تفسير سفر ميخا – المقدمة للقمص تادرس يعقوب
ليس مثل…!
في وسط ظروف الأمة الحالكة الظلام والفساد الذي دبّ على كل المستويات من قادة سياسيين ودينيين ومدنيين وعامة الشعب، يكشف النبي عن حب الله الفائق للإنسان، مشتاقًا إلى تقديسه.
إن كان اسم النبي يكشف عن رسالته، إذ يعني “ليس مثل يهوه”، فإن السفر في مجمله يتحدث عن:
v ليس مثل الخطية في بشاعتها وتدميرها، لكن نعمة الله أعظم!
v ليس مثل الأمة المُستعبدة للخطية! لكن مدينة الله السماوية تنتظرنا!
v ليس مثل القائد الشرير محطم نفسه كما الجماعة، لكن الله قائدنا!
v ليس مثل كنيسة العهد الجديد المرتفعة في السماويات!
v ليس مثل الله، الغافر الخطية، الكثير الرحمة، المحب للبشرية!
أشكر المهندس إبراهيم خلف سيداروس لمراجعته للغة العربية للكتاب.
– مقدمة في سفر ميخا |
|
اَلأصحاح الرَّابِعُ (أيَّة كنيسة هي مثلكِ؟) |
– القسم الأول الأصحاحات [1-3] |
|
اَلأَصْحَاحُ الْخَامِسُ (من مثلك راعٍ إلهي!) |
اَلأَصْحَاحُ الأَوَّلُ (محاكمة علنية) |
|
– القسم الثالث الأصحاحات [6-7] |
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي (إقطاعيُّون طمَّاعون) |
|
اَلأصحاح السَّادِسُ (جلستان في المحكمة!) |
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ (القيادة الشريرة) |
|
َالأصحاح السَّابِعُ (متابعة الدعوى القضائية الإلهية) |
– القسم الثاني الأصحاحات [4-5] |
|
|
مقدمة في سفر ميخا
ميخا:
كلمة “ميخا” هي اختصار لكلمة “ميخاياهو” Micaiah كما وردت في (إر 26: 28)، وتعني “من مثل يهوه؟”
ميخا النبي كارز ريفي، عاش في مورشة جت Gath Moresheth، التي تبعد حوالي 20 ميلاً جنوب أورشليم، على حدود فلسطين. وفقًا للقديس جيروم كانت مورشة جت لا تزال في أيامه ضيعة صغيرة بالقرب من إيليوثروبوليس. هذه الأخيرة هي بيت جبرين، كانت تقع في أحد الأودية الذي يمتد من السهل الساحلي صعودًا إلى مرتفعات اليهودية حول أورشليم.
كان ميخا النبي معاصرًا لإشعياء في أورشليم (راجع مي 1: 4-5 وإش 2: 2-5)، ولعاموس وهوشع في المملكة الشمالية.
تنبأ في منطقة أورشليم لهذا جاءت أغلب نبواته منصبة على صهيون وأورشليم. استمرت نبوته حوالي 50 عامًا.
شخصية ميخا:
أثير التساؤل إن كان ميخا ينتمي إلى طبقة شيوخ مورشة، حيث وجدت جماعة “شيوخ الأرض” الذين كانوا يرددون كلماته في أيام إرميا (26: 17-18). بهذا يكون أحد القضاة الذين يجلسون عند باب المدينة ينظرون قضايا الشعب (تث 17: 5؛ 21: 19؛ را 4: 1). من هنا شعر بالالتزام أن يُدافع عن حقوق شعب مدينته الصغيرة ضد أغنياء أورشليم الظالمين. ويرى آخرون أن ميخا كان أحد أفراد عامة الشعب بالمدينة، يرجع هذا الشعب إلى الأيام الأولى لعصر داود الملك، هؤلاء يكنُّون بالولاء للأسرة الملكية؛ وهم يتشكَّكون فيمن تسللوا إلى العرش واستلموا السلطة لأجل نفعهم الخاص (2 مل 11: 18-20؛ 14: 21؛ 211: 24). يلاحظ أن ميخا النبي لم يعارض الأسرة الملكية بل أراد عودتها إلى الحياة النقية وتحقيق هدفها، لكن هذا لن يتم في أورشليم، إنما يتحقق بواسطة مولود بيت لحم (مي 4: 14-5: 4)[1].
الخلفية التاريخية[2]:
ملوك أشور المعاصرين لتلك الفترة هم تِغلث فلاسر Tighathpileser الثالث (745-727 ق.م)، شلمناسر Shalmanezer (722-705)، وسنحاريب Sennocherib (705-608). قاد سنحاريب جيشه إلى الأجزاء الجنوبية والغربية ليهوذا، مخضعًا المدن والقرى حتى بلغ أورشليم التي خضعت لحصارٍ طويل، لكنه لم يستطع الاستيلاء عليها. أما النبوة عن الأسر وخراب أورشليم هنا فتُشير إلى عصر لاحق في أيام نبوخذنصر.
أخضعت أشور كل منطقة الشرق الأوسط عدا مصر وأورشليم. على أي الأحوال لم تشغل جيوشها كل هذه الأراضي، إنما أخضعت الأمم وطالبتهم بدفع جزية. فإذا ما اعتلى عرش أشور خلف للملك كانت الممالك الخاضعة للجزية تود الثورة على أشور. لذا كان الحاكم الجديد يلتزم أن يقود جيوشه ليدخل في معارك جديدة لإخضاع الأمم الثائرة عليه. وكانت أشد المعارك هي التي تقوم عند حدود مصر التي كانت تُشجع الدول للثورة على أشور لتحمي نفسها.
خلقت هذه الظروف جوًا من الاضطرابات الشديدة وعدم الاستقرار، خاصة في المدن الصغيرة والقرى، إذ كثيرًا ما تعرضت لعبور جيش أشور عليها واستعباد سكانها. أما الأغنياء والكهنة ورجال القصر الملكي فكانوا في آمان داخل أسوار العاصمة، هؤلاء أساءوا التصرف، إذ مارسوا الظلم والقسوة على سكان المدن والقرى، فكان هؤلاء يعانون تارة من الجيوش العابرة التي تنهب وتسلب وتستعبد، وتارة من الأغنياء والقادة.
بلغت يهوذا قمة قوتها في أثناء حكم عزيا (عزاريا) حوالي عام 783- 742 ق.م. وإذ أصيب بالبرص خلفه ابنه يوثام كوصي على العرش ثم كملكٍ. كان عصره يتسم بالازدهار من جهة التعمير والإنشاء والنصرات العسكرية. تولى ابنه آحاز العرش في وقت تلألأ فيه نجم أشور في أفق العالم. هزم تلغث فلاسر سوريا عام 732، وبعد عشر سنوات استولى على السامرة. هذا الأمر أفقد يهوذا شعورها بالأمان، خاصة وأن آحاز كان ضعيفًا وأجيرًا لأشور. جاء ابنه حزقيا مصلحًا، قطع علاقته بأشور، ووضع في قلبه أن يطهر يهوذا من العبادة الوثنية ورجاساتها، وأن يقوم بتطهير الهيكل وإصلاحه. جاء في ارميا (26: 18) الخ. أن هذا الإصلاح كان من أثر كرازة ميخا.
الظروف الروحية:
عاش في وقت صعب للغاية، فقد فتح الله عن عينيه ليرى معاصي يعقوب وخطايا إسرائيل (مي 3: 8). أدرك بروح النبوة ما سيحل بإسرائيل كما بيهوذا. فالظلم كان حالاً في داخل الأسوار، والأعداء قادمون من الخارج.
شعر ميخا النبي بالشرور التي لحقت بالدولتين – إسرائيل ويهوذا – وكيف أساء الأغنياء معاملاتهم مع الفقراء، فدوَّت صرخات الفقراء في السماء. هذا وقد لحق الفساد بكل الطبقات: رجال القصر الملكي، والكهنة، والشعب. أخطأت القيادات مع الشعب في حق الله، وإن كان الشعب قد مارس العبادة، لكن في شكلية بلا توبة صادقة، فصارت كلا شيء (مي 6: 7-8).
في أيامه أُخذ إسرائيل إلى السبي، وتُركت فرصة ليهوذا لمدة حوالي قرن ونصف، لكن خطايا الأمة دمَّرتها. “البرّ يرفع شأن الأمة، وعار الشعوب الخطية” (أم 14: 34).
أهميته:
احتل هذا السفر مكانة خاصة لدى آباء الكنيسة لأن الأناجيل الأربعة جميعها اقتبست منه. ويُعتبر تفسير القديس چيروم من أهم التفاسير لهذا السفر.
v اتفق آباء الكنيسة في الشرق والغرب على أن هذا السفر غني برموزه، فيتطلعون مثلاً إلى جبل صهيون كرمزٍ للكنيسة أو لأورشليم الجديدة (رؤ ٢٠-٢١) التي حققت رجاء إسرائيل.
v يرى آباء الكنيسة في السفر رمزًا للعماد الذي يهب المؤمن التمتع بالعضوية في العهد الجديد، محتلاً مكان الختان.
v تضمن السفر نبوات خاصة بخراب السامرة وأورشليم، لكنه يعود فيتنبأ عن مجد أورشليم المقبل(تأديب ثم مجد مسياني).
v اهتمام الله بالبقية القليلة الأمينة، بل وبكل أحد حتى وإن فسدت الأمة ككل! كثيرًا ما يكرر النبي تعبير “البقية” (2: 12؛ 4: 7؛ 5: 3، 7-8؛ 7: 18). ففي كل الأجيال، وفي أحلك الظروف يحفظ الله البقية القليلة الأمينة بكونها له، يعتز بها.
v النبي الوحيد الذي حدد بدقة موضع ميلاد المسيَّا المنتظر، الذي يحكم أبديًا (مي 5: 2)؛ وقد أدرك اليهود أن هذه النبوة خاصة بالمسيَّا قبل ميلاده (مت 2: 1-6).
v يكشف هذا السفر عن بغض الله للخطية وحبه الشديد للخطاة، كقدوس لا يقبل الشر، وكأبٍ يحب البشرية كأولادٍ له. فهو لا يهادن الخطية مطلقًا، كما لا يجتمع النور مع الظلمة. مع عدله اللانهائي كلي الحب بذل الكلمة الإلهي المتجسد ذاته لأجل خلاص الإنسان وتجديده المستمر وتمجيده على مستوى سماوي.
v في صراحة كاملة يكشف عن الخطايا التي سقط فيها إسرائيل وأيضًا يهوذا، وعدَّدها لهم، وأعلن عن نتائجها المدمرة. وفي حب شديد يفتح أبواب التوبة ليتمتع التائبون بالمراحم الإلهية خلال التواضع مع الله (6: 8).
v إن كان الأنبياء الكذبة، من أجل نفعهم الخاص، لا يبالون بما تمارسه الطبقات العليا من قهرٍ واستغلال للطبقات الدنيا الفقيرة، فليس من يقف أمام هذا التيار الخطير، لا يُمكن لله أن يصمت!
v يكشف هذا السفر عن حنو الله، فنرى ميخا النبي ينوح ويولول كمن فقد ابنًا أو ابنة وحيدة عزيزة عليه، وإذ يرى بروح النبوةٍ شعبه يُسبى يشاركهم مرارتهم، فيسير معهم حافيًا وعريانًا. هذه مشاعر رجال الله في العهدين القديم والجديد، فلا نعجب أن نقرا في رسائل القديس بولس: “أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد” (عب 13: 3).
غايته:
- التوبة هي الطريق للخلاص مما يحل من كوارث بسبب الخطية. بدون توبة حتمًا سيحل الدمار بهم.
- شجع المؤمنين للتطلع إلى الله العامل وسط البشرية، وأنه حتمًا يخلص من الظلم الذي يسود المجتمع.
- وبَّخ الأغنياء الظالمين، وشجع الفقراء على التطلع إلى الله القادر أن يخلص من الظلم. يدعوه البعض “نبي الفقراء“، لا يشغل ذهنه بالسياسة، وربما لم يكن له دراية بها، إنما ما يشغله هو رفع الظلم عن الفقراء، مدافعًا عنهم. كان ميخا النبي رجل الإيمان العملي: “قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب إلا أن نصنع الحق، وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك” (6: 8). فإنه لا يستطيع أحد أن يطلب الحق الإلهي، ولا أن يحب الرحمة باخوته ما لم يتضع أمام الله فينال نعمة إلهية فائقة. فمع أن ميخا النبي كما يدعوه كثير من الدارسين إنه رجل العدالة الاجتماعية والبرّ العملي، لكنه يؤكد أن هذا لن يتحقق بدون العمل الإلهي. إنه رجل الإيمان العملي!
- سحب قلوب سامعيه من الظلم السائد والدمار المنتظر إلى حلول مملكة المسيَّا المجيدة.
- أشار ميخا النبي إلى السبي البابلي وذكر بابل بالاسم (مي 4: 10)، وذلك قبل حدوثه بقرن ونصف. كما دعى الشعب الراجع من السبي إلى إعادة بناء أسوار أورشليم (مي 7: 11).
أسلوبه[3] وسماته:
- يتسم سفر ميخا بالتحرك السريع من أسلوب إلى آخر فيستخدم أسلوب السؤال والإجابة (1: 5؛ 2: 7)، والرثاء (1: 8-16)، ويُشير إلى العبادة الطقسية الواردة في أسفار موسى الخمسة موضحًا غاية الله منها (6: 6-8)، واعتراف شخصي بالإيمان “لكنني أنا…” (4: 1-4)، ومحاكمات إلهية (1: 2)، وكشف عن الخطايا كحيثيات للحكم الإلهي بالخراب، ودفاع عن الفقراء، وترقب لمجيء المسيَّا المخلص.
- كان لقرية مورشة أثرها على أسلوب ميخا النبي، فلم يقدم تصورات البرية كما في عاموس، ولا الجانب الريفي القوي لهوشع النبي، ولا الإشارة إلى القصر الملكي الذي في العاصمة كما في إشعياء. أشار ميخا النبي إلى الحقول التي يملكها القرويُّون (2: 2)، وإلى الحزم التي في البيدر (4: 12). كما تأثر بأغنياء أورشليم الذين يأتون إلى مورشة ليمارسوا الضغوط على فقرائها (6: 11)، ويغتصبون ما يشتهونه (2: 1-2؛ 6: 9-11)، فيضعون أياديهم على الحقول بسبب عجز الفلاحين عن سداد الديون (2: 2، 4). كانوا يجردون المدينين من ثيابهم (الرداء) مع أن الشريعة تلزم الدائنين أن يردوا الرداء عند الغروب (2: 8).
- لم يستخدم ميخا النبي أية حجج لتأكيد نبواته، إذ لم يلجأ إلى رؤى إلهية للتأكيد، ولا إلى شهادة رئيس الكهنة عن دعوته الإلهية كما فعل عاموس النبي (عا 7: 10-17).
- مع بساطته ككارز ريفي يحمل أعماقًا روحية فريدة، ففي مقارنته بين تقديم ذبائح وتقدمات كثيرة للعبادة من قِبل الأغنياء، إلا أنه إذ يتطلع إلى ظلمهم للفقراء يُحسب الأغنياء مصابين بمرضٍ عديم الشفاء (مي 3؛ 6: 6-13).
- سفر ميخا حافل بالمفارقات. تارة يتحدث عن أورشليم التي تسقط تحت السبي فتتحطم، وأخرى يرفعنا إلى أورشليم الجديدة التي تجذب الأمم إلى الرب، وتخرج منها كلمة الله إلى جميع البشر. وبالنسبة للأمم تارة يتحدث عنهم وقد سقطوا تحت الغضب الإلهي، وأخرى وهم قادمون إلى الإيمان ليتمتعوا بالبركات الإلهية.
قائمة بخطايا الأمة[4]:
يحدد ميخا النبي خطيتين رئيسيتين وهما مزج عبادة الله الحيّ بالعبادة الوثنية مع ما تحمله من رجاسات، وممارسة الظلم وقهر الفقراء واستغلالهم.
- عبادة الأوثان (1: 7؛ 6: 16).
- تدبير الشر (2: 1).
- الخداع، الشهوة، العنف (2: 2).
- الطمع (2: 2).
- الظلم (2: 2)
- العنف (2: 2؛ 3: 10؛ 6: 12؛ 7: 2).
- طرد الأرامل من بيوتهن (2: 9).
- تشجيع الأنبياء الكذبة (2: 6، 11).
- فساد الحكام: بغض الخير وحب الشر (3: 1-3).
- فساد الأنبياء: الاستخفاف بالعدالة، وتحريف الحق (3: 5-7).
- فساد الكهنة (3: 11).
- الرشوة (3: 9، 11؛ 7: 3).
- عدم الأمانة (6: 10-11).
اقتباسات من ميخا:
- اقتبس منه شيوخ يهوذا (إر 26: 18 عن ميخا 3: 12).
- المجوس القادمون إلى أورشليم (مت 2: 5-6؛ مي 5: 2).
- رب المجد يسوع عند إرساله الاثني عشر (مت 10: 35-36؛ مي 7: 6).
مملكة الله:
v عاصمة مملكة المسيًّا المخلص أورشليم (4: 1-2).
v مملكة جامعة مسكونيَّة (4: 2).
v شريعتها السلام المسياني (4: 3).
v إمكانياتها: رخاء (4: 4).
v سمتها: البرّ (4: 5؛ 4: 2).
ميخا النبي وإشعياء النبي[5]:
بدأ نبوته بعد أن بدأ إشعياء بـ 17 أو 18 عامًا.
v بينما كان ما يشغل إشعياء النبي هو العاصمة أورشليم (إش 1؛ 2: 1-5؛ 4: 2-6؛ 8: 5-10)، كان ميخا النبي متعاطفًا بجاذبية خاصة نحو بيت لحم، فكان “نبي الشعب“.
v كان إشعياء النبي رجلاً أرستقراطيًا مرتبطًا بقوة بالعاصمة وهيكلها، ملمًا بالعمل السياسي الخاص بأمَّته، شاعرًا قديرًا، أما ميخا النبي فكان قرويًا، أقل رقة من إشعياء، يميل أسلوبه إلى الخشونة، وذلك بحكم كونه فلاحًا. ينتقل من موضع إلى آخر، ومن شخص إلى آخر دون مقدمات. حقًا يكتب أحيانًا بلهجة عنيفة وفي جسارة، لكنه يحمل قلبًا مملوء مرارة وحزنًا، فيكتب أحيانًا بلغة الحب والحنو.
v كان ميخا النبي فقيرًا عانى مع إخوته الفقراء من ظلم الأغنياء. وكانت تكمن وراء كلماته تجربة شخصية مرة.
v الخطية في ذهن إشعياء النبي هي تدنيس هيكل الرب (إش 4: 4)، أما بالنسبة لميخا النبي فهي سلب الفقير المدين رداءه، وطرد نساء شعب الله من بيوتهن المبهجة (مي 2: 8-9). كان إشعياء كارزًا بالإيمان الذي يتطلب حفظ ما يليق بقداسة يهوه السرية. أما ميخا فكان نبيًا للعدالة الإلهية لحفظ حقوق المساكين.
ميخا النبي وعاموس النبي[6]:
ليس فقط أن ميخا النبي عاش في منطقة مجاورة لبيت عاموس “تقوع”، إنما شابهه في أشياء كثيرة.. لقد تأثر بروح عاموس حتى دُعي “مبعوث عاموس إلى الحياة redivivus Amos. كل من النبيين الريفيين هاجم الفساد الاجتماعي الاقتصادي (الظلم الاجتماعي) في أيامه. حيث كان الأغنياء يسيئون استغلال الفلاحين الفقراء. لم تقف رسالتهما عند مقاومة الظلم، وإنما هاجما أيضًا الوضع الديني المؤلم في أيامهما. لقد دبت الرشوة بين الكهنة والأنبياء الكذبة والقضاة. هذا وقد توقفت العبادة عند الشكل الخارجي وتقديم ذبائح حيوانية وتقدمات بدون حياة مقدسة، واهتمام بالوصية الإلهية.
وحدة السفر:
تطلع أغلب الدارسين إلى السفر بكونه من وضع ميخا النبي (بوحي الروح القدس)، غير أن الدارس Ewald ومن أخذ برأيه حسبوا الأصحاحين 6-7 من وضع نبي آخر غير معروف جاء في أيام حكم منسَّى، حاسبين أن طابع الأصحاحين مختلف عن طابع الأصحاحات الخمسة الأولى.
ظنَّ ويلهوسن Wellhausen وستاد Stade أن ما ورد في (مي 7: 7-20) كُتب بعد السبي، وذلك للتشابه بين هذا النص وما وردد في (إش 40-66).
أنكر البعض أن الأصحاحين 4-5 من وضع ميخا النبي، إذ يستصعبون قبول القلم الذي سجل في الأصحاحات الثلاثة الأولى تحذيرات وتوبيخات عنيفة هو بعينه يُسجل رؤية جبل بيت الرب المجيد في آخر الأيام (ص 4) والوعود الإلهية الفائقة (ص 5). بهذا القول نقيم من ميخا مصلحًا اجتماعيًا أكثر منه رجل الله الذي يفتح أبواب الرجاء للنفوس الساقطة بعد أن يكشف بوضوح عن خطورة فسادهم.
دافع رافن John Howard Raven (وآخرون) عن وحدة هذا السفر، ذاكرًا الاعتبارات التالية[7]:
- يربط تعبير “اسمع” (1: 2؛ 3: 1؛ 6: 1) السفر معًا بكونه من وضع كاتبٍ واحدٍ. ويرى البعض أن السفر ينقسم إلى ثلاثة أقسام يبدأ كل قسم بهذه الكلمة. اعتمد النقاد في حججهم بصورة رئيسية على مقتطفات مقتبسة من السفر وليس على السفر ككل، معتمدين على ما قدمه النبي بصورة مختصرة عن نبواته التي دامت قرابة 50 عامًا.
- يرى رافن أن التشابه بين (مي 6-7) و (إش 40-66) يؤكد أن الأصحاحين من وضع ميخا معاصر إشعياء، حيث أن الأصحاحات 40-66 سجلها إشعياء.
- لعل الاختلاف في الأسلوب يرجع إلى طول مدة خدمة ميخا النبي التي قاربت من الخمسين عامًا، حتمًا حدث عبر هذا الزمن تغيرات تاريخية وفكرية وروحية، فجاءت كتابته تحوي اختلافات في الأسلوب.
- ما ورد في أصحاحات 4-7 يكشف عن تشابه لكتابات في أيام ميخا أو قريبة منها:
قارن
مي 3: 1-3 |
|
مع إش |
|
2: 2-4. |
|
4: 3 |
|
مع يوئيل |
|
3: 10. |
|
4: 7 |
|
مع إش |
|
24: 24. |
|
4: 9 |
|
مع إش |
|
13: 8؛ 21: 3. |
|
4: 13 |
|
مع إش |
|
41: 15-16؛ 23: 18. |
|
5: 5 |
|
مع إش |
|
9: 6. |
|
5: 13 |
|
مع إش |
|
2: 8 |
|
6: 2 |
|
مع هوشع |
|
4: 1؛ 12: 2. |
|
6: 4 |
|
مع عاموس |
|
2: 10. |
|
6: 7 |
|
مع إش |
|
1: 11. |
|
6: 8 |
|
مع إش |
|
1: 17 |
|
|
|
هوشع |
|
6: 6 |
|
6: 11 |
|
مع هوشع |
|
12: 7 |
|
6: 14 |
|
مع هوشع |
|
4: 10 |
|
7: 1 |
|
مع إش |
|
24: 13 |
|
|
|
هوشع |
|
9: 10 |
|
7: 2 |
|
مع إش |
|
57: 1 |
|
7: 3 |
|
مع إش |
|
1: 23 |
|
|
|
هوشع |
|
4: 18. |
|
7: 10 |
|
مع يوئيل |
|
2: 17 |
|
7: 11 |
|
مع عاموس |
|
9: 11. |
أقسام السفر:
القسم الأول: نبوات تأديبية (مي ١-٣)، حيث يركز على صدور حكم الله الوشيك حدوثه مع لومٍ شديدٍ موجه ضد قادة اليهود.
v إذ سقطت إسرائيل (عاصمتها السامرة) إذ حلّ بها الخراب في السنة السادسة لحزقيا كما حلّ بها الخراب بواسطة أشور بكونها أخطر عدو لإسرائيل في ذلك الحين. كما سقطت يهوذا (عاصمتها أورشليم) في الشر لم يرد الرب تأديبهما إلا بعد أن يُشهد الشعوب عليهما. مع التأديب يكشف الله عن سبب الداء ليشفي. إنه ليس بالإله الآمر الناهي، لكنه يحب أن يحاجج الإنسان ويتفاهم معه!
v حين يؤدب يكون كمن يخرج من مكانه (1: 3).
v للتأديب سمح بنصرة شلمناصر على السامرة (1: 5-7؛ 2 مل 17: 4، 6)، وسنحاريب على يهوذا (1: 9-16؛ 2 مل 18: 3)، وأوقف روح النبوة (3: 6) وسمح بدمار أورشليم.
القسم الثاني: نبوات مسيانية مجيدة (مي ٤-٥) حيث تعمل النعمة الإلهية، ويكشف عن الجانب الإيجابي الخاص بإصلاح صهيون.
إن كان إسرائيل ويهوذا قد فسدا، فالحاجة إلى المسّيا المخلص لإصلاحهما. وقد كشف عن الأمراض التي حلت بهما.
- المسيَّا هو الجبل المقدس (4: 1)، عليه تقوم المدينة المقدسة (5: 14)، أي الكنيسة، بكونه أساس إيماننا.
- يفتح الباب للأمم (4: 1، 2).
- يهب السلام الداخلي (4: 3-5 ؛ 5: 10-11).
- يهتم بالظالعة (العرجاء) والمطرودة والضعيف.
- يملك على صهيون (القلب) أبديًا (4: 8).
- يدعو الكنيسة أن تخرج كما مع المسيح إلى البرية لكي تغلب إبليس، وتنطلق إلى بابل، لا كمسببة بل كغالبية ومنتصرة (4: 10).
- يصير المؤمن بمولود بيت لحم أفراتة (5: 1-2) “كالأسد بين وحش الوعر” (مي 5: 8)، يحمل روح النصرة، لكن ليس بأسلحة بشرية: “إني أقطع خيلك من وسطك وأبيد مركباتك” (5: 10).
القسم الثالث: دعوى قضائية إلهية (مي ٦-٧)، تتحول القضية إلى ضد إسرائيل بسبب كسرهم للعهد الإلهي، في دعواه يُسر بأن يحاججهم.
- يؤكد لهم أنه لا يُسر بحرفيات العبادة ولا التقدمات في ذاتها، إنما يطلب القلب: “هل يُسر الرب بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت؟! ماذا يطلب منك الرب إلاّ أن تصنع الحق، وتحب الرحمة وتسلك متواضعًا مع إلهك؟!” (6: 7، 8).
- يوضح أيضًا أن شرنا هو علة التأديب (6: 9-11).
- مقابل محبته لنا يطالبنا الله بالعبادة الخفية (7: 5، 6)، والرجاء في القيام من السقوط(7: 7-10) والتسبيح له (7: 18-20).
بدأ السفر بتأديب الأمة المنقسمة إلى مملكتين سادهما الفساد، وانتهى بشعبٍ واحدٍ مجيدٍ، هو كنيسة المسيح مخلص العالم كله!
ينتهي السفر بصلاة لأجل إصلاحهم وإعلان مراحم الله.
“من هو مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه؟!
لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يُسر بالرأفة.
يعود يرحمنا، يدوس آثامنا،
وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم”
(مي 7: 18-19)
++++
من وحي ميخا النبي
نعمة عجيبة! وقائد عجيب! ومدينة عجيبة!
v ترتعب نفسي في داخلي،
حين يكتشف ميخا نبيك عن بشاعة الخطية ومرارتها.
أشعر بالعار والخزي،
تنزع الخطية عني ثوب البٌر، فأصير عاريًا!
وتفقدني عذوبة الحياة، فتتمرر نفسي!
وتحرمني من الحرية الداخلية، فأسلك كأسيرٍ!
تسلبني قوتي، فأخور تمامًا!
تسلبني كل شيءٍ، فأفقد طعم الحياة.
v لكن نعمتك غنية، وقديرة، وبهية.
تحطم ظلمة خطاياي، فأصير بها مشرقًا.
تهبني روح القوة والنصرة، فامتلئ فرحًا!
تقدم ليّ الحرية، فأنطلق لأستقر في أحضانك.
تسترني ببرٌَك، فأتراءىٌ، أمام الآب السماوي.
تكسوني بالمجد السماوي، فأُسبح مع السمائيين.
v تحطم الخطية روح القيادة فيٌ!
تحطم عقلي وقلبي وإرادتي وكل طاقاتي!
لكنك نزلت إلى بيت لحم، لتصير أنت قائدي!
عجيب يا أيها القائد السماوي.
وأنت القائد تهبني روح القيادة الفعٌالة!
أعيش بك قويًا، لا أعرف روح الفشل!
بك أسلك كقائدٍ حيٍ فأعبر المعارك منتصرًا.
v هوذا ميخا نبيك ينتحب السامرة وأورشليم.
في مرارة يسير عاريًا وحافيًا، يصرخ بلا انقطاع.
أراه في حبه يشارك شعبه الذي في طريقه للسبي!
يئن مع أنات الكل!
لكنك كشفت له عن مدينة جديدة على رأس الجبال!
دخلت به إلى أورشليم العليا!
حملته إلى العالم الجديد!
v حقًا يا لها من نعمة إلهية عجيبة،
وقيادة مسيانية غالبة وقوية،
ومدينة جديدة سماوية!
فهرس | سفر ميخا | تفسير سفر ميخا |
تفسير العهد القديم | تفسير ميخا 1 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | ||||
تفاسير ميخا – مقدمة | تفاسير سفر ميخا | تفاسير العهد القديم |