تأملات في سفر ميخا 3 – أ. بولين تادري

نبوات ميخا النبي على قادة الشعب وأنبيائه:

“وقلت”اسمعوا يا رؤساء يعقوب وقضاة بيت إسرائيل أليس لكم أن تعرفوا الحق؟ المُبغضين الخير والمُحبين الشر النازعين جُلُودهم عنهم ولحمهم عن عظامهم والذين يأكلون لحم شعبي ويكشطون جلدهم عنهم ويُهشمون عظامهم ويُشققون كما في القِدر وكاللحم في وسط المِقلى”حينئذ يصرخون إلى الرب فلا يُجيبهم بل يستر وجهه عنهم في ذلك الوقت كما أساءوا أعمالهم. هكذا قال الرب على الأنبياء الذين يضلون شعبي الذين ينهشون بأسنانهم ويُنادون “سلام” والذي لا يجعل في أفواههم شيئًا، يفتحون عليه حربا ً”لذلك تكون لكم ليلة بلا رؤيا ظلام لكم بدون عِرافة وتغيب الشمس عن الأنبياء ويُظلم عليهم النهار فيخزى الراؤون ويخجل العرافون ويُغطون كلهم شواربهم لأنه ليس جواب من الله”. لكنني أنا ملآن قوة روح الرب وحقا وبأسًا لأُخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته. اسمعوا هذا يا رؤساء بيت يعقوب وقضاة بيت إسرائيل الذين يكرهون الحق ويُعوجون كل مستقيم الذين يَبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم رؤسائها بالرشوة وكهنتها يُعلمون بالأُجرة وأنبيائها يعرفون بالفضة وهم يتوكلون على الرب قائلين: “أليس الرب في وسطنا؟ لا يأتي علينا شر”. لذلك بسببكم تُفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم حِربا وجبل لبيت شوامخ وَعر” (مى: 3).

هذا الأصحاح كله موجه إلى رؤساء يهوذا وأنبياؤه، والخراب الذي يقصده النبي هنا هو خراب يهوذا وكان هذا الكلام في أيام حزقيا الملك، أي بعد سبى أسباط إسرائيل العشرة إلى بابل.

أخطاء رؤساء الشعب وقضاتهم:

1- الظلم والقسوة في التعامل: إن النبي يستغرب تصرفاتهم، فيقول: “أليس لكم أن تعرفوا الحق”، أي كان المفروض منكم أن تتصرفوا بالحق، ولكنكم سلكتم بالظلم. بل والقسوة أيضًا: “النازعين جلودهم عنهم ولحمهم عن عظامهم”، وقد حدث ذلك بأن فرضوا على الشعب جزية بالإضافة إلى غرامات وعقوبات جسدية، “ويكشطون جلودهم عنهم ويهشمون عظامهم”. ظُلم وقسوة الرؤساء للشعب، ربما كانت السبب في أن يتعلم الشعب ظلم بعضهم البعض.

2- محبة المال: بدل من أن يحكم الرؤساء والقضاة بالحق، انقلبوا وصاروا يكرهون الحق ويُعوجون كل مستقيم. “الذين يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم”. رؤساؤها يقضون بالرشوة. فقد جعلوا حُكمهم متوقف على مقدار ما يُدفع، فصاروا يُعوجون كل مستقيم. لذلك السيد المسيح في عظته على الجبل قال: “لا يقدر أحد أن يخدم سيدين… لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” (مت 6: 24). لذلك يُوصى بولس الرسول في رسالته للعبرانيين قائلًا: “لتكن سيرتكم خالية من محبة المال. كونوا مكتفين بما عندكم لأنه قال لا أهملك ولا أتركك. حتى إننا نقول واثقين الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي الإنسان” (عب 13: 5، 6).

جزاء هذه الخطايا:

الرب يقول للرؤساء والقضاة الظالمين على فم ميخا النبي: “حينئذ يصرخون إلى الرب فلا يُجيبهم بل يستر وجهه عنهم في ذلك الوقت كما أساءوا أعمالهم”.

أما الذين أحبوا الرشوة، فقال لهم: “بسببكم تُفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خِربًا وجبل البيت شوامخ وعَر”. وهذا قد تم حرفيًا عند خراب أورشليم على يد الرومان.

أخطاء الأنبياء والكهنة:

حتى الأنبياء والكهنة في يهوذا قد سلكوا طرق الضلال. فالأنبياء قد تجبروا على الشعب، “والذي لا يجعل في أفواههم شيئًا يفتحون عليه حربًا”، لذلك سوف يحرمهم الرب من الرؤى الحقيقية. “لذلك تكون لكم ليلة بلا رؤيا. ظلام لكم بدون عرافة. وتغيب الشمس عن الأنبياء ويُظلم عليهم النهار. فيخزى الراؤون ويخجل العرافون ويُغطون كلهم شواربهم لأنه ليس جواب من الله.

هذه هي النبوات الصعبة التي قالها ميخا النبي عن أنبياء يهوذا الذين صاروا يرعون أنفسهم، فحُرموا من روح النبوة الحقيقية التي من عند الله. أما ميخا النبي فهو يقول لهم أنه مختلف عنهم لأنه ما زال روح الله معه، لأنه يسير بالاستقامة أمامه، لذلك بكل قوة يقول لهم: “لكنني أنا ملآن قوة روح الرب وحقًا وبأسًا لأُخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته”.

أنبياء يهوذا لأنهم كانوا مملوئين عيوبًا، فكانوا يخافون أن يتنبأوا للشعب بالحقيقة أو يُواجهوا الشعب بعيوبه فكانوا: “ينادون بالسلام”، أي اطمئنوا. أما ميخا النبي الذي فيه قوة روح الرب استطاع أن يُخبر يهوذا بذنبه وإسرائيل بخطيته.

وحتى كهنة يهوذا ضلوا: “كهنتها يُعلمون بالأجرة وأنبياؤها يعرفون بالفضة”. لقد تاه الكل وراء محبة المال. والغريب أنهم متكلين على أن الرب في وسطهم، لأنهم الكهنة، فكانوا مطمئنين اطمئنانًا باطلًا ويظنون: “لا يأتي علينا شر”. لقد قال عنهم الرب بفم حزقيال النبي: “وكان إلى كلام الرب قائلا يا ابن آدم تنبأ على رُعاة إسرائيل، تنبأ وقل لهم: هكذا قال السيد الرب للرعاة ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم ألا يرعى الرعاة الغنم؟ تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم المريض لم تُقووه والمجروح لم تَعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وعنف تسلطتم عليهم فتشتت بلا راع وصارت مأكلًا لجميع وحوش الحقل وتشتت. ضلت غنمي في كل الجبال وعلى كل تل عال وعلى كل وجه الأرض تشتت غنمي ولم يكن مَن يسأل أو يُفتش. “فلذلك أيها الرعاة اسمعوا كلام الرب حي أنا يقول السيد الرب من حيث إن غنمي صارت غنيمة وصارت غنمي مأكلًا لكل وحش الحقل إذ لم يكن راع ولا سأل رُعاتي عن غنمي ورعى الرعاة أنفسهم ولم يرعوا غنمي، فلذلك أيها الرعاة اسمعوا كلام الرب هكذا قال السيد الرب: هأنذا على الرعاة وأطلب غنمي من يدهم وأكفهم عن رعى الغنم أنفسهم بعد فأُخلص غنمي من أفواههم فلا تكون لهم مأكلًا” (حز 34: 1- 10).

أما ميخا النبي بقوة روح الله التي فيه قال لهم: “بسببكم تُفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خربًا. وجبل البيت شوامخ وعر”

أصعب تجربة تمر على شعب الله، أن يفقد قادتها من أنبياء وكهنة وخدام ضمائرهم. إذا أخطأ الشعب، فهناك أمل أن يُصلح القادة أخطاء الشعب، أما خطية القادة فهي تُدمٍر الاثنين معًا. لذلك نجد الرب يسوع يقول: “لأجلهم اُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق” (يو 17:19). أي يجب على الخادم أن يحفظ نفسه في طريق القداسة، إذا أراد أن تتقدس رعيته، أي عليه أن يبدأ بنفسه.

المطلوب خدامًا مُختبرين ومملوئين بقوة روح الرب، لكي يكونوا قدوة حقيقية صالحة أمام المخدومين. مطلوب خدامًا مملوئين سلام من الرب، سلام حقيقي، فيفيض هذا السلام ألحى على المخدومين. مُحتاجين خدامًا قنوعين راضين عن حياتهم، يعرفون أن يستخلصوا الصالح من كل شيء فيروا الشر خيرًا في يد الرب. مثل هؤلاء الخدام حتى لو لم يُخبروا أحدًا بأخطاءه، فإن سيرتهم القنوعة الراضية والمملوءة سلامًا وفرحًا من عند الرب، فسوف تشد وتجذب الخطاة والمتعبين وتكرز بالإيمان العامل بالمحبة.

ونجد بولس الرسول يحث أهل فيلبي أن يكونوا قدوة للآخرين، كما كان هو قدوة لهم: ” كونوا متمثلين بي معًا أيها الأخوة ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة” (فى3:17).

ويوصى تلميذه تيموثاؤس لكي يكون قدوة للآخرين: “لا يستهين أحد بحداثتك بل كُن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الأيمان في الطهارة” (1 تى 4: 12).

ويؤكد نفس الكلام لتلميذه تيطس قائلًا: “عِظ الأحداث أن يكونوا متعقلين مقدمًا نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة ومُقدمًا في التعليم نقاوة ووقارًا وإخلاصًا وكلامًا صحيحًا غير ملوم لكي يُخزى المُضاد إذ ليس له شيء رديء يقوله عنكم” (تى 2: 6- 8).

أما الفريسيين لأنهم كانوا قادة غير أمناء قال عنهم السيد المسيح“هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة” (مت 5: 14).

أما المؤمنين الأمناء فعليهم ألا ينقادوا وراء أي فساد، حتى لو كان هذا الفساد من الأنبياء أو الكهنة، فالرسول بطرس يُحذرنا قائلًا: “أيها الأحباء إذ قد سبقتم فعرفتم. احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم. ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح. له المجد الآن وإلى يوم الدهر آمين” (2 بط 3: 17، 18).

 

تفسير ميخا 2 ميخا 3  تفسير سفر ميخا
تفسير العهد القديم تفسير ميخا 4
أ. بولين تادري
تفاسير ميخا 3  تفاسير سفر ميخا تفاسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى