رؤ21: 4 و سيمسح الله كل دمعة من عيونهم…

 

“وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ».” (رؤ21: 4)

+++

تفسير أنبا بولس البوشي

117- (4) ويمسح الله كل دمعة من عيونهم .

أعنى فرحهم عوضا عن الرزايا التي نالتهم ، والحزن الذي نالهم زمان حياتهم اليسيرة إذا قيست مع هذه الحياة السرمدية المؤبدة . ثم قال بعد ذلك :

(بقية عدد ٤) ولا يكون نوح ولا صراخ ولا تعب منذ الآن لأن ما كان قديما قد مضى .

أعنى بهذا الفرح الذي لا يناله حزن ، والنياح الذي لا يلحقه شقاء

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

وسمعت صوتًا عظيمًا من السماء قائلاً:

هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم،

وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم” [3].

لم تجد السماء اسمًا لهذه المدينة الجديدة والأرض الجديدة والسماء الجديدة يليق بها سوى أن تدعوها “مسكن الله مع الناس”. لم تقل “مسكن الناس مع الله” بل “مسكن اللّه مع الناس“، لأن اشتياق الناس للسكنى معه لا يقاس ولا يقارن باشتياق الله للسكنى معنا. يا لعظم محبة اللّه الفائقة! كأن الله ينتظر الأبديّة ليستريح بالسكنى معنا، مع أننا نعلم أنه ليس محتاجًا إلى عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلى ربوبيته.

لهذا يبدأ بالقول “وهم يكونون له شعبًا“، أي أنهم هم المحتاجون إليه، وهو يسكب حبه عليهم، إذ “الله نفسه يكون معهم إلهًا لهم”. إنه إله كل البشر، وإله المؤمنين. لكن في الأبدية ينعم أبناء الملكوت بمفاهيم أعمق وعذوبة أكثر في ربوبية الله لهم.

وأخيرًا يمكننا من خلال قراءتنا للأصحاحين 21 و22 أن نفهم ماذا تعنيه الكنيسة السماوية الواحدة وهو:

  1. أنها المسكن الأبدي الذي يقول عنه الرب: “أنا أمضي لأعد لكم مكانًا”، وقد قدمه لنا الرسول واصفًا لنا أبعاده ومواد بنائه في أسلوب رمزي بسيط.
  2. إنها الوجود في حضرة العريس السماوي واللقاء الدائم معه، إذ هي “مسكن الله مع الناس” لهذا حدثنا عن شخص العريس وعمله مع شعبه.
  3. إنها جماعة المؤمنين الغالبين “الذين يحسبون سماء”، ليس في الحياة الأبدية فحسب، بل وهم على الأرض. إذ يقول القديس أغسطينوس [الإنسان الروحاني في الكنيسة هو السماء… الكنيسة هي السماء… والسماء هي الكنيسة.]

حال الكنيسة الواحدة

  1. “وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم”: وكما يقول العلامة ترتليان أن الله يمسح كل دمعة سكبتها العيون قبلاً، إذ ما كان لها أن تجف ما لم تمسحها الرأفات الإلهية. طوبى لأصحاب العيون الباكية، لأن الله بنفسه يمسحها ويطيِّبها!
  2. “والموت لا يكون فيما بعد”: وكما يقول النبي “يبلغ الموت إلى الأبد ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه” (إش 25: 8).
  3. “ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد. لأن الأمور الأولى قد مضت” [4]. لقد مضى العالم القديم بما يحمله معه من سمة للنقصان وقابلية للفناء، وصار كل ما في الأبدية جديدًا مفرحًا ومبهجًا للكل.
  4. “وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا”. في العالم الآخر لا نجد ما تسأمه النفس، ولا ما تملّ منه، إذ ليس فيها شيء يعتق ويشيخ بل لحظة فلحظة – إن صح هذا التعبير – نجد كل شيء جديدًا. إذ نحن ماثلون أمام الله الذي لا تشبع النفس من اشتهائه. وكما يقول القديس غريغوريوس النيسي: [أن رؤية الله بالضبط لا تَشبع النفس من اشتهائه. وهذا يتم إلى الأبد والنفس ذاهبة من بدء إلى بدء ببداءات لا تنتهي.] كلما تأمل الإنسان الله رآه كأنه لأول مرة يراه جديدًا في نظره، فيزداد شوقًا إلى السجود له والنظر إليه، ويستمر هكذا بلا نهاية.

ولما كان هذا الأمر مجيدًا حتى ليستعصب الكثيرون نواله، أراد الرب أن يبعث فيهم رجاء فقيل للرسول: “وقال لي: اكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة، ثم قال لي: قد تم” [5]. إنها أمور حقيقية واقعية قد أتم الله تهيئتها للبشر، ولم يبقَ سوى أن ندخل ونرث. وكأنه يقول لعروسه: “الله بالحق قد أعد بيت الزوجية وبقي أن تأتي صاحبة البيت”.

أما مقدم الدعوة فيقول: “أنا هو الألف والياء. البداية والنهاية”. وقد سبق لنا شرح هذا القول. إنه يقول: إنني لغة السماء أعلمكم التسبحة الجديدة، وأنا رأس الكل أتيت أخيرًا لكي أحتضن الجميع وأجمعهم معي.

إنني لا أبخل على أحد، بل أقدم ذاتي ينبوع ماء حياة مجاني لكل طالب أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا” [6]. يقدم نفسه لكل ظمآن يشعر بالحاجة إليه، القائل مع المرنم: “كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي، متى أجيء وأتراءى قدام الله. صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلاً، إذ قيل لي كل يوم: أين إلهك؟ (مز 42: 1-3). لهذا ينادي الرب قائلاً: “إن عطش أحد فليقبل إلىَّ ويشرب (يو 7: 37). وحتى لا يسيء أحد إلى فهم مجانية الماء الحي عاد ليؤكد لنا أن الميراث الأبدي لا يناله إلا المجاهدون المثابرون، لهذا يقول: “من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهًا وهو يكون لي ابنا” [7].

إنه يعطي للغالبين… فماذا يأخذون؟

يرث كل شيء!” إنه كأب رأى الأيام التي كان فيها ابنه قاصرًا قد انتهت، وقد صار الآن ناضجًا، فيقدم له كل أمواله وممتلكاته ويسلمه كل شئونه وأسراره، وإن استطاع أن يقدم له كل قلبه. إنه يورّثه كل شيء وهو بعد حي! هذا ما يعنيه بقوله: “يرث كل شيء“. لهذا يكمل قائلاً: “وأكون له إلهًا، وهو يكون لي ابنًا“. حقًا بالمعمودية صرنا أبناء ولكننا ندرك كمال بنوتنا حين نتسلم الميراث الأبدي!

أما غير المجاهدين وغير المؤمنين فليس لهم نصيب معه إذ يقول:

“وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني” [8].

لقد بدأ هذه القائمة المرة بالخائفين، أي الجبناء الذين ينكرون الإيمان خوفًا على حياتهم الزمنية، وهؤلاء أشر الفئات. ويليهم “غير المؤمنين” لأنه بدون إيمان لا يمكن أرضاؤه. ويليهم صانعو الشر أي “الرجسون والقاتلون…” أي المؤمنون اسمًا لكن أعمالهم لا تتناسب مع الإيمان. وإننا نجده يركز على الكذب فيقول “وجميع الكذبة”، ولعله يقصد بالكذب أولئك الذين يستخدمون الغش والخداع في معاملاتهم وأحاديثهم.

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية 4 “و سيمسح الله كل دمعة من عيونهم و الموت لا يكون فيما بعد و لا يكون حزن و لا صراخ و لا وجع فيما بعد لان الامور الاولى قد مضت”.

سيمسح الله كل دمعة من عيونهم = ففى السماء فرح كامل وعزاء كامل ولكن السؤال، هل سيكون هناك دموع ليمسحها الله؟ قطعا لا دموع فى السماء حيث الفرح الكامل. ولكن المعنى أن الله سيعطينا أن ننسى كل الآلام والجروح السابقة. فمن المعلوم أن هناك جروحا نفسية وآلام نفسية ناتجة عن أحداث مؤلمة تحدث للإنسان فى الماضى، ولكنه لا ينسى جروحها أبدا مع الزمن، وكل ما يتذكرها يتألم وتهيج فيه جروحه مهما إنقضى من زمان. ولكن فى السماء لن نذكر شيئا موجعا ولا مؤلما، لأن الأمور الأولى قد مضت = أى لا حزن ولا صراخ ولا مرض ولا ألم…. فلا خطية هناك والموت لا يكون فيما بعد = ستكون لنا حياة أبدية ويبتلع الموت (إش8:25) لا يكون حزن = أورشليم السمائية هى مكان الفرح الدائم الحقيقى.

تفسير كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

ع4: سيمسح الله كل دمعة من عيونهم : بالطبع لن تكون هناك أية دموع في أورشليم الجديدة ولكن كفانا أن نتأمل هذا المنظر الجميل الذي صوَّره لنا القديس يوحنا، فالمسيح في كمال حنانه يمد يده على وجه كل منا ليمسح من فكرنا كل ذكرى ألم أو تعب أو ضيق إجتازه الإنسان أثناء حياته الأولى وجهاده من أجل اسم الله. والمنظر بجانب إبرازه لحنان المسيح يحمل أيضًا مدى إحساس الله بنا وعدم نسيانه لأمانة أولاده، وأخيرًا يؤكد الله لنا فكرة التعويض بالراحة والسعادة عن الألم السابق؛ فما أروع حنانك يا إلهي ورقة مشاعرك وعدلك وحبك لرعيتك أيها الراعى الصالح.

الأمور الأولى مضت : تأكيد أن زمن الأحزان والأوجاع والصراخ كلها من الأمور السابقة التي لا مكان لها حيث السعادة اللانهائية في حضرة الله.

رؤ21: 3سفر الرؤيارؤ21: 5
الرؤيا – أصحاح 21
تفسير رؤيا 21تفاسير سفر الرؤيا

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى