تفسير سفر راعوث أصحاح 1 للقمص مكسيموس صموئيل
الإصحاح الأول
” راعوث امرأة من مواب “
في هذا الإصحاح راعوث تعيش بين أهلها الوثنيين في موآب, وهي صورة النفس التي تحيا في العالم بعيدة عن الله
مجاعة في أرض الموعد :-
يبدأ السفر بعبارة ” حدث في أيام حكم القضاة أنه صار جوع في الأرض ” ( 1:1 ). وحيث يسجل زمن حدوث القصة في أرض كنعان في زمن القضاة
سمات فترة حكم القضاة :-
اتسمت هذه الفترة بـ :-
(1) الإنحدار الأخلاقي في الشعب
(2) تفكك بين الأسباط .
(3) عبادة الأوثان والزنى التي تفشت وسط الشعب .
متى حدثت المجاعة :-
إن كان السفر لم يحدد بالضبط متى حدثت, إلا أن الدارسين اجتهدوا في معرفة ذلك الوقت, واتفق رأيهم على أنها حدثت على الأرجح في أيام القاضي ” إهود “, وذلك استناداً على أن بوعز هو ابن سلمون و راحاب (مت 1:1) وراحاب هي المرأة التي أخفت الجاسوسين أيام يشوع ( يش 2), وبذلك تكون المجاعة حدثت بعد موت يشوع بفترة ليست طويلة, وهذا يبرهن أنها حدثت في بداية عصر القضاة الذي بدأ بعد موت يشوع والشيوخ (يش 31:24 ), وإن كان البعض نسبوا حدوثها إلى أيام القاضي جدعون بسبب غزوات المديانيين ( قض 6: 4,3 ).
تأديب الله لشعبه بحدوث المجاعة في أرض الموعد :-
كيف تحدث مجاعة في تلك الرض التي قال عنها الرب أنها تفيض لبناً وعسلاً ؟ ( عد 27:13، 8:14 ), بل أنها الأرض التي سبق فوعدهم أنها ” أرض ليس بالمسكنة تأكل فيها خبزاً ” ( تث 9:8 ) وتلك التي ” من مطر السماء تشرب ماء . أرض يعتني بها الرب إلهك ” ( تث 11:11 ) وقد يدعونا هذا للدهشة ولكن سريعاً ما تزول دهشتنا حينما نعود إلى وعد الرب لهم حينما قال لهم إذا تركوه فإنه يغلق السماء فلا يكون مطر ولا تعطي الأرض غلتها ( تث 17:11 ), ولذا فإن المجاعة حدثت كأحد تأديبات الله لذلك الشعب المتمرد الذي انصرف عن عبادة الرب وخاصة في ذلك العصر السئ عصر القضاة.
بين بيت لحم ومواب ( 2:1-5 ) :-
ذهب أليمالك وامرأته نعمى وابنيه محلون وكليون ليتغربا في أرض مواب, فياللعجب إن الرجل أليمالك الذي معنى اسمه ” الرب الملك ” المفروض أن يحمل الشهادة للرب , فكان عليه أن يشهد حسب اسمه, ولكنه ترك الأرض وتغرب في بلاد الوثنيين ولكن يبدو أنه لم يكن إيمانه كاملاً وهذا يظهر من تسميته لابنيه ” محلون ” ويعني معتل ” و ” كليون ” ويعني ” ضياع “, بدلاً من أن يسميهما أسماء تمجد الله, لكنه أظهر من بدء حياته علامة على ضعف إيمانه, الذي دفعه لترك بيت لحم بأرض الموعد ويتغرب في موآب الوثنية, فبيت لحم هي القرية التي تتجه إليها أنظار اليهود فهي مسقط رأس داود ( 1 صم 15:17 ), وهي التي ينتظرون أن يولد فيها المسيح حسب النبوات.
عدم الإيمان :-
كشفت المجاعة حقيقة عدم إيمان اليمالك الذي عجز إيمانه عن أن يجتاز التجربة, لأن من يكون إيمانه ضعيف لا يكون قلبه ملتصقاً بالله الذي يخلصه, ولا يستطيع أن يتقبل الصعوبات ويهرب من التعب لأنه يريد الراحة, لذلك جذبت بلاد مواب أليمالك إليها بما فيها من حقول وسهول وأغنام وخمر ( 2 مل 4:3 ) وأغمض عينيه عن تلك النتائج السيئة التي سوف تحدث من تغربه فيها.
موآب :-
تقع شرق الأردن, ولا تبعد كثيراً عن بيت لحم, وهي بلاد بالاق, الذي طلب من بلعام أن يلعن شعب الله (عد 6:22 ), وشعبها أعداء لشعب إسرائيل حيث أنهم بذلوا كل ما في وسعهم ليذلوهم مرة بالسحر ( 25:22 ), وأخرى بالزني ( عد 1:25 ), وكانت موآب تعبد الإله ” كموش ” وكانوا يذبحون له, وكانوا يعيشون في أدنى درجات الرذيلة من الفجور والزني.
لم يبالي أليمالك بنتائج ذهابه إلى مواب :-
لقد ترك بيت لحم ” بيت الخبز ” وتغرب في أرض الأصنام التي لم يكن الله معروفاً فيها, وغادر بيت لحم دون طلب مشورة الله, لأنه لو طلب مشورة الله لما اختار أن يترك خلفه الأرض المقدسة, وربما كان قد وضع في نفسه عدم الاستقرار فيها أو الإندماج مع أهلها, بل يتغرب هناك فيها لحين انتهاء المجاعة فقط ثم يعود إلى بيت لحم, ولكن مهما كان الأمر ومهما كانت الأعذار والمبررات التي التمسها لنفسه فإن رحيله إلى موآب كشف عن عدم إيمانه, كما أن رحيله فيه استهانة بذلك الميراث الذي وعد به الله شعبه منذ أيام إبراهيم ( تك 14: 14-17 ) ويعد ذلك تفريطاً في ميراثه.
نتائج الذهاب إلى مواب :-
1- هناك مات ودفن في أرض الوثنيين .
2- اتخذ ابناه لنفسيهما امرأتين موابيتين مخالفين وصية الرب الذي حذر من مصاهرتهم ( تث 23: 2)
3- لم تطل حياة ابنيه أكثر من 10 سنوات مات بعدها محلون وكليون بدون نسل وبقيت المرأة نعمى ومعها كنتاها الموابيتين عرفة وراعوث.
بل أن بعض المفسرين يرجعون موتها السريع إلى زواجهما من امرأتين وثنيتين .
محبة نعمى وإيمان راعوث ( 1: 6-18 ) :-
صارت نعمى أرملة فقيرة في أرض غريبة ولم يعد لها اسم ولا وريث, فعادت بذاكرتها إلى الأيام الماضية المليئة بالخير في بيت لحم, وسريعاً ما جاءتها الأخبار السارة ” إن الرب قد افتقد شعبه ليعطيهم خبزاً “, وبعد أن تجرعت كأس الآلام في مواب ومرارة الطريق بعيداً عن الله, قررت أن تعود إلى بيت لحم تحركها قوة دافعة من الإيمان بأن الله ليس في موآب, بل في بيت لحم, فقامت قاصدة بيت لحم وسافرت لتعبر الأردن ومعها كنتاها عرفة وراعوث فقالت نعمى لهما ” إذهبا ارجعا كل واحدة إلى بيت أمها ” ( 1: 9,8) وفي هذا الحديث لم تكن نعمى أنانية تبحث عن راحتها على حساب مصلحتهما, لكنها طلبت منهما أن تعود كل واحدة إلى بيت أمها من أجل مستقبلهما, كما دعت لكل منهما بأن يباركها الرب, وحينا حانت ساعة الفراق قبلتهما ورفعن أصواتهن وبكين ( 9:1 ), وطلبتا من نعمى أن يذهبن معها إلى شعبها ولكنها حاولت أن تثنيهما عن عزمهما وقالت لهن ” لا يابنتي فإني مغمومة جداً من أجلكما (13:1 ), وكانت تحاول بشدة منعهما من مرافقتها, فقبلت عرفة وقبلت حماتها ورجعت إلى بيت أمها, أما راعوث فلصقت بنعمى.
وفي قصة عن التقليد اليهودي يذكر أن راعوث هي ابنة عجلون ملك موآب ( قض 12:13 ) وعلى أية حال سواء كانت هي ابنة ملك أو ابنة إنسان من عامة الشعب فقد كانت صاحبة قرار مصيري شجاع وقطعت على حماتها سبيل المناقشة قائلة لها لا تلحي علي أن أتركك وأرجع عنك لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت, شعبك شعبي وإلهك إلهي حيثما مت أموت وهناك أندفن, هكذا يفعل الرب بي وهكذا يزيد, إنما الموت يفصل بيني وبينك ( 1: 17,16 ) وفي كلماتها إعلان إيمانها بإله إسرائيل إذ قالت ” إلهك إلهي”.
وما أشد الفارق بين راعوث وعرفة, لقد سارت عرفة بعض الطريق ولم تكمله أما راعوث اتخذت قرار بعزم ثابت بأن تلتصق بحماتها, مع أنها لم ترى بيت لحم من قبل , لقد اشتاقت أن ترى إله نعمى وهي لا تعرفه, والآن حان الوقت لتراه فهي تسرع الخطى مع حماتها نحو بيت لحم, إنها صورة رائعة لإشتياق راعوث لرؤية الرب فتتخذ قرارها للسعي نحوه بترك موآب, كما أنه ترك للعالم من أجل الله, فأضاء قلبها بالإيمان وانفتحت عيناها لتستضئ ببهاء مجده .
امرأتان تدخلان بيت لحم ( 1: 19-22 ) :-
ها قد عادت نعمى إلى أرض آبائها ودخلت بيت لحم, وتحركت المدينة عندما دخلت هي وراعوث وتجمع حولها أصدقاؤها القدامى بعد أن مرت عشر سنوات في غربتها بعيدة عن بيت لحم.
تبدل حالة نعمى إلى المرارة :-
لقد تغير شكلها وذبلت, فبدا وجهها شاحباً كئيباً تكسوه غلالة من الحزن, وملابسها تظهر أنها تعاني الإحتياج.
وبدت المفارقة شاسعة بين يوم مفارقتها مع زوجها بيت لحم ويوم عودتها لقد كانت تعيش في بيت لحم مع زوجها في رغد الحياة وتمتلك أرضاً وبيتاً ومعها أبناء, وكانت سخية على الفقراء وبيتها يقصده كل من له احتياج, اليوم تبدل حالها وتغيرت هيأتها لذا عندما رأتها صديقاتها اندهشن وقلن ” أهذه نعمى ! “.
ولم تتغير مشاعر صديقاتها نحوها باللوم أو العتاب, بل وجدت تعاطفاً من سكان بيت لحم نحوها وكانت نعمى تتألم من تلك الحالة التي انتهت إليها فقالت لهم ” لا تدعوني نعمى بل ادعوني مرة إني ذهبت ممتلئة وأرجعني الرب فارغة “, لقد أصبح اسمها نعمى ” التنعم والسرور ” لا يعبر عن حالتها لذا اختارت لها اسماً يعبر عن الحزن والبؤس ” مرة “
ولكنها وسط هذا البؤس والشقاء والمر لم تفقد إيمانها إذ تدعو الرب ” القدير ” فما زالت تحتفظ بإيمانها وثقتها بالإله القدير بانه سوف لا يتركها ويسد احتياجاتها.
صورة من الابن الضال :-
حالة نعمى هذه تذكرنا بالابن الضال الذي ترك بيت أبيه وذهب إلى كورة بعيدة يسعى وراء ملذات العالم وشهوات الجسد, لقد فقد ثروته وجاع وافتقر ولكنه حينما عاد إلى بيت أبيه وهو يملك ثقة كاملة في محبته وجده في انتظار عودته ونال حياة جديدة ( لو 32-11:15)
هكذا كانت ثقة نعمى كاملة في الإله القدير أنه سوف يسد احتياجاتها ويرد لها ما فقد منها ونحن أيضاً إذا كانت ثقتنا في الله هكذا فسوف ننال من النصيب الأعظم.
تفسير راعوث – مقدمة | راعوث 1 | تفسير سفر راعوث | تفسير العهد القديم | تفسير راعوث 2 |
القمص مكسيموس صموئيل | ||||
تفاسير راعوث 1 | تفاسير سفر راعوث | تفاسير العهد القديم |