يو6: 47 الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية
“41فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ قَالَ:«أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ». 42وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ، الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ هذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟» 43فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. 44لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. 45إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ. 46لَيْسَ أَنَّ أَحَدًا رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللهِ. هذَا قَدْ رَأَى الآبَ. 47اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. 48أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. 49آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. 50هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. 51أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ».” (يو6: 41-51)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“الحق الحق أقول لكم
من يؤمن بي فله حياة أبدية”. (47)
يعلن السيد المسيح في حديثه هذا أن المؤمن:
- يجتذبه الآب خلال أعمال ابنه الخلاصية الجذابة.
- يسمع تعاليمه.
- يقبل الخلاص المقدم له.
- يقتات بالخبز السماوي.
- يُحفظ في الإيمان.
- لا يهلك بل يقوم في اليوم الأخير.
- يتمتع بالحياة الأبدية.
v باعتباره الحياة الأبدية يعد أن يعطي نفسه للذين يؤمنون به، أي “يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا” (أف ٣: ١٧).
v ليت ما يلي ذلك يحثنا: “الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة الأبدية“. إنه يود أن يعلن ذاته من هو. إنه يقول من يؤمن بي يقتنيني. لأن المسيح نفسه هو اللَّه الحقيقي والحياة الأبدية. لذلك يقول: من يؤمن بي يدخل فيّ، ومن يدخل فيّ أكون له. وماذا يعني “أكون له”؟ تكون له الحياة الأبدية.
تفسير الأب متى المسكين
43:6 -47 فَأَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الآنبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ. لَيْسَ أَنَّ أَحَداً رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللَّهِ. هَذَا قَدْ رَأَى الآبَ. َلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ.
يجيب الرب على موضوع تذمرهم، وهو قوله عن نزوله من السماء، بأنه لا يأتي إلي أحد بالفحص ومعرفة الآنساب، أما الذي تعلم من الله فهذا يأتي إلي، لأن الله هو أبي الذي أرسلني وهو يجتذب إلى كل الذين فتحوا عيونهم وقلوبهم لقبول مشيئة الآب، لأن مشيئة الآب هي رسالتي وعملي.
وهنا يستشهد المسيح بكلام إرميا النبي: «بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام، يقول الرب، أجعل شريعتي في داخلهم, وأكتبها على قلوبهم, وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً، ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب, لأنهم كلهم سيع فونني من صغيرهم إلى كبيرهم, يقول الرب.» (إر33:31-34)
المسيح هنا نقل العلم واحتكار المعرفة من أئمة اليهود, خاصة الفريسيين، وهم الذين كانوا يتزعمون دائما معارضة المسيح ومصادرة أقواله وإثارة الشعب ضد تعاليمه, كما هو حادث في هذا الموضوع أمامنا, نقله إلى عامة الشعب مباشرة وبلا تعليم، وها إشارة قوية جدا إلى عمل الروح القدس. المسيح يستشهد بهذه النبوة التي تقول إن العهد الجديد الذي سيقطعه الرب مع بني إسرائيل لن يجعل الشريعة محتكرة للتعليم العقلي والتلقين الشفاهي، بل سيجعلها مكتوبة بأصبعه, أي بالروح القدس, في ألواح قلوبهم اللحمية حيث لا يعود أحد يحتكر لنفسه التعليم. ولا يعلم الواحد الآخر معرفة الرب، لأنهم كلهم من صغيرهم إلى كبيرهم سيعرفون الرب، لأنهم سيكونوذ متعلمين من الله. والمسيح هنا يركز على كلمة «كل» فلا صغير في العلم، ولا كبير في العلم، بل الجميع بلا تفريق: «كل من سمع من الآب وتعلم يقبل إلي» بدون وسيط أو معلم أو رابي.
فالمسيح يتكلم عن ظهور هذا العهد الذي قطعه الله على نفسه، وأكده بالآنبياء، وها هو قد أرسل ابنه لتنفيذه على أساس أن كلمة الله سيكتبها الآب في قلوبهم: «لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة ممك في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان التي نكرز بها» (رو8:19). كل من يسمع لها ويصدقها فإنه يصبح متعلما بدون مملم، ويجتذبه الآب إلى المسيح لينال به الوعد بالحياة الأبدية فـ «كل من سمع من الآب وتعلم يقبل إليه». وتلاميذ الرب كانوا أول برهان صادق لقيام ذلك العهد.
والمسيح يضع نفسه كمعلم لـ «معرفة الله» هذه، ولكن ليس كمن يعلم عن كتاب مكتوب أو معلم مشهور، بل كمن رأى الله في جوهره وفي سره الأعظم كأب له سمع منه وتعلم: «ليس أن أحدا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب.» (يو46:6)
لذلك كان المسيح, الكلمة, هو الوحيد الذي يتكلم بكلام الله: «لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله» (يو34:3). فمن يسمع من المسيح فهو يسمع من الله رأسا، فمن سمع وتعلم يقبل إلي المسيح، مذعنا مؤمنا أنه بالحقيقة ابن الله. والعلامة ديديموس الضرير يضع القديس بطرس الرسول في إيمانه واعترافه مثلا لذلك، والقديس أغسطينوس أيضا يقول بهذا المعنى.
وسنرى المسيح في موضع أخر قادم كيف يكشف لليهود أنهم لا يسمعون له أويسمعون منه ولكنهم يسمعون من إبليس: «لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا…» (يو43:8-44). هنا يكشف الرب سر من رفض المسيح وقاومه.
«كل من سمع من الآب وتعلم, يُقبل إلي. (لأن) ليس أن أحدا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب»: هنا يقدم المسيح لليهود نقلة كبيرة وتحولا جذريا من عهد موسى الذي يُقال أنه رأى الله, ومن عهد الآنبياء الذين تكلموا عن رؤيا وسمع من الله، أنهم في الحقيقة لم يروا الله في ذاته, في طبيعته الإلهية وجوهره, بل يقول سفر العبرايين أنه كلمهم «بأنواع وطرق كثيرة» (عب1:1). فهم إنما رأوا شبه الرب كقول الله الصريح: «فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة ودعا هرون ومريم (اللذين كانا قد تكلما ضد موسى بسبب زواجه من امرأة حبشية) فخرجا كلاها. فقال: اسمعا كلامي. إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا أستعلن له في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فما إلى فم وعيانا أتكلم معه لا بالألغاز، وشبة الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟» (عد5:12-8). وكلمة الآنجيل واضحة: «الله لم يره أحد قط.» (يو18:1)
أما الرب يسوع فيقول عن نفسه علنا وجهارا إنه رأى الله، ومنه خرج، لأنه من طبيعته وجوهره، لذلك فقد رآه في ذاته, حيث الرؤيا هنا رؤية الذات للذات. فالآب والابن ذات واحدة.
«ليس أن أحدا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب»: فالرؤيا هنا رؤيا ذاتية, ليس بالعين ولا بالتأمل بل رؤية تطابق المثيل على المثيل, فالابن يرى الآب كما يرى الآب الابن، لأن وحدة الذات والجوهر والطبيعة جعلت المعرفة بينهما واحدة: «ليس أحد يعرف الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلآ الابن» (مت27:11). والمشيئة والكلمة واحدة والعمل واحد، لذلك قال لفيلبس: «الذي رآني فقد رأى الآب» في كل شيء (يو9:14). هذا عبر عنه المسيح في قوله للأب: «كل ما هو لي فهو لك وما هو لك فهو لي» (يو10:17). ثم في موضع آخر قادم يتجمع كل ذلك في قول واحد: «أنا والآب واحد.» (30:10)
وبناء على أنه هو الوحيد الذي رأى الله الآب وخبر، أصبح الإيمان بشخصه وبكلمته وعمله ضرورة حتمية، لأن الله الآب يتكلم ويعمل به: «الله بعدما كلم الآباء بالآنبياء قديمأ بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الايام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء.» (عب1:1-2)
والمسيح ينتهي من قوله أنه الوحيد الذي رأى الآب، إلى حتمية الإيمان به لنوال حياة أبدية.
«الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية»: لماذا؟ لأن هذه هي رسالته, الحياة الأبدية, التي أرسله الآب إلى العالم ليكملها، وقد أكملها، وأعطاها، بسفك دمه فدية عن العالم كله، كل من يؤمر به. وهذا هو تسلسل الكلام : المسيح هو الوحيد الذي رأى الآب، لأنه هو الوحيد «الذي من الله» (يو46:6)، لذلك إن سمعوا له وآمنوا به يكونوذ قد سمعوا الآب، وبالتالى ينالون القصد من رسالته، ورسالته هي أن ينالوا الحياة الأبدية.
ثم يبتدىء الآنجيل بعد ذلك في توضيح كيف يؤمنون به لينالوا الحياة الأبدية. وعلى مستوى أن لا حياة بدون أكل وشرب وتنفس, هكذا سيعطيهم أن يأكلوه ويشربوه ويتنفسوا روحه القدوس.
هذا هو موضوع حديث المسيح حتى نهاية الأصحاح.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (43-47): “فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم. لا يقدر أحد أن يقبل إلىّ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير. انه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الله فكل من سمع من الآب وتعلم يقبل إلىّ. ليس أن أحداً رأى الآب إلاّ الذي من الله هذا قد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية.”
إن لم يجتذبه الآب= هذا عمل داخلي للآب بالروح القدس الذي ينخس القلب ويوقظ الضمائر بنور إلهي يشرق في القلب ويقنع فيأتي الشخص للمسيح ويؤمن به ولكن الآب يجتذب كل من يعطي قلبه لله ويفتح أعين قلبه لقبول مشيئته. ومشيئة الله هي عمل المسيح ورسالته. الآب يقنع الإنسان ويملأه نعمة حتى يؤمن بالمسيح رباً. لكن مع إحترام حرية الإنسان. فالله يستخدم قوته النابعة من شدة محبته ليجذب النفوس المترددة، والآب يجذب في مقابل مقاومة الإنسان، بقوة إقناع (أر7:20) لكن دون إجبار. وبدون هذا النور الإلهي لا يمكن لأحد أن يؤمن بالمسيح (1كو3:12). وكل أقنوم يقود للأقنوم الآخر بلا أنانية. فالأقانيم مرتبطة في وحدة بالحب. فالآب يجذب ويقود للإبن، والإبن يقود للآب “من أراد الإبن أن يعلن له” (لو22:10). والروح القدس يقود للإبن (يو14:16). ولزوم أن الآب يجذبنا هذا راجع لقصور العقل البشري وحده عن أن يدرك الله فيؤمن. ولكن كيف يجتذب الآب المؤمن؟ الإجابة. ويكون الجميع متعلمين من الله. أي أن الله يعلمهم فالمعرفة البشرية لا يمكن أن تؤدي وحدها لمعرفة المسيح.. وكيف يعلمهم الله؟ بأن الروح القدس يكتب على قلوبهم (أر33:31،34) ويكون هذا بالحب الذي رأيناه على الصليب. الآب يرسل الروح القدس فيسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) وبهذا الحب ننجذب. ومن ينجذب ويأتي يعلمه الله. الآن الروح القدس فينا يعلمنا. وهم اليهود كان المسيح أمامهم يعلمهم. فالتعليم لن يصبح حكراً على الفريسيين بل هو للجميع، لكل من يريد. ولكن من أعطى قلبه لإبليس يصير إبليس أباه وقطعاً سيرفض تعليم الله (يو43:8،44). وهذا هو سر رفضهم للمسيح. فهم لم يستجيبوا لجذب الآب لهم بل أعطوا قلوبهم لإبليس. وكان تلاميذ المسيح برهان صادق على أن الروح القدس بدأ يكتب ويعلم من يقبل. والمسيح يعلم عن الله ليس كأي معلم قرأ كتباً ويعلمها بل لأنه رأى الله ويعرفه= ليس أحداً رأي الآب إلاّ الذي من الله. لذلك فمن يسمع من المسيح فهو يسمع من الله رأساً. أما حتى موسى فهو رأى شبه الله (عد5:12-8). أمّا المسيح فهو من طبيعة الله وجوهره فهو قد رآه في ذاته. فالرؤيا هنا هي رؤية الذات للذات فالآب والإبن ذات واحدة لذلك فعلى البشر أن يتعلموا فهم لم يروا الله. والله أرسل المسيح ليعلن الآب. (راجع مت27:11+ يو30:10+ 9:14+ 10:17). ولأنه الوحيد الذي رأى الآب ويعرفه صار الإيمان به الطريق الوحيد لنوال الحياة الأبدية. = من يؤمن بي فله حياة أبدية= فرسالته هي الحياة الأبدية التي أرسله الله الآب ليكملها. ومختصر الكلام أن المسيح هو الوحيد الذي رأى الآب لأنه الإبن الوحيد الجنس، لذلك إن سمعوا له وآمنوا به يكونون قد سمعوا الآب وبالتالي ينالون القصد من رسالته. ورسالته هي أن ينالوا الحياة الأبدية= أقيمه في اليوم الأخير. كل من سمع من الآب وتعلم= أي إستجاب لدعوة الآب في قلبه وتعليم الروح القدس. الدور البشري هو الإستجابة وعدم المقاومة.