تفسير المزمور 3 للقديس أغسطينوس
عظة في المزمور الثالث
داود بمواجهة أبشالوم، أو يسوع بمواجهة يوضاس
تقهر الكنيسة مضطهديها، والنفس المسيحية شهواتها .
۱ – «مزمور لداود عند فراره من وجه ابنه أبشالوم» (۳: ۱). إنّ كلمات المزمور التي تقول : «أنا اضجعتُ ونمت، ثم استيقظتُ لأنّ الربّ يُسندني» (۳: ٦) تجعلنا نظنّ أنّ المقصود بها شخص المسيح. ذاك أنها تتلاءم مع آلام الرب وقيامته، أكثر منها مع ذاك الحدث الذي يرويه التاريخ عن داود حين فرّ من أمام وجه ابنه أبشالوم الذي تمرّد عليه (۲مل ١٥: ١٤ – ١٧)؛ كما تتلاءم مع ما كُتب عن تلاميذ المسيح : : «لا يصوم بنو العرس ما دام العروس معهم» (مت ٩: ١٥). لا عجب في أن يكون ابن آثم صورةً لذاك التلميذ الآثم الذي خان معلمه . وجهة النظر التاريخية، صحيح أن بوسعنا القول إنّ المسيح فرّ من أمام التلميذ بعد أن رحل، فاعتزل إلى الجبل مع الآخرين؛ لكن بالمعنى الروحي، عندما ابتعد ابن الله قوة الله وحكمته، عن روح يوضاس، تملكها الشيطان للحال، كما كُتِب: «دخل الشيطان في قلبه» (راجع يو ۱۳: ۲)؛ بوسعنا أن نقول إن المسيح فرّ من وجه يوضاس؛ وهذا لا يعني أنّ المسيح هُزِم أمام الشيطان، بل أنّ الشيطان تملك قلب يوضاس بعد خروج المسيح. إن تخلّي يسوع هذا، هو برأيي، ما يُسمّيه النبي ،هروبًا، لأنه حصل على الفور. وهذا أيضًا ما يُشير إليه كلام الربّ : ما أنت فاعله فافعله عاجلا» (يوح ١٣: ۲۷). ويحدث أن نقول بلغة عادية : هذا فرّ منّي، عندما يغرب شيء عن بالنا، كما نقول عن علامة إنّه لا يفوتُه شيء (لا يفلت منه شيء). وهكذا فرّت الحقيقة من روح يوضاس عندما كفت عن إنارتها . أبشالوم كلمة عبرية تعني سلام أبيه. يبدو عجيبا ، بلا شك، أن أبشالوم الذي شن، بحسب تاريخ الملوك، حربًا على أبيه، وأن يوضاس الذي يدعوه العهد الجديد بالخائن الذي سلّم الربّ يُمكن أن يُدعى سلام أبيه. غير أنّ القارئ اللبيب يعرف أنّه كان في تلك الحرب سلام في قلب داود تجاه ذلك الابن، وأنّه بكى موته بكاءً مرَّا، وراح ينتحب ويقول : يا بني أبشالوم يا ليتني متُ عوَضًا منك» (٢صم ١٨: ٣٣). وعندما تُصوّر لنا رواية العهد الجديد الصبرَ الرائع الذي تحلّى به الرّبّ عندما ارتضى أن يستضيف يوضاس، وهو لا يجهل نواياه، على العشاء الذي أعطى فيه تلاميذه جسده ودمه تحت أعراض الخبز والخمر؛ وعندما ارتضى خيانته له بقبلة نرى أنّ المسيح لم يكن يبدي للخائن غير السلام، فيما كان قلب الخائن فريسة لنواياه الشريرة. إذا كان أبشالوم سلام أبيه لأنّ أباه كان يُضمر له في قلبه مشاعر السلام، فيما الآثم كان بعيدا عنها .
۲ – “يا ربّ ما أكثر مُضايقيَّ!” (۳: ۲) ما أكثرهم، حتى أن فيهم من تلاميذي ما أكثر أعدائي: كثيرون قاموا علي، كثيرون يقولون لنفسي لا خلاص له بإله (۳: ۳). لو كانوا يؤمنون بالقيامة لما قتلوه . من هنا صراخ التحدّي : “إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب . . . خلّص آخرين ولا يقدر أن يُخلّص نفسَه” (مت ۲۷: ٤٠، ٤٢). ويوضاس نفسُه ما كان ليُسلمه لو لم يكن في عداد الذي كانوا يزدرون المسيح ويقولون : « لا خلاص له بإلهه .
٣ – “لكنّك يارب تُرس لي” (٣ : ٤). هو يسوع الإنسان يُكلّم أباه ؛ فلكي يذود عن البشر صار الكلمة جسدا . «أنت مجدي». هذا الإنسان الذي اتحدت به كلمة الله يدعو الله مجده، ليكون معه الله. درس رائع للعظماء الذين يُصمون آذانهم عندما يُقال لهم: «أي شيء تنله؟ فإن كنت نلته، فلِمَ تفتخر كأنك لم تنله؟» (١كو ٤: ۷) أنت رافع رأسي برأيي الرأس هنا هو العقل البشري رأسُ روحنا ؛ وروحنا هذه اتحدت بالتجسّد مع عظمة الكلمة السامية التي لم يقو على النيل منها هوان الآلام.
٤ – «بصوتي إلى الربّ أدعو (۳: ٥) لا بصوت الجسد الذي تنقل الريح رنينه، بل بصوت القلب الذي لا يسمعه الإنسان؛ يرتفع إلى الله صراحًا، بصوت سوسنة (دا ١٣: ٤٢ – ٤٤) الذي استُجيب؛ وبه أوصانا الله بأن نُصلّي في الخفية، وأبواب مخادعنا موصدة (راجع مت ٦: ٦). ولا نَقُلْ إنّ في صلاتنا الخفية نقصًا، عندما لا تنبس أفواهنا بكلمة مسموعة . ففي صلاة قلبنا الصامتة تمنعنا فكرة غريبة عن مشاعرنا من أن نقول : إلى الربّ رفعتُ صوتي». ولا تكون هذه العبارة صحيحة فينا إلا إذا كانت الروح النائية، في الصلاة، عن الجسد، وعن كلّ مشهد ،أرضي تتكلّم إلى الربّ، مباشرة، فيستجيب. والصلاة تضحي صرخة لسرعة انطلاقتها. من جبل قدسه استجابني». ونبي آخر يدعو الربّ نفسه جبلا عندما يكتب أنّ حجرًا انقطع، لا بيد إنسان صار جبلًا كبيرًا (راجع دا ٢: ٣٥ و ٤٥). لكن هذا لا يمكن أن يُفهم عن شخصه بالذات، إلا إذا قولنا المسيح : الرب استجابني من ذاتي كمن يستجيب من جبل قدسه، لأنه يسكن في كما في عليائه. لكنّ الأصح والأقرب أن نفهم أن الرّب استجابه من علياء عدالته. ذاك أنه كان يدين لعدالته بأن تقيم من الموت البار الذي قابلوا إحسانه بالشّرّ، وتُعاقب جلّاديه والحال فإننا نقرأ: عدلُكَ مثل الجبال» (مز ٣٥: ٧).
ه – «أنا اضجعتُ ونمت» (۳: ٦) . ليس من غير فائدة أن نلاحظ كلمة «أنا» التي تدلّ على أنه بإرادته خضع للموت، بحسب هذه العبارة: «الآب يُحبّني لأنّي أبذل نفسي لأنالها ثانيةً. ما من أحدٍ ينزعُها مني، لكنّي أبذلها برضائي فلي أن أبذلها ولي أن أستردّها» (يو ۱۰: ۱۸-۱۷). يقول، إذًا، لستَ أنت الذي أخذتني عنوةً، وقتلتني، بل «أنا اضجعتُ ونمت ثم استيقظتُ لأنّ الربّ يُسندني». ألف مرّة يذكر الكتاب الرقاد على أنه الموت. ويقول الرسول: «ولا نريد، أيها الإخوة، أن تجهلوا أمر الراقدين» (۱تس ٤: ١٣). ولا نتساءلنَّ لماذا يقول النبي أنا اضجعت» ثمّ يُضيف ونمت» أي ورقدتُ . إنّ هذا النوع من التكرار مألوف في الكتاب المقدس، كما سبق وبينا في شرحنا المزمور الثاني في ترجمات أخرى نقرأ : اضجعتُ وتمتعتُ برقاد عمیق»، وفي غيرها أيضًا، وبتعبير آخر، ، كما فهموه من هذه الجملة اليونانية Eyd rouneny ka tvood. ego ekoimeten kai upnosa. لعل الغفوة تعني غفوة المنازع، والرقاد رقاد الميت، من حيث أننا نمر من الغفوة إلى النوم، كما من النوم إلى اليقظة. فلنحترز ألا نرى في هذه التكرارات في الأسفار المقدّسة إلا أنواعًا من زخارف الخطاب لا تضيف شيئًا إلى المعنى عبارة «غفُوتُ، نمت نوما عميقا، توازي القول : استسلمت للآلام التي توجها الموت. «ثمّ استيقظتُ لأنّ الربّ يُسندني. نلاحظ أننا نمر في الجملة نفسها من الماضي استيقظتُ إلى الحاضر الذي يحمل معنى المستقبل يُسندني أي سيسندني؛ كما لو ان المسيح لم يكن بوسعه، في الواقع، أن ينهض من الموت إلا بعون من الربّ. وفي النبوءات نقرأ الماضي بمعنى المستقبل. ما يُعلنه النبي للمستقبل في الزمن يكتبه بصيغة الماضي كأنه، برأيه، أمر حاصل حتمًا . كذلك نجد تعابير بصيغة الحاضر يُفسّر مضمونها حالما تعرض.
٦ – «لا أخاف من ربوات الشعب التي اصطفت عليَّ من حولي» (۳: ٧ ) . تكلّم الإنجيل عن أولئك الرعاع الذين اصطفوا على يسوع المتألم على الصليب (راجع متى ٢٧: ٣٩). «قم يا ربّ، خلصني يا إلهي» (۳: ۸) . إنّ كلمة «قم» لا توجّه إلى إله يغفو أو يستريح؛ لكن، جرت العادة أن ينسب الكتاب المقدّس إلى الله ما يصنعه فينا، لا دائما بالطبع، بل حين يكون الأمر ،موافقا، كأن نقول إنّ الله هو الذي يتكلّم عندما يُعطي نبيا أو رسولًا أو مُرسَلًا يُبشِّر بالحقيقة موهبة الكلام. من هنا كلمة القديس بولس أتريدون أن تختبروا قدرة المسيح الذي ينطق بفمي؟» (۲كو ۱۳: ۳) . لم يقل : الذي ينيرني، أو الذي يأمرني أن أتكلم ؛ بل نسب كلامه إلى الذي كلفه بأن يقوله .
– «فإنك ضربت جميع الذين قاموا عليّ بلا سبب» (۳: ۹) (الآية كما أوردها أوغسطينُس). لا تُرتبنّ الكلمات كأنها واردة في آية واحدة : “قم يا ربّ خلّصني فإنّك ضربت جميع الذين قاموا عليّ بلا سبب”. إذا كان الرب خلّصه ، فلا لأنه ضرب أعداءه، فهو لم يضربهم إلا بعد أن خلّصه. هذه الكلمات تعود إذًا، إلى ما يليها، فيكون المعنى: «ها إنك ضربت الذين قاموا عليَّ بلا سبب، وقصمت أسنان الأثَمة». أي: بقصمك أسنان الأئمة ضربت أعدائي والحال، فإنّ عقاب الأعداء هو الذي حطم أسنانهم أو بالأحرى أبطل وأباد أقوال الأئمة الذين ينهشون ابن الله بلعناتهم. فالأسنان اللعنات بالمعنى نفسه الذي يورده الرسول حين يقول: «فإذا كنتم تنهشون بعضكم بعضا، فحذارِ أن يُفني بعضُكم بعضا» (غل ٥: ۱٥) . أسنان الأئمة ربما تعني أيضًا رؤساء الأئمة الذين يستخدمون سلطانهم لينتزعوا فردا من جماعة الصالحين لكي يلحقوه بالأئمة وهذه الأسنان تقابلها أسنان الكنيسة التي تجهد لانتزاع المؤمنين الحقيقيين من ضلالات الوثنيين والهراطقة، وتضمّهم إليها بصفتها جسد المسيح. وبهذه الأسنان أيضًا أُمِرَ بُطرس أن يذبح ويأكل حيوانات نجسة (راجع أعمال ۱۰: ١٣)، أي أن يُميت في الوثنيين ما كانوا عليه، ليُحوّلهم إلى ما هو عليه. وأخيرًا، هذه الأسنان هي التي جعلت الكنيسة تقول: «أسنانكِ كقطيع شاء (مجزوز) طلع من الاغتسال، كل واحدة منه مُتيَّمٌ، وما فيه عاقر» (نشيد الأناشيد ٤ : ٢؛ ٦: ٥). صورة رائعة للذين يعظون ويعيشون بمقتضى الأحكام التي يضعونها، ويعملون بهذه الوصيّة: هكذا فليضئ نوركم للناس ليروا أعمالكم الصالحة، فيُمجّدوا أباكم الذي في السموات» (مت ٥: ١٦). يخضع الناس لسلطان هؤلاء الوعاظ فيؤمنون بالله الذي ينطق ويعملُ فيهم، ويبتعدون عن الدهر الذي كانوا يسلكون فيه، ليصيروا أعضاء في الكنيسة. إن وُعاظًا يحصلون على مثل تلك النتائج، يستحقون أن يُدعوا أسنانا شبيهة بالشياه المجزوزة، لأنّهم ألقوا عنهم حمل الهموم الأرضية، وطلعوا من الاغتسال أو من ماء سرّ العماد المقدس الذي طهرهم من كل رجس، فصاروا متيمين والحال، فإنّهم يتمون الوصيّتين اللتين قيل عنهما إنهما يختصران الناموس والأنبياء (مت ٢٢: ٤٠)؛ ذاك أنهم يُحبون الله من كلّ قلوبهم وأرواحهم وعقولهم، والقريب كأنفسهم. فلا عاقر فيهم لأنّهم الله يُثمرون بهذا المعنى، إذًا، يجب أن نفهم عبارة قصمتَ أسنان الأئمة»، من حيث أنك أبَدتَ رؤساء الأثَمة بضربك الذين قاموا علي بلا سبب والحال فإنّ رواية الإنجيل تبين لنا أنّ الرؤساء كانوا يضطهدون يسوع، والشعب يُكرمه.
– من الربّ الخلاص ؛ ولتحلَّ يا ربُّ، بركتك على شعبك» (۳: ۹) في الآية نفسها، يعلّم النبي الناس ما ينبغي أن يؤمنوا به، ويُصلّي من أجل الذين يؤمنون. فعبارة من الربّ الخلاص» موجّهة إلى الناس؛ أما عبارة ولتحلَّ يا ربُّ ، بركتك على شعبك» فلا تشمل جميع الناس. في العبارة الثانية، يُخاطب النبي الله ويستمطره البركة على شعبه الذي أخبره أنّ الخلاص من الله يأتي. أفلا يعني ذلك أن لا خلاص لأحد في ذاته، وأنّ الله وحده هو الذي يُخلصنا من موت الخطيئة؟ يقول الرسول : «يا لي من إنسانٍ شقي! فمن يُنقذُني من جسد الموت هذا؟ نعمةُ الله بالمسيح يسوع ربنا!» (راجع رو ٧: ٢٤، ٢٥). فيا ربّ، بارك شعبك الذي يرجو خلاصك .
۹ – وربما كان بوسعنا بمعنى آخر أن نُطبق هذا المزمور على شخص المسيح الذي يتكلّم ككُلّ . أقول ككل، بسبب الجسد الذي هو رأسه، بحسب قول الرسول: «أنتم جسد المسيح وأعضاؤه» (۱كو ۱۲: ۲۷). إنّه إذا رأس الجماعة. وقيل في مكان آخر : “متی صدقنا في المحبة، ننمو بكلّ شكل في يسوع رأسنا الذي به اتحاد الجسد والتحامه” (أف ٤: ١٥، ١٦). إذا، الكنيسة الملقاة في خضم عواصف الإضهادات في الأرض كلّها، كما سبق أن رأينا، تصرخُ، مع رأسها ، بفم النبي : يا ربّ ما أكثر مُضايقي، كثيرون قاموا علي (۳ : ۲)، ليقضوا على اسم المسيح كثيرون يقولون لنفسي لا خلاص له بإلهه». لأنّهم ما كانوا ليأملوا بضياع الكنيسة التي تنمو في كل مكان، لو لم يكونوا يؤمنون بأنّ الله لا يوليها أي اهتمام. ولكنك يارب تُرس لي»، بيسوع المسيح. بإنسانيتها نالت الكنيسة الكلمة ترسا، «الكلمة الذي صار جسدًا ليحل بيننا» (يو ١: ١٤)، والذي أقامنا معه في السموات (أف ٢: ٦) . فحيثُ يمضي الرأس، تمضي الأعضاء أيضًا. « من يفصلنا محبّة المسيح؟» (رومة ٨ ٣٥). الكنيسة على حق في أن تقول الله : «أنتَ ترس لي، أنت مجدي». وبعيدا أن تعزوَ كرامتها لنفسها، فهي تُدرك أنها تدين بها إلى نعمة الله ورحمته « انت رافع رأسي»، أي الذي كان باكورة القائمين من الموت للصعود إلى السموات بصوتي إلى الربّ أدعو فيُجيبني من جبل قدسه». كذاك هو دعاء القدّيسين، عطر لذيذ يرتفع أمام الربّ. استجيبت الكنيسة من أعالي الجبل المقدس الذي هو رأسها، أي من أعالي تلك العدالة التي تُخلّص المختارين وتُجازي المضطهدين. يستطيع شعب الله أن يقول أيضًا : «أنا اجعتُ ونمت ثم استيقظتُ لأنّ الرب يسندني، لكي يضمّه إلى رأسه ويوحده به. لأنه لهذا الشعب قيل: «إنهض أيها النائم، وقم من بين الأموات، يُضئ لك المسيح» (أف ٥: ١٤) وهذا الشعب أُخرِجَ من وسط الخطأة الذين قيل فيهم: «الذين ينامون ففي الظلمة ينامون (۱تس ٥: ٧). كما يستطيع شعب الله أن يقول أيضًا : «لا أخاف من ربوات الشعب التي اصطفت عليَّ من حولي، تلك الأمم الكافرة التي تطوّقني وتضيق علي، لتخنق، لو استطاعت إسم المسيح ولم الخوف، ودماء الشهداء كالزيت الذي يُصبّ على نار محبّة المسيح فيُذكيها؟ قم يا ربّ، خلصني يا إلهي ذاك هو دعاء الجسد إلى رأسه. الجسد خُلِّص، يوم قام ذاك الرأس وصعد إلى العلى وسبى السبي وأعطى عطايا للناس (مز ٦٧: ١٩) كان النبي يرى مُسبقا الأرض التي حان أوان حصادها (مت ۹: ۳۷) والتي دعت الربّ (ليجمع الحصاد). وهذا الحصاد يجد خلاصه في قيامة الذي ارتضى أن يموت لأجلنا. فإنك ضربت جميع الذين قاموا علي بلا سبب، وقصمت أسنان الأثَمة». غلبة الكنيسة بلبلت أعداء اسم المسيح، وأبادت لعناتهم وقدرتهم. فافهموا يا بني البشر أنّ «الخلاص يأتي من الربّ»، و«أنت يا إلهي، فلتفض بركتك على شعبك».
۱۰ – عندما تُخضِعُنا الآثام والشهوات للخطيئة، على الرغم من جهودنا، بوسع كلّ واحدٍ أن يقول : “يا ربّ ما أكثر مُضايقي، كثيرون قاموا عليّ”. وكما أن تراكم الأمراض غالبا ما يُضرم اليأس في الشفاء، فإن روحنا في مواجهة غطرسة الرذيلة وإيحاءات الشيطان وملائكته، تبلغ حدّ اليأس وتستطيع أن تقول بكل صدق: «كثيرون يقولون لنفسي لا خلاص له بإله». لكنّك أنت يا ربّ من تُسنِدُني. ذاك أن رجاءنا في المسيح الذي تنازل ولبس الطبيعة البشرية. «أنت افتخاري»، بحسب تلك القاعدة التي تمنعنا من أن نعزو شيئًا لأنفسنا . «أنت رافع رأسي»، أو أنت رأسنا كلنا، أو حتى عقلنا الذي هو بمثابة الرأس للروح والجسد. لأنّ الرجل رأس المرأة كما هو المسيح رأس الكنيسة (أف ٥: ۲۳). لكنّ الروح ترتفع عندما نستطيع أن نقول : «بالروح أخضع لشريعة الله (رو ٧: ٥-٦)، فيكون كل ما في الإنسان خاضعا ومستكينا، عندما تبتلع الموت غلبة قيامة الجسد (۱كو ١٥: ٥٤) أي نفس مؤمنة لا تنطق بهذه اللغة عندما ترى أنّ كل آثامها قد امّحت بولادة جديدة مجانية؟ «لا أخاف من ربوات الشعب التي اصطفت عليَّ من حولي بعيدا عن الشدائد التي تعرّضت، وما زالت تتعرّض لها الكنيسة، فإنّ لكلّ واحدٍ مصائبه؛ وعندما يشعر بالضيق، فليصرخ: «قم يا ربّ، خلصني يا إلهي». هذه النبوءة تنطبق على الشيطان وملائكته الذين يُقاتلون، لا ضد جسد المسيح السرّي فحسب، بل ضدّ كلّ عضو من أعضائه. «قصمتَ أسنان الأئمة». لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلا عن فاعلي الشرّ الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح. لكن للرّب الخلاص .
فلنتجنب الكبرياء، ولنقُلْ : كلفت نفسي باتباعِكَ» (مز ٦٢ : ٩)، وعلى شعبك بركتك (۳: ۹) ، أي على كلّ واحد منا .