نش ٥:٨ من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها

 

٥ مَنْ هَذِهِ ٱلطَّالِعَةُ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟
العروس
تَحْتَ شَجَرَةِ ٱلتُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ. 

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

إذ يتطلع العالم إلى الكنيسة التي هي جسد المسيح والشاهدة له أمامه، يقول لها:

“مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، كلها بيضاء[184]، مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا (قريبها)؟!” [٥].

سبق أن نطقت بنات أورشليم بكلمات مشابهة (٣: ٦) حين رأين التغير العجيب في حياة المؤمنين، وقد أعطتهن المعمودية بياضًا سماويًا وتمتعن باتكال حق على الحبيب القادر أن يرتفع بهم من برية هذا العالم ويدخل بهم إلى سمواته، والآن يدهش العالم خلال شهادة العروس العاملة أمامهم… أنها لا تدهش لمجرد كثرة العمل بل بالحري للثمر الذي في حياتها، فإن ظهور الخادم بثياب المعمودية البيضاء هو خير شهادة للعريس…

يعلق القديس أغسطينوس على هذا النص قائلًا[185]: [إنها لم تكن من البداية بيضاء، إنما صارت بيضاء فيما بعد، لأنه “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج” (إش ١: 18)]. كما يقول[186]: [من هذه الطالعة بيضاء في بهاء النور وليس بلون باطل؟!]. ويقول القديس أمبروسيوس[187]: [لقد كانت قبلًا سوداء، فكيف صارت بيضاء فجأة (خلال المعمودية)؟!].

ويعلل القديس أغسطينوس سرّ استمرار بياضها هكذا[188]: [الآن هذه التي صارت بيضاء تسلك حسنًا، لأنها مستمرة في الاتكاء على ذاك الذي جعلها بيضاء. فإن يسوع نفسه هذا الذي تستند عليه فيجعلها بيضاء يقول لتلاميذه: “بدونيّ لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا” (يو ١٥: ٥)].

ولعل هذه الدهشة لم تصب العالم فحسب، بل اجتاحت السمائيين أنفسهم إذ يرون ما يصل إليه الإنسان البشري خلال اتحاده بالسيد المسيح في جرن المعمودية، أي يرونه في ميلاده الجديد يحمل إمكانية الصعود نحو السمويات بثياب بيض. وكما وصف القديس كيرلسالأورشليمي الإنسان في المعموديةقائلًا[189]: [ترقص الملائكة حولك وهم يقولون من هذه الطالعة بيضاء في ملابسها مستندة على قريبها؟! لأن النفس التي كانت قبلًا عبدة تبناها سيدها وجعلها قريبة له]. كما يردد السمائيون القول التالي:

“تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ (رفعتك)[190]،

هُنَاكَ ولدتك أُمُّكَ،

هُنَاكَ وضعتك وَالِدَتُكَ” [٥].

هذا هو سرّ صعودها من البرية كلها بيضاء مستندة على حبيبها، أنها قد وضعتها أمها وأنجبتها والدتها تحت شجرة التفاح.

لقد رأينا قبلًا أن “شجرة التفاح” تُشير إلى التجسد الإلهي، إذ ظهر الرب “كشجرة التفاح بين شجر الوعر” (٢: ٣). فخلال التجسد الإلهي أمكن للكنيسة الأم أن تنجب أولادًا لله في المعمودية، قادرين على الارتفاع نحو السمويات بالإله المتجسد… هذه هي الولادة الجديدة، وهذه هي فاعليتها في حياة المؤمنين.

هنا ربط بين التجسد الإلهي وولادتنا الروحية، فالسيد وُلد جسديًا لكي نولد نحن روحيًا. وهذا هو سرّ الاحتفال بعيدي الميلاد والعماد (الغطاس) في يوم واحد في الكنيسة الأولى…، إذ يرتبط العيدان معًا في ذهن الكنيسة.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (5): “من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها تحت شجرة التفاح شوقتك هناك خطبت لك أمك هناك خطبت لك والدتك.”
من هذه الطالعة= العالم هنا يتعجب لسمو الكنيسة وسيرتها التي في السماويات ورفضها للعالم بملذاته وكرازته وشهادتها له حتى الموت. ولكن كل هذا لأنها مستندة على حبيبها تحت شجرة التفاح شوقتك= التفاح قلنا عنه أن يشير لجسد المسيح الذي أعطاه لنا مأكلاً ولذلك شبهت العروس عريسها بالتفاح وسط شجر الوعر (3:2). فما هي شجرة التفاح. هذه هي الكنيسة بأعضائها الذي صار كل واحد منهم عضواً في جسد المسيح، صرنا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5). وكل نفس تدخل للكنيسة سواء بالمعمودية أو بالتوبة بعد ذلك (لأن التوبة معمودية ثانية) تشوق المسيح لها. هو اتخذ له جسداً لأنه كان يشتاق لعروسه، وهو يبذل جسده لكل نفس تائبة تتغذى عليه فهو يعطي لغفران الخطايا. فالنفس تشوق المسيح بتوبتها وبطهارتها وولادتها الجديدة.
هناك خطبت لك أمك= هناك أي تحت شجرة التفاح. فلم يكن هناك خطبة بين العريس وعروسه إلا على أساس التجسد. ولننظر المهر المدفوع للعروس (11:3) فالمهر كان دمه الذي سال بهذا الإكليل وغيره من الطعنات التي طعن بها. هنا الأم هي الشعب اليهودي الذي خرج منه المسيح ثم صلبه، وهي أي الأم بهذا خطبت له كنيسة جديدة لتصير عروسه. هناك خطبت لك والدتك= والدتك مترجمة “التي حملت بك” أو حملتك. هنا الإشارة لكنيسة العهد الجديد التي مازالت تقول مع بولس الرسول “خطبتكم لرجل واحد” (2كو2:11). وهي كنيسة ولود، وتحمل المسيح فيها. وبسبب التجسد= تحت شجرة التفاح= أمكن للكنيسة أن تصبح أماً ولود تلد أولاداً لله. فالمسيح ولد جسدياً لنولد نحن روحياً. الكنيسة مازالت تقدم كل يوم لله أولاداً وللمسيح عرائس يخطبهن كعذارى مكرسين أنفسهم له.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى