تفسير إنجيل متى أصحاح 25 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الخَامِسُ وَالعِشْرُونَ
مَثَلَيّ العذارى والوزنات – عمل الرحمة

(1) مَثَل العَذَارَى (ع 1-13):

1 «حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. 2 وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. 3 أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، 4 وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. 5 وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. 6 فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! 7 فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. 8 فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. 9 فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. 10 وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. 11 أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! 12 فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. 13 فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ.

 

ع1: “ملكوت السماوات”: أي مُلك الله السماوي على قلوب أولاده في الكنيسة، استعدادا للملكوت الأبدي.

“عَشْرَ”: عدد يرمز للكمال، أي كل البشر المؤمنين بالله.

“عذارى”: ترمزن للنفوس البشرية التي تؤمن بالله.

“مصابيحهن”: ترمز لإمكانيات الإنسان، أي الروح والجسد، ليحيا بها مع الله، فتستنير حياته.

“العريس”: هو الله.

إذن، فالكل مؤمن وهدفه الأبدية، أي الوجود مع العريس إلى الأبد. ولكن، يختلفون في كيفية الاستعداد للملكوت.

 

ع2-4: “خَمْسٌ”: يشير لحواس الإنسان الخمسة التي يستخدمها إما حسنا مثل العذارى الحكيمات، أو يسلمها للشر مثل الجاهلات.

“حكيمات”: كان لهن مظهر التقوى وعمقها، وهو الزيت الذي في المصابيح.

“جاهلات”: هن اللاتي لهن مظهر الحياة الروحية، ولكن ليس لهن زيت، وهو محبة الله وخدمة الآخرين.

والجهل هو أن يكون للإنسان القدرة على التمتع بالله وعشرته في هذه الحياة وإلى الأبد، ويتهاون في هذا تكاسلا وانشغالا بالعالم واهتماماته الكثيرة.

 

ع5: “نَعَسْنَ… وَنِمْنَ”: أي نهاية العمر والموت.

انتهت حياة هؤلاء العذارى وَمُتْنَ لأن العريس، أي المسيح، لم يأت بعد.

 

ع6: “نصف الليل”: يشير إلى المجيء الثاني للمسيح بعد رقاد النفوس، واستعلان دينونته العادلة، حيث يكافئ الذين رقدوا على الإيمان، ويجازى من ابتلعهم ظلام العالم الشرير.

“صراخ”: أصوات الملائكة بالبوق الأخير تنادى المؤمنين بالخلاص، والأشرار بالدينونة.

“اخرجن للقائه”: تتغيّر أجسادالراقدين، وتتجمّع بعد تحلّلها، فتصير أجساما روحية تتحد بأرواحها، لتقابل المسيح، وتقف أمامه في يوم الدينونة.

في مجيء المسيح الثاني، تقوم الأجساد، ويجتمع كل البشر في يوم الدينونة.

 

ع7-9: تقدّمت العذارى جميعهن، أي كل البشر، للوقوف أمام الله الديّان العادل. وجمع كل واحد ما عنده من إيمان ومحبة، أي أصلح مصباحه، ووقف ليحاسَب أمام الله.

وهنا فقط، انتبهت الجاهلات إلى أن الإيمان بدون محبة، أي الزيت، لا ينفع شيئًا وينطفئ المصباح، لأن الإيمان بدون أعمال ميت؛ فالشياطين يؤمنون ويقشعرّون ولكن لن يخلُصوا.

حاولت العذارى الجاهلات أن تأخذن زيتا من الحكيمات، ولكنهن اعتذرن بأنه لا يكفي لهن وللجاهلات، وينبغي أن يبحثن عن هذا الزيت ويبتعنه من الباعة، أي يقدمن محبة ورحمة للآخرين، لأن الأعمال الصالحة مهما عمل الإنسان لا تفضُل وتزيد عنه حتى يعطيها لآخرين. وقول المسيح واضح: “متى فعلتم كل ما أُمِرْتُمْ به، فقولوا إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا” (لو 17: 10).

“الباعة”: أي كل إنسان يمكن أن نعمل معه عمل رحمة، مثل الفقراء والمحتاجين.

 

ع10: حاولت العذارى الجاهلات أن يصنعن الرحمة، ويعملن الخير في يوم الدينونة، ولكن لم تعد هناك فرصة. فقد أخذ المسيح العذارى الحكيمات ودخل بهن إلى الملكوت وأُغْلِقَ الباب، ولم يعد هناك فرصة لدخول أحد بعد ذلك.

“العُرس”: الملكوت الأبدي.

“أُغْلِقَ الباب”: معناه ضمان ثبات الحكيمات في الملكوت، ومنع الأشرار والشيطان من الدخول، فلا يواجه الأبرار متاعب في الملكوت.

ومن ناحية أخرى، لا توجد أية فرصة لنجاة الأشرار من العذاب الأبدي بعيدا عن الله.

 

ع11-12: “أخيرا”: أي بعد فوات الأوان والحكم عليهن بالدينونة.

“افتح لنا”: يطلبن مكانا في الملكوت.

“ما أعرفكن”: لا يعرفهن كتلميذات وتابعات له.

حاولت العذارى الجاهلات الدخول بعد إغلاق الباب فرفض المسيح، بل أعلن أنه لا يعرفهن، أي لا علاقة له بهن، لأنه كان لهن مظهر التقوى وليس قوتها وعمقها، أي الإيمان بدون أعمال المحبة.

فمن لا يحيا في محبة الله على الأرض، ليس له مكان للتمتع بمحبته في السماء.

 

ع13: يعلق المسيح بوضوح، مؤكدا أهمية السهر الروحي، أي الاستعداد الدائم لمجيئه، لأننا لا نعرف ميعاده.

† الله ينتظر محبتك العملية في اهتمام بعبادتك المقدسة له، وأعمال صالحة مع كل من تقابله. فانتهز فرصة العمر لتعمل خيرا قدر استطاعتك، فتستنير حياتك على الأرض، ولا تخزى في يوم الدينونة.

(2) مَثَل الوزنات (ع 14-30):

14 «وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ، 15 فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً. كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ. 16 فَمَضَى الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. 17 وَهكَذَا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضًا وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. 18 وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ. 19 وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيل أَتَى سَيِّدُ أُولئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. 20 فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا. 21 فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. 22 ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا. 23 قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. 24 ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. 25 فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ. 26 فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، 27 فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا. 28 فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. 29 لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. 30 وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ.

 

ع14-15: “مسافر”: بصعود المسيح إلى السماء، ترك البشر مدة عمرهم، ليجتهدوا في حياتهم الروحية على الأرض حتى مجيئه الثاني.

“أمواله”: كل قدرات البشر هي عطايا إلهية يؤتمنون عليها كوكلاء عن الله، وسيقدمون عنها حسابا في اليوم الأخير.

“على قدر طاقته”: كل الإمكانيات التي يمكن أن يستخدمها، فلم يبخل الله على أحد بعطاياه، ولم يعطه إمكانيات أكثر من طاقته، حتى لا يرتبك بها أو يظهر عجزه.

“سافر للوقت”: ترك البشر بحريتهم ليستثمروا إمكانياتهم طوال عمرهم.

شبّه الله نفسه بإنسان والبشر بعبيده، فأعطاهم وزنات، أي أموال، ليتاجروا بها ويستثمروها، وسافر مدة غير معلومة.

وتختلف عطايا الله ومواهبه من شخص إلى آخر، فالبعض يأخذ أكثر من غيره، وسيحاسب الله كل واحد حسبما أخذ، فلا يتكبر من أخذ أكثر، ولا يحسد ولا يغير من أخذ أقل؛ فالمهم هو الأمانة في استثمار قدرات البشر التي وهبها لهم الله، كثيرة كانت أو قليلة.

 

ع16-17: تاجر صاحب الخمس وزنات الذي يرمز لمن استثمر حواسه الخمس، فربح خمس وزنات أخر، أي صارت له الحواس الداخلية، وهي القدرة على معرفة الله، وليس فقط معرفة العالم المادي المحيط به، أي صارت له العين الداخلية، وهي البصيرة، والأذن الداخلية، أي سماع صوت الله… إلخ.

أما صاحب الوزنتين، ورقم اثنين يرمز للحب، مثل العريس وعروسه، فعندما تاجر بوزنتيه، ربح أيضًا وزنتين أخريين، أي تضاعف حبه فصار لله وأيضا لكل البشر.

 

ع18: العبد الأخير صاحب الوزنة الواحدة يرمز للأنانى، أي يحب ذاته فقط، فهو كسلان لم يتعب نفسه بتقديم محبة لله وللآخرين، بل أخفى وزنته في التراب، أي انغمس في الشهوات الأرضية وتنعمه في لذّات لإشباع مزاجه الشخصى، متناسيا أنه وكيل على هذه الوزنة، وهي ملكٌ لله.

† كل منا وكيل على حياته، لأنها ملك الله الذي اشترانا بدمه. فينبغي أن نحيا له، أمناء في استثمار كل قدراتنا ومواهبنا.

 

ع19: “زمان طويل”: وهى فرصة العمر الطويلة التي أعطاها الله لكل إنسان، حتى يستثمر إمكانياته لمجد اسمه القدّوس.

بعد انتهاء هذه الحياة، يأتي يوم الدينونة، أي يأتي السيد ليحاسب عبيده.

 

ع20-21: قدم صاحب الخمس وزنات ما ربحه وهي خمس وزنات أُخَرَ، فمدحه سيده ووصفه أنه صالح، لأنه عاش لله ومحبة الآخرين، وأيضا أمين لأنه استثمر كل طاقاته فحقق ربحا 100٪. وكافأه لأمانته على الأرض، وهي القليل، بمنحه الحياة في الملكوت حيث يهبه بركات عظيمة، وهي المُعَبَّرُ عنها بالكثير، أي يحيا في حب كعروس مع عريسها إلى الأبد في فرح دائم مع الله سيده وأبوه السماوي.

ويفهم من هذا أن كل واحد سيحاسَب عن نفسه، وعن كل عطية إلهية وُهِبت له ليستثمرها، لأنه وكيل عليها.

“نِعِمَّا”: أي حسنا، وهو مدح من الله ليس أعظم منه.

 

ع22-23: قدم العبد الثاني الوزنتين اللتين ربحهما مثل العبد الأول، فمدحه سيده مثل الأول بنفس المقدار والصفات أنه صالح وأمين، وأعطاه نفس المكافأة وهي دخول الملكوت، لأنه حقق ربحا كاملا وهو 100٪.

 

ع24-25: العبد الثالث كان أنانيا شريرا، لسقوطه في التهاون، وانزلق في خطايا أخرى، ليس فقط إهمال وعدم استخدام قدراته لحساب الله، أي محبة الله والآخرين، ولكنه، عِوَضَ محبته للآخرين، بدأ يسىء إليهم وأيضا إلى سيده، أي الله، فوصفه أنه قاسى وطماع يأخذ مع أنه لم يعطِ، وهذا عكس الحقيقة. ولكن الخطية التي تبدأ صغيرة بالكسل والتهاون، تؤدى إلى خطايا أصعب، وفي النهاية تُفْقِدُ الخاطئ بصيرته الروحية.

ويظهر أيضًا كذبه إذ يقول إنى خفت، مع أنه لم يخف الله ويجاهد روحيا، بل انغمس في شهواته الأرضية.

 

ع26-27: “الشرير والكسلان”: فضح السيد السبب الحقيقي لعدم اتجاره بالوزنة، وهو كسله وشره.

أدان السيد هذا العبد من كلمات فمه، إذ قال له: إن كنت أنا قاسيا وطماعا، لكان الأولى بك أن تتاجر بالوزنة، أي تستخدمها في المعاملات المادية لتقتنى ربحًا، ويقصد بذلك استثمار إمكانياته في محبة الله والآخرين.

“الصيارفة”: حيث تُستخدم الأموال في التجارة لتربح، والمقصود تقديم المحبة للآخرين.

والصيارفة هم المتخصصون في المعاملات المالية، فيرمزون للآباء والمرشدين الروحيين، فعندما يطيعهم من يسلك روحيًّا، يرشدونه كيف يستثمر إمكانياته لمجد الله.

“الربا”: المكسب الذي يأتي من التجارة، ومعناه هنا كسب النفوس للمسيح بعمل الخير.

 

ع28-29: كان عقاب الله له هو تجريده أولًا من إمكانياته، ثم وهبها للذى صار له العشر وزنات، مؤكدا أن كل من له أمانة ومحبة لله، يُعْطَى من الله مواهب متزايدة. وأما من ليس له محبة لله وللآخرين وغير أمين، فإن الله ينزع عنه عطاياه لأنه لا يستحقها.

 

ع30: يعاقَب العبد البطال (الشرير) بإلقائه في العذاب الأبدي، المعبَّر عنه بالظلمة الخارجية بعيدا عن الله، هناك يكون الحزن الشديد والألم العنيف الذي يُرمَز إليه بالبكاء وصرير الأسنان.

† كن أمينا في استغلال إمكانياتك فتزداد بركات الله عليك، ولا تهمل أية نعمة أو وقت متاح لديك (وزنة)، لئلا يحرمك الله من ميراثك الأبدي.

(3) مجيء المسيح وعمل الرحمة (ع 31-46):

31 «وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. 32 وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، 33 فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. 34 ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. 35 لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. 36 عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. 37 فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ 38 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ 39 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ 40 فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. 41 «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، 42 لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. 43 كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. 44 حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ 45 فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. 46 فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».

 

ع31-33: بعد أن تحدث المسيح عن مجيئه الثاني بطريقة رمزية كعريس للنفس أو كسيد لعبيده، يتحدث هنا بوضوح عن يوم الدينونة الذي يأتي فيه ديّانا بمجد عظيم، مختلفا عن صورة الضعف التي عاش فيها بالجسد على الأرض منذ وُلد في المذود حتى صُلب على الصليب. وسيأتي مع ملائكته ويجلس على كُرْسِىِّ مجده، أي عرشه، ليدين العالم كله عن أفعالهم في كل مكان وزمان، فيفرز البشر بواسطة ملائكته إلى أبرار يقيمهم عن يمينه، فاليمين يرمز للبركة والقوة، أما الأشرار فيقيمهم عن يساره دليل الخزي والعار.

وسيكون التمييز سهلا جدًا على الله، كما يميّز الراعى الغنم التي يرعاها خراف أم جداء. والخراف أكثر طاعة ومسالمة وخضوعا للراعى عن الجداء.

وواضح من كلام المسيح أنه يوجد في النهاية فريقان فقط، وهما الأبرار والأشرار، ويسميهم الحكيمات والجاهلات أو العبيد الأمناء والغير أمناء، وهنا يسميهم الخراف والجداء. ولا يوجد مكان ثالث، كما يدعى البعض، لتعذيب ومعاقبة الأشرار مؤقتا ثم ضمهم إلى الأبرار.

 

ع34: يصف المسيح الملك المؤمنين بأنهم مباركون، وأنهم أولاد الله أبوه وأبوهم، أي يعلن شركته معهم في الحب، وأنه بكر بين إخوة كثيرين، فيدعوهم مباركين من أبيه، ويرحب بهم ليرثوا ملكوته الذي أعده لهم قبل أن يُخلَقوا ليتمتعوا معه فيه إلى الأبد.

 

ع35: يعدد المسيح أعمال الرحمة التي قام بها الأبرار، واستحقوا من أجلها ميراث ملكوت السموات، ناسبا عمل الرحمة إلى نفسه، فيذكر إطعامهم للجياع والعطاش ماديا أو روحيا، واهتمامهم بالغرباء فيستضيفونهم، وهذا الاهتمام ليس فقط يسد احتياجاتهم، ولكن يطمئنهم نفسيا لمواصلة الحياة في المكان الجديد.

† إن قابلت شخصا غريبا في أي مكان فرحّب به وأشعره بالألفة، وافتح الطريق للكل حتى يشبعوا بالمسيح طعامنا الحقيقي.

 

ع36: يذكر أيضًا كسوة العريانين سواء للملابس أو لبر المسيح بالسلوك في الفضيلة. أما في المرض، فيشعر الإنسان بضعفه، ويتأثر بمحبة من يسألون عنه، وتكون فرصة مناسبة أن نحدثه عن الله.

ومن أصعب الحالات أيضًا المحبوسون في السجن، فاقدو حريتهم والذهاب إلى أحبائهم، فعندما يأتي إليهم الأحباء يفرحون جدا، فنقدم لهم المسيح الذي لا يتركهم أبدا، حتى لو كانوا بعيدين عن الناس في السجن.

 

ع37-40: يوضح المسيح كيف يكون عمل الرحمة موجه له شخصيا، فيقيم حوارا لطيفا بين الأبرار وبينه، فيسألونه باتضاع، متى رأيناك يا رب في جوع أو عطش أو مرض… إلخ، لأنهم يشعرون أنهم غير مستحقين لهذا المديح. فيجيبهم أن كل ما فعلوه من أعمال رحمة مع الضعفاء الفقراء أو المرضى أو المحبوسين، هو مقدم له شخصيا. وهذا تقدير إلهي عظيم لعمل الرحمة، بل إعلان أنه قمة المحبة وسبيلنا لميراث الملكوت.

“الأصاغر”: أي المحتاجين والضعفاء.

 

ع41: ينادى المسيح الأشرار الذين عن يساره، ويصفهم أنهم مستحقون اللعنة الإلهية والعذاب الأبدي، مع أنه كان ينبغي أن يكونوا في الملكوت الذي أعده لهم، ولكنهم رفضوا التجاوب مع محبته. فيلقيهم الآن بعيدا عنه، ويحرمهم من محبته التي رفضوها، ويكونون إلى الأبد في عذاب النار التي أعدها لإبليس وملائكته الساقطين، وهم الشياطين، أي يصبحون الآن كالشياطين لأنهم رفضوا محبة الله.

 

ع42-43: يعلن المسيح سبب ذهابهم للعذاب الأبدي، وهو أنانيتهم، ورفضهم الإحساس بالآخرين ومساعدتهم في احتياجاتهم المختلفة.

 

ع44-45: يتساءل الأشرار متى رأوا الله محتاجا ولم يعطوه، فيعلن لهم أنه كان في شكل المحتاجين والصغار في مكانتهم وقدراتهم، ورفضوا هم تقديم الرحمة لهم.

 

ع46: يؤكد المسيح أن يوم الدينونة هو النهاية، إذ يدوم الأبرار في التمتع بالملكوت الأبدي، أما الأشرار فيتعذبون إلى الأبد أيضًا.

† إنها فرصتك الآن للتوبة والإحساس بالآخرين وعمل الرحمة مع كل من حولك وكل من تقابله، قبل أن يأتي يوم الدينونة الرهيب.

زر الذهاب إلى الأعلى