ميمر الشعانين

للأنبا بولس البوشي 

عظيمة هي تدابيرك أيها الرب الإله المسجد في قديسيه . لا يقدر لسان بشرى أن يصف كنه أعمالك أو يترجم حسن أفهامك الباهرة . إلا أني أرسل بجداً ووقاراً وإكراماً وسجوداً لاسمك المرهوب ، أيها المسيح ذو المجد والجلال ، وأسألك أن تفتح فمي لأنطق ببهاء عزتك .

أعطنى فهماً أيها المسيح الذي أعطى التسبيح للأطفال لكى أسبح معهم عظم بهائك ، هب لى قولا يا عمانوئيل إلهنا لكى أصرخ مع الذين خرجوا بسعف النخل للقائك وأقول : مبارك الآتى باسم الرب وهو عتيد أن يأتى . لك المجد في الأعالى من فوق وعلى الأرض من أسفل : أنا أرتل اليوم مع داود النبي وأصرخ وأقول : تعترف للرب أعماله وعجائبه في بني البشر .

استعلت أيها المسيح الرب من بعد العماد في نهر الأردن لخليقتك . وأظهرت أعمالك لبريتك عندما ظهرت متجسداً كمشيئتك ، وأظهرت أعمالا لائقة بلاهوتك ، ليعلم كل أحد أنك إله متجسد لانك بأعمالك التي كانت بقوة وسلطان دعوت أميين ليكونوا مبشرين ، وعن كل حكمة وفهم وهبت لهم !

الماء في عرس قانا الجليل ببركتك خمراً جعلت . والبرص عندما سألوك الشفاء بمشيئتك طهرت . باسمك البحر أمام تلاميذك هدأت . وفي دفعة واحدة لسفينتين سمكا ملات . ولابن قائد المائة بكلمة من فمك عافيت . ولحماة بطرس من الحمى أنهضت. ولنازفة الدم عندما لمست طرف ثوبك أبرأت، ولابنة رئيس الجماعة أحييت . وللعازر بعد أربعة أيام في القبر دعوت . ولابنة الأرملة في نايين أقمت ! ! للشياطين من القوم المعترين بانتهار طردت ، ومخلعين حملوا أسرتهم بأمرك ولخطاياهم غفرت . ولأصناف الأمراض بقوة لاهوتك أبرأت، وللخطاة والعشارين بمراحمك تحننت وقبلت . ولأعين المولودين عمياً أضأت ، ولآذان الصم فتحت ولأيدي العسم مددت ، وعلى الذين هم كمثل خراف لا راعى لهم تحننت . وبأمثال كثيرة لأجل خلاصنا تكلمت ، ومن خبز يسير الألوف من الناس أشبعت . وعلى المياه السائلة في طبعها مشيت ، و تحت أقدام بطرس تلميذك ثبت . والرياح العاصفة بانتهارك سكنت ! !

ومجد لاهوتك على طور طابور أمام رسلك أظهرت ، ودراهم من فم سمكة في لجج البحر أخرجت . وللخاطئة التي دهنت قدميك بالطيب سامحت ، ولشجرة التين التي لم تثمر للوقت أيبست ، وللضالين أرشدت وهديت ، وعلى الشعب العاصي صبرت و تأنيت، و للذين أطاعوا أمرك رفعت و محدت، وبالحياة المستأنفة والملكوت العتيد أعلنت، وعن العذاب الدائم والجحيم المعد للخطاة أخبرت ، ولأجل بحيثك واستعلانك الثاني وحكمك المرهوب نطقت وأنذرت ، وفي كل شيء يؤول إلى نفعنا أوصيت وكرزت . وعن أنواع الخطايا نهيت وحذرت ! ! 

ولما أكمل الرب الإله له المجد هذا بأسره ، شاء أن يتم بقية ما تنبأ به الأنبياء ليكمل الغاية في الخلاص بموته المحيى ، كما سبق وأخبر رسله الأطهار . هـذا الذي به يمزق كتاب خطايانا . وبصوته تنشق الصخور ، وتنفتح القبور ، وينهض الأموات ، وتضطرب العناصر ، ويمنى إلى النفوس المحبوسة ، ويحطم متاريس الحديد ، وبكسر أبواب النحاس ، ويقول للذين في الحبوس اخرجوا ، والذين في الظلام أنظروا ، كما تنبأ بذلك أشعياء النبي ، ثم يسبى من في الجحيم ويفتح الفردوس ، ويبطل مخاض الموت بقيامته المقدسة ، ويثبت لنا رجاء القيامة ويصعد جسد بشريتنا الذي كان أسفل في التراب إلى أعلى السموات فوق كل الرؤساء والقوات.

ثم يرسل موهبة روح قدسه على رسله الأطهار ليبشروا به أفطار الأرض . فلم يكن اكتمال هذا جميعه إلا بالامه المحيية ! !

حينئذ صعد إلى أورشليم قائلا : إن ابن الانسان لابد أن يسلم إلى أيدى الأمم ويقتلونه ويقوم في اليوم الثالث . وكان يقول هذا علانية وكان صعوده إلى أورشليم في يوم الأحد التاسع من الشهر الهلالي الذي في الرابع عشر منه يذبح الخروف الذي عمله الرب يوم الخميس في تلك السنة . وذلك أنه مكتوب في الناموس إن الرب كلم موسى في مصر قائلا, هكذا كلم جماعة بني إسرائيل أن يشترى كل منهم خروفاً على قدر عدد بيته ويكون حولياً لا عيب فيه ويحفظ عندهم من العاشر في الهلال إلى الرابع عشر منه ليذبح عند المساء . . فلهذا صعد الرب إلى أورشليم ليكون هناك في العاشر من الهلال وهو اليوم الذي يحفظ فيه الخروف عندهم كما أمر في الناموس لأنه هو الحمل الحقيقي الذي لا عيب فيه كما تنبأ إشعياء ! ! وهو حمل الله الذي يحمل خطايا العالم كما شهد يوحنا . وهو بلا عيب وحده كامل وفى كل زمان موجود . لأن الخروف الحولى لم يكن في وقت من أدوار السنة إلا وهو موجود فيه ، فهو موجود في الشتاء والربيع والصيف والخريف . ويرمز بهذا المثال أن الرب لم يكن هناك وقت قبله ، بل هو كائن في كل الدهور ومكث محفوظاً بإرادته في أورشليم الموضع الذي فيه يكمل التدبير ، من يوم الاثنين العاشر من الهلال إلى يوم الجمعة الرابع عشر منه . وهو اليوم الذي فيه يذبح الفصح . صنع الرب أولا المثال ، ثم أعطى رسله للوقت الحاضر الكمال ، الذي ، جسده المقدس ودمه الكريم قائلا : هذا هو عهد جديد اصنعوه لذكرى . إلى أن أجيء ( 1كو11: 25، 26) . أعنى أن القديم قد زال لأنه كان مثالا فقط للعهد الجديد الذي به تكون الغاية . 

وكان صعوده إلى أورشليم متواضعاً كما يليق بجميع تصرفه ! ! راكباً على حمار كما هو مكتوب : لا تخافى يا ابنة صهيون ، هوذا ملكك يأتيك متواضعاً راكباً على جحش ابن أتان . وفي هذا معنى آخر ، وذلك أن الناموس يقول عن الحيوان الطاهر والحيوان النجس هكذا : إن كل دابة لا تجتر وظلفها ملظوم ( غير مشقوق) في نجسة . فأما الجمل فإنه يحتر ، ولكن ظلفه ملظوم فهو نجس . وهذا مثال على اليهود لأنهم يعترفون بالناموس العتيق ، وهو يشهد للعهد الجديد ولم يقبلوه . لأجل ذلك هم أنجاس . وكما أن خف الجمل نجد فيه من أعلاء علامة أنه مفروق . ومن أسفل مدور ملظوم غير مفروق . فلهذا قال الناموس إنه نجس . وكذلك اليهود نجد عندهم العهد العتيق . وفيه علامة شهادة الأنبياء ترمز للعهد الجديد . ومع فلم يقبلوه فهم أنجاس حيث لم يقبلوا الشريعتين . لأن الأولى لم تكن بها الغاية بل الثانية بها التمام والكمال.

أما الخنزير فقال الناموس عنه إنه مفروق الظلف . لكنه لا يحتر فهو نجس . وهذا المثال على الذي يقبل العتيقة والجديدة . ولكنه لم يعمل بها وهو سالك ضد الوصية . وهو يقبل الشريعة بالقول ويبطلها بالفعل . ويعقوب الرسول يقول إن الأمانة بغير عمل ميتة . فلهذا يكون مشجو با ما دام في العصيان لكن إذا تاب و عمل بالوصية غفر له . لأن البذرة المباركة في غنى الإيمان موجودة فيه كما قال أشعياء النبي ، لكن هنا نرى الإيمان ناقصا من الجهتين معاً لأنه لم يحتر ، وهو منظوم الظلف . وهذا المثال على الأمم عبدة الأوثان . لأنهم لم يعرفوا العتيقة ولا الجديدة. ولم يفهموا شيئاً من الوصايا لكي يعملوا بها . وهؤلاء الأمم “سر” الرب أن يدعى اسمه عليهم بالإيمان ويبررهم مجاناً! ! .

و كما أرسل الرب تلاميذه فحلوا الأنان والجحش ابن الأنان وهما مر بوطان خارجا عن الطريق ، ولكونهما حيوانيين لم يقصدا من ذاتهما شيئا من ذلك كذلك أرسل تلاميذه فبشروا الأمم وحلوهم من وثق الشيطان ، من حيث لم يفهموا . ذلك لأن عقولهم كانت بهيمية ، وكانوا خارجين عن طريق البر ، لكن الله علم أنهم يقبلون الحق ويذعنون للايمان إذا عرفوا به . وكما شهدت النبوة بركوب ربنا للأنان ، كذلك حققت نبوات الأنبياء بدخول الأمم إلى الإيمان . كما هو مكتوب في هوشع النبي سأدعو الذي ليس شعبى شعبى والتي ليست محبوبة محبوبة ، ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبى ، أنه هناك يدعون أبناء الله الحي ( رو 9: 25). وداود يقول ، سبحوا الرب ياجميع الأمم ومحدوه يا جميع الشعوب ، . وإشعياء يقول إنه سوف يكون ليسى أصل ثابت والذي يقوم منه يكون رئيساً على الشعوب ، وإياه ترجو الأمم . وكثير مثل هذا قد تنبأ به الأنبياء .

قال الانجيلي، والجمع الذي تقدمه والذي يتبعه يصرخون ويقولون أوصنا مبارك الآتى باسم الرب مباركة ملكة أبينا داود الآتية باسم الرب . أوصنا في الأعالي ، ( مر 11: 9 ) وتفسير أوصنا في اللسان العبراني أي خلصنا.

قال : وقوم فرشوا ثيابهم في الطريق وهذا المقال على الشهداء الأبرار الذين بذلوا أجسادهم صبراً على الاعتراف باسمه القدوس ! ! قال وقوم قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوا ثيابهم في الطريق . وهذا المثال صنعه القديسون ، والقوم الصالحون المؤمنون الذين زينوا الطريق أمام الرب بأعمال الفضيلة ! ! قال : ولما دخل أورشليم ارتحت المدينة كلها . أعنى لما عاينوا من القوات التي صنع ولأجل كثرة التمجيد الذي كان بأصوات عظيمة .

ثم دخل إلى الهيكل فبدأ يخرج باعة البقر والغنم والحمام والصيارفة لكى يعلمنا أن بيعة الله لا يكون فيها شيء من التشاغل العالمي الذي يضاد حسن العبادة بل يجب أن تكون مثل السماء للتسبيح والتقديس والصلوات ، كما علمهم قائلا, مكتوب إن بيتي بيت الصلاة يدعى ، ..

وقدموا إليه في الهيكل للوقت عميانا وعرجا فشفاهم ليثبت كلمة التعليم بقوة الآيات والعجائب . ثم أعطى فهما للأطفال لكى يسبحوه ، ، ليبكت بهم مشايخ الشعب الذين عميت قلوبهم عن معرفة الحق ، كما أنتخب أميين وبكت بهم الحكماء ، وضعفاء وقهر بهم الأقوياء . أما الفريسيون المحبون للمجد ، ورؤساء الكهنة الذين يعظمون أنفسهم ، فقد حسدوه لأجل كثرة التسابيح والقوات مع توافد الشعب إليه فقالوا له بحنق : أما تسمع ما يقوله هؤلاء ؟!! فذكرهم بالمكتوب لكى يجذب عقولهم برفق كمثل صالح ومتحنن قائلا : أما قرأتم أن من فهم الأطفال والرضعان أعددت سبحا! ! ولكنهم لشدة عتوهم وغلظ قلوبهم تمادوا في شرهم قائلين فيما بينهم أما تنظرون أنكم لم تعرفوا شيئا . هوذا العالم قد تبعه ، ولم يحسدوه على احتفال الشعب به فقط ، بل ومن أجل تلاميذه خاصته أيضاً عندما مجدوه . فقالوا له بمكر وحسد يا معلم انتهر تلاميذك ليسكنوا . فأعلن لهم ما هو مزمع أن يكون قائلا : الحق أقول لكم إن سكت هؤلاء فالحجارة تنطق ! !

وقصد بالحجارة الأمم الذين كانت قلوبهم حجرية بعبادة الأوثان ، كما تقدم القول فصاروا خلفاء للتلاميذ بالإيمان . وصاروا من بعدهم ناطقين بالإيمان . ومعلمين للبيعة . مفسرين لقول الرسل والأنبياء فبنوا على أساسهم حجارة مقدسة كريمة ! ! فكان منهم شهداء قديسون ، وأبرار صالحون لا يحصون . هؤلاء بحق الذين زينوا الطريق المستقيم أمام الرب بكل نوع صالح وبها. وحسن وصار تذكارهم دائما إلى الأبد . فيجب علينا أن نجد سيرتهم ، ونغار من فعلهم في عمل الخير ، كما يقول الرسول تغايروا في المواهب الفاضلة . و نقتفي آثارهم و نقتدى سبلهم . وإن كنا لا نقدر على خلع الثوب الذي هو بذل الجسد حتى الموت على اسم الرب فلا نتخلى ونكون بطالين بل تلقى أغصاناً من الشجر أمامه في الطريق الذي أرانا بنفسه ، الذي هو عمل الفضيلة حسب قوتنا ما دام لنا زمان ومهلة ، ونصرخ أمامه ليس بكلام متفلسف ، بل بأصوات الأطفال الذي هو باتضاع قلب عديم الشر والمسكر . كما يعلمنا الرسول قائلا : لا تكونوا أطفالا في آرائكم بل كونوا أطفالا في الشر . وتتبع آثار الرسول وأصرخ و نقول مبارك الذي أتي وهو عتيد أن يأتى باسم الرب مبارك في العلا وعلى الأرض السيد الملك الأبدى . ولنصنع رحمة مع إخوتنا كي يتحنن الرب علينا و لنرجع عن ظلمنا واغتصابنا لكي نسمع الصوت مع زكا القائل اليوم وجب الخلاص لأهل هذا البيت . لنخرج من المحلة للقائه الذي هو الخروج من الأمور العالمية ولا نخرج بطالين بل نخرج بهيين مجتهدين وبأيدينا سعف النخل الذي هو عمل الفضيلة التي تنمو دائما إلى فوق لكى يقبلنا إليه . ونتنعم بمجده كما هو مكتوب في الأنبياء اخرجوا من بينهم وافترزوا منهم وأنا أقبلكم يقول الرب وأكون لكم أبا وتكونون لي بنين وبنات . لنحفظ أجسادنا طاهرة لأنها هياكل الله وأنفسنا نقية لأنها كصورته . لكى نتفق مع القوات العقلية في التسبحة الروحانية . لنصنع صلحاً وسلاماً مع بعضنا لكى يعطينا الرب السلام الذي أعطاه لرسله الأطهار ، لنصعد معه من أريحا إلى أورشليم ، الذي هو صعود العقل من عالم الآثام إلى الإرتقاء لأورشليم السمائية مدينة الأطهار ، حيث مجد الملك الأبدى المسيح الرب الكائن مع كافة قديسيه . لنطلب إليه بابتهال مع الأعمى الذي كان جالساً على الطريق الصائرة من أريحا إلى أورشليم التي هي طريق بدء العمر الحاضر ، نطلب أن يضىء أعين قلوبنا وأن يساعدنا على العمل برضاه ويكفينا تجارب العدو المناصب ، ويغفر ما سلف من خطايانا ، ويحرس حياتنا ، ويسامحنا بهفواتنا ويرزقنا رحمة في حكمه المرهوب ويجعلنا مستحقين سماع ذلك الصوت المملوء بجداً وفرحا القائل : . تعالوا إلى يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم ، بشفاعة سيدتنا القديسة البتول مريم والدة الخلاص ، وكافة الرسل الأطهار والشهداء ، والقديسين الأبرار . آمين .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى