تفسير سفر راعوث المقدمة للقمص تادرس يعقوب ملطي

 

قصة راعوث ونعمى هي قصة كل جيل، فقد تمتعت نعمي كسيدة يهودية بنعم إلهية كثيرة إذ تعرفت على الناموس وبعض النبوات وسمعت عن الخلاص وعن أعمال الله مع آبائها، لكنها وقت الضيق هربت من يهوذا كما من المسيح الخارج من سبط يهوذا لتعيش في الحياة السهلة التي لموآب، وكأنها بالنفس التي بعد أن تذوقت نعمة الله جحدته وقت التجربة منطلقة من أحضان يهوذا الحقيقي إلى العالم تشتهي أن تشبع منه، وكما توجد نعمي توجد أيضًا راعوث في كل جيل التي نشأت في وسط موآب “بيت أبيها الوثني” لكنها سمعت عن الإله الحيّ فخرجت بالإيمان منطلقة إلى بيت لحم لتلتقي مع كلمة الله المتجسد لتجد فيه شعبها وراحتها.

لقد جاء السيد المسيح “لسقوط وقيام كثيرين” (لو 2: 34)، تسقط نعمي المستهترة بنعمة الله وتقوم راعوث الموآبية بإيمانها الحيّ به.

 

راعوث

الأصحاح الأول (العالم والفراغ)

الأصحاح الثاني (راعوث في حقل بوعز)

الأصحاح الثالث (راعوث في بيت بوعز)

الأصحاح الرابع (راعوث والعرس السماوي)

كاتبه:

*    جاء في التلمود[1] أن صموئيل النبي هو كاتب هذا السفر. وقد حوى هذا السفر قصة فتاه موآبية تزوجت إسرائيلي، وتعلقت بإلهه، فلما مات أصرت أن ترجع مع حماتها إلى يهوذا لتعيش في بيت لحم تتعبد معها وتقضي بقية حياتها تحت جناحي إلهها.

نحن نعلم أن “موآب” تعني (من الآب)، إذ جاء ثمرة العلاقة الأثمة بين لوط -في سكره- مع ابنته الكبرى (تك 19: 37)، لذا يرى القديس چيروم أن موآب يُشير إلى الشيطان والخارجين عن الله أبيهم، الذين لا يفكرون في أبيهم السماوي[2]. وقد حمل بنو موآب عداوة شديدة لإسرائيل، لكن وسط هذه الصورة القاتمة وُجدت راعوث الموآبية التي استطاعت بالإيمان أن تنطلق من عبودية الوثنية لترجع إلي الله أبيها.

*    يرى بعض الدارسين أن سفر راعوث قد سُجل في أيام الملوك المتأخرين، وربما بعد السبي، غير أن لغته تكشف عن أنه قبل السبي[3].

*    يظن البعض أن شرح عادة خلع النعل عند أمر الفك والمبادلة كعادة قديمة قد توقفت (4: 7) يدل على أن القصة قد سُجلت بعد فترة طويلة جدًا بعد السبي، لكن Raven يقول بأن شرح هذه العادة كان ضروريًا حتى أن سُجل السفر في أيام داود الملك، إذ يبدو أن هذه العادة قد أبطلت بعد القضاة مباشرة وكان يكفي تركها لمدة 50 عامًا أن ينساها الجيل المعاصر لداود[4].

*    تحققت قصة راعوث في عصر القضاة؛ والمجاعة المذكورة هنا هي التي حدثت في أيام جدعون (قض 6: 1-6، 11)، ويرى يوسيفوس المؤرخ أن راعوث عاشت في أيام عالي الكاهن.

*    يرى البعض أن هذه القصة سُجلت لتدعيم الصداقة التي تمت بين داود وملك موآب (1 صم 22: 3-4)، ليظهر أن جدته كانت موآبية[5].

أهميته وسماته:

*    أرتبط هذا السفر في ذهن اليهود بعيد الحصاد “البنطقستى” إِذ كان يُقرأ في العيد. ولعل سّر هذا الارتباط أن راعوث قد ظهرت تجمع السنابل الساقطة من الحاصدين لتأكل وتعطي حماتها.           

هو بحق سفر الحصاد، ففيه أعلن دخول الأمم إلى الإيمان في شخص راعوث التي كانت تطلب السنابل الساقطة فحملت في نسلها السيد المسيح “سنبلة الحياة الحقة”، وقدمت لا لحماتها بل لكل نفس سرّ الشبع الحقيقي.

يقول القديس مار أفرام السرياني مسبحًا طفل المذود: [من أجل حبها لك ذهبت (راعوث) تلتقط السنابل وتجمعها، فقدمت لها مكافأة اِتضاعها على الفور؛ عوض سنابل الحنطة صارت أصلًا للملوك، عوض الشمائل نالت “حزمة الحياة” تنبع عنها[6]].

*     هذا هو السفر الوحيد الذي سمى باسم امرأة أممية في الكتاب المقدس نظرًا للرتبة الفائقة التي بلغت إليها راعوث. فإن كانت دبورة النبية قد قامت بدور فاقت فيه على الرجال حتى غلبت سيسرا الملك، وأنقذت أستير الملكة المتزوجة ملكًا أمميًا حياة شعبها، وهكذا قامت يهوديت بدور مشابه، وضحت ثامار بكرامتها بل وعرضت حياتها للخطر لتنجب وارثًا لرجلها الميت، فإن راعوث وهي أممية قد اغتصبت نصيبًا في شعب الله، فجاء من نسلها المسّيا المخلص، الأمر الذي كانت المؤمنات جميعًا يشتهين إِياه، كما حُسبت رمزًا لكنيسة الأمم عروس المسيح القادمة من موآب إلى بيت لحم.

*    حفظ لنا نسب السيد المسيح اسمها (مت 1: 5)، وكشف لنا أن دمها وهي أممية كان يجري في عروق مخلص العالم.

*    في عصر القضاة انحرف اليهود بوجه عام نحو الوثنية في تهور شديد، لكن هذا السفر يعلن أن لله بقية باقية له بين الأمم تتمسك بالإيمان به بلا مطمع أرضي أو شهوة جسدية.     

*    قدم لنا هذا السفر “سّر الشبع الحقيقي” للنفس البشرية باتحادها بعريسها، بوعز الحقيقي. وقد تكررت الكلمات “ولي، قريب، نسب” في هذا السفر، إذ هو سفر نسب السيد المسيح للبشرية كلها، يهودًا وأممًا.

*    جاء هذا السفر يربط بين الحياة الإيمانية الفائقة المعلنة في تصرفات راعوث والسلوك الاجتماعي الرقيق، إذ سجل لنا آداب المخاطبة الروحية الرائعة في كلمات نعمي مع كنتها، وراعوث مع بوعز، وبوعز مع حاصديه…

*    حوى هذا السفر بعض تقاليد اليهود وعاداتهم.

*    كشف هذا السفر عن الفكر الكنسي الحيّ من جهة أعضائها، فإن راعوث وهي فتاة أممية أرملة لا تملك مقتنيات ولا مواهب سوى الحب استطاعت أن تكون في مركز سام سبقت الكثيرين والكثيرات. بمعنى آخر قدمت لنا راعوث مثلًا حيًا للعضو العامل في الكنيسة، فإنه يُكرم لاَّ من أجل درجته الكهنوتية في ذاتها ولا لنوع الموهبة وإنما بسبب حياته الإيمانية العاملة في الرب. لقد توّجت راعوث بكرامة فاقت الملك شاول الذي حُسب مسيحًا للرب لكنه سلك بغير أمانة.

ليتنا في عملنا في كرم الرب لا نسعى وراء الدرجات الكهنوتية أو الألقاب والمراكز إنما نحو الحب الخفي الذي يُزكينا في عيني بوعز الحقيقي!

أقسامه:

 يمكننا تقسيم السفر إلى قسمين رئيسيين:

القسم الأول: العالم والفراغ

 

[ص 1].

القسم الثاني: المسيح والشبع

 

[ص 2-4].               

1. راعوث في حقل

 

[ص 2].

 2. راعوث في بيدر بوعز

 

[ص 3].

 3. راعوث والعرس السماوي

 

[ص 4].

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى