متى نبلغ الحرية، حرية البنين؟
متى نبلغ الحرية، حرية البنين ؟ وكيف نحس بها ونمارسها ؟
أو بعبارة أخرى هل لحربنا الروحية مع إنساننا العتيق نهاية محددة نصل إليها فنكون قد وصلنا إلى حرية البنين؟ أو هل يوجد وقت نغلب فيه الخطية نهائياً؟ القديس يوحنا الرسول يوضح ذلك بكل صراحة “إن قلنا إنه ليس لنا خطية نُضل أنفسنا وليس الحق فينا” ( 1يو 1: 8) . فكأنما يريدنا الرسول أن نتعلم حقيقة هامة تختص بحياتنا الجديدة في إنساننا الجديد، وهي أن صراعنا مع جسد الخطية أو الإنسان العتيق أمر حتمي ولن يكون له نهاية وأنه في أية لحظة نعتبر أنفسنا أننا قد غلبنا الخطية نهائياً يكون ذلك معناه أننا لسنا على حق وأننا نضل أنفسنا بهذا الشعور المخادع.
ثم يعود الرسول و يعطينا ضمان العهد الجديد ضد الخطيئة الذي يلغي كيانها : “يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ، ليس الخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً” ( 1يو 2: 21). (ولكن يعود القديس يوحنا الرسول ويستثني نوعاً من الخطايا أسماها “خطية للموت” ليس لأولاد الله أن يخطئوا فيها . وسيأتى الكلام عنها ) .
فإذا كانت الخطية ( بنوعها المغفور) هكذا تترصدنا مدى الحياة، فمتى نحصل على حرية البنين وكيف نحسها؟
هنا يلزمنا أن نستعرض عدة حقائق حتى نبلغ إلى كمال الإجابة على هذا السؤال:
فأولاً : ينبغي أن نعلم، كما قلنا ونكرر أننا لسنا الآن عبيداً نريد أن نتحرر، وإنما بنينا الله نطالب بحريتنا التي أصبحت حقاً من حقوقنا وطبيعة من صميم طبيعتنا الجديدة .
هذه البنوية هي حق أو حقيقة مختومة أخذناها بالإيمان بإبن الله وجحداً للشيطان بكل أعماله، و بصبغة المعمودية وانسكاب الروح القدس بالميرون والشركة المقدسة في جسد ابن الله ودمه.
إذن فنحن بنين لله وأولاد بالروح القدس. فإن كنا بعد ذلك نخطىء، فمعناه أن حريتنا البنوية أو حريتنا الروحية معطلة جزئياً، ولكن ليست منعدمة أصلاً.
ثانياً: إن كل مرة نعمل فيها مشيئة الآب بصلاة ، أو توبة، أو بذل محبة ، أو إنكار ذات لخدمة الآخرين، أو جهاد ضد شهوة الذات وغرورها أو بصوم أو تذلل ، أو تناول باعتراف وانسحاق وشكر؛ فإننا نكون في كل هذا نمارس طاعة الله حقيقية، لأننا إنما نعمل عمل الله ونتمم وصاياه .
إذن، فنحن في هذه الأعمال كلها إنما نمارس عمل البنين بحرية أولاد الله حقاً، ونتذوق حالة حرية حقيقية، حرية روحية، ولو جزئياً.
ثالثاً : إن ممارستنا لحالة الحرية الروحية كأولاد الله أثناء تأدية أعمال الله بروح البنين وطاعتهم تجعلنا في الحقيقة واقعين في دائرة ملكوت الله ، والذي دعانا إلى هذا الدخول هو الآب نفسه الذي سكب روح الإبن في قلوبنا حباً وكرامة للمسيح أبنه ، ليسهل علينا التحرك من ظلمة العبودية إلى نور أولاد الله “شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملکوت آبن محبته.” (کو 1: 12-13)
رابعاً : دخولنا في دائرة ملكوت الله والنور سيكشف لنا حتماً أكثر فأكثر مقدار شناعة الخطية والظلمة المحيطة بها التي اعترضتنا سابقاً والتي تعترضنا كل يوم، وهذا مما يزيد شعورنا بالنقص والحرمان الأكيد من حرية البنين .
هنا مواجهة صارخة بين موقف الإنسان الجديد في نور الله القائم في طاعة المحبة وتأدية عمل البنين كإبن الله حرّ في بيت الله ، وبين موقف الإنسان العتيق وهو يحاول أن يتهرب من نور الله و يضحي بحرية البنين ليكمل عمل العبودية للظلام الذي اعتاده والذي أصبح مكرهة للإنسان الجديد .
هنا نكون في حالة اختباء من وجه الله وليس طرداً من فردوس رحمة الله . «سیروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام» (يو 12: 35).
خامساً : هنا ينبري لنا المسيح رأس خليقتنا الجديدة، ليدعم موقف الإنسان الجديد لدى الآب ضد حركة عصيان الإنسان العتيق المنعطف دائماً ناحية الخطيئة والإختباء، شكراً الله ، فالإنسان الجديد فينا أي الطبيعة الجديدة لأولاد الله ، أصبح لها مَنْ يدعم مـوقـفـهـا أمام الله الآب بصورة مستمرة ويخرجها دائماً من الظلمة إلى النور، و يكمل عجز ممارستها لكمال حرية البنين لتبقى دائماً أبداً أمام الله في حالة صلح وسلام وتبرير.
المسيح هو لنا بحد ذاته – حالة تكميل طاعة كلية للآب، وضامن حالة فداء ومصالحة أبدية ؛ إذا تمسكنا به بالإيمان والرجاء عن ثقة المحبة، وإذا كنا نمارس وصاياه كبنين .
وهكذا ننتهي إلى هذه الحقيقة :
+ إننا دائماً خطاة، ودائماً محتاجون إلى توبة صادقة واعتراف بالخطايا، حتى ننال عنها غفراناً بالدم المسفوك عنا .
+ كل مرة نخطىء نفقد رؤيتنا الله الآب، لأن الخطية مظلمة؛ ونفقد إحساسنا بالحرية كبنين، لأن الخطية عبودية ؛ ونفقد شجاعتنا لكي نتراءى أمام وجه الله ، لأن الخطية عداوة .
+ كل مرة نعترف بخطايانا يغفرها لنا المسيح بدمه، ولكن تبقى عيوننا معتمة ولا نرى أننا داخلون دائرة الملكوت .
+ إذا مارسنا أعمال البنين من محبة باذلة وخدمة باذلة وإنكار ذات وتمجيد الآب، وتأهلنا للإشتراك في الجسد والدم ؛ نعود إلى حالة الحرية، حرية البنين، وتذوقها بالفعل، ولكنها تظل حالة حرية ناقصة لعمل النور الكامل بسبب الإحساس المتواصل بالخطية، فكأنها طعام حلو ممزوج بمرارة.
+ إذا واصلنا جهاد أعمال البنين، وحفظنا وصايا يسوع وأهمها المحبة، ينبري لنا المسيح ليكمل كل عجز وكل نقص في عملنا كبنين الله ، وبالتالي يكمل لنا كل نقص في إحساس حريتنا كبنين، ويحضرنا أمام الآب في النور مرة أخرى بلا لوم في المحبة.
إذن ، شكراً الله الذي جعلنا بالإيمان بدم المسيح مغفوري الخطايا، وبأعمال الإيمان والمحبة حسب الوصية نذوق حرية أولاد الله ، وبالمسيح تكمل حريتنا كمالاً مطلقاً، فنسير في النور ونبقى فيه ونتراءى أمام وجه الله الآب بلا لوم في المسيح.