يو4: 4 وكان لا بد له أن يجتاز السامرة
“وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ.” (يو4: 4)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“وكان لا بد له أن يجتاز السامرة”. (4)
كان لابد أن يجتاز السامرة، لأنها تقع شمال اليهودية بين البحر العظيم والجليل والأردن، فلا يمكن العبور من أورشليم (اليهودية) إلى الجليل دون العبور على السامرة. هذه الرحلة تحتاج إلى ثلاثة أيام سفر.
السامريون من أصل يهودي سواء من جهة الدم أو الديانة؛ عندما سبى ملك أشور إسرائيل ترك الفقراء في الأرض. وقد حدث مزج بين الأصل اليهودي والجنسيات الأخرى خاصة الآشوريين، قام بتدبيره بعض ملوك أشور مثل شلمنصر (٢ مل ١٧)، كما حدث خلط بين الديانة اليهودية وعناصر غريبة وثنية. تمسك السامريون بأسفار موسى الخمسة وحدها. وبنوا هيكلاً على جبل جرزيم مقابل هيكل سليمان في أورشليم، وحسبوا شكيم وليست صهيون هي بيت أيل أو بيت الله. كانوا أيضًا يمارسون الأعياد اليهودية الكبرى: الفصح والبنطقستي والمظال ويوم الكفارة. إلى الآن يقدمون حملاً أو أكثر على جبل جرزيم في عيد الفصح.
كانت السامرة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين، يرى إدرزهايم أنها تبلغ 47 ميلاً من الشمال إلى الجنوب و40 ميلاً من الشرق إلى الغرب، تحدها اليهودية في الجنوب والأردن من الشرق وسهل شاردن من الغرب وسهل يزرعيل (الجليل) من الشمال، وقد استولت على أرض سبطي منسي وافرايم. وهي أجمل أراضي المنطقة وأخصبها، تضم العاصمة وهي مدينة السامرة (عاصمة إسرائيل) وبعض المدن القليلة.
جاء السيد المسيح ليلقي بذرة الإيمان الحي في تربة السامرة التي تقبلت الكلمة بالإيمان لا بالمعجزات خلال المرأة السامرية التي يروي لنا الإنجيلي قصة لقائها مع السيد. وهي قصة فريدة حيث يلتقي بها السيد، وهي شبه أممية، ويحاورها ليخرج بها من خصوصياتها المشينة إلى العمل الكرازي، فتجتذب مدينة بأسرها في لحظات قليلة وتقودهم إلى مخلص العالم.
أبرز السيد اهتمامه بالسامرة والسامريين، فمدح الأبرص السامري غريب الجنس، الذي وحده دون التسعة اليهود البرص عاد ليشكر السيد على تطهيره له (لو 17: 15-18). كما قدم لنا مثل السامري الصالح الذي تحرك قلبه بالحب العملي ليهتم بجريح يهودي أكثر من الكاهن اليهودي واللاوي (لو 10: 33-36). وأخيرا قبل صعوده وضع علي عنق الرسل الالتزام بالخدمة في السامرة: “تكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع 1: 18).
فتح الرب الباب للسامرة وكل الأمم، لذلك إذ حدث “اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل” (أع 8: 1). استقبلت السامرة بعض المؤمنين في العصر الرسولي المبكر. ويروى لنا لوقا البشير عن كرازة فيلبس الرسول في مدينة السامرة”،وكان الجموع يصغون بنفس واحدة إلى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الآيات التي صنعها… فكان فرح عظيم في تلك المدينة” (أع 8: 5-8).
أرسل أيضا الرسل الذين في أورشليم إلى مؤمني السامرة بطرس ويوحنا ليصليا لهم لكي يقبلوا الروح القدس، فوضعا الأيدي عليهم وقبلوا الروح القدس (أع 8: 14- 17).
v لم يمضِ إلي الجليل بلا هدف، وإنما لينجز أمورًا هامة معينة بين السامريين… بحكمة خاصة به… مظهرًا أنه قام بهذا العمل العرضي أثناء الرحلة. وذلك كما فعل الرسل أيضا، فعندما اضطهدهم اليهود ذهبوا في الحال إلى الأمم، هكذا المسيح أيضا عندما طرده اليهود التقى بالسامريين، وهكذا فعل مع المرأة الفينيقية. هذا كله حدث حتى لا يكون لليهود عذر، ولا يمكنهم القول: “لقد تركنا وذهب إلى أهل الغرلة”. لقد وجد التلاميذ لأنفسهم عذرا، قائلين: “كان يجب أن تكلموا أنتم أولاً بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحًكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجه إلى الأمم” (أع 13: 46). عندما طردوه، فتحوا بابا للأمم. لم يذهب إلي الأمم فورًا وإنما أثناء عبوره.
تفسير الأب متى المسكين
4:4 وكان لابد له أن يجتاز فى السامره
«وكان لابد له» تفيد نوعاً من الام ستعجال أو, وهو الأصح, نوعاً من الإلتزام, لذلك نرى المسيح يتخذ طريقه من داخل السامرة مع أنه طريق شاق وحار (صيفاً)، بالإضافة إلى أنه محظور نوعاً ما بسبب كراهية اليهود من الإختلاط والسير في أرض السامرة واحتمال تعدي أهل السامرة على المارين أحياناً. أما الطريق الأخر الأسهل فكان من غرب الاردن ينطلق شمالاً حتى إلى الناصرة. وان كان يبدو للباحث العادي أن هذا الاختيار هو وليد الحاجة إلى الإسرع في مغادرة اليهودية، ولكن الحقيقة التي كان يعلمها المسيح هي أنه كان ملتزماً بمهمة، فقد كان عطشاناً إلى ماء السامرة كعطشه على الصليب من أجل الخطاة. وكان طريق اليهودية إلى الجليل عبر السامرة يستغرق ثلا ثة أيام, بحسب يوسيفوس المؤرخ اليهودي.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (4): “وكان لابد له أن يجتاز السامرة.”
الطريق عبر السامرة شاق وحار ومحفوف بالمخاطر بسبب عداء السامريين لليهود وتعديهم على المارة منهم. وكان هناك طريق آخر من شرق الأردن شمالاً للناصرة. لابد له أن يجتاز= ليؤمن أهلها. فالمسيح أتى وتجسد لهذا السبب. (وكان اليهود يتحاشون المرور بالسامرة أيضاً حتى لا يتنجسوا).