زك 10:12 فينظرون إلى الذين طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له
وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ. (زك 10:12 )
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
روح النعمة والتضرعات [10-14].
إذ يملك الرب على بيت يهوذا يفيض بروحه القدوس على كنيسته ليهبها كل نعمة ويسندها على جهادها حتى تعبر هذا العلم، وفي نفس الوقت يسقط الذين طعنوا السيد بحربة خطاياهم تحت الدينونة الأبدية ويصيرون في نوح عظيم.
“وأفيض على بيت داود وعلي سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات” [10]. وكما يقول القديس ديدموس الضرير: [إن روح النعمة والتضرعات إنما هو الروح القدس واهب النعمة الذي يُعطى لنا من أب الرأفة (2 كو 3: 3): “بعد هلاك الأمم (إبليس وأعماله) يضيف الكتاب أنه في ذلك اليوم المشار إليه يفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم بروح النعمة والتضرعات، لأنه أب التضرعات (2 كو 1: 3) وله الروح القدس. في هذا يكتب القديس بولس: “لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رو 5: 5). وسليمان في سفر الحكمة يقول: “فما في السموات من اطلع عليه، ومن علم مشورتك لو لم تؤتِ الحكمة وتبعث روحك القدوس من الأعالي، فإنه كذلك قوّمت سبل الذين على الأرض وتعلم الناس مرضاتك” (حك 6: 14-16). واهب الروح القدس يقول في إشعياء: “أعطيك روحي” وأيضًا: “أعطيته روحي” (إش 42)… كما يقول: “سأفيض من روحي على كل جسد” (يؤ 3: 1). ويفهم من كلمات الرسول أن روح النعمة هو الروح القدس، إذ يقول: “من خالف ناموس موسي فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة، فكم عقابًا أشر تظنون انه يُحسب مستحقًا من داس إبن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وازدرى بروح النعمة؟!” (عب 10: 28-29)… أيضًا روح النعمة هو روح التضرع (الرأفة) الذي يوهب من أب الرأفة (2 كو 1: 3)].
هذا هو ثمر الصليب إذ أفاض على الكنيسة بالروح القدس، روح النعمة الذي يفيض بنعمه الإلهية وعطاياه السماوية، وروح الرأفة الذي يسند ويترفق، أما الذين يرفضون الخلاص ويصوبون حربة الخطية فيقال عنهم: “فينظرون إلى الذين طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له، ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره، في ذلك اليوم يعظم النوح في أورشليم كنوح هدد رمون في بقعة مجدون” [10-11].
يقول القديس ديديموس الضرير: [قاسى اليهود قتلة المسيح عذابات وصاروا في نوح كمن مات لهم إنسان عزيز لديهم وإمتلأوا مرارة كمن فقد إبنه البكر، إذ أدركوا غضب الله حتى النهاية (1 تس 2: 16) فنُزع عنهم وطنهم وتشتتوا في كل الأرض].
“يعظم النوح في أورشليم”… لعله يُشير إلى حائط المبكي حين يأتي اليهود من كل بقاع العالم يبكون حالهم و تشتتهم!
هنا يصف النوح بنوح هدد رمون[66] في بقعة مجدون، تلك البقعة التي فيها قتل المصريون يوشيا الملك بسهامهم فرثاه أرمياء النبي والمرنمون والمرنمات، ولم يكن حزن عام وشديد منذ قيام إسرائيل كأمة مثلما حدث عندما حملت المركبة الملكية جثته في شوارع أورشليم لدفنها.
يكشف عن مرارة هذا النوح بتشبيهه بنوح الوالدين على وحيدهما، يمس حياة كل عشيرة بل وكل فرد لذا تنوح كل عشيرة فعشيرة على حدتها، وينوح الرجل على إنفراد وزوجته على إنفراد إذ لا يحتمل أحدهما تعزية الآخر من هول ما يشعران به. أما سببه فخطأ جماعي موجه ضد السيد المسيح المطعون، إذ يقول: “فينظرون إلى الذين طعنوه”.
يعلق كثير من الآباء على هذه العبارة الخاصة بلقاء الأشرار مع السيد المطعون في يوم الرب العظيم، فمن كلماتهم.
v يتعلمون أنهم سيعرفوا الذي طعنوه ويقرعون صدورهم… هذا الذي لم يعرفوه قبلاً لأنه جاء في إتضاع تأنسه.
v في البداية رفضوا التعرف عليه بسبب إتضاع تأنسه.
v عندما يأتي مع ملائكته ليدين (مت 25: 31) ألاَّ يراه الذين طعنوه؟! إنهم يرتبكون إذ يكون الوقت قد تأخر برفضهم التوبة النافعة.
v الذي دين يجلس ديانًا، الذي وقف أمام كرسي الحكم يُدان عن جرائم زورًا سيُدين الجرائم الحقيقية!
v سيأتي في هيئة بشرية يراها الأشرار… ينظرون إلى الذي طعنوه، فيتطلعون إلى الجسد الذي ضربوه بالحربة… ويبقى الله (بالنسبة لهم) مخفيًا في الجسد فلا يرون اللاهوت (في مجده) بعد الدينونة إنما يراه الذين عن يمينه.
v يظهر الابن وحده للصالحين والأشرار في الدينونة بنفس الشكل الذي كان عليه حين تألم وقام وصعد إلى السماء… ولكن عندما يذهب الصالحون إلى الحياة الأبدية يرونه كما هو، وليس كما جاء ليُدين الأحياء والأموات، وإنما يظهر كمكافأة للأحياء!
ينوح الأشرار إذ يرون السيد وقد حمل الجراحات بسببهم، أما الأبرار فيدخل بهم إلى أمجاده وينعمون بما لا يستطيع الأشرار معاينته!
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (10): “وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إليكم الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره.”
إذ يملك الرب على بيت يهوذا يفيض بروحه القدوس على كنيسته ليهبها كل نعمة ويسندها في جهادها= فينظرون إلىَّ الذي طعنوه= حين يؤمن البقية بالمسيح سيبكون على ما فعله أبائهم بالمسيح الذي صلبوه وطعنوه. وسيبكون على عدم إيمانهم السابق، وعلى كل كلمة شريرة قالوها على المسيح. بل أن كل خاطئ تائب حين يكتشف ما قدمه له المسيح، وكيف أنه طعن لأجله، وصلب لأجل خطاياه، ستكون توبته بنوح مقدس على الخطية التي سببت كل هذه الآلام للمخلص، هذا هو الحزن المقدس. وهذه الآلام تلهب في القلب محبة شديدة نحو المخلص تزيد من الإحساس بالألم لما سببناه له بخطايانا. ولاحظ أنه بعد عظة بطرس (أع37:2) نخسوا في قلوبهم حينما علموا أن الذي صلبوه كان هو المسيح الذي طالما إنتظروه. وقد تعنى الآية أن من لا يقبل المسيح الآن سيبكي بمرارة يوم الدينونة، ويكون بكاؤه كمن فقد بكره. فهم سيدركون أن غضب الله سيحل عليهم إلى الأبد.