تفسير سفر الرؤيا اصحاح 1 للأنبا بولس البوشي

الأصحاح الأول

«أبوغالمسيس يسوع المسيح، الذي أعطاه أن يخبر عبيده، بما سوف يكون سريعا، وأعلم بهم وأرسلهم على يد ملاكه يوحنا عبده، (الذي) شهد بكلمة الله، وشهادة يسوع المسيح، بالذي رأى. طوبى لمن يقرأ أو يسمع كلام هذه النبوة، ويحفظ المكتوب فيها، فإن الزمان قريب.

يوحنا كتب إلى السبع كنائس التي بآسيا، النعمة لكم والسلام، من الكائن الدائم الآتي، ومن السبع أرواح الذين أمام الكرسي، ومن يسوع المسيح، الشاهد الأمين، بكر الأموات، ورئيس ملوك الأرض، الذي أحبنا وطهرنا من خطايانا بدمه، وصنعنا ملوكا وكهنة الله أبيه، الذي له المجد والعز إلى الأبد آمين. هوذا يأتي على سحاب السماء، وتراه كل الأعين، والذين طعنوه، ويشاهده كل قبائل الأرض. أنا هو الألفه  والأو ، الأول والآخر. قال الرب الإله، الكائن الموجود الآتي، ضابط الكل.

أنا يوحنا أخوكم، وشريككم في الضيق، أن الملك والقوة بيسوع المسيح. كنت في الجزيرة التي تسمى بتمس، من أجل كلمة الله، وشهادة يسوع المسيح. خطفت بالروح يوم الأحد، وسمعت خلفي صوتاً مثل صوت القرن (أي البوق) قائلاً: الذي تراه اكتبه في كتاب، وأرسله إلى السبع كنائس التي بآسياء التي هي أفسس واسمرنا وبرغاموس وتاديرا وصرديس وفيلادلفيا واللاذقية» (رؤ1: 1-11).

التفسير: يعني السبع أرواح هم السبع رتب التي للكنيسة، ويعني بالسبع كنائس السبع مدن الكبار ونواحيها، لأجل جميع المؤمنين، الذين فيها، لأن كل شعب يسمى كنيسة.

 من الرؤيا: قال: «فالتفت لأجل الصوت الذي يكلمني، رأيت سبع مناير ذهب، وفي وسطهم شبه ابن الإنسان، لابساً درعاً متمنطقاً بمنطقة ذهب، وشعر لحيته ورأسه أبيض كالثلج، وعيناه كلهيب النار، ورجلاه كالنحاس المبرق، كأنه سبك في قامين[1]، وصوته كالمياه الكثيرة، وفي يده سبع كواكب، وسيف ذو حدين خارجاً من فيه، ووجهه كالشمس في قوتها» (رؤ1: 12-16).

التفسير: يعني «السبع مناير» التعاليم المضيئة في الكنائس.

«التي في وسطها»، أي باطن معناها: معرفة مجد ابن الله. وسُمي ابن البشر لأجل تجسده.

وقوله «لابس درع» يعني قوته المنيعة. و«المنطقة الذهب» يعني مُلکه الذي يسود الكل. و«بياض شعره» يعني قدم أزليته، كما رآه أيضاً بهذا المثال دانيال النبي[دا7: 9]. و«عيناه كلهيب النار»، أعني شعاع لاهوته، الناظر والمطلع على كل الأقطار. «ورجلاه كالنحاس المسبوك»، يعني سُبله المستقيمة، التي بلا عيب، طاهرة عادلة في كل شيء. وقوله: «صوته كالمياه الكثيرة»، يعني سلطة أوامره بلا مانع، وكما أن الماء محيي لكل النبات والأشجار وكل ذي جسد، كذلك كل من يطيع أوامره، يحيا ويخلص.

 و«السبعة كواكب التي في يده»، يعني ماسك وضابط كل التدابير، وجميع الرئاسات، وكل رتب الخلائق، والخفي والظاهر، لأن الكواكب لها منظر ظاهر وفيها نور غير محسوس. و«السيف الخارج من فمه، مثل سیف ذي حدين» يعني كلمته الماضية القاطعة لكل من يقاومها، كقول بولص الرسول: «إن كلمة الله كسيف ذي حدين»، وما يتلوه[عب4: 12]

وقوله: «وجهه كالشمس في قوتها»، لأنه بالحقيقة شمس البر، الذي ذكره إشعياء النبي، وهو النهار الذي أقبل علينا، كقول رسوله بولص: “قد مضى الليل، ودنا النهار”، فلهذا رآه يوحنا بهذا (المنظر).

من الرؤيا: قال: «فلما رأيته وقعت تحت رجليه، وصرت كالميت، فوضع يده اليمنى علي، وقال: لا تخف، أنا الأول والآخر، والحي وصرت ميتا، وهو ذا أنا حي، إلى دهر الداهرين. معي مفاتيح العمق والجحيم. اكتب كل ما رأيت، فهو سريع أن يكون، أما السبع كواكب التي رأيتهم، والسبع ملائكة التي للسبع كنائس، والسبع مناير الذهب، التي رأيتهم هم السبع كنائس» (رؤ1: 17-20).

 التفسير: «لما رأى مجده المرهوب سقط، وصار كالميت، فوضع يده»، أعنى قوته ومعونته، لأن المناظر التي لله، إذا خاف الإنسان منها، نزع (الله) منه الخوف، وكذلك التي للملائكة أيضاً. كما ظهر الملاك للسيدة، فلما خافت قال لها: «لا تخافي يا مريم»، ومثل ذلك قال لزكريا. فأما مناظر الشياطين، فتزيد خوفاً على خوف، وبهذا تعرف (المناظر) التي لله من التي للشياطين.

فأما قوله: «أنا حي»، لأنه ذو الحياة المؤبدة. وقوله: «صرت ميتا» لأجل آلامه المحيية عنا. وقوله: «أنا حي إلى الأبد»، يعني إن كان تألم بالجسد ومات، فهو باق حي بقوة لاهوته، لم يزل دائماً بلا انقضاء.

 وقوله: «معي مفاتيح العمق والجحيم»، ليس هي مفاتيح محسوسة، بل كما كتب في السفر الخامس من التورية عن قول الله، «إنني أميتُ وأحيي، وألقي في الجحيم وأصعد منه»[2].

وقوله عن «السبع مناير، أنها السبع كنائس»، كما تقدم التفسير، إنه ضابط الكل، وماسك الجميع، الخفي والظاهر، الذي يُرى والذي لا يُرى، له المجد إلى الأبد آمين.

  1.  أي أتون نار، ومنها كلمة قمينة لحرق الطوب. وكلمة قامين من الكلمة القبطية KaMiNoc وباليونانية، وهي تعني فرن أو أتون أو تنور أو قمينة. 
  2. التورية أي التوراة، أسفار موسى الخمسة، تث 32: 39.

 

تفسير سفر الرؤيا – مقدمة سفر الرؤيا – 1 تفسير سفر الرؤيا تفسير العهد الجديد تفسير سفر الرؤيا – 2
الأنبا بولس البوشي
تفاسير سفر الرؤيا – 1 تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى