أثبتوا فيَّ
أولاً: كيف تثبت فى المسيح؟
لا يكفى أن نعرف المسيح بل يجب أن نثبت فيه، ولا يكفى أن نحبه بل من المهم جدًا أن نثبت فى محبته. فالرب لم يكتف بقوله: “وَأَنْتُمْ فِىَّ وَأَنَا فِيكُمْ“
(يو 20:14) وإنما قال: “اُثْبُتُوا فِىَّ وَأَنَا فِيكُمْ” (يو4:15) وضرب فى ذلك مثلاً بثبات الغصن فى الكرمة، فالغصن الذى يثبت فى الكرمة كأنه قطعة منها لا ينفصل عنها، وتسرى تتمشى فيه عصارتها، ورحيقها، فتتغذى بها، ويصير هو وهى واحدًا. هكذا حياة الإنسان الروحية كالغصن الذى إن لم يثبت فى الكرمة يطرحونه خارجًا فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق.
ويعطينا معلمنا بولس مثل رائع فى الثبات فى المسيح فيقول: “مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْىٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟.. وَلَكِنَّنَا فِى هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا، بِالَّذِى أَحَبَّنَا” (رو 35:8، 37) فيرى أن كل هذه الشدائد لا تزعزع الثبات فى المسيح، بل أن فيها كلها يعظم الإنتصار من خلال محبة المسيح.
نفس الدرس نأخذه من الشهداء والمعترفين الذين تعرضوا لكل أنواع التعذيب والآلام، ثابتين فى الإيمان ولم يتزعزعوا. فالإنسان الثابت فى المسيح هو إنسان راسخ لا يتزعزع، محبته لا تسقط أبدًا. هناك أشخاص لا يثبتون فى الرب بسبب الوسط أو البيئة أو الظروف الخارجية، لكن الأشخاص الراسخين مهما كانت الأسباب المحيطة يظلون ثابتين، مثل: أبونا نوح كان كل الوسط حوله خاطئًا جدًا حتى أن أغرقه الله بالطوفان، أما هو فظل ثابتًا فى الرب حتى ولو عبد الله وحده.
إذا أردت أن تثبت فى المسيح والمسيح يثبت فيك: لتكن علاقتك به علاقة حب، علاقة قلب بقلب. وقد وضع لنا الكتاب المقدس وسائل روحية للثبات فى المسيح وأهمها:
1- التناول من جسد الرب ودمه لأنه يقول: “مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِى وَيَشْرَبْ دَمِى، يَثْبُتْ فِىَّ وَأَنَا فِيهِ” (يو 56:6).
2- حفظ الوصايا والسلوك الروحى السليم فالرب يقول: “إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَاىَ تَثْبُتُونَ فِى مَحَبَّتِى” (يو 10:15).
وهذا يتم من خلال الالتزام بقانون الصلاة والقراءة فى الكتاب المقدس، والتأملات وسماع العظات وحضور القداسات وحفظ الألحان. اعرف نفسك وأعرف الأشياء التى تقويك، وألتصق بها ولا تترك نفسك بدون وقود يعطيك طاقة روحية لحياتك فتكون فى المسيح والمسيح فيك.
ثانياً: الثبات فى الإيمان بالمسيح
السيد المسيح هو الإله الكلمة المتجسد له لاهوت كامل، وناسوت كامل، إذ لاهوته متحد بناسوته بلاإختلاط ولاإمتزاج ولا تغيير، اتحاد كامل تعجز الكلمات أن تعبر عنه. يقول الكتاب المقدس عنه: “عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ” (1تى 16:3) هذا التجسد كان الهدف منه فداء الإنسان من الخطية التى وقع فيها أبونا أدم، فالطبيعة اللاهوتية (الله الكلمة) إتحدت بالطبيعة الناسوتية (الجسد البشرى) التى أخذها الكلمة (اللوجوس) من العذراء مريم بعمل الروح القدس، الذى حل وقدس مستودع العذراء مريم بطهارة كاملة، وكون من دمائها جسدًا إتحد به إبن الله الوحيد منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس وولد المسيح الإله المتجسد.. وهنا سؤال هام:
هل المسيح هو الله؟
طبعاً.. المسيح هو الله.. ويظهر هذا من خلال:
1- سلطانه المطلق تظهر ألوهية السيد المسيح من خلال سلطانه المطلق، وهذه مجرد أمثلة من الكتاب المقدس:
- سلطانه على الجماد : يظهر من معجزة إشباع الجموع (مر 35:6-44).
- سلطانه على المياه : يظهر من سيره على الماء وجعله بطرس يسير (مر 48:6-51).
- سلطانه على النبات : يظهر من لعنه للتينة غير المثمرة (مت 18:21-22).
- سلطانه على الحيوان : يظهر من سماحه للشياطين بدخول الخنازير (مت 28:8-34).
- سلطانه على الإنسان :
أ- فى المرض: كان يشفى باللمس (مت 20:9-22)، وبالكلمة (يو 1:5-9)، ومن على بعد (يو 43:4-54).
ب- فى الموت: إقامة ابنة يايرس حديثة الموت (لو 49:8-56)، وابن أرملة نايين وهو فى طريقه إلى القبر (لو 11:7-15)، ولعازر بعد أن أنتن (يو 38:11-44). - سلطانه على الطبيعة : يظهر فى تهدئته للبحر والرياح بكلمة أمر لهما (مر 37:4-39).
- سلطانه على الأفكار : كشف أفكار سمعان الفريسى (لو 39:7-40) والجمع حين غفر الخطايا للمفلوج (مت 4:9).
- سلطانه على المستقبل : تنبأ بخراب أورشليم (مر 14:13-23)، وإنكار بطرس له “قبل أن يصيح الديك تنكرنى ثلاث مرات” (لو 34:22)، ثم استشهاده صلباً (يو 18:21، 19).
- سلطانه على الأرواح : كانت تفزع من رؤيته (مر 22:1) وتخرج بكلمته (مر 34:1).
- سلطانه على الخطيئة : كان يغفرها، وهذا من سلطان الله وحده (مر 7:2-10).
2- قدرته على الخلق
لاشك أن الخالق هو الله، وقصة الخليقة تبدأ بعبارة: “فِى الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ” (تك 1:1). والإصحاح الأول من سفر التكوين يشرح كيف خلق الله كل شئ، وفى سفر إشعياء يقول الله: “أَنَا الرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَىْءٍ نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِى. بَاسِطٌ الأَرْضَ” (إش 24:44). “أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هَذِهِ” (إش 7:45).
- ومع ذلك هناك آيات كثيرة فى الكتاب المقدس تذكر أن السيد المسيح هو الخالق، ومنها:
أ- يقول يوحنا الإنجيلى عن السيد المسيح: “كُلُّ شَىْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَىْءٌ مِمَّا كَانَ” (يو 3:1) وهنا لا يذكر فقط أنه الخالق، إنما أيضًا بغيره ما كانت هناك خليقة، ويقول أيضًا: “كَانَ فِى الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ” (يو 10:1).
ب- ويقول معلمنا بولس الرسول: “الَّذِى بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ” (عب 2:1).
ج- ويقول أيضًا: “فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ أمْ رِيَاسَاتٍ أمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ” (كو 16:1).
د- ويقول أيضًا: “بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ” (1كو 6:8). - وقد ذكر الكتاب معجزات للسيد المسيح تدل على الخلق، منها معجزة إشباع خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين (لو 10:9-17).
وهنا خلق مادة لم تكن موجودة، أمكن بها إشباع هذه الآلاف، ويزيد هذه المعجزة قوة أن الجميع أكلوا وشبعوا، ثم رفع ما فضل عنهم من الكسر إثنتا عشرة قفة، فمن أين أتت كل هذه الكسر، إنها مادة لم تكن موجودة، خلقها الرب يسوع، وهذه المعجزة العظيمة ذكرها كل الإنجيليين الأربعة.
ويشبه هذه المعجزة إشباع أربعة آلاف من الرجال عدا النساء والأطفال، وذلك من سبع خبزات وقليل من السمك (مت 22:15-38) ثم رفعوا ما فضل عنهم سبعة سلال مملوءة.
وهنا أيضًا خلق مادة لـم تكن موجودة، والقدرة على الخلق هى من صفات الله وحده. - ومن معجزات الخلق أيضاً تحويل الماء خمراً فى عرس قانا الجليل (يو 2).
وهنا عملية خلق: لأن الماء مجرد أوكسجين وأيدروجين، فمن أين أتى، بمكونات الخمر؟ لقد خلق السيد المسيح كل هذا فى تلك المعجزة، التى مما يزيد قوتها، أنها تمت بمجرد إرادته فى الداخل، دون أية عملية، ولا رشم ولا مباركة، ولا حتى صدر منه أمر كأن يقول فليتحول الماء إلى خمر.. إنما قال: “ﭐمْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً. فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: ﭐسْتَقُوا الآنَ” (يو 7:2، 8). وهكذا صار الماء خمراً حلو غير مسكر، بمجرد إرادته، أراد أن تخلق مادة الخمر فخلقت حتى بدون أمر. - ومن معجزات الخلق أيضًا منح البصر للمولود أعمى (يو 9). لقد خلق له السيد المسيح عينين لم تكونا موجودتين من قبل، وخلقهما من الطين مثلما خلق الإنسان الأول، الطين الذى يضعونه فى عين البصير فيفقده البصر، وضعه السيد فى محجرى الأعمى فصار عينين، ويزيد هذه المعجزة قوة أن الرب أمر المولود أعمى أن يغتسل بعد ذلك فى بركة سلوام، والمفروض أن الاغتسال بالماء يذيب الطين، ولكنه على العكس أمكن هنا أن يثبت الطين – العينين فى المحجرين، ويربطهما بشرايين وأنسجة وأعصاب.. ولكل هذا قال الرجل المولود أعمى لليهود: “مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً فَتَحَ عَيْنَىْ مَوْلُودٍ أَعْمَى” (يو 32:9).
إذن فكيف يكون السيد المسيح خالقاً، بينما الخلق من صفات الله وحده؟! إذن ولابد أن يكون السيد المسيح هو الله.
3- المسيح مقيم الأموات وواهب الحياة
- يقول عنه يوحنا الإنجيلى: “فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ” (يو 4:1). والسيد المسيح قد أعطى الحياة هنا، وفى الأبدية وهذا عمل من أعمال الله وحده.
- وقد أعطى السيد المسيح الحياة فى إقامته للموتى، وذكر الكتاب المقدس ثلاث معجزات من هذا النوع.
أ- (مر 22:5 ،35-42) إقامة ابنة يايرس – وكانت مسجاه على فراشها فى البيت، وأهلها يبكون ويولولون كثيرًا.
ب- (لو 11:7-17) إقامة ابن أرملة نايين، وكان محمولاً على نعش فى الطريق، وجمع كثير من المدينة حوله، فى طريقهم لدفنه..
ج- (يو 11) إقامة لعازر بعد موته بأربعة أيام، وكان مدفوناً فى قبره، وقالت أخته عنه أنه قد أنتن، ولكنه أقامه وأعاده للحياة.
والمهم فى هذه المعجزات الثلاثة أنها تمت بالأمر، مما يدل على لاهوته، وعلى أنه مانح الحياة. - قال السيد المسيح عن نفسه أنه: “الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ” (يو 33:6)، باعتباره “خبز الحياة” (يو 35:6). وقال: “أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ“، “النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ“، “إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ“، “وَالْخُبْزُ الَّذِى أَنَا أُعْطِى هُوَ جَسَدِى الَّذِى أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ“، “مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِى وَيَشْرَبُ دَمِى، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِى الْيَوْمِ الأَخِيرِ” (يو 35:6-58).
- وتحدث السيد المسيح عن ذاته بأنه يعطى الحياة الأبدية، كما قال: “خِرَافِى تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِى. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِى” (يو 27:10، 28). ونلاحظ هنا عبارة “أَنَا أُعْطِيهَا“.
- كذلك منح الحياة الأبدية لكل من يؤمن به، فقال: “لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو 15:3).
- كذلك فى حديثه مع المرأة السامرية، شجعها أن تطلب منه “الماء الحى“. وقال لها: “مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِى أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ بَلِ الْمَاءُ الَّذِى أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ” (يو 10:4-14). ونلاحظ هنا قوله مرتين: “الَّذِى أُعْطِيهِ” على إعتبار أنه منه هذه العطية، التى هى الحياة هنا، التى تنبع إلى حياة أبدية.
استنتاج : لم يحدث مطلقًا أن إنسانًا تحدث بهذا الأسلوب، الذى به يكون واهباً للحياة، ومعطياً لها، وأنه يعطى حياة أبدية، وأنه يحيى من يشاء، والذى يتبعه يحيا إلى الأبد، ولا يهلك من يؤمن به، ولا يخطفه أحد من يده.. إنها كلها أعمال من سلطان الله وحده.
4- شهادة الآخرين عنه
سمع الرب من الكثيرين – أثناء حياته على الأرض – شهادات تنطق بلاهوته وقبلها جميعاً مثل:
– قال المعمدان: “أَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ” (يو 34:1).
– قال نثنائيل: “يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ!” (يو 49:1).
– قال بطرس: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَىِّ” (مت 16:16).
– قالت مرثا: “أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِى إِلَى الْعَالَمِ” (يو 27:11).
ثالثاً: اثبت فى طريق الخلاص
أنه الله يطل من سمائه على العالم فيجده عالمًا مشغولاً، عالم يجرى بسرعة يصاحبه أحاديث وضوضاء، ليكن الله فى مقدمة مشغولياتك وتذكر فى ذلك قول الرب: “مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟” (مت 26:16) كل الذين ماتوا وتركوا العالم بماذا تنفعهم مشغولياتهم، فقد تركوها بموتهم هل أرتبك العالم؟ كلا لأن الشيطان قد لا يكتفى بمشغولياتك بل يضيف إليها مشغوليات أخرى حتى ترتبك، ويقدم كل يوم عروض مغرية وسخيه ليشغلك بها، أما أنت فكن محترس وضع روحياتك أمامك قبل كل شىء.