تفسير إنجيل متى أصحاح 10 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
الأَصْحَاحُ العَاشِرُ
دعوة التلاميذ وكرازتهم في اليهودية
(1) دعوة الاثني عشر (ع 1-4):
1 ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. 2 وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولًا فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. 3 فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. 4 سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ.
ع1: اختار المسيح اثنى عشر من تابعيه ليصيروا تلاميذَ له، وكانت هذه الدعوة على مراحل. وكان الهدف أن يتتلمذوا على يديه، فيسلمهم الحياة الروحية والتعاليم التي يوصلونها للعالم ويبشروا بها.
وفي خروجهم للتبشير بالتوبة وملكوت السموات، عضدهم بسلطان إخراج الشياطين وشفاء الأمراض، لمساعدة الناس على الإيمان بكلامهم، إذ يبعد عنهم إبليس المتسلط عليهم، ويستريحون من أتعابهم، فتكون قلوبهم مستعدة أكثر لقبول البشارة.
† قدّم محبتك للناس، فتنفتح قلوبهم ويستجيبوا لكلامك.
ع2: كان عدد التلاميذ اثنى عشر، أي ثلاثة في أربعة، ويعنى عمل الثالوث القدّوس في العالم كله بجهاته الأربعة، وليبشروا أسباط اليهود الاثنى عشر.
“سِمعان الملقب بطرس”: أي صخرة أو صفا، وهو أول التلاميذ وأكبرهم سنا.
“أندراوس”: أخو سِمعان بطرس، والاثنان كانا من تلاميذ يوحنا المعمدان.
“يعقوب بْنُ زَبَدِى”: أول من استشهد من التلاميذ.
“يوحنا”: أخو يعقوب، وكانا حَادَىِّ الطبع، فسماهما المسيح “بُوَانَرْجِسَ”، أي ابنى الرعد. وتميز يوحنا بمحبته الشديدة للمسيح، وكان يتكئ على صدره.
ع3: “فِيلُبُّس”: من بيت صيدا، وهو غير فيلبس المبشر أحد الشمامسة السبعة. وقد دعا بَرْثُولْمَاوُسَ الذي يسمى أيضًا نَثَنَائِيلَ، وهو من قانا الجليل.
“توما”: الذي يلقب بالتوأم.
“متى”: المسمى لاوى، وقد سَـمَّى متى نفسه بالعشار اتضاعا منه لأن العشارين مشهورون بخطاياهم.
“يعقوب بْنُ حَلْفَى”: أو يعقوب الصغير، تمييزا له عن يعقوب بن زبدى الأكبر منه سنا، وهو ابن خالة المسيح، وقد صار أسقفا لأورشليم.
“لَبَّاوُس”: الذي يلقب تَدَّاوُس، ويسمى أيضًا يهوذا، وهو ابن حلفى أخو يعقوب، وهو كاتب الرسالة المعروفة باسمه (يعقوب).
ع4: “سِمعان القانوى”: أي الغيّور، وليس معناها أنه من قانا الجليل. والغيّورون هم جماعة من اليهود، متمسكون بقوميتهم ضد السلطة الرومانية، ومستعدون لأعمال تخريبية دفاعا عن وطنهم اليهودي.
“يهوذا الإسخريوطي”: ومعناها “رجل قريوط”، وهي إحدى بلاد اليهودية، وهو الذي باع المسيح لليهود وسلمه لهم.
يلاحظ أن المسيح قد اختار تلاميذه من الناس العاديين، وليس من المرموقين، لتُنسَب أعمالهم إلى قوة الله التي تعمل فيهم، وليس قوتهم الشخصية، فهو مستعد أن يقبل ويعمل بأى شخص مهما كان ضعفه.
وقد اختارهم بطباع مختلفة، فمنهم العميل للسلطة الرومانية مثل متى العشار، ومنهم أيضًا من يتحدى هذه السلطة وهو سِمعان الغيور، ومنهم الفقير مثل بطرس وأندراوس، والغنى مثل يعقوب ويوحنا ابنى زَبْدِى، فهو يجمع الكل في كنيسته بمحبة واحدة.
† الله مستعد أن يعمل في أقل وأضعف الناس، فتمسك بعلاقتك الروحية مع الله، مهما كان ضعفك أمام خطاياك، أو قلة أمكانياتك، لأن الله قادر أن يعمل بك، فتخدمه، ويكون المجد لله بشكرك له كل حين.
(2) كرازة التلاميذ (ع 5-15):
5 هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6 بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. 7 وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. 8 اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا. 9 لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ، 10 وَلاَ مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً وَلاَ عَصًا، لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌ طَعَامَهُ. 11 «وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ دَخَلْتُمُوهَا فَافْحَصُوا مَنْ فِيهَا مُسْتَحِقٌ، وَأَقِيمُوا هُنَاكَ حَتَّى تَخْرُجُوا. 12 وَحِينَ تَدْخُلُونَ الْبَيْتَ سَلِّمُوا عَلَيْهِ، 13 فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقًّا فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَلْيَرْجعْ سَلاَمُكُمْ إِلَيْكُمْ. 14 وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ. 15 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ.
ع5-6: أرسلهم المسيح إلى بلاد اليهودية ليبشروا فيها، وليس إلى السامرة، أي الجزء المنشق من اليهود المختلط بالأمم والعبادات الوثنية. وكذلك نهاهم عن الذهاب إلى الأمم، أي البلاد الوثنية، لأن المسيح هو المسيا المنتظر عند اليهود، الآتي لخلاصهم، ليؤمن به كل من انتظر الوعود الإلهية والنبوات، ثم يبشَّر باقي العالم، فهو آتٍ لخلاص الكل، ولكن يبدأ باليهود، فالمفروض أنهم أول من يتجاوب مع بشارته، ليجمع الضالين منهم عن الحق، ثم السامريّين كحلقة بين اليهود والأمم، ثم الأمم؛ أي في النهاية يقدّم الخلاص للكل، وهذا ما حدث بعد صعوده (ص 28: 19).
ع7: موضوع كرازة الرسل هو نفسه الذي كرز به يوحنا المعمدان والمسيح نفسه، أي التوبة استعدادا لملكوت السماوات، لأنه بالتوبة يرفض الإنسان خطاياه، ويبدأ الحياة الجديدة مع المسيح، فيملك على قلبه، عربونا لتمتعه معه بالملكوت الأبدي.
ع8: أعطى المسيح لتلاميذه إمكانيات الكرازة، وهي السلطان على شفاء الأمراض، حتى الصعب منها مثل البَرَص الذي يمثل النجاسة. بل وأعطاهم السلطان لإقامة الموتى، وإخراج الشياطين من ضعاف النفوس؛ أي أعطاهم السلطان على كل شىء، حتى ما يبدو مستحيلا، لإنقاذ أولاده من يد إبليس، وتهيئتهم لقبول البشارة به.
ويشترط عليهم أن تكون خدمتهم مجانية، كمحبة بلا مقابل، كما أعطاهم هو كل شيء مجانا، لبعطوا هم أيضًا الآخرين، فتنجذب القلوب إليهم.
وهذا مبدأ ما زال ساريا في الخدمة حتى الآن، وهو تقديم الخدام للخدمة الروحية بلا مقابل.
ع9-10: ذهبا – فضة – نحاسا: كانت النقود في ذلك الوقت تصنع من هذه المعادن الثلاث، فالمقصود أي نوع من النقود أو أية أجزاء من هذه المعادن التي لها قيمة مالية.
حيث أن المسيح يعضدهم بقوته، فلا يحتاجون أن يأخذوا معهم أموالا، أو طعاما في مزاودهم، أي الأكياس التي يحملونها في السفر، ولا يحتاجون إلى ثياب أو أحذية، ولا عصا يستندون عليها، لأن المسيح هو سندهم، وإن احتاجوا لهذه الأمور سيوفرها لهم من خلال الذين يبشرونهم، لأنه، وإن كانت الخدمة مجانية، ولكن الاحتياجات الضرورية للخادم، يمكن أن يوفرها الله له من خلال عطايا من يخدمهم.
ويقصد هنا أن يكتفى التلميذ بحاجاته الضرورية التي يستعملها، ولا يأخذ معه شيئًا إضافيا للاحتياط، لأنه إن فُقِدَ أي شيء منها سيوفره الله له.
ع11: أوصاهم المسيح، إذا دخلوا أي مكان ليكرزوا فيه، أن يبحثوا عن المتجاوبين مع كلمة الله أو المستعدين لسماع الكلمة، هؤلاء هم المستحقون أن ينالوا البشارة، فيتوبوا ويُصلحوا حياتهم. وقال لهم أن يظلوا مقيمين في هذا البيت المتجاوب، لكي يكملوا إقناع المتجاوبين حتى يجذبوهم له، فلا ينتقلوا بسرعة من بيت إلى بيت، بل يكملوا إقناع ورعاية كل إنسان. ومن ناحية أخرى، لا ينشغلوا بالضيافة ويسعوا وراءها في بيوت مختلفة، لأن غرضهم هو الكرازة، والبيت الذي يقيمون فيه هو مجرد مكان للمبيت، ينطلقوا منه لخدمة النفوس.
ع12-13: “سلِّموا عليه”: قدِّموا التحيات والمحبة والاهتمام الكافى لأهل البيت، فليست الكرازة عملا جافا، بل هي مصحوبة بمشاعر الحب؛ وتظهر هنا أهمية التعبير عن المشاعر لجذب الناس.
أمرهم المسيح أن يبشروا بسلامه لكل القلوب، ويقدموا محبتهم للكل. فإن تجاوب بعضهم سيتمتعوا بخلاص المسيح، ويستفيدوا من سلامهم المقدم لهم. وإن رفضوا، فلا يحزنوا، فسلامهم ومحبتهم تعود إليهم، أما الرافضون فيخسرون نعمة الله.
ع14: “انفضوا غبار أرجلكم”: كان نفض الغبار عادة معروفة، ترمز لإخلاء المسئولية – إذ عمل الرسل ما عليهم – ويحاسَب الرافضون بالتالي على رفضهم لكلمة الله. كما يرمز أيضًا إلى عدم أخذ أي شيء مادي من هؤلاء الرافضين، ولا حتى الغبار الذي في الأرجل.
ع15: “يوم الدين”: هو يوم الدينونة الأخير.
لكن الذين يرفضون بشارة المسيح على أيدي الرسل، سيخسرون فرصتهم في الوصول للملكوت وفداء المسيح، فَيُلْقون في العذاب الأبدي، ويكون عذابهم أصعب من عذاب أهل سدوم وعمورة المشهورين بشرهم قديما، لدرجة أن الله أحرق المدينتين (تك 19: 24)، لأنهم في العهد القديم رفضوا كلام رجال الله. أما في العهد الجديد، فرفضوا المسيح نفسه.
† اهتم بأن تعبّر عن محبتك لمن حولك كل يوم، ولكل من تخدمهم وتريد جذبهم للمسيح، فالتعبير عن المحبة بالكلام والعمل هو التمهيد الضرورى لفتح القلوب حتى تطيع كلام الله، إذ يروه فيك فيخضعوا لكلامه الذي على فمك.
(3) اضطهاد العالم للتلاميذ (ع 16-23):
16 «هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. 17 وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. 18 وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. 19 فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، 20 لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. 21 وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، 22 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 23 وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ.
ع16: إن كان ذئب واحد وسط الحملان يرعبهم، مع أنه سيفترس بعضهم فقط، فكم يكون مدى الرعب لو وضعنا حملان وسط ذئاب كثيرة؟ ولكن، لكيما تتجلى قوة الله في الحملان الضعيفة، توضع بين الذئاب فتغلبها، وتنزع عنها الطبع الوحشي. وحتى لو افترست الذئاب الحملان، ستسرى دماء الحملان في عروق الذئاب فتحولها إلى حملان، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم.
وهذا ما حدث بالفعل أثناء كرازة الرسل الذين احتملوا اضطهادات عنيفة، فغيّروا كثيرًا من القلوب القاسية، كما جذب الشهداء من كانوا يعذبونهم إلى الإيمان.
ويدعو المسيح تلاميذه أن يتحلّوا ببساطة الحمام وبراءته، لأنه معروف بعدم إيذائه لغيره. وفي نفس الوقت، يتصفوا بحكمة الحيات المعروفة باحتراسها الشديد من الخطر، فنبتعد عن كل شر لنحيا مع الله.
ع17-18: “احذروا”: احترسوا من الأشرار الذين تبشرونهم، فلا تلقوا بأنفسكم في أيديهم بلا داعٍ، ولكن إن اقتضى التبشير ذلك، فلا تخافوا.
“مجالس”: وهى إما المجالس الفرعية من شيوخ اليهود الموجودة في كل قرية لإصدار الأحكام على المخطئين، أو المجلس الأعلى في أورشليم، وهو “السنهدريم” (ص 5: 21-22).
“مجامعهم”: كانت منتشرة في كل بلاد اليهودية، ويتم فيها قراءة الأسفار المقدسة والوعظ، ويوجد فيها ثلاث قضاة من الشيوخ يحق لهم الحكم بجلد المذنبين.
“يجلدونكم”: كانوا يجلدون المذنبين أربعين جلدة، وللاحتياط، حتى لا يخطئوا، حددها اليهود بـ 39 جلدة، إذ أن الكرباج مكون من ثلاثة فروع، فيتم جلد المذنب 13 مرة، فتساوى 39 جلدة.
“ولاة وملوك”: الذين حاكموا الرسل مثل فيلكس الوالي (أع 24)، وأغريباس الملك (أع 26) اللذان حاكما بولس الرسول.
“شهادة لهم”: حتى يؤمنوا، كما حاول بولس مع الملك أغريباس (أع 26).
“للأمم”: أي كل الجموع التي تستمع إلى محاكمتهم، كما آمن كثير منهم أثناء محاكمة الشهداء وتعذيبهم.
يتحدث المسيح هنا بالتفصيل عن أنواع الاضطهادات التي ستقابل الرسل، أو أولاد الله في كل جيل، فبدلًا من أن يكرموهم تقديرا لوعظهم، سيقبضون عليهم ويحاكمونهم، ويعذبونهم بالجلد، وبأنواع كثيرة من العذابات، فيكون هذا دليلا على إيمان الخدام وثباتهم في المسيح.
ع19-20: يطمئننا المسيح في هذه المواجهات أن الروح القدس سيعطينا ما نرد به عليهم فنقنعهم أو نفحمهم، لأن قوة الروح القدس التي فينا أقوى من كل حكمة بشرية.
“روح أبيكم”: يُظهر حنان الله ورعايته، الذي يجعل روحه القدّوس يسند الرسل والخدام في كل جيل.
ع21: ستصدر الاضطهادات، ليس فقط من البعيدين، بل من أقرب الناس مثل الأب والابن والأخ، وهذا أمر غريب أن التعصب الدينى يلغى المحبة الطبيعية بين أقرب المقربين، ولكن هذا ما حدث ويحدث فعلا حتى الآن.
ع22: “الجميع”: معظم الناس الذين لا يؤمنون بالمسيح.
“من أجل اسمى”: لأجل تمسككم بالإيمان والكرازة.
“يصبر”: فليس الاضطهاد معناه القتل فقط، بل غالبًا الإهانة والتعذيب والحرمان من الحقوق، فتحتاج إلى صبر الخدام والمؤمنين.
“المنتهى”: نهاية الاضطهاد أو نهاية العمر.
قد تصل الضيقة أن يجد الإنسان كل من حوله يبغضه ويضطهده لأجل المسيح، وسيسمح الله بهذا ليتزكى إيماننا. وبالصبر والاحتمال، ننال خلاص نفوسنا، بل مكافأة أبدية لا يُعَبَّرُ عنها، مع الاطمئنان لمساندة الروح القدس لنا حتى نحتمل هذه الاضطهادات.
ع23: يوصى المسيح رسله بعدم الدخول في مواجهات مع الأشرار، إذا كانوا رافضين للإيمان، بل يهربوا إلى بلاد أخرى، ويكملوا تبشيرهم. وليس هذا الهروب ضعفا، ولكنه انشغال باستكمال الكرازة، بدليل أنهم في النهاية قبلوا الاستشهاد من أجل المسيح بفرح؛ فجميع التلاميذ استشهدوا فيما عدا يوحنا الذي احتمل عذابات كثيرة وَنُفِىَ ومات في المنفَى.
ويبشرهم المسيح أنهم لن يكملوا بشارتهم حتى يأتي ويملك على قلوب الناس بإيمانهم به، أي تنتشر الكرازة في العالم كله.
كذلك يخرب الهيكل عام 70 م إعلانا لنهاية العبادة اليهودية، وانتشار المسيحية باعتبارها إسرائيل الجديد.
† تمسك بمبادئك في الحب الباذل مثل الحمل المستعد للذبح، بالبساطة وعدم الإساءة للآخرين مثل الحمام، بالإضافة للحكمة في تقديم هذه المحبة في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، حتى تستطيع أن تُظهر المسيح لكل من تقابله، واثقا أن قوة الله التي فيك، أقوى من العالم وشره، فالمحبة تغلب الكراهية، والبساطة تغلب الخبث، لأن الله الذي فيك يحميك ويرشدك، فتتقدم نحو كل القلوب القاسية فتلينها وتعيدها لله.
(4) عدم الخوف (ع 24-33):
24 «لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. 25 يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ الْبَيْتِ بَعْلَزَبُولَ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَهْلَ بَيْتِهِ! 26 فَلاَ تَخَافُوهُمْ. لأَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. 27 اَلَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلْمَةِ قُولُوهُ فِي النُّورِ، وَالَّذِي تَسْمَعُونَهُ فِي الأُذُنِ نَادُوا بِهِ عَلَى السُّطُوحِ، 28 وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. 29 أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ. 30 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. 31 فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! 32 فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 33 وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
ع24-25: “ليس التلميذ أفضل من المعلم”: تلاميذ المسيح ليسوا أفضل منه، فإن كان المسيح قد تعرض للإهانات والصلب، فطبيعي أن يشاركوه آلامه باحتمال الاضطهادات.
“ولا العبد أفضل من سيده”: يبدو أن هذه العبارات كانت مشهورة في هذا الوقت، واتخذها المسيح للدلالة على قصده، والمقصود بالعبد المؤمنين، والسيد هو المسيح.
“بعلزبول”: هو إله العقرونيين (أهل مدينة في فلسطين)، وهي بلاد مجاورة لليهود (2 مل 1: 2)، واسمه الأصلى بعل زبوب، أي إله الذباب، لاعتقادهم أنه يطرد الذباب عنهم، وقد أسماه اليهود بعلزبول احتقارا له.
“أهل بيته”: أي التلاميذ والمؤمنين بالمسيح، الذين هم أولاده وأعضاء في كنيسته التي هي بيته.
يذكّر المسيح تلاميذه بأن العالم سيضطهده، وسيقولون عنه أنه رئيس الشياطين، وبالتالي سيضطهدونهم لأنهم تلاميذه، وحملهم للصليب دليل على تبعيتهم له.
ع26-27: “مكتوم…خفى”: وهى كل تعاليم المسيح التي تعلموها في البيت معه، أو عرفها الشعب اليهودي فقط.
“يُستعلن”: يظهر ويصل إلى كل الأمم.
“الظلمة”: الأماكن الهادئة وفيها نور خافت، أو في جلسات المسيح مع تلاميذه في الخفاء أثناء الليل.
“النور”: معناه الإعلان الواضح والكرازة أمام الكل.
“الأذن”: ما سمعه التلاميذ في جلسات خاصة مع المسيح.
“السطوح”: المقصود التعليم والوعظ على المنابر، أو الأماكن العالية، ليسمعه الجميع.
ينبههم المسيح ألا يخافوا من اتهام الناس لهم، لأن خدمتهم ومحبتهم للبر ستظهر وتُعلَن مع الوقت أمام الكل، وكرازتهم بالمسيح ستصل إلى كل الأرض، وبهذا يقدم السبب الأول لعدم الخوف من الأعداء. وشجعهم على التبشير في كل مكان بجرأة وقوة، وما سمعوه منه في جلسات هادئة، فليبشروا به الناس بصوت عالٍ من فوق الأسطح في كل مكان، وهكذا تنتشر الكرازة ليؤمن الكل.
ع28: يقدم المسيح سببا ثانيا لعدم الخوف من الناس، وهو أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه سلطان البشر هو إيذاء الجسد، أما الروح، فلا يستطيعون أن يؤذوها. ولكن من يستحق المخافة هو الله الذي له سلطان على الروح والجسد؛ فإن كنا نخاف الله، فلن نخاف من الناس.
ع29-31: الفَلْسُ: أصغر عملة يهودية معروفة.
يقدم هنا السبب الثالث لعدم الخوف من الناس، وهو عناية الله بنا، واهتمامه بكل المخلوقات. فالعصفور، وهو من أصغر الطيور وثمنه نصف فَلْسٍ، يعتنى الله باحتياجاته، ولا يموت إلا بإذنه. فبالأحرى يهتم الله بالإنسان، رأس الخليقة كلها، بل يهتم بأصغر ما في الإنسان، وهو شعره، الذي ليس فقط معدودا، بل محصيا عند الله، أي أن كل شعرة لها رقم عنده، ولا تسقط إلا بإذنه.
† اتكل على الله وانطلق في خدمته، مطمئنا أنه يحميك ويحفظك ويدبر كل حياتك، فهو مسئول عنك، والشيطان يخاف أن يقترب منك من أجل الله الذي يسندك.
ع32-33: “يعترف بى”: يُظهر اسمى في كلامه وتصرفاته، متمسكا بالوصايا، ورافضا للخطية بالتوبة.
“أبى الذي في السماوات”: أغطيه برحمتى وأشفع فيه بدمى وأُدخِله إلى الأمجاد السماوية. فدخولنا إلى العدل الإلهي، الذي هو الآب، يكون من خلال الرحمة التي للابن.
السبب الرابع لعدم الخوف هو المكافأة السمائية، فكل من يثبت في إيمانه ويبشر باسمه، معترفا به أمام العالم، سيعلن رعايته له في السماء. أما من يرفضه على الأرض ويتباعد عنه، سيرفضه الله في السماء.
(5) حمل الصليب (ع 34-39):
34 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36 وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. 37 مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، 38 وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. 39 مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.
ع34-36: “سيفا”: أي الصراع بين الخير والشر، أو اضطهاد غير المؤمنين لتابعى المسيح، فلا يوجد سلام خارجي، ولكن الله يهبهم سلامه الداخلي أثناء الاضطهادات.
“الكنة”: زوجة الابن.
يعلن المسيح المعاناة التي يحتملها الإنسان في سبيل التمسك بالإيمان، أي الصليب الذي يحمله من أجل المسيح.
وأسماه أيضًا سيفا، إذ بسبب الإيمان تحدث مشاكل داخل الأسرة الواحدة، فيضطهد الأب ابنه لأنه آمن بالمسيح، وكذلك الأم الوثنية ابنتها المسيحية… وهكذا يجد المسيحي العداء من أهل بيته؛ ومن أجل المسيح يحتمل كل هذه الآلام.
ع37: إن كانت العواطف البشرية قوية داخل الأسرة الواحدة، فمحبتنا للمسيح أعظم من أية عاطفة. فإن تعارض إيمان المقرّبين إلينا مع إيماننا بالمسيح، ينبغي أن نطيع الله، وإلا فلا نستحق أن يكون لنا إلها، ولا مكان لنا معه في السماء؛ فينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس.
ع38: من يريد أن يكون تابعا للمسيح، ينبغي أن يحتمل الآلام لأجله، ويتنازل عن الكثير دليلا على حبه له.
ع39: “وجد حياته”: أي انشغل بشهوات العالم، ووجد لذته فيها.
“يُضَيِّعُهَا”: أي يبعدها عن الله، فلا تجد مكانا في السماء، بل في الهلاك الأبدي.
“أضاع”: بذل حياته في أتعاب العبادة والخدمة.
“يجدها”: ينال سلاما وتعزية وعشرة مع الله في الأرض، ثم المكافأة الأبدية في السماوات.
يطالبنا المسيح بالتنازل عن راحتنا ولذاتنا الجسدية لأجله، ومن يتنازل عنها، يجد الراحة الحقيقية فيه، بل ينال الراحة الكاملة في الأبدية.
† انظر ماذا تركت من أجل المسيح دليلا على حبك له، وتمسك بوصاياه حتى وإن خسرت بعض الماديات التي يتلذذ بها الآخرون، فالوجود مع المسيح أفضل من اللذات الشريرة أو الكسل والراحة.
(6) إكرام الآخرين (ع 40-42):
40 مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُني يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 41 مَنْ يَقْبَلُ نَبِيًّا بِاسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَقْبَلُ بَارًّا بِاسْمِ بَارّ فَأَجْرَ بَارّ يَأْخُذُ، 42 وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ».
ع40-41: “الذي أرسلنى”: أي الله، فقبول تعاليم المسيح على الأرض، هو قبول الله الذي يعرفه اليهود.
“باسم نبي”: أي بصفته أنه نبى، وليس بشخصه. فقد يكون الشخص عاديا، ولكن موهبة النبوة ترفع قدره، مثل كرامة الكاهن مهما كان شخصه وقدره القديم ضعيفا قبل الكهنوت.
“أجر نبي”: أي بركة الله للنبى أو من يكرم النبي.
“بار”: مؤمن يحيا بالتقوى والروحانية.
تشجيعا من المسيح لتلاميذه أمام الاضطهادات، يعلن كرامتهم، وأن إكرامهم هو إكرام له شخصيًّا، وقبول كلامهم هو قبول له، وبالتالي كل من يقبلهم يكافأ مكافأة إلهية.
ع42: “الصغار”: الخدام الذين يحتملون أتعابا كثيرة في خدمته وتوصيل كلمته للناس.
“كأس ماء بارد”: أي أقل شراب منعش، يساعد الخدام على مواصلة خدمتهم.
“باسم تلميذ”: على أنه تلميذ، أو بصفته تابع للمسيح.
“لا يضيع أجره”: أي له مكافأة سمائية.
يُظهر المسيح أهمية أصغر خدمة تُقدم لخدام الله، حتى لو كانت كأس ماء بارد، فسينال من يقدمها أجره من الله. لأنه إن كان الخدام أو الكهنة أو الأساقفة يقدمون رعاية روحية لشعوبهم، فينبغي على الرعية أن تُظهر محبتها لله في أشخاصهم، بالعمل على راحتهم، أو تدبير احتياجاتهم، كإعلان عن محبتهم لله، الذى، باتضاعه، يقدم نفسه لهم عن طريق هؤلاء الخدام. فإن قدّم أحد كأس الماء للخادم، باعتباره تلميذا للمسيح، فالله حتما سيكافئه في السماء، بل وفي حياته على الأرض.
† لا تستهن يمحبتك التي تقدمها لله في إسعاد من حولك، مهما بدت صغيرة، ككلمات التشجيع أو مساعدات مادية ومساندات نفسية، فهي غالية الثمن في نظر الله، وسيكافئك عليها.
إن وجدت فرصة للخدمة لا تهملها، وابحث ماذا تعطى لكل من تقابله، وخاصة المقرّبين إليك.