تفسير سفر أخبار الأيام الأول أصحاح 14 للقمص تادرس يعقوب ملطي
داود والفلسطينيين
وفيه نجد أن الله انجح داود وذاع صيته وانتشر، وقد واجه الفلسطينيين مرتين وفي كل مرة كان يسأل من الله كيف يتعامل معهم ولم يعتمد على انتصاره السابق.
فلتكن حادثة هجوم الفلسطينيين ثانية على داود وسؤاله مرة ثانية من الله درسًا لنا لنعترف بالرب: نهرب إليه في وقت المحنة، نلتجئ إليه عندما نُظلم، وعندما لا نعرف ماذا نعمل نسأل مشورة أتقائه ونضع مشيئتنا تحت إرادته وتدبيره، ونلح في الطلب ليهدينا الطريق.
وليكن سماع الصوت في أعلى شجر البطم دليًلا لنا لنسمع حركة الله في إلهامه الإلهي وتأثيرات روحه القدوس.
وَأَرْسَلَ حِيرَامُ مَلِكُ صُورَ رُسُلًا إِلَى دَاوُدَ
وَخَشَبَ أَرْزٍ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا. [1]
وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ،
لأَنَّ مَمْلَكَتَهُ ارْتَفَعَتْ مُتَصَاعِدَةً مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. [2]
وَأَخَذَ دَاوُدُ نِسَاءً أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ وَوَلَدَ أَيْضًا دَاوُدُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. [3]
وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الأَوْلاَدِ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي أُورُشَلِيمَ:
شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ [4]
وَيِبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَأَلِفَالَطُ [5]
وَنُوجَهُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ [6]
وَأَلِيشَمَعُ وَبَعَلْيَادَاعُ وَأَلِيفَلَطُ. [7]
وَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ مُسِحَ مَلِكًا عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ،
فَصَعِدَ كُلُّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيُفَتِّشُوا عَلَى دَاوُدَ.
وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ خَرَجَ لاِسْتِقْبَالِهِمْ. [6]
فَجَاءَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. [9]
فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ اللَّهِ: «أَأَصْعَدُ عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَتَدْفَعُهُمْ لِيَدِي؟»
فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اصْعَدْ فَأَدْفَعَهُمْ لِيَدِكَ». [10]
فَصَعِدُوا إِلَى بَعْلِ فَرَاصِيمَ وَضَرَبَهُمْ دَاوُدُ هُنَاكَ.
وَقَالَ دَاوُدُ: «قَدِ اقْتَحَمَ اللَّهُ أَعْدَائِي بِيَدِي كَاقْتِحَامِ الْمِيَاهِ».
لِذَلِكَ دَعُوا اسْمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ «بَعْلَ فَرَاصِيمَ». [11]
وَتَرَكُوا هُنَاكَ آلِهَتَهُمْ، فَأَمَرَ دَاوُدُ فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. [12]
ثُمَّ عَادَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَيْضًا وَانْتَشَرُوا فِي الْوَادِي. [13]
فَسَأَلَ أَيْضًا دَاوُدُ مِنَ اللَّهِ،
فَقَالَ لَهُ اللَّهُ: «لاَ تَصْعَدْ وَرَاءَهُمْ،
تَحَوَّلْ عَنْهُمْ وَهَلُمَّ عَلَيْهِمْ مُقَابِلَ أَشْجَارِ الْبُكَا. [14]
وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خَطَوَاتٍ فِي رُؤُوسِ أَشْجَارِ الْبُكَا فَاخْرُجْ حِينَئِذٍ لِلْحَرْبِ،
لأَنَّ اللَّهَ يَخْرُجُ أَمَامَكَ لِضَرْبِ مَحَلَّةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». [15]
فَفَعَلَ دَاوُدُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ،
وَضَرَبُوا مَحَلَّةَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ جِبْعُونَ إِلَى جَازَرَ. [16]
وَخَرَجَ اسْمُ دَاوُدَ إِلَى جَمِيعِ الأَرَاضِي،
وَجَعَلَ الرَّبُّ هَيْبَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ. [17]
* “وعمل داود لنفسه بيوتًا في مدينة داود واعّد مكانًا لتابوت الله ونصب له خيمة. حينئذ قال داود ليس لأحد أن يحمل تابوت الله إلاَّ اللاويين لأن الرب إنما اختارهم لحمل تابوت الله ولخدمته إلى الأبد (1أيام 15: 1-2 إلخ).
والآن يصلح داود غلطته السابقة، فبعد وقت قصير من محاولته الأولى لاحضار تابوت الله اكتشف داود السبب في غضب الله. ربما كان هذا إشارة إلى البركة التي حلّت على بيت القهاتي بسبب التابوت، ولكن بلا شك حيث أنه دائمًا مستعد ليسأل من الله فقد فعل هكذا في هذه المرة، فالمرة الأولى لتحريك التابوت وحمله كانت كارثة لأنها لم تُعْهَد للاويين.
* “فتقدس الكهنة واللاويون ليصعدوا تابوت الرب إله إسرائيل. وحمل بنو اللاويين تابوت الله كما أمر موسى حسب كلام الرب بالعصي على اكتافهم. وأمر داود رؤساء اللاويين أن يوقفوا اخوتهم المغنيين بآلات غناء بعيدان ورباب وصنوج مسمّعين برفع الصوت الفرح”(1أخبار 15: 14، 16 إلخ).
نلاحظ أن اللاويين والكهنة تقّدسوا (عدد 14) وكانوا مستعدين لحمل التابوت على أكتافهم حسب الناموس (عدد 15). كثيرون ممن يُهملون في واجبهم إذا ما أُنْذروا بصدق فإنهم يُصْلَحون ويعملون بطريقة أفضل، فالعقوبة التي حلّت بعُزّا جعلت الكهنة أكث حرصًا لتقديس أنفسهم، أيّ يتطهروا من الزغل الروتيني ويتأهبوا لخدمة الله بالجدية لكيما يفيضوا هيبة على الشعب، فالبعض يصبحون مثًلا صالحًا لكيما يتمثل الآخرون بهم.
[وقد تُعين أناسًا مُدبرين لكي يكونوا مستعدين لاستقبال التابوت بكل تعبيرات الفرح (عدد 16)].
وقد أمر داود رؤساء اللاويين أن يدعوا الذين يعرفون عنهم المهارة في الخدمة، فأوائل المدعويين مغنيين (عدد 17) لهم صلة بالمزامير: هيمان (مز 88) وآساف (مز 73- 83) وإيثان (مز 89)، وأخذوا يصوتون بصنوج نحاس(عدد 19)، وآخرون بالرباب (عدد 20)، وأخرون بالعيدان على القرار للامامة أيّ على نوته أعلى أو أخفض من الآخرين حسب قواعد الكونسرتو (عدد 21)، وبعض الكهنة ينفخون بالأبواق (عدد 24) كما كانت العادة أثناء نقل التابوت (عد 10: 8) وفي الأعياد المقدسة (مز 81). الأربعة عشر مزمورا التي للمصاعد (مز 120، 134) ربما استخدمت في صورتها الأولى أثناء هذه المناسبة على أن بعض التغيرات قد تكون قد طرأت عليها فيما بعد، وسواء استُخدموا أم لا فإنه يوجد صدى لمثل هذه الأوتار كما لو كانت قد لُحّنت من هذه المزامير وغيرها. مثل هذه الطريقة لتسبيح وحمد الله لم تكن مستخدمة حتى ذاك الوقت، ولكن داود بما أنه نبيّ وضعها بتدبير إلهي وأضاف إليها فرائض جسدية أخرى كما اسماها بولس الرسول (عب 9: 10).
البعض تعينوا أن يكونوا بوابين (عدد 18) وآخرون تعينوا حافظي أبواب للتابوت (عدد 23، 24) وواحد منهم كان عوبيد أدوم الذي اعتبر هذا موضع شرف ومكافأة له على العناية التي أعطاها للتابوت عندما حفظه في بيته ثلاثة أشهر، ويرى أحد الآباء أن وجود التابوت في بيت عوبيد أدوم لمدة ثلاثة أشهر كان رمزًا واشارة لمكوث التابوت العقلي (السيدة العذراء والدة الإله الكلمة) في بيت زكريا وأليصابات لمدة ثلاثة أشهر (لو 1: 56).
* “وكان داود وشيوخ إسرائيل ورؤساء الألوف هم الذين ذهبوا لاصعاد تابوت عهد الرب من بيت عوبيد آدوم بفرح. ولما أعان الله اللاويين حاملي تابوت عهد الرب ذبحوا سبعة عجول وسبعة كباش”(1أيام 15: 25- 26).
وهنا نجد تسجيًلا لهيبة المناسبة، فقد كان موكب انتصار عظيم وسار من منزل عوبيد آدوم إلى مدينة داود.
1.الله أعان اللاويين الذين حملوا التابوت، في الواقع لم يكن التابوت ذا حمل ثقيل بحيث يحتاج حاملوه إلى مساعدة غير عادية، ولكن:
أ. يستحسن أن نلاحظ المساعدة المرتبة من العناية الإلهية حتى في الموقف التي في نطاق قدرتنا الطبيعية، فلو لم يعيننا الرب لا يمكن أن تخطو خطوة.
ب. يجب أن نستمد معونة خاصة لاداء خدماتنا الدينية (أنظر أع 26: 22)، فكل كفايتنا للخدمات المقدسة تأتي من الله.
ج. حينما تذكر اللاويون العقوبة التي حلّت بعزا ربما ابتدأوا يرتجفون عند حمل التابوت، لكن الله أعانهم أيّ أنه شجعهم ولاشى خوفهم، وقوّى إيمانهم.
د. الله ساعدهم ليقوموا بالعمل بنظام وجدية دون أن يرتكبوا أيّ خطأ. إذا ما قمنا بأيّ واجب ديني فيجب أن نُرجع المعونة لله لأنه إن تُرِكنا لأنفسنا قد تسقط في أخفاقات جسيمه، فخدام الله الذين يحملون آنية الرب يحتاجون إلى معونة خاصة في خدمتهم لكيما يتمجد الله فيهم وكنيسته تستنار بهم، فإذا أعان الله اللاويين يجني الشعب الفائدة.
- لما اختبروا وجود الله معهم (في حضرة التابوت) قدموا له ذبائح تسبيح (عدد 26)، وفي هذا أعانهم الله أيضًا. لقد قدموا هذه العجول والكباش ربما عن طريق التكفير عن الخطأ السابق لكيما لا تُذكر ضدهم الآن وأيضًا عن طريق الاعتراف بالمعونة التي حصلوا عليها الآن.
- كان هناك تعبيرات عظيمة عن الفرح: فقد صدعت الموسيقى المقدسة، ورقص داود، ورنم المغنون، وصاح الشعب (عدد 27- 28) وهذا ذكر أيضًا في (2صم 6: 14- 15). نتعلم من هذا:
أ. أننا نخدم سيدًا صالحًا ويُسُّر أن خدامه يرنمون أثناء عملهم.
ب. أوقات النهضة الشعبية يجب أن تكون أوقات فرح للشعب، فالذين لا يستحقون التابوت هم الذين لا يفرحون به.
ج. أنه ليس حطُّ من كرامة أعظم الناس أن يُظهروا غيرتهم لأعمال العبادة، فميكال ابنة شاول الملك والتي صارت أول زوجة لداود عندما رأته مُظهرًا حماسة وفرحة لخدمة الرب فكرت في قلبها أنه متعصب دينيًا. نحن في حاجة إلى أناس مثل داود في أيامنا وليست الحاجة إلى تعصب بل إلى فرح فائض من قلب وحياة شعب الله. هذه الرسالة العظيمة في (أصحاح 15).