يو8: 36 فإن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحرارا
“فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا. ” (يو8: 36)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“فإن حرركم الابن،
فبالحقيقة تكونون أحرارا”. (36)
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الابن يظهر هنا مساواته للآب في السلطان، فإن الله وحده هو الذي يبرر ويدين (رو ٨: ٣٣، ٣٤). الابن بلا خطية ويهب الحرية من الخطية، الأمر الذي هو من اختصاص الله وحده. هذا وقد أوضح لهم أن الحرية التي في أذهانهم ليست أصيلة، أما التي يهبها الابن فهي الحرية الحقيقية: “بالحقيقة تكونون أحرارًا”.
v لقد جاء في الجسد، أي في شبه جسد الخطية (رو ٨: ٣)، لكن ليس في جسد خاطئ، لأنه ليس فيه خطية نهائيًا، ولهذا صار ذبيحة حقيقية عن الخطية، لأنه هو نفسه بلا خطية.
v باستحقاق فعّال يخلص من عبودية الخطية هذه، هذا الذي يقول في المزامير: “صرت إنسانًا بلا سند، حرًا بين الأموات” (مز ٨٨: ٤، ٥). فإنه وحده كان حرًا إذ لم يكن فيه خطية. إذ هو نفسه يقول في الإنجيل: “رئيس هذا العالم يأتي” يقصد الشيطان الذي يأتي في أشخاص اليهود المضطهدين له، “وليس له فيّ شيء” (يو ١٤: ٣٠ – ٣١). فلا يجد فيَّ نسبة ما من الخطية كما في أولئك الذين يُقتلون كأبرارٍ، لا يجد قط شيئًا ما فيّ… إنني لست أدفع عقوبة الموت كضرورة بسبب خطاياي، لكنني أموت متممًا إرادة أبي. في هذا أنا أفعل إذ أحتمل الموت، فلو كنت لا أريد الألم ما كنت أتألم. يقول بنفسه في موضع آخر: “لي سلطان أن أضع حياتي، ولي سلطان أن آخذها أيضًا” (يو ١٠: ١٨). بالتأكيد هنا ذاك الذي هو حر بين الأموات.
v كما أن الطبيب يكره مرض المريض ويعمل بمقاييس الشفاء لينزع المرض ويشفي العليل، هكذا الله يعمل بنعمته فينا، ليبدد الخطية ويتحرر الإنسان.
v من ثم يقول الرسول ما نبدأ نحن نقوله: “فإني أُسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن” (رو ٧: ٢٢). هنا إذن نصير أحرارًا عندما نُسر بناموس الله، لأن الحرية لها الفرح. فإنك مادمت تفعل الصلاح عن خوفٍ، فإن الله لا يكون موضع مسرتك. لتجد مسرتك فيه فتكون حرًا. لا تخف العقوبة بل حب البرّ. هل لازلت لا تحب البرّ؟ خف من العقوبة حتى تنال محبة البرّ.
تفسير الأب متى المسكين
34:8 -36 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأبد أَمَّا الاِبْنُ ( ابن الله) فَيَبْقَى إِلَى الأبد. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً».
لينتبه القارىء إلى أن تكرار النطق «بالحق» بالنسبة للمسيح، يشير إلى حقيقة ثابتة تمت إلى طبيعة المسيح وعمله، فهو هنا يقرر ماهية «الحرية الحقيقية» حيث ينسبها إلى القداسة الفردية كعلاقة وثيقة مع الله، إزاء زعمهم أن الحرية هي معيار وضع الأمة سياسياً، الأمر الذي دمر مستقبلهم الخلاصي. لأن الذي يفعل الخطية فهو يحيا حياة الإثم والتعدي، إذ يرتبط بالعالم ويفقد حريته ثم نفسه، ويكون قد فقد حرية البنين وصار عبداً للخطية, لأن إبليس يكون قد تسيطر على إرادته وتولى قيادته: «كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً, والخطية هي التعدي. وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية. كل من تثبت فيه لا يٌخطىء» (ايو3:1-5)، «من يفعل الخطية فهو من إبليس, لأن إبليس من البدء يخطىء. لأجل هذا أُظهر ابن الله، لكي ينقض أعمال إبليس.» (ايو8:3)
والمسيح هنا يتعقب الحرية ليوصلها إلى القداسة ثم إلى الله. ويتعقب الخطية ويوصلها إلى العبودية ثم إلى إبليس.
وهكذا فكل من يحيا حياة الإثم والتعدي, يكون قد فقد حرية الينين بالنسبة لله. ولا سبيل إلى إعادة حرية البنين له إلا بواسطة ابن الله, وذلك لأنه الوحيد الذي يرفع الخطية ويقدس، فيرفع يد إبليس عن المأسور، ويحرره ويعيده إلى حق البنين، وبالتالي يعيده إلى ميراث بيت الله، بمعنى الشركة في ميراث الابن.
وهكذا فإنه عوض أن كان الإنسان يفعل الخطة، أصبح يفعل الحق: «واما من يفعل الحق, فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة» (يو21:3). والمسيح يقدم نفسه لهم كابن الله، الذي جاء ليحررهم، بمعنى ينقلهم من عمل الخطية إلى عمل البر: «إن علمتم أنه بار هو, فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه» (1يو29:2)
وهكذا يوضع المسيح لليهود أمراً هاماً للغاية بالنسبة إلى هدف حياتهم الكلي: «يبقى في البيت إلى الأبد»، وسلوكهم المربوط بهذا الهدف. فالخطية تتسبب في فقدان هدف الحياة, أما هدف الحياة فهو العلاقة مع الله. وبولس الرسول يضع هذه المقارنة وجهأ لوجه: «أنتم عبيداً للذي تطيعونه, إما للخطة للموت أو للطاعة (للمسيح) للبر. فشكرا لله أنكم كنتم عبيدا للخطية، ولكنكم أطعتم من القلب ثورة التعليم التي تسلمتموها، وإذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدا للبر (أحراراً). (رو16:6-18)؛ «لأنكم لما كنتم عبيد الخطية، كنتم أحراراً من البر. فأي ثمر كان لكم حينئذ من الأمور التي تستحون بها الآن؟ لأن نهاية تلك الأمور هي الموت. وأما الآن، إن أعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله, أبناء, فلكم ثمركم للقداسة، والنهاية حياة أبدية.» (رو20:6-22)
فانظر أيها القارىء العزيز، كم كانت تحمل كلمة المسيح من العمق الروحي واللاهوتي والخلاصى بآن واحد، حينما قال لهم: «إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً»، وليست الحرية الكاذبة التي كانوا يفتخرون بها، وهم في الحقيقة كانوا عبيداً يعيشون في بيت الله اختلاساً، وكان طردهم وشيكاً، أما الابن (المسيح) فيبقى إلى الأبد كما يقول عنه بولس الرسول في سفر العبرانيين:.«وموسى كان أميناً في كل بيته كخادم شهادة للعتيد أن يتكلم به (أي المسيح), وأما المسيح فكابن على بيته. وبيته نحن، إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية.» (عب5:3-6)
ثم انظر أيضاً هذى الضلالة التي يقع فيها الإنسان الشارد عن الحق والله، حينما يقول ( أنا حر أفعل ما أشاء!)؛ أو حينما يقولون (إن الناس ولدتهم أمهاتهم أحراراً!)؛ أو حينما يفتخر أصحاب الأوطان بحرية أوطانهم, وهم يكونون وللأسف عبيداً للعالم الحاضر، وأسرى الخطية ومشورات الشيطان.
فالحرية الحقيقية إنما هي علاقة مع الله تنشىء حرية من ربط الخطية، وحرية النفس من الإنحرافات المريضة حتى ولو كانت الأرجل في المقطرة أو الأوطان تحت الإحتلال والسخرة. وهذا ما تكفل به المسيح على أعلى مستوى وأكمل وجه.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (34-36): “أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد. فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً.”
كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية= ليس إنسان بلا خطية ولكن المقصود هنا هو من يفضل الخطية ويختارها تاركاً طريق الله ويقيم عهداً مع الخطية، وتقوده شهواته. تبدأ الخطية بسقطة ثم يتعود الإنسان عليها فتصبح عادة فإستعباد. في البداية يظن الإنسان أنه يستطيع تركها في أي وقت، ومع الوقت يستعبد لها ولا يقدر أن يتركها، ويفقد الإنسان سيطرته على إرادته. والذي يفعل الخطية فهو يحيا حياة الإثم والتعدي، إذ ترتبط بالعالم ويفقد حريته ثم نفسه ويكون قد فقد حرية البنين وصار عبداً للخطية وإبليس يسيطر عليه ويتولى قيادته (1يو8:3). وبالتالي هي القداسة والعبودية هي الخطية. الحرية تقودنا إلى الله والخطية تقودنا إلى إبليس. والمسيح أتى ليحررنا من يد إبليس ويعيدنا إلى حق البنين وميراث بيت الله أي الشركة في ميراث الإبن. وهدف الحياة هو العلاقة مع الله، والخطية تجعلني أفقد هدف الحياة. وهناك حرية مخادعة حين يقول خاطئ “أنا حر أفعل ما أشاء” وهو في الحقيقة مستعبد للخطية. ولكن الحرية الحقيقية هي علاقة مع الله تنشئ حرية من ربط الخطية. الحق الحق أقول= هذا لا يقوله سوى الرب أما الأنبياء فكانوا يقولون “هكذا يقول الرب” أما المسيح فيتكلم بإسم نفسه. العبد لا يبقى في البيت إلى الأبد= الإبن له حق البنين في الميراث أمّا العبد فلا يقيم في بيت سيده إقامة دائمة مثل الإبن، فهو إمّا يهرب من نفسه أو أن صاحب البيت يطرده. وهكذا من إستعبد للخطية فإنه لا يقيم في ملكوت الله إلى الأبد. ومن يحيا تحت ظل أكثر القوانين حرية فهو مستعبد لو عاش في الخطية. أما لو حرره الإبن فهو سيتمتع بحرية حقيقية ويتمتع بميراث البنين. إذاً الحرية التي يتكلم عنها المسيح والتي جاء من أجلها هي أسمى من الحرية من الرومان التي يطلبونها. فبالحقيقة= ليس كحرية اليهود الزائفة أو حرية الخاطئ المزعومة الذي يزعم أنه بحريته يخطئ. ونلاحظ أنهم قالوا أنهم أولاد إبراهيم أهل بيت الله والمسيح قال لن تبقوا في البيت بسبب شروركم فالإنسان لا يبقى إبناً لله وللخطية بآنٍ واحد. وهناك من يحيا في بيت الله بروح العبيد طالباً أجرة (كالأخ الأكبر للإبن الضال). هذا يترك بيت الله بسبب تجربة أو طلبة مادية لم تتحقق. إن حرركم الإبن.. تكونون أحراراً= مهما قلتم أنكم أحرار (سياسياً أو وطنياً). لكنكم محتاجين للحرية من الداخل. وهذه لا تأتي سوى بالمسيح المخلص، فهو وحده يفك الإنسان من أسر الخطية والشيطان. هو يربط القوى الذي ربط الإنسان.