيث كان يسكن أولا، فهي موطنه الأصلى، وبهذا تتم نبوات الأنبياء أنه سيدعى ناصريا.
وكلمة “ناصرة” معناها غصن، وقد تنبأ إشعياء وإرميا وزكريا أن المسيح سيدعى الغصن (إش 11: 1-2؛ إر 33: 15؛ زك 3: 8)، وهذه هي المرة الخامسة التي يستشهد فيها القديس متى بالنبوات.
وعاش يسوع في الناصرة حوالي 28 عامًا حتى بلغ سن الثلاثين، وكان يعمل مع يوسف النجار في النجارة. ولم يُذكَر كثيرًا عن هذه الفترة إلا أنه كان مطيعا لأمه ويوسف، وكان ينمو في القامة والنعمة، وكان يزور أورشليم في الأعياد لتتميم العبادة بحسب الشريعة.
† إن الله يقود حياتك، فلا تنزعج من الأشرار مهما هددوك، فهيرودس وأنتيباتر ابنه قد ماتا،وأرخيلاوس أبعد الله مسيحه عنه حين سكن في الجليل. فقوة الأشرار بلا قيمة أمام الله، فاسلك بهدوء وطمأنينة منشغلا بالله وهو يحميك من كل شر.