تفسير سفر ميخا ٥ للقمص أنطونيوس فكري

الآيات (1-6):

“الآن تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده.أما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل. لذلك يسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل.

ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض. ويكون هذا سلاما إذا دخل أشور في أرضنا وإذا داس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس.

فيرعون ارض أشور بالسيف وارضنمرودفي أبوابها فينفذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا.”

 

في الإصحاح السابق تكلم عن مجد أورشليم الجديدة أي الكنيسة وهنا نجد سر مجدها وهو المسيح المولود فيها. في آية (1) لقد أخطأت أورشليم فسمح الله بأن تقوم عليها جيوش لتأديبها. وهي حاولت أن تقيم جيوش لتحارب هؤلاء الأعداء. ولكن كان هؤلاء الأعداء أقوى منها كثيرًا فحاصروها وأذلوها بل ضربوا قاضي إسرائيل على خده بقضيب = وقد يقصد بقاضي إسرائيل ملكها أو قضاتها أو رؤساءها، وهؤلاء أهينوا جدًا من قبل الجيوش المحاصرة مثل أشور وبابل.. إلى أن انتهي هذا بالرومان. وهذه الجيوش قد أقامت حربًا شديدة ضد أورشليم = قد أقام علينا مترسة = أي حاصروا أورشليم حصارًا مرًا قاصدين إهلاكها. وكل هذا رمزًا للشيطان الذي حاصر الإنسان بسبب خطيته وأهانه، والشيطان هو عدو قوى جدًا. وقد حاولت أورشليم أن تقيم جيوشًا لتحارب = الآن تتجيشين يا بنت الجيوش = هذه للتعجب، هل تقيمين الآن جيوشًا ولماذا؟ ألم تسألي نفسك يا أورشليم من الذي أعطى هذه الجيوش المعادية قوة وسلطانًا ضدك؟ أنها خطيتك. وماذا صنعت لك هذه الجيوش؟ لا شيء فليس في استطاعتها الوقوف في وجه هذه الجيوش القوية. بل لقد صارت أورشليم مملوءة من جيوش الجوعى والخائفين. ونحن قد سقطنا تحت عبودية العدو القوى إبليس بسبب خطيتنا. وليس في قوة إنسان أن يقف في وجه العدو القوى = الشيطان. وهذه الحال استمرت حتى مجيء المسيح الذي قبل العار ليمحو عار أورشليم، هو قاضي إسرائيل وملكها الذي قبل أن يلطم على خده ليمحو عار إسرائيل شعبه، كان ذلك حين ضربوه على خده قائلين “تنبأ من ضربك” وبقبوله لهذا العار هزم عدونا القوي المتكبر. وفي (2) كيف يزول العار عن أورشليم أو من يزيل هذا العار؟ هو هذا الذي يخرج من بيت لحم أفراتة = وبيت لحم لها اسم آخر هو أفراتة (تك19:35 + تك7:48 + را 11:4). وهذه نبوة بمكان ميلاد  هذا المخلص (مت6:2 + يو42:7). فقد كان معروفًا أن المسيح سيأتي من بيت لحم مدينة داود فهو الملك ابن داود. ولأنه من بيت لحم فهو في نظر اليهود داود آخر؛ أي مؤسس مملكة لكنهم هم حسبوها مملكة مادية زمنية. وبيت لحم = تعني بيت الخبز وهي أنسب مكان يولد فيه ذاك الذي هو خبز الحياة. وإفراتة = تعني مثمرة فمنها خرج الحبة التي سقطت للأرض فأتت بثمر كثير (يو24:12). وهي مدينة صغيرة بين مدن يهوذا = ألوف يهوذا. لكن المسيح المتواضع يسكن ويولد في مكان متواضع فيرفعه، فهو يرفع المتضعين. وأنت صغيرة = في ترجمات أخرى رغم أنك صغيرة يخرج منك الذي يكون متسلطًا على إسرائيل= فهو كان له سلطان على البحر والهواء والأموات والأمراض والشياطين. وهو ملك على قلوب شعبه بصليبه وداس الموت والشياطين. ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل = تشير لأزلية المسيح أي لاهوته، فليس أزلي أي بلا بداية سوي الله ولكنه ولد بالجسد في بيت لحم. هذه الآية تثبت لاهوت المسيح. ولذلك قال “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو58:8). وكلمة مخارج استخدمت في (تث3:8) عند التحدث عن خروج كلمة من فم الرب. ولذلك فهي تليق بأن تستخدم للإشارة إلى الولادة الأزلية لمن دعي كلمة الله (يو1:1، 2) وكونه يتسلط على إسرائيل فهذا يعني أنه سيكون رأسًا للكنيسة إسرائيل الروحي (أف22:1). وآية (3) لذلك يسلمهم = أي يسلمهم للضيق والتأديب والتعب، بل للعبودية في يد إبليس وراجع (رو20:8) “إذ أخضعت الخليقة للبطل، ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء” وما هو هذا الرجاء الذي انتظرته الخليقة = إلى حينما تكون قد ولدت والدة = هذه الوالدة هي العذراء أم النور مريم. وهذا الخلاص هو للجميع يهودًا وأمم. ثم ترجع بقية إخوته إلىبني إسرائيل = في المسيح أصبح الكل واحدًا ورجع الأمم الذين ضلوا طويلًا. وصار الكل إخوة، بل لقد دعي الجميع إخوة المسيح “فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة” (عب11:2) + (رو29:8). ولقد صارت العذراء مريم أمًا لنا جميعًا بهذا المفهوم. وآية (4) ويقف ويرعي = أي سوف يعلم ويحكم ويرعى شعبه كراعٍ صالح. وهو يفعل هذا، ليس كإنسان عادي بل بقدرة الرب، فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.بعظمة اسم الرب إلهه = ظهر في المسيح بكل وضوح، في أعماله وقدرته وسلطانه أن اسم الله فيه. كان يُعلِّم كمن له سلطان وليس كالكتبة (مت29:7) ويثبتون = هذه بمعنى يكونون ساكنين أي آمنين ومستريحين وفي سلام، ويظلوا هكذا للأبد، إنهم سوف يحيون لأنه هو حيّ (راجع يو19:14). لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض = طالما كان شعبه ممتدًا لأقاصي الأرض فسيتعظم هو إلى أقاصي الأرض. فالأرض كلها ستمجده. وآية (5) الله هنا يضمن سلام كنيسته = ويكون هذا سلامًا. إذا دخل أشور في أرضنا = كان ملك أشور أقوى ملك في ذلك الوقت، والله يضمن سلام كنيسته ضد أقوى الأعداء. وقد تم هذا فعلًا حينما هاجم أشور يهوذا ووصل إلى أسوار عاصمتها أورشليم وهلك هناك. وكان هذا رمزًا لنجاة كنيسة المسيح من هجوم قوات الظلمة عليها، إبليس وكل قواته. وكان للأعداء بعض الانتصارات = وإذا داسوافي قصورنا = الملك يسكن في قصر والله يسكن فينا، فنحن المؤمنين قصور لله. ولكن ينجح إبليس مع بعض المؤمنين ويُسقطهم فيدوس قصورنا. ويتكرر هذا دائمًا حينما يهجم الشيطان على شعب الله محاولًا نزع سلامه، وذلك بأن يسقطه في خطية، ومن يسقط يدوسه إبليس فيفقد سلامه. وسيتكرر هذا في (رؤ9:20) في آخر الأيام. وكانت عطية المسيح لشعبه هي السلام “سلامي أترك لكم سلامي أنا أعطيكم” لأنه بالمسيح غفرت خطايانا فصار لنا سلام مع الله، وسلام في قلوبنا وسلام على الأرض. وبالخطية نفقد هذا السلام. والشيطان دائم الحرب ضد أولاد الله ليسقطهم في الخطية ويدوسهم، لكن الله يقيم خدام ورعاة ليخدموا شعبه فيكون للشعب سلام. وعدد هؤلاء الرعاة والخدام سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس= هذا أسلوب عبري في التعبير ويعني الكمال، وعمل الله دائمًا كامل (راجع عا3:1، 6.. إلخ + أم16:6). ورقم (7) يشير للكمال في هذه الحياة الزمنية. ورقم (8) يشير للحياة الأبدية. وكأن هجوم إبليس المرموز له بأشور يواجهه الله بعمل في الخدام الذين يرسلهم لرعاية شعبه، وليحمي شعبه سواء هنا أثناء حياتنا على الأرض أو في السماء، وليعطيهم خلاصًا على الأرض وحياة أبدية. وقد يعني رقم (7) خدام الكنيسة المجاهدة ويعني رقم (8) السمائيين الذين يساندوننا كما ساعد الملائكة ملوك فارس ضد رئيس فارس أي إبليس. ونعلم أن للأطفال الصغار ملاك حارس. فنحن لنا خدام من الكنيسة المجاهدة وأرواح سمائية تخدمنا (عب14:1) راجع (دا 13:10 + 20:10، 21 + 1:12). وفي (6)  وعد بأن الكنيسة لها سلطان أن تدوس الحيات والعقارب = فيرعون أرض أشور = أي يخربونها حسب الترجمات الأخرى. وهنا السيف= سيف روحي فأسلحتنا ضد قوات الظلمة أسلحة روحية (اف6). وقد تم تمثيل قوات الظلمة هنا بأشور وبابل = أرض نمرود فأشور أسقطت إسرائيل المملكة الشمالية، وبابل أسقطت يهوذا المملكة الجنوبية. وقد أرسل الله بابل لتخريب أشور وأرسل فارس لتخريب بابل. وكان كورش الفارسي رمزًا للمسيح حين حرر شعب الله. وتخريب أشور وبابل رمز لجعل أعداء المسيح موطئًا لقدميه. وبعمل المسيح الخلاصي تم خلاص شعبه من إبليس = فينفذ من أشور أي يخلص ويتحرر حتى إذا دخل تخومنا.

 

الآيات (7-15):

“وتكون بقية يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب كالوابل على العشب الذي لا ينتظر إنسانًا ولا يصبر لبني البشر. وتكون بقية يعقوب بين الأمم في وسط شعوب كثيرين كالأسد بين وحوش الوعر كشبل الأسد بين قطعان الغنم الذي إذا عبر يدوس ويفترس وليس من ينقذ. لترتفع يدك على مبغضيك وينقرض كل أعدائك. ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أني اقطع خيلك من وسطك وأبيد مركباتك. واقطع مدن أرضك واهدم كل حصونك. واقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون. واقطع تماثيلك المنحوتة وانصابك من وسطك فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد. واقلع سواريك من وسطك وأبيد مدنك. وبغضب وغيظ انتقم من الأمم الذين لم يسمعوا.”

بقية يعقوب = البقية هي البقية المؤمنة، هم الذين يؤمنون بالمسيح من شعب يهوذا فيكون لهم خلاص ، هم تلاميذ المسيح ورسله الذين جالوا في كل العالم وبعمل الروح القدس فيهم نشروا تعاليم المسيح بكرازتهم. هم الذين حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين فجالوا في العالم كله ينشرون تعاليمهم التي كانت كالندى من عند الرب وهم ذهبوا لكل الشعوب = في وسط شعوب كثيرين = فإن كان مولود بيت لحم قد جاء كندى سماوي يطفئ لهيب إنساننا القديم ويطيب جراحاته، هكذا يصير المؤمنون بالنسبة للآخرين. وهذه البقية كالندى فكلامهم وتعاليمهم مصدرها السماء، فالروح القدس ينطقعلى لسانهم، وهم ولدوا من فوق وليس من الأرض. وهم كثيرين كندى الصبح وطاهرين لا أثر فيهم لأي شوائب، ويأتون بلا جلبة أو غوغاء بل في سكون، لهم كلمات معزية كالندى للمتألمين فهم مملوئين من الروح القدس.

وهم لا ينتظرون مساعدات من إنسان = الذي لا ينتظر إنسان. ولا يصبر لبنى البشر = أي لا يصبر حتى تأتي له معونة من بني البشر، بل يصبرون لله حتى تأتي المعونة منه، فهم يعتمدون على عمل النعمة الإلهية. وكل من حولهم ينتظرونهم كالمطر الذي ينزل كالوابل على العشب فينمو العشب. ونزول الندى على العشب يجعله لا يحترق من لهيب الشمس. وكلماتهم المعزية للآخرين تجعلهم لا يحترقون من لهيب شمس تجارب هذا العالم.

لكن ليس معنى أنهم كالندى أنهم سيكونون ضعفاء بل في (8) سيكونون أقوياء كالأسد = في الشهادة للحق وفي (2كو4:10، 5) “أسلحة محاربتهم قادرة بالله على هدم حصون” وهم لهم قوة لا يقدر جميع معانديهم أن يقاوموها أو يناقضوها (لو15:21). وليس من ينقذكما لا يقدر أحد أن ينقذ إن افترس الأسد. لاحظ أن إبليس خصمنا يجول كأسد زائر  “ولكن بقوة الله الأسد الحقيقي الذي خرج من سبط يهوذانكون كأسود وإبليس خصمنا يكون كقطعان الغنم. الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح” (2تى1: 7).

وفي (9) لترتفع يدك على مبغضيك= سوف تنتصر الكنيسة في النهاية على كل مقاوميها وينقرض كل أعدائها وهذه القوة التي اكتسبها شعب الله ليست هي قوتهم بل قوة مولود بيت لحم وهذا معنى أقطع خيلك من وسطك. في آية (10) فهم تخلوا عن قوتهم وعن كل الوسائط العالمية والحلول البشرية. لقد اعتمدت أورشليم على أسوارها سابقًا وعلى خيلها ومركباتها. ولذلك في (11) أهدم كل حصونك =فقد صار لهم الله سور من نار (زك5:2). وبعد أن وعدها بأن يكون هو قوتها وطهرها من الاعتماد على ذاتها نجد في (12، 13) وعد بتطهير النفس من محبتها للأوثان أي النجاسة وكل أعمال الاتصال بإبليس وهذا معنى أقطع السحر من يدك.

والعائفون وهم مدعو النبوة والعرافة والذين يدّعوا معرفة الغيب ومفسرو الأحلام ومن يدعوا أنهم يروا رؤى. وهؤلاء كان لهم اتصال بالشياطين. وفي (14) أبيد مدنك = المدن التي كانت مخصصة لهذه العبادة. وفي (15) وعد بأن يؤدب الله كل مقاومي الكنيسة، كل من رفض الإيمان. فالله أعطى لابنه إما قلوب أو أعناق أعدائه، فيجعلهم إما أحباؤه أو تحت موطئ قدميه.

تفسير ميخا 4 ميخا 5  تفسير سفر ميخا
تفسير العهد القديم تفسير ميخا 6
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير ميخا 5  تفاسير سفر ميخا تفاسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى