رؤ2: 14 لكن عندي عليك قليل. أن عندك هناك قومًا متمسكين بتعليم بلعام…
“وَلكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ قَلِيلٌ: أَنَّ عِنْدَكَ هُنَاكَ قَوْمًا مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ، الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقِيَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، وَيَزْنُوا.” (رؤ2: 14)
+++
تفسير أنبا بولس البوشي
من الرؤيا: قال: «اكتب إلى ملاك كنيسة برغاموس، هكذا يقول صاحب السيف ذي حدين، قد عرفت أنك موضع كرسي الشيطان، وأنك متمسك باسمي ولم تجحد الإيمان بي، وأنك قد ثبت في الأيام التي قتلوا فيها الشاهد الأمين. ولكن عندك أسماء قلائل قد تمسكوا بتعليم بلعام، الذي علم بالق، أن يلقي الشكوك أمام بني إسرائيل، ليأكلوا ذبائح الأصنام ويزنوا. وهكذا عندك قوم متمسكين بأعمال الشعوب، فإن لم تتب وإلا أنا آتي إليك، وأجازيك بسيف في، من له أذنان سامعتان فليسمع، ما يقوله الروح للكنائس. الذي يغلب أنا أعطيه من المن المخفى، ولباساً أبيض وعليه اسم جديد مكتوب لا يعرفه إلا الذي أخذه» (رؤ2: 12-17).
التفسير: أمر رئيس كنيسة برغاموس قائلاً: «هكذا يقول صاحب السيف ذي حدين»، يعني نفاذ كلمته الماضية، كما يقول الرسول بولص. وقوله: «قد عرفتُ أنك موضع كرسي الشيطان»، غني بقية القوم الذين عندهم فضلة عبادة الأوثان، لأن حيث يكون بربا الأصنام، يكون كرسي الشيطان بلا شك. وقوله: «إنك متمسك باسمي» يعني القوم المؤمنين الثابتين في وسط الكفر، بلا ارتياب.
وأما قوله: «إنك ثبت في الأيام التي قتلوا فيها الشاهد الأمين» عني بهذا (الذي ثبت) خاصة الإنجيلي يوحنا، رأس السبع كنائس المُشار إليها، لأنهم مساهموهم في الوصية، هذا الذي ثبت بجلد ومحبة عند صلبوت الرب دون كافة إخوته الرسل، حتى نظر الغاية. وسمّى الرب ذاته «الشاهد الأمين»، وهكذا أيضاً سمّاه رسوله بولص قائلاً: «الذي شهد قدام بيلاطس شهادة حسنة، جاءت في وقتها»، وذلك أنه قال لبيلاطس إن «مملكته ليست عالمية تزول بل أبدية تدوم»، وأنه «لهذا ولد وجاء إلى العالم»، عني أنه كائن منذ الأبد، قال: «لكيما أشهد بالحق، وكل من هو من الحق يسمع صوتي». وقال لرئيس الكهنة ومجمع اليهود: «إنكم من الآن ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة آتياً على سحاب السماء»). وحتى إلى وقت إسلام النفس أعلن ذاته أنه ابن الله، عندما صرخ بصوت عظيم: «يا أبتاه في يديك أسلم روحي». وإنما أعلمنا بهذا أن نموت على الحق، ولا نرتاب في شيء ولا نميل إلى الباطل. (وقد) اتّبع أثره الشاهد الفاضل أول الشمامسة استافائس مقدم الشهداء، عندما أقاموه في المجمع وشهدوا عليه بالزور أنه يجدف على الناموس)، فلم ير ذلك الفاضل أن يقتل على هذا الظن الرديء، فابتدأ من إبراهيم رأس الآباء وتحض المعنى أولاً فأول إلى موسى واضع الناموس، (بل) وإلى أيامه، بوجيز من القول. ثم أعلمهم أخيراً أنهم (هم) الذين لم يحفظوا الناموس، بل (وأنهم) مقاومون للأنبياء، ولم يقبلوا مجيء البار القدوس الذي شهدت له الأنبياء، فإنهم لم يزالوا في كل زمان وحين مقاومين للروح القدس، وأنهم قبلوا الوصية ولم يحفظوها، فلهذا مات على شهادة الحق وصار أول الشهداء.
وقوله: «عندك أسماء قلائل قد تمسكوا بأعمال الشعوب» أعني بقية عبدة الأوثان، فإذا لم يتوبوا، فهو يأتي عليهم بالموت سريعاً ويهلكهم بكلمته، التي هي أحد من سيف ذي حدين. ثم كرز لكل البيع: «من له أذنان سامعتان فليسمع» ليعلمنا أن الأمر واصل لكل المؤمنين.
وقوله: «الذي يغلب أنا أعطيه أن يأكل من المن المخفى» أعني ليس كالمن المحسوس الذي أكله بنو إسرائيل الجسدانيون وماتوا، لأن ليس به الغاية. قال: «ولباس أبيض وعليه اسم مكتوب» لم يعن لباسًا محسوسا، بل ضياء نفوس الصديقين وأجسامهم معا في القيامة الجامعة، كما شهد قائلاً: «إن الصديقين يضيئون مثل الشمس في ملكوت أبيهم»، وقوله: «إلا الذي أخذه» كالمكتوب أنه: «لم تر عين ولم تسمع به أذن ما أعده الله لمحبيه»، وبحق أنه يزيد يزيد عن الوصف، فلهذا لا يعرف تلك الكرامة على التحقيق إلا الذي ينالها.
تفسير ابن كاتب قيصر
13- (12) واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في برغامس هذه التي يقولها من له السيف الذي يضرب بفمين (13) إنني أعرف أين كنت حيث كرسي الشيطان كائن فيه واعتقدت باسمى ولم تجحد إيماني في الأيام التي قاومت الشهيد الأمين الذي قتل عندكم حيث الشيطان كائن فيه (14) لكن ثم لي أسماء أخر قلائل عندك متمسكون بتعاليم بلعام الذي كان علم بالاق أن يلقى شكا أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ذبائح الأوثان ويزنوا (15) هكذا أنت متمسك بتعليم المشاغبين (16) فتب لئلا آتيك سريعا وأحارب معهم بسيف فمی (17) من له أذنان أن يسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس ومن يغلب أنا أعطيه من المن المخفي وأعطيه فصا أبيض وعلى الفص اسم جديد مكتوب عليه لا يدركه أحد إلا من أخذه.
نعلم من ذلك أن ملاك كنيسة برغامس هو رئيسها . وأن السيف الذي يضرب بفمين رمز على قوة الانتقام الإلهية.
قوله : «إنني أعرف أين كنت حيث كرسي الشيطان كائن فيه» وكلمتا «أين» و «حيث» إشارة إلى بيت المقدس التي هي أورشليم الأرضية بدليل قوله بعد ذلك : «الشهيد الأمين الذي قتل عندكم حيث الشيطان كائن فيه» . وهذا الشهيد هو الرب يسوع المسيح له المجد ، ومقتله كان بأورشليم . وأما ذكره أنها محل الشيطان فظاهر لأنه ظهر للسيد عند التجربة هناك ، وأقام بها ووضع كرسيه فيها ، الذي هو رمز على استيلائه ، لأن أهم الأمور عنده في ذلك الوقت هو ذلك الصقع الذي فيه قام اليهود بتلك الفتنة النادرة في العالم وهي صلب سيد الكل ، وتأليب الرؤساء على الرسل والمؤمنين ، وكأنه يشير إلى أن هذا الرئيس قد آمن من جملة يهود أورشليم ، وأنه قبل إيمانه كانت له شركة في التشهير بالسيد المسيح ، ومقاومته مع متعمدي ذلك من اليهود الموجودين بها ، بدليل قوله : «في الأيام التي قاومت الشهيد الأمين» ، فکشف الوحي الإلهي عن سيرته الرديئة الأولى.
قوله : « واعتقدت باسمى ولم تجحد إيماني» إشارة إلى صبره بعد إيمانه وتمسكه ، واعترافه بالسيد المسيح ، وجهاده على الإيمان به . وقوله : «في الأيام التي قاومت الشهيد الأمين[4]، وما يليه ذكر الزمان بقوله في الأيام الفلانية بعد ما ذكر المكان من قبل ، لأن العادة في تحقيق الأمور ذكر مكانها وزمانها ، وذلك لتمام الإنباء والإخبار بما سلف وكان خفيا عن بقية السامعين الذي يقوم ذكره مقام الإخبار بمستقبل لاشتراكهما في الخفاء . ولما بين حاله قبل إيمانه وبعد إيمانه ، استدرك بأن قال : «لكن ثم لى أسماء أخر قلائل عندك متمسكون بتعاليم بلعام) الذي كان علم بالاق أن يلقى شكا أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ذبائح الأوثان ويزنوا » . فقوله : «أسماء أخر» ، أي غير أولئك المقاومين الذين كانوا بأورشليم لما كنت من جملتهم . وقد فسر تعليم بلعام ما هو ، وأنه تسبب في عبادة الأوثان والزنا ، لأن بالاق الملك لما خاف عسكر الإسرائيليين سير إلى بلعام العراف فأحضره ليلعنهم ، فأوحى إليه من جهة الله أن يباركهم ، واعتقد بسوء رأيه أن الله يرجع عن نصرتهم بالكلية ، فقرب قرابين وأصعد ذبائح فأنطق قهرا ببركتهم وأن لا يلعنهم أصلا . ولطمعه في الفضة التي هي أصل كل الشرور ، تخيل إذا علم بالاق الملك أن يزين نساء وتطلق في عسكر الإسرائيليين ، فإذا اعترضهم بنو إسرائيل آبوا عليهم حتى يأكلوا معهم ذبائح الأوثان ويواقعوهن ، فكان هذا سببا لغضب الله على الإسرائيليين . والأسماء يريد بها المسميين وهم أرباب البدع الذين كانوا بكل مكان يتعقبون آثار الرسل ويفسدون قلوب المؤمنين وأحوالهم ويدنسون عفة النساء . قوله : «هكذا أنت متمسك بتعليم المشاغبين » قد سری فساد هؤلاء المبتدعين في الآراء والأقوال والأفعال حتى بلغ إلى الرؤساء المعلمين.
وينبغي أن تفهم أن هؤلاء القوم لهم معنيان ، وكلاهما مموهان خادعان أحدهما : رأيهم المدعي الذي ينصرونه باستدلالهم ، والآخر : نفس استدلالهم وطريقهم فيه كما بينا ذلك متقدما . فانفعل هذا الرئيس وصغا(مال إلى) جميع قلبه واستسلم ادعوه ، فلذلك قال : « أنا متمسك بتعليمهم لا بطريقتهم في التعليم . »
قوله : «فتب لئلا آتيك سريعا وأحارب معهم بسيف فمی» ، توعده بالإتيان إله فقط ، لأنه يكفيه هذا القدر من التهديد في إقلاعه وتوبته وعوده عن هذا الرأي السقيم ، وأن يتيقظ لمحل الشبهة . أما هم فلم يكن الإتيان كافيا في ازدجارهم حتى يقهرهم بالانتقام ويبكتهم بالفعل دون الملام. فبذلك قال : «وأحارب معهم بسيف فمي» ، وقد سبق تفسير سيف فمه.
قوله : «ومن يغلب أنا أعطيه من المن المخفى» ، يريد بالمن المخفى جسد سيدنا يسوع المسيح متحدا بلاهوته الذي يتناوله المؤمنون والدليل على أن مراده ذلك ، قول هذا الرسول يوحنا في الفصل السادس عشر من إنجيله(يو6: 48و49): «أنا هو الخبز النازل من السماء ليس كالمن الذي أكله آباؤكم في البرية وماتوا» . فقوله «ليس كالمن» مشعر بأنه سماه منا ولكن ليس كالمن المأكول في البرية ، فجهة المشابهة لهما باسم المن ووجهة الفرق بينهما أن ذاك من ظاهر باللفظ والمعنى ، وقد مات أكلوه وهذا من مخفى يفوز من يستحق أكله ، وآكله ، بحلول الابن فيه في الدنيا مع خلوده في الحياة الأبدية ، بدليل قوله : «من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد فقد ظهر أنه سماه على الترادف بالمن المخفي ، وبالخبز النازل من السماء ، وبخبز الحياة ، كل ذلك باللغة الروحانية.
واعلم أنه ليس يلزمنا تفسير بعض النصوص الغامضة لأمرين ، أحدهما أن ذلك يطول ويتسلسل ، والثاني أن لكل مقام مقال ، ولكن علينا بيان المعنى الذي نستشهد به إن كان غامضا لشرح لواحقه (ما يلحقه).
فأما قوله : « وأعطيه فصا أبيض وعلى الفص اسم جديد مكتوب عليه لا يدركه أحد إلا أخذه » ، أظنه يريد بالفص الملكوت ، فإن كان اللفظ على ظاهره فمعناه رمز عليها ، وإن كان اللفظ على غير ظاهره فهو باللغة الروحانية عبارة عنها . وأستنبط هذا التأويل مما أعده الله لمختاريه في الملكوت ، فلذلك رجحناه على ما سواه . أما الاسم الجديد المكتوب عليه ، فيشير به إلى جملة المواهب التي أعدت في الملكوت كما قال بولس الرسول : «ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر » الأمر الذي لا يدركه إلا من بلغ إليه ، فلذلك قال : «لا يدركه أحد إلا من أخذه » ، وسواء عاد الضمير في كلمة «أخذه» على الفص أو على الاسم فإنهما متلازمان والغرض واحد ، والإدراك هنا يعني الرؤيا كما قلنا متقدما وعلى أية حال ، فإن الفص في هذا النص من غوامض الكتاب ، والله المهدي إلى الصواب.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
إلى ملاك كنيسة برغامس 12 – 17.
- من هو؟
“واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في برغامس”. قيل أنه كريوس الذي ذكره يوسابيوس المؤرخ، وقد كان قويًا في الإيمان، وختم حياته بالاستشهاد.
- صفات الرب
“هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين” [12].
إذ تركت الكنيسة بابها للغرباء وامتلأت بالعثرات في داخلها، يظهر الرب كديّان غيور يعزل بسيف حاد من هم له ومن هم غرباء حتى وإن دعوا أنفسهم مسيحيين.
إنه رب الكنيسة يبعث بكلمته كسيف ماض يعزل ما هو حق مما هو باطل، يبتر ما هو من الشيطان ويقطعه، وهذه هي فاعلية كلمة الله دائمًا!
- حال الكنيسة
“أنا عارف أعمالك وأين تسكن حيث كرسي الشيطان،
وأنت متمسك باسمي ولم تنكر إيماني
حتى في الأيام التي فيها كان أنتيباس شهيدي الأمين،
الذي قٌتل عندكم، حيث كرسي الشيطان يسكن” [13.]
يعرف الرب الظروف القاسية التي تجتازها هذه الكنيسة،إذ توجد حيث يقيم “الروح الشيطاني”، لهذا فإن الرعاية فيها صعبة ومؤلمة.
لكن أذكروا أن عندكم “أنتيباس الشهيد الأمين”،شاهدًا أنه يمكن للمؤمن أن يثبت إلى الموت من أجل الإيمان مهما تكن الظروف. قد حدثنا المؤرخ أندريا عن هذا الشهيد كشخصٍ معروف لديه وأنه استشهد حرقًا، وقد عرض عليه أن ينقذوه فأبى.
إذن في وسط الظروف القاسية يوجد من بينكم شهداء أشهد لهم عن أمانتهم.
“لكن عندي عليك قليل.
أن عندك هناك قومًا متمسكين بتعليم بلعام
الذي كان يعلم بالاق أن يلقي معثرة أمام بني إسرائيل
أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا.
هكذا عندك أنت أيضًا قوم متمسكون بتعاليم النيقولاويين الذي أبغضه” [14-15].
كعادته يوبخ بحزم، لكن في لطف “عندي عليك قليل“. أما تعليم النيقولاويين فقد سبق التعرض له. غير أنه في هذه الكنيسة بدأت جماعة تتقبل هذه التعاليم الغريبة دون أن تبلغ إلى تنفيذ المبادئ، وهؤلاء يعثرون الكنيسة كما أعثر بالاق الشعب قديمًا (عد 25: 1، 2، 3؛ 31: 16).
وهنا نلاحظ الآتي:
أ. يبدأ بالتوبيخ على أكل ما ذبح للأوثان قبل الزنا [14]. لأنه كما يقول لنا الآباء أن خطية النهم يتبعها حتمًا سقوط في الزنا.
ب. عندما يؤدب كنيسته على تعاليم النيقولاويين يكفيه أن يقول لها إن القوم متمسكون بما يبغضه. وهذا يكفي دون حاجة إلى مجادلة أو مباحثة لأنه يلزم ألا يتمسك بما يبغضه ولا تتراخى عما يحبه.
ج. يوبِّخ الرب الراعي بسبب القلة المنّحرفة، وكما يقول القديس أغسطينوس: [إننا (كأساقفة) نوبَّخ بسبب جرائم الأشرار، وليس بسبب جرائمنا، بالرغم من أن بعضًا منهم لا يعرفوننا.]
- العلاج والمكافأة
“فتب وإلاّ فإني آتيك سريعًا وأحاربهم بسيف فمي.
من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.
من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المنّ المخفي،
وأعطيه حصاة بيضاء،
وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ” [16-17].
يلتزم الأسقف أن يتوب سريعًا من أجل خطايا هؤلاء القلة وانحرافهم، لأنهم أولاده وهو مسئول عنهم أمام الله. أما مكافأة الغلبة على هذه العثرات فهي أكل المنّ المخفي!
يا للعجب أن الله يقدم لنا جسده ودمه الأقدسين، المنّ السماوي (يو 6: 49-51)، لنتناوله عربونًا. إنه يمتعنا ونحن على الأرض بغذاء الغالبين السماوي.
يا لها من مكافأة عظيمة ينالها الكاهن والشعب عندما يتقدمون بعد جهاد طويل وأتعاب في الحياة ومثابرة في العبادة لينعموا بجسد الرب السرائري، وكأس الخلاص، في وحدة الحب للشركة والثبوت في الله!
وفي نفس الوقت بتناول هذا المنّ تبتهج النفس فتعوف كل تعليم غريب يقدم لذات أرضيّة وإباحيات كتعليم النيقولاويين. لهذا تحرص الكنيسة أن تغذي أولادها منذ طفولتهم بالمنّ المخفي كمكافأة لهم وكدواء.
هذا عن المنّ المخفي. أما الحصاة البيضاء فكما يقول القديس إيرونيموس إنها جوهرة تضيء ليلاً كضياء النهار، وهو بهذا يشير إلى الكلمة المتجسد. هذا هو مكافأتنا لا نقبل عنها بديلاً.
ويرى ابن العسال أن الحصاة أو الفص الأبيض يشير إلى الملكوت المكتوب عليه بلغة روحيّة جديدة لا يعرفها إلا أبناء الملكوت. ويرى البعض أنها الحصاة البيضاء التي كان يستخدمها القضاة الرومان واليونان لإعلان براءة المتهم. وظن البعض أنها أحد الحجارة الكريمة الموضوعة على صدر الحبر الأعظم (خر 28؛ لا 8).
أما الاسم الجديد فلا يعرفه إلا الذي يأخذ، لأن الفرح الداخلي السماوي “لا يشاركه غريب” (أم 14: 10)، ولا يدركه إلاّ من يحيا فيه ويتذوقه.
إذن المنّ المخفي والحصاة البيضاء والاسم الجديد هي إعلانات عن تمتع الغالب بالرب يسوع خبزنا السري وغنانا وفرحنا الذي فيه يستريح قلبنا.
ويرى الأسقف فيكتوريانوس أن: [المنّ المخفي هو الخلود، والحصاة البيضاء هي التبني لله، والاسم الجديد المكتوب على الحصاة هو “مسيحي”.]
تفسير القمص أنطونيوس فكري
كنيسة برغامس
تاريخياً كنيسة برغامس تأتى فى الترتيب تالية لكنيسة سميرنا التى كانت تشير لفترة الإضطهادات التى إنتهت بموت الملك دقلديانوس ومجىء الملك قسطنطين. ولكن ما حدث بعد ذلك أن الأباطرة آمنوا وصاروا مسيحيين، وحدث نوع من التقارب بين الأباطرة والكنيسة، فصارت الكنيسة تدعم الإمبراطور وللأسف صارت تعتمد عليه فى بعض الأحيان، بل صار الأباطرة يفرضون رأيهم على الكنيسة. وحين تأثر الأباطرة بأراء الهراطقة تسللت للكنيسة أراء هؤلاء الهراطقة بضغوط من الأباطرة وخطأ الكنيسة هنا أنها:-
- إعتمدت على الأباطرة، وملعون من إتكل على ذراع بشر، وإذا إعتمدنا على أحد سوى الله تفسد العلاقة بيننا وبين الله، فالمتكلين على غير الله يصعب دخولهم ملكوت السموات كجمل من ثقب إبرة (مر23:10-25).
- سمحت للأباطرة بالتدخل بل رأس بعض الأباطرة مجامع. وسمحت للأراء الهرطوقية أن تتسلل. وواجب الكنيسة أن تحفظ الإيمان المسلم مرة للقديسيين (يه 3) وتحفظه نقياً كما تسلمته بدون أى تغيير.
إذاً مشكلة هذه الكنيسة أنها فتحت أبوابها لهرطقات وبدع كثيرة. فهناك قوم متمسكون بتعليم بلعام = وهذا أشار على ملك موآب بأن يسقط بنى إسرائيل فى خطية الزنا، ويبخروا للأوثان فيلعنهم الله. وهناك قوم متمسكين بتعاليم النقولاويين. حقاً إن الأسقف نفسه متمسك بإيمانه = وأنت متمسك بإسمى ولم تنكر إيمانى. ولكن هذا لا يكفى فواجب الأسقف أن يحارب الهرطقات والبدع مستخدماً كلمة الله فى الكتاب المقدس. لقد إهتزت علاقة الأسقف بالله إذ إعتمد على الإمبراطور، فكان هذا كعبادة الأوثان، وبالتالى دخلت الخطايا كالزنا والإباحية.
وقد يبدو أن الأسقف برىء ولكن قوله آتيك وأحاربهم بسيف فمى لا يعنى فقط أن الله سيحارب الهراطقة، بل هو سيأتى للأسقف ويحاسبه على تقصيره فى خدمته لأنه يقول له آتيك.
والصورة التى ظهر بها المسيح لهذا الأسقف. الذى له السيف الماضى ذو الحدين والسيف يشير لكلمة الله (عب 12:4) وحدا السيف هما:-
- الحد الأول :- ينقى من يسمع كلمة الله ” أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذى كلمتكم به (يو 3:15). وكلمة الله تلدنا ثانية (1 بط 23:1). فكلمة الله لها القدرة أن تميت فينا شهواتنا وأهوائنا فنتنقى كمن ولدوا جديداً هى كمشرط الجراح الذى يزيل به ورماً خبيثاً فيولد الإنسان من جديد.
- الحد الثانى:- من يرفض ويقاوم كلمة الله بدلاً من أن يخضع لها يحاربه الله بسيف فمه (رؤ 16:2) فكلمة الله تدين وتحكم على المعاند (يو 48:12). وإذا حارب الله إنساناً فكيف يصمد؟!
إذا من يسمع كلمة الله ويتوب يحيا ومن يرفض التوبة يدينه الله ويموت يو 25:5 ومعنى الصورة التى ظهر بها الله للأسقف أن الله مستعد أن يضع على فمه كلمته التى يرد بها الأسقف على الهراطقة، والله مستعد أيضاً أن يحاربهم ويدينهم فلماذا الخوف من الهراطقة ؟ على الكنيسة أن تعلن كلمة الحق ولا تخاف من شعبية هؤلاء الهراطقة ولا من قوة الإمبراطور. بل تعتمد إعتماداً كاملاً على الله الذى يدافع عن كنيسته وعن إيمانها.
تطبيق من الكتاب المقدس :- لقد إستعمل الله مع فرعون الحد الأول لكلمته وكان يرسل مع موسى كلماته. وكان فرعون يتأثر لفترة قليلة ولكنه يعود لقسوته، ولما عاند ورفض كلمة الله وإنذاراته حاربه الله بالحد الثانى ” انتم تصمتون والرب يدافع عنكم ” وغرق فرعون إذ حاربهم الله.
كرس الشيطان = بسبب إنتشار عبادة الأوثان وما يصاحبها من زنا. وحيث إنتشر إضطهاد المسيحيين وإنتشرت الهرطقات الكثيرة.
أن يأكلوا ما ذبح للأوثان = معناه الإشتراك الدينى الوثنى فى ولائم الأوثان وكانت ضلالة بلعام شاملة للزنا ولعبادة الأوثان، فبنات موآب أغوين الشعب على الزنا وعبادة ألهتهن الوثنية. وكانت مشورة بلعام لبالاق ملك موآب أن يجعل بنى إسرائيل يزنون ليلعنهم الله، وكان هذا ليأخذ الأموال من بالاق، لأنه لم يستطع هو أن يلعنهم لأن الله باركهم وبلعام يرمز لكل خادم يبرر الخطية طمعاً فى الربح.
لقد كثرت البدع فى هذه الكنيسة والمسيح كان على إستعداد لمعاونة أسقفها:
- إما بتأييده بكلمته التى تفحم الهراطقة (حد السيف الأول).
- أو يحاربهم بسيف غضبه وإنتقامه (حد السيف الثانى).
ملحوظة هامة :- لم نسمع عن هرطقات ولا مشاكل فى كنيسة سميرنا المتألمة. لكن سمعنا عنها بكثرة هنا فى كنيسة تعيش فترة راحة. وهذه هى مشاكل الراحة.
لذلك علينا أن نسهر دائما مصلين ومنتبهين ومسبحين حتى فى أوقات الراحة حيث لا آلام ولا تجارب، فإذا أتت التجارب لا نفشل.
الوعد لمن يغلب أن يأكل من المن المخفى = المن إشارة لجسد المسيح(يو48،32،31:6-51) ولكن هل هناك تناول فى السماء كما يحدث الآن على الأرض؟ قطعاً لا. فالله أعطانا أن نتناول من جسده ودمه غفراناً لخطايانا التى نرتكبها. وفى السماء لا توجد خطايا فلا داعى للتناول ويصير معنى الأكل من المن المخفى هو الشبع بالله وذلك لإنكشاف طبيعة الله للإنسان حين نراه وجهاً لوجه، نعرفه كما عرفناه (1كو12:13) وهذه هى الحياة الأبدية أن نعرفه (يو3:17). والتناول الآن يفتح أعيننا على معرفة المسيح كما إنفتحت أعين تلميذى عمواس حين كسر الخبز أمامهم. وحين تنفتح أعين الأسقف أو أعيننا
- لا نعود ننخدع بخداعات الهراطقة.
- لا نعود نتكل على أحد سوى المسيح إذ عرفنا قدرته وقوته.
ومن يغلب ولا ينخدع نكون مكافأته أن يرى المسيح فى مجده (1كو12:13).
وأعطيه حصاة بيضاء = كان القاضى يعطى المتهم حصاة بيضاء إذا إتضحت براءته، أما المحكوم عليه فيعطونه حصاة سوداء والمعنى أن هذه الأسقف سيبرره الله لو قام بواجبه تماما. وبالنسبة لنا لن يدخل السماء سوى من يغلب ويتبرر
الشكل: سيف ذو حدين الوعد
حد ينقى ويعلم فنشبع من الله ç من = شبع كامل لإنكشاف طبيعة الله.
حد يحكم بقضاء عاجل أما لو غلبç حصاة بيضاء أى يتبرر.
وعلى الحصاة إسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذى يأخذ = الإسم يشير للشخصية. فإذا قلنا يهوذا نتذكر الخيانة وإذا قلنا يوحنا نتذكر الحب وحين يقول المسيح للآب سأعرفهم إسمك (يو 26:17) يقصد أنه سيكشف لنا عن شخص الآب وطبيعته ومحبته فالله محبة، وعن قدرته وقوته وعظمته. ومن يغلب أعطيه إسم جديد أى شخصية جديدة غير شخصيته الحالية. فمهما كان فينا من عيوب الآن فكل هذا سيتغير فى السماء وتكون لنا شخصية جديدة وكيان جديد بلا عيوب ولن يعرف هذا التغيير الجذرى فى طبيعة الشخص سوىالشخص نفسه (1 كو 11:2) + (2 كو 18:3) إذا فلنحفظ إيماننا بلا شوائب ولنثبت فى إيماننا المسلم لنا دون تغيير حرف أو نقطة من هذا الإيمان لكى نغلب ونرى المسيح فى مجده ويكون لنا الإسم الجديد والتبرير ونرث السماء وهذه موجهة لهذا الأسقف الخائف فالله يعده بحياة جديدة وشخصية جديدة على الأرض وفى السماء. وما نأخذه على الأرض هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء. وبنفس المفهوم نعطى للأسقف أو الكاهن أو الراهب وأيضا المعمد إسما جديدا رمزا لحياتهم الجديدة.
من يغلب = يسمى برغامس كرسى الشيطان حيث الشيطان يسكن. فالشيطان له نفوذ صعب فى هذه الكنيسة من زنا وهرطقات وتدخل وتأثير الإمبراطور والمسيح يطلب من الأسقف أن يتوب = فتب عن تهاونه فحياتنا وحياة كل خادم فى الكنيسة حتى الأساقفة هى حياة جهاد، وهناك من يغلب وهناك من ينهزم والسماء تراقب جهادنا ويفرحون بمن يغلب، والله لا يكتفى بأن يفرح بمن يجاهد بل يعطى قوة ومعونة لنغلب (رو 26:8) + (فى 13:4).
أنتيباس شهيدى الأمين = كان يكرز بأمانة فى برغامس الممتلئة من فعل ونفوذ الشيطان حيث دعاها كرسىالشيطان. وإذ إنتصر أنتيباس على الشيطان فى مواقع كثيرة كالكرازة والطرد من أجساد البشر، هيج عليه الشيطان الوثنيون فطرحوه فى إناء نحاس وأشعلوا تحته النار حتى مات وهذا يدل على إمكانية وجود أمناء حتى الموت للرب حتى فى كرس الشيطان حيث الشيطان يصول ويجول، ويعمل مع الهراطقة ليفسدوا الإيمان الصحيح.
والمسيح يعاتب هذه الكنيسة إذ تراخت فى مقاومة هؤلاء معلنا أنه له السيف ذو الحدين القادر على مقاومة هؤلاء فلماذا الخوف.
وكان أنتيباس أسقفاً على برغامس وكان مشهورا بكرازته وبإخراج الأرواح النجسة. ولما إستشهد جاء بعده من لم يكن على نفس الدرجة من القوة، ربما بسبب الخوف فوجه له السيد هذه الرسالة وذكره بمن قبله أى أنتيباس ليكون أنتيباس قدوة له. ويكون بلا عذر إذ غلب أنتيباس فى نفس الظروف. وبالنسبة لنا فأنتيباس غلب وهو يسكن حيث كرسى الشيطان ونحن ما زلنا نقدم أعذار لأن الجو المحيط بنا معثر.
شهيدى = هى نفس كلمة شاهد. فالشاهد هو من يشهد للمسيح أما الشهيد فهو من يشهد للمسيح حتى الموت حتى سفك الدم، بسبب إيمانه بالمسيح.
تفسير كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
ع14: عندى عليك قليل: عتاب رقيق لا يخلو من الحسم، ويعتبر أيضًا مقدمة لتشخيص مرض الكنيسة.
تعليم بلعام : كان بلعام نبيًا يسكن بين الأمم وعندما خاف ملوك الأمم من شعب بنى إسرائيل القادم من برية سيناء لأخذ أراضيهم، إستأجروا بلعام للعنهم ولكن الله منعه من ذلك. وأمام عروض المال المقدمة من “بالاق” ملك موآب، ضعف بلعام فلم يلعن شعب الله ولكنه في الوقت نفسه تحايل على الله إذ أبلغ “بالاق” أن هذا الشعب إذا أخطأ بالزنا سوف يغضب إلههم عليهم ويتركهم، وهذا ما صنعه “بالاق” فعلًا بتقديم النساء الموآبيات كعثرة لشعب إسرائيل، فزنوا معهن وانتصر بالاق عليهم (راجع سفر العدد ص22، 23، 24، 25).
“… والمعنى المراد هنا أنه في كنيسة “برغامس” كان هناك قوم يحرضون المسيحيين المؤمنين على الإشتراك في ولائم ما ذبح للأوثان، فتكون بداية العثرة وغضب الله عليهم.
† التعليم هنا لنا جميعًا، فعلينا إذًا إجتناب كل العثرات التي يساومنا بها الشيطان حتى لا يفصلنا عن الله.
- تفسير سفر الرؤيا اصحاح 2 للأنبا بولس البوشي
- تفسير سفر الرؤيا اصحاح 2 لابن كاتب قيصر
- تفسير سفر الرؤيا اصحاح 2 للقمص تادرس يعقوب ملطي
- تفسير سفر الرؤيا اصحاح 2 للقمص أنطونيوس فكري
- تفسير سفر الرؤيا اصحاح 2 كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
رؤ2: 13 | سفر الرؤيا | رؤ2: 15 | |
الرؤيا – أصحاح 2 | |||
تفسير رؤيا 2 | تفاسير سفر الرؤيا |