لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا

 

“لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس” (رو5:5)

المحبة الإلهية شيء آخر غير المحبة البشرية الطبيعية. محبة الله أقرب إلى النار في طبيعتها منها إلى أي شيء آخر نعرفه. هي ليست صفة بل طبيعة إلهية ذات فاعلية عميقة وتأثير شديد – كالنار – على كل كيان الإنسان .

المحبة الإلهية حينما تنسكب وتسكن الإنسان تغير كل شيء داخله . تخلق فيه إمكانيات وطاقات وإدراكات جديدة، وتلغي منه ضعفات وتعثرات كان ميئوساً منها. ذلك لأن الحب قوة مُصححة ومؤدبة بسلطان وسيادة لا حدود لجبروتها، غايتها في الإنسان أن تجعله أكثر ملائمة للحياة مع الله متناغماً مع إرادته المقدسة ومتوافقة مع غايته.

وما يصنعه الحب في الواحد بطريقة ؛ يصنعه في الآخر بطريقة أخرى ، كل حسب احتياجه، حتى يصير كل إنسان قريباً من أخيه الإنسان. فالحب الإلهي عامل اتحاد لا يُجاری، يعمل بإقناع وبسيطرة وبسر يفوق الوصف . هو أثمن ما يقتني الإنسان في حياته على الأرض ، هو رباط الشركة ، الشركة مع الله ومع القديسين: لا شركة بدون حب، ولا حب بدون شركة.

في البداية ينسكب الحب من الله في القلب سكيباً بسر الروح القدس ، وذلك عندما يبلغ درجة إنكار الذات، فتتم الشركة مع الله . وبعد ذلك يفيض الحب الإلهي من الإنسان على الآخرين بفعل الروح القدس الساكن في القلب ، بعد ما ينجح الروح القدس في تحطيم كبرياء الإنسان وتنظيف وساخات قلبه.

لا يوجد فارق زمني يفصل أو يفرق بين الحب والروح القدس؛ فحالما يوجد الروح القدس تنسكب المحبة الإلهية في القلب المتعطش لله .

علامة سُكنى الروح القدس في القلب هي وجود المحبة . أما علامة نجاح الروح فهي فيضان المحبة وانسكابها على الآخرين بلا حساب .

فيضان الحب يُثبت وجود الروح القدس داخل القلب ، ويكشف عن نشاطه وفرحه . والروح القدس يبلغ منتهی نشاطه حينما ينجح بإقناع المحبة في جمع شمل أولاده في وحدانية صادقة ، أي شركة الإيمان والعبادة والصلح والسلام . لأن هذا هو جسد المسيح “محتملين بعضكم بعضا في المحبة ، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام ، جسد واحد وروح واحد” ( اف 4: 2 )

۔ أي أن محبة الله المنسكية في القلب بواسطة الروح القدس هي أصلاً وأساساً لتكوين شركة جسد المسيح ، أي كنيسة الحب والبذل . الروح القدس هو الصانع هذه الوحدانية . ولكن حفظ هذه الوحدانية يحتاج إلى جهد من الإنسان : جهد احتمال ( محتملين بعضكم بعضاً) ، وجهد حفظ الصلح ( تحفظوا وحدانية الروح برباط الصلح ) ، مهما كانت التكلفة .

وانقطاع المحبة وتوقف الصلح لا يلغي دور وجود الروح القدس ، ولكنه يكشف عن حرج موقفه ، فهو يصير في حالة حزن وينحجب نوره الساطع وكأنه قد انطفأ . وهذا معناه أن الخطية استعادت قوتها ونجحت في اقتحام قلب الإنسان وأخمدت حركة الحب .

لذلك يحذرنا الرسول أن لانحزن روح الله القدوس ، فإذا أهينت المحبة أو خُذلت القداسة خبا نوره وانحجبت ناره عن الإنسان ، ولكن في طاعته ينتقل الإنسان كل يوم من مجد إلى مجد كما من الرب الروح .

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى