تفسير المزمور 4 للقمص متى المسكين

المزمور الرابع

في الترجمة العربية: لإِمَامِ الْمُغَنِّينَ عَلَى «ذَوَاتِ الأَوْتَارِ». مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ.
وفي الأصل العبري: لرئيس الموسيقيين على Neginoth. مزمور لداود

ولكن العنوان يلزم أن يكون: لرئيس الموسيقيين على الآلات ذات الأوتار. مزمور لداود

دراسة :

يُظن أيضاً أنه لداود على حادثة أبشالوم ولكن بعدها بعدة أيام ، وهي ذکری تعمقها إحساسه متذكراً عمل الثائرين. والمزمور يفصح عن روح غضب إنسان بار يرتفع فوق مستوى التحقي.

وكما في المزمور الثالث بالنسبة لوضع “سلاه” يقسم المزمور كالآتي :
1 – نداء إلى الله وتوبيخ الثوار ( 1 و2) .
2 – أخلاق الثوار مکشوفة ( 3 و 4 ) . 
3- الطريق الأفضل موصوف ( 5 و 6 ) .
4 – تفوق الفرح للثقة الكاملة ( 7 و 8) .

ومعظم الشرَّاح يقسمون المزمور كالآتي :
1- نداء إلى الله ( 1 ) . 
2- توبيخ الأعداء ( 2-5 ) . 
3- تفوق الفرح الذي يعطيه الله ( 6-8 ) .

شرح و تفسير المزمور على مستوى كل التوراة

نداء إلى الله ( ۱ ) :

1- « عند دعائي استجب لي يا إله بري . في الضيق رحبت لي . تراءف علي واسمع صلاتي » : 

 « استجب لي » :
جاءت في السبعينية : “عندما ناديت استجبت لي” وفيها زمن الفعل متناسب مع الجزء الثاني من الآية : « رحَّبت لي » .

« يا إله بري » :
داود واثق من أصالة قلبه وعدالة قضيته ، والله وحده هو الذي ينظر ويساعد لحقه وعدالة قضيته يكشفها علناً في نظر الناس عندما ينصر قضيته . انظر : ( مز7: 8 ):
+ « الرب يدين الشعوب . اقض لي يا رب كحقي ومثل كمالي الذي فيَّ » .
وأيضا (1مل 8: 32) :
+ « فاسمع أنت في السماء واعمل واقض بين عبيدك إذ تحكم على المذنب فتجعل طريقه على رأسه وتبرر البار إذ تعطيه حسب بره » .

« رحَّبت لي » : enlarged me
جعلتني في سعة . ولكن ربما تؤخذ الكلمات بمعنى : يا من سبق أن وسَّعت لي ، أي يعطي سبباً آخر لدعاء الله اعتماداً على استجابته في الضيقة السالفة ، وخاصة مع الصلة بما حدث في الأيام السالفة. وهذه الحقيقة في إخراجه من الضيقة ربما تعود إلى موقف الجيش الذي أقحم بالأعداء في ضيق يصعب الفرار منه . انظر : ( 1صم 23: 26):
+ « فذهب شاول على جانب الجبل من هنا وداود ورجاله على جانب الجبل من هناك وكان داود يفر في الذهاب من أمام شاول . وكان شاول ورجاله يحاوطون داود ورجاله لكي يأخذوهم » .

« تراءف علىَّ واسمع صلاتي » :
كلمة : « تراءف » توضح تدخل نعمة مجانا وهي شيء آخر غير الغفران . انظر : ( خر 34 : 6 ) :
+ « فاجتاز الرب قدامه ونادي الرب الرب إله رحيم ورؤوف بطئ الغضب وكثير الإحسان والوفاء».
وأيضاً ( مز 15:86 ) :
+ « أما أنت يا رب فإله رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة والحق » .

توبيخ الأعداء (2-5) :

۲- « یا بني البشر ، حتى متى يكون مجدي عاراً ؟ حتى متى تحبون الباطل وتبتغون الكذب ؟ سلاه » :

« يا بني البشر ، حتى متى يكون مجدي عاراً؟ » :
الآن يلتفت لكي يوبخ الثائرين ويفصل القادة عن بقية الشعب فهو يستخدم bne ish أي :أناس ذوو درجة عالية بدلاً من bne adam أي ’ ’ أناس في درجة منخفضة . كذلك قوله : « یا بني البشر» يأتي في مقارنة مع الله المدافع عن قضيته. 

« مجدي » :
ويقصد مكانته في وسط الشعب ، لأن الملك له كرامة يهوه .

« حتى متى تحبون الباطل » :
الثورة نفسها هي الباطل ومكتوب لها السقوط وتقابل في المزمور الثاني قيام الأمم . انظر : ( مز 2: 1) :
+ « لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب في الباطل ؟ » .

وهي كذب لأنها قائمة على أساس مبدأ خاطئ وطمع ، جامعة نفسها فوق الملك المختار ، ومن جهة أخرى تصف مقاصد أبشالوم لإهانة الملك ولقلب رئاسته . انظر : ( 2 صم 2:15- 4 ) :
+ « وكان أبشالوم يبكر ويقف بجانب طريق الباب وكل صاحب دعوی آت إلى الملك لأجل الحكم كان أبشالوم يدعوه إليه ويقول من أي مدينة أنت . فيقول من أحد أسباط إسرائيل عبدك . فيقول أبشالوم له : انظر أمورك صالحة ومستقيمة ولكن ليس من يسمع لك من قبل الملك»
والكلام يشير إلى الغاية التي يطلبونها . 

3- فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ. الرَّبُّ يَسْمَعُ عِنْدَ مَا أَدْعُوهُ.
4- اِرْتَعِدُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. تَكَلَّمُوا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى مَضَاجِعِكُمْ وَاسْكُتُوا. سِلاَهْ.( قبل أن يفوت الوقت) :

«فاعلموا » :
وتفيد أن يفحصوا الأمر وينفصلوا : « قد میز » انظر : ( مز 7:17) :
+ « میَّز مراحمك ، يا مخلص المتكلين عليك بيمينك من المقاومين » .
وأيضا ( مز 14:139) :
+ « أحمدك من أجل أني امتزت عجباً» .

« تقیه » :
الكلمة العبرية مشتقة من : hesed التي تعني بالإنجليزية : mercy أي : ” رحمة “ . وتفيد إنساناً محبا لله وتابعاً له أو مرحوماً و موضوع محبة الله وتمييزه .

« ارتعدوا ولا تخطئوا » :
صوت الضمير يسمع في الهدوء بالليل ويقنعكم بالحق .

« واسكتوا » :
توقفوا عن أفكاركم المجنونة.

5-« اذبحوا ذبائح البر ، وتولوا على الرب » :

يخاطب الثوار بأن يسلكوا بحسب الروح والحق . انظر : ( تث 33: 9 و 10) :
+ « الذي قال عن أبيه وأمه لم أرهما وبإخوته لم يعترف وأولاده لم يعرف . بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك . يعلمون يعقوب أحكامك وإسرائيل ناموسك . يضعون بخوراً في أنفك ومحرقات على مذبحك » .
وأيضا ( مز 19:51) :
+ « حينئذ تُسر بذبائح البر ، محرقة وتقدمة تامة ، حينئذ يصعدون على مذبحك عجولاً» . ليقربوا لله بالحق لمعالجة الشر الذي تورطوا فيه وليخضعوا لتدبير الله .

 

تفوق الفرح الذي يعطيه الله ( 6-8 )

6- « كَثِيرُونَ يَقُولُونَ: «مَنْ يُرِينَا خَيْرًا؟ ». ارْفَعْ عَلَيْنَا نُورَ وَجْهِكَ يَا رَبُّ. » :

«كثيرون يقولون : من يرينا خيراً ؟ » :
كثيرون من الثائرين حائرين يتمنون أن يعرفوا أين الحق .

«ارفع علينا نور وجهك يا رب » :
داود يدعو بالدعوة الهارونية لهم ولنفسه “علينا ” . وانظر : ( مز 80: 3 و 7 و 19) :
+ « يا الله أرجعنا ، وأنر بوجهك فنخلص … يا إله الجنود أرجعنا . وأنر بوجهك فنخلص … یا رب إله الجنود أرجعنا . أنر بوجهك فنخلص » . 
انظر : ( مز 16:31) : 
+ « أضيء بوجهك على عبدك . خلصني برحمتك » .
هؤلاء هم الذين لم يأخذوا بعد أي جانب ينتمون إليه : جماعة لداود وجماعة لأبشالوم وهؤلاء حائرون .

۷- «جَعَلْتَ سُرُورًا فِي قَلْبِي أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِهِمْ إِذْ كَثُرَتْ حِنْطَتُهُمْ وَخَمْرُهُمْ.» :

هذا أعظم سرور عند الإسرائيليين – على الأرضيات – ولكن الفرح الأكثر وهو الأعمق مما يعطيه الرب في القلب لأنه عطية الروح . وداود اكتفى بالقليل من الأرضيات في محنایم . انظر : ( ۲ صم ۱۷ : 27-29)
+ «وكان لما جاء داود إلى محنايم أن شوبي بن ناحاش من ربة بني عمون وماكير بن عميئيل من الودبار وبرزلاي الجلعادي من روجليم قدموا فرشاً و طسوساً وآنية خزف وحنطة وشعيرة ودقيقاً وفريكاً وفولاً وعدساً وحمصاً مشوياً. وعسلاً وزبدة وضأنا وجبن بقر لداود وللشعب الذي معه ليأكلوا ، لأنهم قالوا الشعب جوعان ومتعب وعطشان في البرية » .

۸- « بسلامة اضطجع بل أيضا أنام ، لأنك أنت يا رب متفرداً في طمأنينة تُسكني » :

بلا خوف ولا قلق يأتي الفرج سريعاً بثقة مطلقة . كثيرون يقولون إن الله تركه . ولكن ثقتي في الرب ودعائي ليهوه كمحام في جانبي . وكلمة منفرداً تعني دون الجميع . انظر : ( عد 9:23) :

+ « إني من رأس الصخور أراه . ومن الآكام أبصره . هوذا شعب يسكن وحده وبين الشعوب لا يُحسب » . وأيضا : ( تث 28:33) :
+ « فيسكن إسرائيل آمناً وحده».

تفسير مزمور 3مزمور 4تفسير سفر المزاميرتفسير العهد القديمتفسير مزمور 5
القمص متى المسكين
تفاسير مزمور 4تفاسير سفر المزاميرتفاسير العهد القديم
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى