رو20:5 وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية…

 

“وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ. وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا.”  (رو20:5)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

4. ” وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية ” (رو5: 20).

بعدما بين كيف أنه بخطية آدم صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة ، بينما بعطية المسيح صارت الہبة لجميع الناس لتبرير الحياة، وأن . جميع الناس قد خلصوا وأنقذوا من الدينونة، نجده ينشغل فيما بعد بموضوع الناموس مقللا مرة أخرى من وقع تأثيره. إذ أن الناموس لم ينفع ولم يعين الإنسان في خلاصه، بل وجدنا أنه عندما أعطي الناموس، ازداد الضعف. وهنا فإن تعبير “لكى”، لا يعني السبب، لكن يعني النتيجة. بمعنى أن الناموس لم يعط لكي تزداد الخطية، لكن لكي تقل وتمحى، لكن العكس قد حدث، لا بسبب طبيعة الناموس، بل بسبب لا مبالاة أولئك الذين أخذوا الناموس . ولكن لماذا لم يقل في الآية أن الناموس أعطي لكنه قال ” أما الناموس فدخل”؟ ذلك لكي يظهر أن الاحتياج له هو أمر مؤقت وليس أمرا أساسي أو هام، وهذا ما نجده في رسالته إلى أهل غلاطية عندما أعلن عن نفس الشيء، ولكن بأسلوب آخر بقوله: ” لكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقا علينا إلى الإيمان العتيد أن يعلن”.

وبناء على ذلك فإن إهتمامه بحفظ الرعية لم يكن لأجل ذاته، بل لأجل الآخرين . لأن بعض اليهود كانوا بلا حس، صغار النفوس، وبلا رجاء من جهة نفس العطايا، ولهذا السبب أعطي الناموس، لكي يشهد على هؤلاء بالأكثر، ولكي يعلمهم بكل وضوح في أي حالة هم يحيون ويوسع من مساحة الإدانة (أي أن الخطية ازدادت بسبب لا مبالاة اليهود)، حتى يجعلهم أكثر إدراكا. ولكن لا تخف، لأن هذا لم يحدث بهدف أن تصير العقوبة أكبر، بل لكي تظهر النعمة أكثر . ولهذا أضاف: ” ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا “. ولم يقل ازدادت النعمة فقط، لكن ” ازدادت النعمة جدا “. لأنه لم يخلصنا من الجحيم فقط، لكن ومن الخطايا أيضا ، ووهبنا الحياة وتلك الأمور الأخرى التي تكلمنا عنها مرات عديدة . تماما كما لو أن شخصا كان مريضا بارتفاع في درجة الحرارة، وأتي آخر ولم يخلصه فقط من المرض، لكن جعله في وضع بهى وقوى وممجد، وأيضا لو كان شخص جائعا ثم أشبعه آخر وليس هذا فقط، بل جعله مالكا لأموال كثيرة، ثم قاده إلى سلطة كبيرة.

وكيف يقول كثرت الخطية؟ قال هذا لأن الناموس أعطى وصايا غير محدودة، ولأنهم خالفوها كلها، فقد كثرت الخطية. أرأيت مدى التباعد بين النعمة والناموس؟ لأن الناموس صار سببا للوم والإدانة، بينما النعمة صارت سببا لهبات وفيرة جدا.

وبعدما تكلم عن السخاء في العطايا التي لا يعبر عنها ، تكلم مرة أخرى عن النعمة، عن سبب الموت وعن الحياة. إذا ما هو سبب الموت؟ سبب الموت هو الخطية. ولهذا قال:

” حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا ” (رو5: 21).

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جدًا، حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا” [20- 21].

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم بأن الناموس قد أُعطى بحق لكي ينقص العصيان ويتدمر لكن النتيجة جاءت عكسية، لا بسبب طبيعة الناموس وإنما بسبب إهمال الذين قبلوه. جاء يكشف المعصية ويدين العصاة متهمًا إياهم بالأكثر. لكننا لا نخاف، لأن الناموس لم يُوضع لكي تزداد عقوبتنا، وإنما لكي نتقبل النعمة التي ازدادت جدًا، إذ لم تقدم لنا إعفاءً من العقاب فحسب وإنما وهبتنا الحياة. صرنا أشبه بإنسان كان محمومًا فلم يُشف من مرضه فحسب، وإنما نال جمالاً وقوة وكرامة، كما نشبه إنسانًا جائعًا لم ينل غذاء ليقوته فحسب، وإنما تمتع بغنى عظيم وسلطان.

ربما يتساءل البعض: كيف كثرت الخطية بالناموس؟ لأنه قدم وصايا كثيرة بلا حصر وقد عُصيت، فازداد العصيان.

كشف الناموس أيضا أصل الموت والحياة، إذ أظهر أن الخطية تسلحت بالموت لتبيد البرّ، لكن النعمة حطمت سلاح الموت، ووهبتنا البرّ علي مستوي الحياة الأبدية الخالدة.

يقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيرًا لازدياد الخطية بالناموس، إذ يقول: 

[جاء الناموس لكي تكثر المعصية، لأن المنع جعل الشهوة تزداد، وصيرها عنيفة (رو 7: 7). وهكذا صارت المعصية التي لم تكن بدون الناموس رغم وجود الخطية (حتى قبل الناموس) “إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعدٍ” (رو 5: 20). وهكذا زادت قوة الخطية، وذلك بالناموس، مع عدم مساعدة النعمة، والمنع من الخطية، لذلك يقول الرسول “وقوة الخطية هي الناموس” (1 كو 15: 56).

إذن لا عجب إن كان ضعف الإنسان يجعل من الناموس الصالح ما يزيد من الشر، مع أنه قد عهد إليه به لينفذ الناموس.

حقا إذ هم جاهلون ببرّ الله (رو 10: 3) الذي يهبه للضعفاء، ويريدون أن يقيموا برّهم الذاتي، الأمر الذي يتجنبه الضعفاء، صاروا غير خاضعين لبرّ الله وفاسدين ومتكبرين. لكن الناموس كمعلمٍ يقود الذين صاروا مجرمين إلي النعمة، طالبين “الطبيب” لأن بهم جراحات خطيرة، فيعطيهم الرب عذوبة في عمل الخير عوض لذة الشهوة المهلكة، حتى تكون لهم بالعفة بهجة أعظم، وتعطى أرضهم ثمرها (مز 135: 12) الذي منه يقتات الجندي (الروح) الذي يهزم الخطية بمساعدة الرب.]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (20): “وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية ولكن حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً.”

وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية (الترجمة الأدق التعديوقوله دخل يشير إلي أنه وقتي وليس أصيلاً (غل23:3) ولكن ما الذي جعل الخطية تكثر:- 

1. الممنوع مرغوب والمنع جعل الشهوة تزدادوهذا بسبب طبيعة العصيان التي صارت فينا (هذه عكس طاعة المسيح).

2. الخطية كانت غير معروفة، ولكنها صارت معروفة ومحددة، بل صارت تعدي علي ناموس الله وكسر لوصايا وضعها الله.

ولم يكن السبب لعيب في الناموس بل لإهمال من قبلوه، وكان لابد لله أن يعلن عن الخطية ليتحاشاها الإنسان ولا يهلكولنلاحظ أن الناموس كان كالمرآة، فالمرآة لا تسبب العيب الذي في وجه الإنسان بل هي تكشفههي تكشفه لكن لا تصلحه، وهذا هو الفارق بين الناموس والنعمة.

ولكن حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداًكان هذا بمجيء المسيح في عالم ساده الإثم والخطيةومعني الآية أنه في الأماكن التي تكثر فيها الخطية يزداد عمل الله وتزداد النعمة جداًوحيث كثر عمل الشيطان فان الله لا يترك له المجال، بل يزداد عمل الله جداً ليسند الإنسان بقوة وليحفظ الله أولادهولنلاحظ تركيب الآية.

حيث كثرت الخطيةإزدادت النعمة جداً.

لو كانت الخطية 5وحداتلكانت النعمة 10وحدات.

لو كثرت الخطية إلي 10 وحدات لإزدادت النعمة إلي 100وحدة.

 

آية (21): “حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا.”

تقريباً هي نفس المعني في (آية17)

أمامنا هنا مملكتانمملكة تسودها الخطية ونهاية شعب هذه المملكة الموتومملكة يسودها البر ونهايتها حياة أبديةفي المملكة الأولي الخطية تملك علي الناس (رو12:6). والثانية تملك النعمة علي الناس فيهاوهم يعيشون في بر (رو14:6). ولاحظ كم هي مرعبة هذه الخطية فهي تملك كمَلِك يتسيد (تسودكم14:6) وهي تقتل (رو11:7). فهي تقود الناس إلي الموتلو كانت الخطية سهلة لما كان الأمر يستدعي تجسد المسيح وفدائهفالخطية تعمل للموت، والناموس يساندها، ويحكم علي الخاطئ بالموتأما بعد المسيح وبعد أن قَدَّم المسيح نعمته، لم نعد نخاف الخطية ولا نرهب الموت، بل ننشغل بالأمجاد المعدة لنابر الله ألغي الموت فإنكسرت شوكة الخطية وفقدت سلطانها الذي تحصنت فيهوالعكس فالنعمة أورثت الروح مُلْك الحياة الأبدية ببر اللهوهكذا تماماً كما ملكت الخطية وسيطرت علي الجنس البشري، وظهر سلطانها ومُلْكَها في الموت– فدولة الموت هي دولة الخطية هكذا أيضاً تملك النعمة بواسطة عطية البر حتى تسود الحياة الأبدية بواسطة يسوع المسيح ربنافالنعمة تقود للحياة الأبديةودولة البر (التبريرهي دولة الحياة الأبدية.

زر الذهاب إلى الأعلى