تفسير المزمور 23 للقمص متى المسكين

 

مزمور 23 دراسة:

مديح شكر ليهوه.

( أ ) مثل الراعي الصالح الذي يعتني ويوالي (1 و 2) ويقود ويقدِّم كل احتياج وحماية من كل خطر (3 و 4).

(ب) كمضيف كريم الذي يعزّي صاحب المزمور كمضيفه بسخاء وإنعام (5و6). والمزمور لا مثيل له يميزه الهدوء وكمال الإيمان تحت محبة يهوه وعنايته لم يعرف عوزاً ولا خوفاً. وكلماته تسمح للاستخدام العام لكل احتياج سواء احتياجات مادية أو روحانية، ولكل عمر. والمعنى فيه يمتد إلى العمق لأن محبة الله قد استعلنت له في ملء كمالها من خلال تعاليم الروح في خبرة الحياة، انظر: (أف 3: 17-19)
+ «ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلموا إلى كل ملء الله».

انظر أيضاً:(رو 8: 35-37)
+«مَنْ سيفصلنا عن محبَّة المسيح؟ أشدَّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم
سيف؟ كما هو مكتوب إننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا».

والترجوم اليهودي يشرح المزمور عن عناية الله من أجل الأمة في إسرائيل، هذا مع أنه يمكن أن نجيزه كنوع من الشرح لكنه بصعوبة جدًّا أن يكون هو المعنى الأصلي لأن لهجته شخصية بقوة. إنه تحقيق فردي وحصول على بركات قائمة في العهد مع يهوه لشعبه.

فكل غنمة لها الحق أن تطالب بهذه العناية التي هي موعودة أيضاً لكل الرعية. انظر: (لو ٤:١٥و٥):
+« أي إنسان منكم له مائة خروف وأضاع واحداً منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً».

هل داود هو صاحب هذا المزمور؟ كثيرون قطعوا بذلك فالأعداد (1-4) قائمة على أساس ذكريات لحياة راع سابق، والعدد (5) يشير إلى عطايا وهبات برزلاي، انظر: (2صم 17: 27-29)
+«وكان لما جاء داود إلى محنايم أن شوبي بن ناحاش من ربَّة بني عمون وماكير بن عميئيل من لودبار وبرزلاي الجلعادي من رو جليم قدَّموا فرشاً وطسوساً وآنية خزف وحنطة وشعيراً ودقيقاً وفريكاً وفولاً وعدساً وحمصاً مشوياً وعسلاً وزبدة وضأناً وجبن بقر لداود وللشعب الذي معه
ليأكلوا …».

شرح وتفسير المزمور على مستوى كل التوراة

1 – «الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ.»:

مأخوذة من منظر البلد الطبيعي، فهي بلد ،مراع، والملك كان راعياً، وقد ثبت في الذهن اليهودي أن يهوه راعي إسرائيل كمرعاته الخاصة . انظر : (مز74: 1و2). وكلها لأساف
+ «لماذا رفضتنا يا الله إلى الأبد. لماذا يدخن غضبك على غنم مرعاك».
+ « اذكر جماعتك التي اقتنيتها منذ القدم وفديتها. سبط ميراثك».

ومنها يأتي لفظ اقتناء كما يقتني الإنسان قطيعاً، وأيضاً: (مز 77: 20)
+ «هديت شعبك كالغنم بید موسى وهارون».

وأيضاً: (مز 78: 52):
+«وساق مثل الغنم شعبه وقادهم مثل قطيع في البرية».

وأيضاً: (مز 78: 70-72):
+ «واختار داود عبده وأخذه من حظائر الغنم من خلف المرضعات أتى به ليرعى يعقوب شعبه وإسرائيل ميراثه فرعاهم حسب كمال قلبه وبمهارة يديه هداهم».

وأيضاً: (مز 79: 13)
+
«أما نحن شعبك وغنم رعايتك نحمدك إلى الدهر. إلى دور . فدور نحدث بتسابيحك».

وأيضاً: (مز 80: 1):
+« يا راعي إسرائيل اصغ يا قائد يوسف كالضأن يا جالساً على الكروبيم أشرق».

وأيضاً: (مز 95: 7و8):
+ «لأنه هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم».

وأيضاً: (مز 100: 3):
+ «اعلموا أن الرب هو الله. هو صنعنا وله نحن شعبه وغنم مرعاه».

وأيضاً: (مي 7: 14):
+ «ارع بعصاك شعبك غنم ميراثك ساكنة وحدها في وعر في وسط الكرمل. لترع في باشان وجلعاد كأيام القدم».

وقد شرح ذلك إشعياء في حال خروجهم من مصر، (إش 40: 11):
+ «كراع يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات».

وأيضاً: (تك 49: 24):

+ «ولكن ثبتت بمتانة قوسه وتشدَّدت سواعد يديه من يدي عزيز يعقوب من هناك من الراعي صخر إسرائيل».

كما دعي وصف الراعي على الحكام مثل داود، انظر: (مي 5: 4):
+ «ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم إلهه ويثبتون. لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض».

وأيضاً: (حز 34: 23):
+«وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدي داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً». 

وهكذا احتوى المسيح هذا الوصف انظر: (يو 10: 1-4و11):
+ «الحق الحق أقول لكم إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص. وأمَّا الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف. لهذا يفتح البواب والخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه بأسماء .ويخرجها ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته … أنا هو الراعي الصالح».

وأيضاً: (عب 13: 20):
+ «وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربنا يسوع بدم العهد الأبدي».

وأيضاً: (1بط 2: 25):
+«لأنكم كنتم كخراف ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها».

«فلا يعوزني شيء»:

اللغة توضح خبرة حاضرة بثقة لما سيأتي أيضاً، بالنسبة لإسرائيل حينما تنظر إلى الخلف عندما كانت إسرائيل تائهة في البرية، انظر: (تث 2: 7)
+«لأن الرب إلهك قد باركك في كل عمل يدك عارفاً مسيرك في هذا القفر العظيم الآن أربعون سنة للرب إلهك معك لم ينقص عنك شيء».

ثمَّ إذ ينظر إلى الأمام إلى أرض الميعاد، انظر أيضاً: (تث 8: 9):
+« أرض ليس بالمسكنة تأكل فيها خبزا ولا يعوزك فيها شيء».

وأيضاً: (مز 84: 11):
+ «لأن الرب الله شمس ومجن. الرب يعطي رحمة ومجداً. لا يمنع خيراً عن السالكين بالكمال».

2-«فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي.»:

هنا منظر الراعي امتد، فهو يجعل قطيعه يرقد مطمئناً في وقت الظهيرة حيث الحرارة في أرض بها الحشيش الغض، ولهذا المنظر يحدثنا سفر إرميا (33: 12):
+ «هكذا قال رب الجنود. سيكون بعد في هذا الموضع الخرب بلا إنسان ولا بهيمة وفي كل مدنه مسكن الرعاة المربضين الغنم».

«يوردني»:

وصحتها يقودني قيادة لطيفة. انظر: (إش 40: 11):
+ « كراع يرعى قطيعه بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات».

يعتني بها ويقوم عليها، انظر: (تك 47: 17):
+ «فجاءوا بمواشيهم إلى يوسف فأعطاهم يوسف خبزاً – مقابل ـ بالخيل وبمواشي الغنم والبقر و بالحمير. فقاتهم بالخبز تلك السنة بدل جميع مواشيهم».

والقيادة هنا تقال على عمل الله، انظر: (خر 15: 13):
+« ترشد برأفتك الشعب الذي فديته تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك».

وأيضاً: (مز 31: 3):
+ «لأن صخرتي ومعقلي أنت من أجل اسمك تهديني وتقودني».

وأيضاً: (إش 49: 10):
+ « لا يجوعون ولا يعطشون ولا يضرهم حر ولا شمس لأن الذي يرحمهم يهديهم وإلى ينابيع المياه یوردهم».

«مياه الراحة»:

تُرجمت المياه الساكنة (وهي أسهل لشرب الغنم) ليست جارية، والراحة هي راحة الأمة حينما تجد مكاناً تسكن فيه، انظر: (إش 32: 18):
+« ويسكن شعبي في مسكن السلام وفي مساكن مطمئنة وفي محلات أمينة».

وأيضاً: (تث 12: 9):
+ «لأنكم لم تدخلوا حتى الآن إلى المقر والنصيب اللذين يعطيكم الرب إلهكم».

وأيضاً: (مز 95: 11):
+ «فأقسمت في غضي لا يدخلون راحتي». والمعروف في رعاية الغنم في الشرق أن الغنم تتبع الراعي والراعي يقود. والغنم تحتاج إلى الماء يومياً.

[3و4] : عناية الراعي كقائد وحارس.

3- «يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ.»:

يجدد ويعين حياتي، انظر: (مز 19: 7)
+ «ناموس الرب كامل يرد النفس. شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيماً».

«يهديني»:

يقودني – القيادة الله فهو يقود الشعب كله، انظر: (خر 15: 13):
+ «ترشد برأفتك الشعب الذي فديته. تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك».

وأيضاً: (تث 32: 12):
+ «هكذا الرب وحده افتاده وليس معه إله أجنبي».

وقيادة فردية، انظر: (مز 5: 8)
+« يا رب اهدني إلى برك بسبب أعدائي سهل قدامي طريقك».

وأيضاً: (مز 27: 11):
+ «علمني يا رب طريقك واهدني في سبيل مستقيم بسبب أعدائي».

«يهديني إلى سبل البر»:

انظر: (أم 4: 10 و11):
+«اسمع يا ابني واقبل أقوالي فتكثر سنو حياتك. أريتك طريق الحكمة. هديتك سبل الاستقامة».

وأيضاً: (أم 20:8 و 21):
«في طريق العدل أتمشى. في وسط سبل الحق. فأورث محبي رزقاً».

وأيضاً: (أم 12: 28):
+ «في سبيل البر حياة وفي طريق مسلكه لا موت».

«من أجل اسمه»:

لكي يظهر نفسه كما أعلنها أن تكون، انظر: (خر 34: 5و9):
+ «فنزل الرب في السحاب فوقف عنده هناك ونادى باسم الرب … وقال: إن وجدت نعمة في عينيك أيها السيد فليسر السيد في وسطنا».

4- «أَيْضًا إِذَا سِرْتُفِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي.».

 لا تزال صورة الراعي في ذهن صاحب المزمور، طرق فلسطين الجبلية حيث الرعي فيها مرتفعات ومنخفضات ومعوجات وانحدارات سريعة وكهوف تلبد فيها الحيوانات المفترسة. ففي هذه يقبع الخوف من الموت المفاجئ والفزع والرعبة من مناظر الحيوانات المفترسة. ولكن في وسط هذه الطرق كان داود لا يخاف شراً.

هكذا كانت قيادة يهوه في البرية، انظر: (إر 2: 6)
+ «ولم يقولوا أين هو الرب الذي أصعدنا من أرض مصر الذي سار بنا في البرية في أرض قفر وحفر في أرض يبوسة وظل الموت في أرض لم يعبرها رجل ولم يسكنها إنسان».

«ظل الموت»:

انظر: (مز 107: 10 و 14):

+ «الجلوس في الظلمة وظلال الموت موثقين بالذل والحديد … أخرجهم من الظلمة وظلال الموت وقطع قيودهم».

«لأنك أنت معي»:

حضرة الله قوة الشعب والإنسان وتعطي راحة، انظر: (تك 28: 15):
+ «وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض. لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به (الكلام ليعقوب)».

وأيضاً: (يش 1: 5):
+ «لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنتُ مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك».

«عصاك وعكازك هما يعزيانني»:

الراعي يحمل عصا طويلة معقوفة حتى يستطيع أن يلتقط الغنمة التي تركت القطيع من بعيد، كما يهش بها على غنماته لتسير يميناً أو يساراً. هذا هو العكاز، أما العصا عند الراعي فهي قصيرة لا تزيد رأس بها نتونات أو مسامير حديد هذه يدافع بها ويضرب الحيوانات المهاجمة، عن 80 سموفي آخرها سم فهي سلاحه الممتاز.

5 – «تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا.»:

يتغير المنظر حيث يبدو يهوه كمضيف يعزم صاحب المزمور على مائدته ويجهز له مسكناً في بيته الشخصي، كما يستضيف ملوك الشرق الذين يريدون أن يصنعوا معهم معروفاً كثيراً، انظر: (تك 43: 16):
+ «فلما رأى يوسف بنيامين معهم قال للذي على بيته أدخل الرجال إلى البيت واذبح ذبيحة وهيئ لأن الرجال يأكلون معي عند الظهر».
وأيضاً: (2صم 9: 7)
+ «فقال له داود لا تخف. فإني لأعملن معك معروفاً من أجل يوناثان أبيك وأرد لك كل حقول شاول أبيك وأنت تأكل خبزاً على مائدتي دائماً».
وأيضاً: (2صم 19: 33):
+ «فقال الملك لبرزلاي اعبر أنت معي وأنا أعولك معي في أورشليم».

«تجاه مضايقي»:
يقصد علناً.
«مسحت بالدهن رأسي»:
اعتاد ملوك ورؤساء الشرق أن يحتفظوا على مائدتهم بمراهم وعطور تكون موجودة لمسح رأس الضيوف كإكرام زائد وهي غير مسحة الطقس، انظر: (عا 6: 6):
+ «الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان ولا يغتمون على انسحاق يوسف».

وأيضاً: (مز 45: 7):
+ «أحببت البر وأبغضت الإئم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك».

وأيضاً: (مز 92: 10):
+ «و تنصب مثل البقر الوحشي قرني. تدهنت بزيت طري».

«كاسي ريا»
يهوه جيد وسخي في معاملة أحبائه وضيوفه، انظر: (مز 104: 15):
+«وخمر تُفرّح قلب الإنسان لإلماع وجهه أكثر من الزيت وخبز يسند قلب الإنسان».

وأيضاً: (مز 16: 5):
+ «الرب نصيب قسمتي وكأسي. أنت قابض قرعتي».

وأيضاً: (مز 116: 13):
+ «كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو».

٦ – «إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ.» :

لم يتنعم أحد بالخيرات والبركات والمراحم كما حصل لداود، وكل أيام حياته فعلاً. أما السكني في بيت الله فهو أمر تصويري وليس حقيقة بالفعل المادي بل هو إحساس وتصور، انظر: (مز 36: 8)
+ «يروون من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم».

كلها تصويرية تمجيدية. ومدى الأيام ثقة لا حد لها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى