مت5: 13 انتم ملح الأرض ولكن أن فسد الملح فبماذا يملح…

 

“أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. (مت5: 13)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“أنتم ملح الأرض،

ولكن إن فسد الملح فبماذا يُملح؟!

لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يطرح خارجًا، ويُداس من الناس” [13].

بعد أن تحدّث عن التطويبات كسُلّم روحي يرتفع عليه المؤمن بالروح القدس لينعم بالحياة المقدّسة في المسيح يسوع ربّنا أوضح التزام المؤمن بالعمل في حياة الآخرين، مشبّهًا إيّاه بالملح الذي لا يُستغنى عنه في كل وجبة. دعاه ملح الأرض، لأنه يعمل في حياة البشر الذين صاروا أرضًا خلال ارتباطهم بالفكر الأرضي.

لملح الطعام أو كلوريد الصوديوم خصائص وسمات فريدة تنطبق على حياة المؤمن الحقيقي، نذكر منها:

أ. هو الملح الوحيد بين كل الأنواع الذي يتميّز بأنه متى اُستخدم في حدود معقولة وباعتدال لا يظهر طعمه ومذاقه في الطعام، وإنما يُبرز نكهة الطعام ذاته، وإذا وضعت كميّة كبيرة منه في طعام يفقد الطعام لذّته ومذاقه وتظهر ملوحة الملح هكذا، وإن كان يليق بالمسيحي أن يذوب في حياة الغير لكن في اعتدال دون أن يفقدهم شخصياتهم ومواهبهم وسماتهم الخاصة بهم، فلا يجعل منهم صورة مطابقة له، فيكون أشبه بقالبٍ يصب فيه شخصيّات الآخرين، ويفقدهم حيويّتهم، الأمر الذي يجعلهم كالطعام المالح. المسيحي الروحي هو من كان كالنسيم الهادئ يعبر ليستنشق الآخرون نسمات الحب، لا عواطف الرياح الشديدة.

ب. يتكوّن كلوريد الصوديوم من عنصرين هما الكلور والصوديوم وكلاهما سام وقاتل، لكن باتّحادهما يكوّنان الملح الذي لا غنى لنا عنه في طعامنا اليومي. والمسيحي أيضًا يتكوّن من عنصري النفس والجسد، إن انقسما بالخطيّة فقدا سلامهما، وصارا في حكم الموت، وصار الإنسان معثرًا. لهذا تدخّل السيّد المسيح واهبًا السلام الحقيقي بروحه القدّوس مخضعًا النفس كما الجسد في وحده داخليّة، ليكون الإنسان بكلّيته سرّ عذوبة الآخرين، يشهد للحق. إن كانت النفس تتسلّم قيادة الجسد في روحانيّة، فإن الجسد بدوره إذ يتقدّس يسند النفس ويعينها، فيحيا الإنسان مقدّسًا نفسًا وجسدًا، ويُعلن بوحدته الداخليّة في الرب عمل الله أمام الآخرين.

ج. ملح الطعام من أرخص أنواع الأطعمة يسهل استخراجه في أغلب بقاع العالم، لكن لا يمكن الاستغناء عنه. هكذا يليق بالمؤمنين أن يعيشوا بروح التواضع كسيّدهم، مقدّمين حياتهم رخيصة من أجل محبّتهم لكل إنسان في كل موضع.

ويُعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم على قول السيّد لتلاميذه: “أنتم ملح الأرض” هكذا: [لا أرسلكم إلى مدينتين أو عشرة مدن أو عشرين مدينة، ولا إلى أمة واحدة كما أرسلت الأنبياء، إنّما أرسلكم إلى البرّ والبحر والعالم كله، الذي صار في حالة شرّيرة. فبقوله: “أنتم ملح الأرض” عني أن الطبيعة البشريّة كلها قد فقدت نكهتها، وأننا قد فسدنا بسبب خطايانا[196].]

لكن يحذّرنا السيّد لئلا نفسد نحن الذين ينبغي أن نكون كالملح، فلا نجد من يملِّحنا وينزع عنّا الفساد. هذا الحديث موجّه بصفة عامة لكل مؤمن، وعلى وجه الخصوص للرعاة والخدّام:

*     إن كنتم أنتم الذين بواسطتكم تحفظ الأمم من الفساد، تخسرون ملكوت السماوات بسبب الخوف من الطرد الزمني، فمن هم الذين يرسلهم الرب لخلاص نفوسكم، إن كان قد أرسلكم لأجل خلاص الآخرين؟![197]

القديس أغسطينوس

*     يشفع الكاهن لدي الله من أجل الشعب الخاطئ، ولكن ليس من يشفع في الكاهن (متى أخطأ)[198].

القديس جيروم

*     إن سقط الآخرون ربّما يستطيعون أن ينالوا العفو، ولكن إن سقط المعلّم، فإنه بلا عذر، ويسقط تحت انتقام غاية في القسوة[199].

القديس يوحنا الذهبي الفم

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية 13:-

انتم ملح الأرض ولكن أن فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء إلا لان يطرح خارجا ويداس من الناس.

صفات الملح 1) يعطى طعماً ويبرز نكهة الطعام لو ذاب بكمية معقولة

2) يحفظ بعض الأطعمة من الفساد

3) نقى وابيض.

وبهذا التشبيه فالسيد المسيح يدعو المؤمنين للذوبان فى المجتمع، فالطبيعة البشرية فسدت وفقدت نكهتها بسبب الخطية. وعلى المؤمنين أن يعيشوا بحياتهم النقية (بيضاء كالملح) وسط المجتمع. وهم قادرون بالمسيح الذى فيهم أن يؤثروا فيمن حولهم ويكونوا قدوة، وبهذا يتقدس العالم ويمتنع عنه الفساد. ولكن على المؤمنين أن يذوبوا فى حياة الآخرين بإعتدال فلا يفقدوهم شخصياتهم ومواهبهم ( كمن يضع كمية كبيرة من الملح فى الطعام فتفسده ) أما لو فسد الملح لصار خطراً وبيلاً على من يستعمله، والقدوة لو فسدت فأثرها لا يُطاق كالملح الفاسد. ولذلك طلب السيد المسيح من الآب ألاّ يأخذهم من العالم بل أن يحفظهم من الشرير (يو15:17) فهم لهم عملهم ودورهم كملح للعالم.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى